طارق رمضان: “علينا جميعا الكف عن تغذية عقلية الضحية”
احتضنت حاضرة الفاتيكان في روما محادثات رائدة وتاريخية بين علماء مُسلمين ومسؤولين من الكاثوليك الرومانيين سعيا إلى تحسين الحوار ونزع فتيل التوتر بين الجانبين.
وشارك في هذه المباحثات التي انطلقت يوم الثلاثاء 4 نوفمبر الجاري، المفكر والباحث الإسلامي السويسري المصري الأصل طارق رمضان الذي قال في حديث لسويس انفو أنه ينبغي على المسيحيين والمسلمين الكف عن “التصرف كضحايا”، والحرص بدلا من ذلك على تحمل مسؤولية تحسين العلاقات المُتبادلة.
وتأتي هذه الجلسة الأولى من المحادثات التي جرت على مدى ثلاثة أيام تحت عنوان “محبة الله ومحبة القـريب”، بعد عامين من الخطاب الذي ألقاه البابا بنديكت السادس عشر في جامعة ريغنسبورغ الألمانية والذي أثار غضب العديد من المُسلمين حول العالم بعد أن ربط الإسلام بالعُنف.
وحضر المنتدى الإٍسلامي المسيحي في الفاتيكان 28 مندوبا من كل جانب، بدؤوا الحوار بمناقشة وجهات نظر المسيحيين والمُسلمين حول الـمحبة وتعليمها. وتتمثل فكرة هذا النقاش في إيجاد أرضية مُشتركة وسبل معالجة القضايا التي تؤثر على العالم.
ويعتقد د. طارق رمضان، أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة أوكسفورد البريطانية، أن القيام بحوار بناء حول الـقيم المُشتركة والأهداف النهائية هو أكثر حيوية وحتمية من التسابق على اكتساب أكثر عدد من معتنقي هذه الديانة أو تلك ومن التنافس على احتكار امتلاك الحقيقة.
سويس انفو: ما الذي تتوقعون كسبه من هذه المحادثات؟
د.طارق رمضان: أعتقد أنه من المهم التحدث إلى بعضنا البعض، لكن من المهم أيضا أن نتحدث إلى مُجتمعاتنا الخاصة لنوضح أننا نتحمل مسؤوليات تجاه بعضنا البعض.
كما أننا نتحدث عن أمور هامة حول طريقة تعاملنا مع القيم الخاصة بكل طرف منا والعمل معا في عالمنا هذا لمواجهة التحديات القادمة – كأزمة المناخ أو الأزمة الاقتصادية.
ومن المهم أيضا أن نكون قادرين على مناقشة التصريحات حول أوروبا والغرب، وتجاوز تصور عدم تقاسمنا لمبادئ مُشتركة. فالأمر يتعلق حقا بإجراء نقاش نقدي والتوصل إلى تفاهم مُتبادل أفضل.
وما أقوله في المقالات التي نشرتها في صحيفتي “ذو غارديان” (البريطانية) و”لوموند” (الفرنسية) [ليتزامنا مع المنتدى] هو أننا في حاجة إلى شرط مسبق يتمثل في التواضع إزاء التعليم (الديني) لكل طرف منا، مع العلم أننا لا نمتلك الحقيقة كاملة. وهذا يعني في واقع الأمر أنه علينا الاستماع لبعضنا البعض والعلم أن رسائلنا عظيمة جدا في كثير من الأحيان، لكن ممارساتنا هي بعيدة كثيرا عن تلك العظمة.
سويس انفو: مر عامان منذ أن أثار البابا غضب العالم الإسلامي بخطابه الذي ربط بين الإٍسلام والعنف في الماضي. كيف تطورت العلاقات مع الفاتيكان منذ ذلك الحين؟
د.طارق رمضان: لقد تطورت بشكل إيجابي. وأعتقد أن التصورات السلبية للمُسلمين تحولت في نهاية المطاف إلى شيء إيجابي اليوم: فهنالك وعي بالحاجة إلى الحوار وإلى الـتلاقي.
