صفاء كرمان.. المرأة المطلوبة “بدون حجاب”
صفاء كرمان، واحدة من النساء اليمنيات القلائل، اللائي حصلن على شهادات من أشهر الجامعات في العالم، فهي هي أول مواطنة يمنية تتخرج من كلية الحقوق بجامعة هارفارد وتحمل درجتي ماجستير، واحدة في القانون من جامعة هارفارد وأخرى في السياسة العامة من جامعة أكسفورد. لكن هذه السيرة الذاتية تبدو أقل إثارة للاهتمام من حقيقة أنها يمنية خلعت الحجاب، فمن يبحث عن اسمها على محرك البحث غوغل، يجد مقترح صفاء كرمان بدون حجاب كأحد أكثر الكلمات بحثاً.
كما أن قرارها خلع الحجاب رغم خصوصيته محل جدل على وسائل التواصل الاجتماعي، فأياً كان المحتوى الذي تنشره وهو في الأغلب تعليق لها كمحللة سياسية على أوضاع اليمن والصراع الجيوسياسي في المنطقة، لا تخلو التعليقات الواردة على مواقع التواصل الاجتماعي من التطرق إلى مظهرها ونقد لقرارها الشخصي بخلع الحجاب.
وكما تكرر مع الكثير من الشخصيات النسائية العامة، فإن قضية خلع الباحثة السياسية الحجاب يعتبرها البعض شأناً عاماً، له الحق في نقده أو تمجيده.
ولكن على عكس بعض النساء، اللائي يفضلن البعد عن المواجهة والسجال ولا سيما حينما يتعلق الأمر بحياتهن الشخصية، قررت اليمنية الشابة مشاركة قصتها الشخصية في البحث عن الهوية سواء في اليمن أو في الولايات المتحدة على موقع يوتيوب. ففي عام 2020، وقفت صفاء كرمان بالنقاب تتحدث عن تجربتها الشخصية في جامعة أكسفورد ونشرت فيديو بعنوان “حقيقة لباسي” على موقع يوتيوب، الذي تم فيه منع التعليقات.
“أفكارنا وصوتنا هي هويتنا لأن الهوية كانت متخفية”
من يستمع إلى صفاء، يدرك أن قرارها خلع الحجاب أو النقاب لم يكن أبدأً بالسهل، ففي كل مرحلة من حياتها وقبل اتخاذ مثل هذا القرار الشخصي، كان يتعين عليها أن تفكر مليون مرة في الاعتبارات الاجتماعية وردود الفعل المحتملة، فـ “المجتمع يحكم على ثياب المرأة قبل الحكم على فكرها”، كما تؤكد في محاضرتها. ارتدت صفاء النقاب بعد مرحلة الثانوية، حيث يتوقع المجتمع في اليمن أن ترتدي المرأة النقاب، ومع ارتدائها النقاب أصبحت لا تهتم بشكلها في المجتمع وبكونها جذابة في الأماكن العامة، بل انصب كل اهتمامها على أن تصقل أفكارها وثقافتها وأن تعبّر عن صوتها، ” أفكارنا وصوتنا هي هويتنا ، لأن الهوية كانت متخفية”، كما توضح.
لكن هذه الهوية لم تكن كافية بالنسبة لها، لأنه مهما اتضحت أفكارها وعلا صوتها، فإنها كانت تشعر بأن هناك شيئاً ناقصاً وأنها مجهولة الهوية كإنسانة “كنت أريد أن يتعرف الناس على هويتي كصفاء، تماماً كما يتعرفون على من خلال أفكاري وصوتي، لذا خلعتُ النقاب”.
“في أمريكا كنت أشعر أنني أحمل علما مكتوب عليه انظروا.. أنا مسلمة”
نقطة التحول الثانية في حياة صفاء كرمانرابط خارجي بدأت مع انتقالها إلى الولايات المتحدة لدراسة صناعة الأفلام وهناك اكتشفت أن الحجاب الذي ترتديه يأتي بنتائج عكسية، فالهدف منه كما تربّت عدم لفت الأنظار والانتباه، لكن “الحجاب جعل أنظار الناس في أمريكا تتجه إلى جسدها وهو ما لا ينبغي عليها فعله”، كما تقول. شعرت صفاء أن الناس بدأوا يحكمون عليها من خلال حجابها، بينما تربّيت على أنه يتعيّن على الناس أن ينظروا إلى أفكارها ويستمعوا إلى آرائها، قبل أن يحكموا على جسدها أو ما ترتديه “عندما كنت أمشي في شوارع أمريكا، كنت أشعر أنني أحمل علما مكتوب عليه انظروا أنا مسلمة وأرتدي الحجاب”.
وتشير صفاء إلى معاناتها من إشكالية الاختلاف عن الهوية الجمعية ولا سيما الغربية بالقول إن الأشخاص المنفتحين كان يبادرون مباشرة بسؤالها عن دينها، رغم أنها أتت لدراسة صناعة الأفلام وليس لتمثيل ثقافتها أو دينها أو مجتمعها، ولكنها لم تتمكن من تقديم نفسها كفرد. وأحيانا كانت تصادف أشخاصاً عنصريين، ينظرون إليها بأحكام مُسبقة كالقمع والإرهاب “وكان يجب أن أشرح لهم أنني غير مقموعة”. في نهاية المطاف، أثقلتها كل هذا الضغوط من الأحكام المُسبقة، سواء كانت إيجابية أو سلبية، لذا قررت خلع الحجاب، كما تقول.
“الغرب ليس أفضل منا”
ما استخلصته صفاء من تجربتها الشخصية في اليمن وفي الولايات المتحدة هو أن “الغرب ليس أفضل من مجتمعها”. ففي كل المجتمعات تسود ثقافات معادية للمرأة، فـ “لو ارتدت الحجاب أو النقاب، لن تحصل على ذات الفرص، التي تحصل عليها المرأة الحديثة”، كما تؤكد.
تستنتج صفاء كرمان من تجربتها الخاصة على خطوط التماس بين اليمن والولايات المتحدة أن المرأة هي المرأة في كل مكان في العالم، يُحكم عليها وفق لباسها وتتساءل اليمنية الشابة عما إذا كانت المرأة فعلاً تملك حرية القرار والحق الكامل في الاختيار.
ففي كل مرة، كان يجب عليها أن تفكر في الاعتبارات الثقافية والقيم الاجتماعية مليون مرة. سواء قبل اتخاذ قرار خلع الحجاب أو النقاب، حيث “تتداخل في جسد المرأة عدة عوامل شائكة من الاستبدادية الذكورية والتشدد الديني والاستبدادية السياسية”، كما تقول. بالنسبة لصفاء كرمان فإن “هذه الصراعات هي نتيجة لإنسانياتنا الناقصة، التي تخشى الآخر وترفض التغيير. لكن إنسانيتنا لن تكتمل حتى نضع أنفسنا مكان الآخر، حينها سنبني جسوراً بيننا”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.