سويس انفو: صرحتم في مقابلة مع سويس انفو قبل عامين صادفت ذكرى 11 سبتمبر بأن هنالك انعدام ثقة عميق بين المسملين والغرب، كيف تقيمون الوضع الآن؟
د.طارق رمضان: إن الأمور تتحرك، لكن لازلنا نتعامل مع الخوف، ولازلنا نتعامل مع انعدام الثقة، ولازلنا نتعامل مع التصورات السلبية. وقد نشر مؤخرا مركز “بيو” للبحوث في الولايات المتحدة دراسة قالت إن صورة الإٍسلام سيئة للغاية لدى 45% من الأوروبيين. وإذا سألتم المُسلمين، ستجدون بأن لديهم تصورا مفاده أن الغرب لا يزال مُسيطرا ومُتعجرفا.
لذلك أعتقد أنه يتعين علينا جميعا الكف عن تغذية عقلية الضحية [وزراعة بذلا من ذلك] عقلية يتحمل من خلالها الرجال والنساء معا مسؤولية تغيير الوضع.
سويس انفو: ما الذي سيتغير بالنسبة للعالم الإسلامي بانتخاب باراك أوباما، الرجل المسيحي الأسود والذي ربما لديه نظرة مختلفة، رئيسا للولايات المتحدة؟
د.طارق رمضان: أنا بالتأكيد أيّدتُ باراك أوباما. وآمل أن ينتهج سياسات أمنية جديدة والمزيد من السياسات مُتعددة الأطراف، وليس تلك السياسات أحادية الجانب التي شهدناها في ظل إدارة بوش.
وفي الوقت نفسه، علينا أن نعلم أن مجال المناورة لا يزال ضيقا بالنسبة لأي رئيس أمريكي لأن نظام (الحكم) معقد للغاية. فعندما يتعلق الأمر بإحدى القضايا الحاسمة – مثل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي – هنالك حاجة إلى سياسة مُلتزمة جدا لتجاوز الصراع والتوصل إلى السلام، وهذا لن يكون سهلا. ولا أعتقد أنه بإمكاننا تصور تغييرات في هذا المجال.
لكنني أرى أن الأمور لا يمكن أن تكون سوى أفضل مما شهدناه في السنوات الثماني الماضية، فلنأمل أن تسير الأمور إلى الأمام.
سويس انفو – حوار لمورفن ماكلين
مدينة الفاتيكان (رويترز) – تعهد زعماء كاثوليك ومسلمون في اجتماعات غير مسبوقة في الفاتيكان يوم الخميس، بالعمل معا لمكافحة العنف الذي يرتكب باسم الدِّين والدفاع عن الحريات الدينية ورعاية حقوق متساوية لجماعات الاقليات الدينية. وبعد ثلاثة ايام من الاجتماعات، أصدر 58 من زعماء وعلماء الدِّين.. 29 من كل جانب.. اعلانا مشتركا وجّـه نداء أيضا لاحترام الشخصيات والرموز الدينية.
جاءت الاجتماعات بعد عامين من القاء البابا بنديكت كلمة لمح فيها الى ان الاسلام يتسم بالعنف وغير عقلاني، مما أثار احتجاجات غاضبة في الشرق الاوسط. وشكل المسلمون مجموعة لدحض ما ورد في تلك الكلمة والسعي الى تفاهم مشترك أفضل. ودعا البيان المشترك، الذي يحمل شعار (كلمة سواء)، الى حوار يستند الى المبادئ المشتركة لحب الله وحب الجار. وقال البيان، وهو يصف المحادثات بأنها دافئة، “نعلن ان الكاثوليك والمسلمين مدعوون لان يكونوا ادوات حب وانسجام بين المؤمنين وللبشرية جمعاء وان ينبذوا أي قمع وعنف عدواني وارهاب، وخاصة ما يرتكب باسم الدِّين وتعزيز مبدإ العدل للجميع”. وجاء في البيان، أن الاقليات الدِّينية يجب أن “يُـسمح لها بأماكن عبادة خاصة بها وعدم تعريض الشخصيات المؤسسة والرموز التي تراها مقدسة لاي تهكم أو سخرية”.
ويدافع الفاتيكان منذ فترة طويلة عن الاقليات المسيحية في اماكن مثل السعودية، حيث لا يمكنها ممارسة العبادة علانية وحث على سلامة المسيحيين في العراق. ويقول مسلمون في الدول الغربية، انهم يواجهون تمييزا وشكوكا من جانب الغالبية. وتعكس كلمات البيان بشأن تجنب التهكم أو السخرية قلق المسلمين المستمر بعد ان نشرت صحيفة دنمركية في عام 2006 رسوما كاريكاتورية للنبي محمد أثارت احتجاجات عنيفة في العالم الاسلامي.
وفي وقت سابق من يوم الخميس، قال البابا بنديكت ان المسلمين والمسيحيين يشتركون في قيم اخلاقية ويجب ان يدافعوا عنها معا. وقال البابا بنديكت الالماني المولِـد “يوجد مجال رحب وكبير يمكننا ان نتحرك فيه معا للدفاع والترويج للقيم الاخلاقية التي هي جزء من تراثنا المشترك”. وأضاف “وهكذا يجب ان نعمل معا لتشجيع الاحترام الحقيقي لكرامة الانسان وحقوق الانسان الاساسية…”. وقال “دعونا نصمم على التغلب على التحيزات السابقة وان نصحح الصور التي شوهت غالبا عن الاخر والتي يمكن ان تخلق اليوم مصاعب في علاقاتنا”.
وقال الاسقف بول هيندر، الذي مقره أبوظبي، انه بحث مع مندوبين مسلمين رغبة الفاتيكان في بناء كنائس في السعودية للعمال المهاجرين الكاثوليك هناك، واضاف قائلا للصحفيين “إنني لا اعتقد اننا سنحصل على أي حقوق على الفور، لكن الاشياء تتغير”. وشارك الفاتيكان ايضا في محادثات بين الاديان، اطلقها هذا العام عاهل السعودية الملك عبد الله، الذي سيجتمع في نيويورك الاسبوع القادم مع رؤساء دول للترويج لمبادرته.
وتعكس هذه الحوارات وحوارات اخرى مدى الحاجة الملحة الجديدة التي شعر بها الزعماء المسلمون بعد هجمات 11 سبتمبر ونظرية “صِـدام الحضارات” وكلمة البابا التي القاها في ريغنسبرغ في عام 2006، والتي أظهرت الفجوة المتزايدة بين أكبر ديانتَـين في العالم. وقال البابا بنديكت، ان المنتدى الكاثوليكي الاسلامي، وهو الاسم الرسمي لهذا الحوار الذي من المقرر ان يعقد كل عامين “يخطو بثقة الان خطواته الاولى”.
وضم الوفد الكاثوليكي مسؤولين من الفاتيكان وباحثين كاثوليك في الاسلام واساقفة يرأسون الاقليات في العراق وسوريا وباكستان والدول الخليجية، وثلاثة منهم من النساء. ومجموعة (كلمة سواء)، هي اتحاد مستقل للمفكرين الاسلاميين وارسلت زعماء دينيين من السنة والشيعة وعلماء دينيين من الشرق الاوسط وافريقيا واسيا ودول غربية بينهم امرأتان. وقالت انغريد ماتسون، التي اعتنقت الاسلام وترأس أكبر منظمة اسلامية في امريكا الشمالية، ان مجموعة (كلمة سواء) تمثل “القاعدة العريضة للعالم الاسلامي … واولئك الذين يعارضوننا، ستصبح اصواتهم مهمشة بدرجة متزايدة”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 7 نوفمبر 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.