مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

على سويسرا “إعادة النظر بسرعة” في قوانين حماية المعطيات الشخصية!

يخضع موقع فايسبوك، أكبر شبكة افتراضية للتواصل الإجتماعي لتحقيقات تجريها السلطات الأمريكية والأوروبية بشأن طريقة تعاملها مع البيانات الشخصية لمئات الملايين من المستخدمين لها. AFP

يقول خبراء إن على سويسرا تحديث القوانين والتشريعات المتعلقة بحماية المعطيات الشخصية التي عفا عليها الزمن لكي تصبح مواكبة للأنظمة الأوروبية الجديدة المحافظة على خصوصيات الأفـراد.

وكانت المفوّضية الأوروبية اقترحت في أوائل شهر فبراير الجاري إصلاحات جديدة وصارمة لتمكين المواطنين من استعادة السيطرة على بياناتهم الشخصية المنشورة على الإنترنت وعلى مواقع فايسبوك ومحرّك البحث غوغل. وتدرس السلطات السويسرية حاليا التغييرات التي يمكن إدخالها على القانون الوطني المتعلق بحماية البيانات الشخصية، ويُتوقع أن تكون هذه الإصلاحات جاهزة بحلول عام 2014.

ويهدف القانون الأوروبي الجديد المعدّل الذي عرضته فيفيان ريدينغ، مسؤولة حقيبة العدل بالإتحاد الأوروبي في 25 يناير 2012 إلى منح المستهلكين وحدهم حق التصرّف في بياناتهم الشخصية، وتحقيق المواءمة بين مختلف القوانين المعمول بها في جميع البلدان السبع والعشرين الأعضاء في الإتّحاد.

وفي الواقع، يمثل هذا الإجراء جزءً من حملة تشنها الحكومات في العالم ضد الإستخدام التجاري للمعلومات الشخصية وهو توجه يترافق مع تزايد الوعي العام بهذا الشأن. وتنشغل الولايات المتحدة والصين والهند حاليا بصياغة مبادئ توجيهية لهذا الغرض، مع اختلاف في مقاربات كل منها.

وبعد إجرائها العام المنقضي تقييما لقانون حماية البيانات الشخصية الذي بدأ العمل به منذ عشرين (20) عاما، تستعد السلطات السويسرية حاليا لإدخال تعديلات عليه.

وأوضح جون – فليب فالتر، نائب المفوّض الفدرالي لحماية المعطيات الشخصية خلال حديث جمعه مؤخرا مع خبراء في المجال، وفي سياق الإعلان عن إطلاق خدمة “التفكير في حماية البيانات” الإلكترونية: “نحن بحاجة لمراجعة سريعة لقوانين حماية المعطيات الشخصية لتكييفها مع تطوّر الجانبيْن التكنولوجي، وأدوات التواصل الإجتماعي”.

وفي حوار مع swissinfo.ch، أشار فالتر إلى أن التغييرات التي سوف تُدخل على التشريع السويسري ستكون متأثرة إلى حد بعيد بالإصلاحات المقترحة على مستوى الإتحاد الأوروبي. وأضاف: “اليوم، لا توجد حدود للبيانات. وسويسرا ليست جزيرة معزولة، وتحتاج الشركات الناشطة في أوروبا إلى قواعد متطابقة وموحّدة”.

ويواصل هذا المسؤول قائلا: “نحن نريد تعزيز حقوق الأفراد، وفرض قيود جديدة على المتعاملين مع البيانات، مثل “الحق في النسيان”، وتشجيع وحث الشركات على تطوير تكنولوجيات تعزّز من حماية المعطيات الشخصية وعدم تعريضها للإستخدام من أطراف أخرى”.

ويعني “الحق في النسيان” إجبار شركات الإنترنت على إلغاء البيانات، والتأكّد من شمول تلك العملية للبيانات المخزّنة في محركات البحث على الإنترنت مثل غوغل، أو غيره منذ سحب المعنيين بالأمر لموافقتهم على استخدامها.

ويتمنى نائب المفوّض الفدرالي المكلف بحماية البيانات أن يرى الهيئات الفدرالية والكانتونية العاملة في هذا المجال وهي تتمتع بصلاحيات أكبر، وقدرة على فرض عقوبات مالية رادعة على الشركات المنتهكة للقوانين. وأضاف هذا المسؤول: “يجب أن تظل التكنولوجيا في خدمة الإنسان وليس العكس”.

الغزو

من جهته، يرى سيباستيان فانتي، وهو رجل قانون متخصص في قضايا الإنترنت، إنه من المهم وعلى وجه السرعة، تحديث القانون السويسري، وجعله محايدا وفي توافق مع القوانين الدولية المرعية في المجال. ويضيف “لقد غزت تكنولوجيات المعلومات كل جوانب حياتنا اليومية، وأصبح المستخدم المتوسّط غير قادر على معرفة إذا كانت تتمّ حماية بياناته الشخصية أم لا؟”.

ويواصل فانتي قائلا: “تتطوّر الأمور حاليا بشكل سريع، وقد أعلنت شركة غوغل الأسبوع الماضي تغييرات على مستوى قواعد حماية الخصوصية، ولكن هل هذه القواعد متطابقة مع قوانيننا؟ أنا لا أستطيع أن أجزم بذلك”. ونفي سيباستيان فانتي أن يكون أمام سويسرا أي خيار آخر سوى أن تطابق سياساتها في هذا المجال مع الإصلاحات الأوروبية الصارمة.

ويشدد رجل القانون: “لقد أعلمت موكليّ بأنه لا ينبغي عليهم الإنتظار، بل استباق التغييرات القانونية والتقنية المرتقبة”.

خطوة مربحة

في بروكسل، أعلنت المفوّضية الأوروبية أن مقاربتها الداعية إلى توحيد القوانين على مستوى الدول السبع والعشرين الأعضاء في الإتحاد سوف تدرّ على الشركات 2.3 مليار دولار في السنة كانت ستصرف في أعمال إدارية، ولكن بعض الكيانات التجارية غير راضية على ذلك.

وقال  طوماس بوو، مدير الشؤون الأوروبية في “تحالف إنتاج برامج الكومبيوتر التجارية” في حديث إلى وكالة أسوشايتد برس: “الخطر الذي قد ينجر عن المقترح المعروض حاليا هو أنه قد يشكل حجر عثرة أمام الشركات بما يفرضه عليها من المتطلبات المرهقة، وهو ما قد يحول دون الإبتكار الرقمي، ويكون على حساب خلق فرص العمل والنمو”. ويضمّ هذا التحالف عدة شركات مثل ميكروسوفت، وماك أفي، وأدوب، وأنتل، وعمالقة آخرين في مجال خدمات الإنترنت.

من جهة أخرى، يثير تدبير”الحق في النسيان” المخاوف، ويحاجج البعض بأنه سوف يكون من المستحيل ضمان حذف جميع نسخ البيانات من المجال الإفتراضي. وسوف تشتمل المعطيات الشخصية كما هو منصوص عليه في المشروع الأوروبي على الأسماء، والصور، والعناوين البريدية، وقاعدة البيانات، والمنشورات الشخصية على شبكات التواصل الإجتماعي، والبيانات الطبية، وبيانات شخصية أخرى.

الإنسجام على المستوى العالمي

لن يكون من السهل تحقيق التوافق والمواءمة بين المدوّنات القانونية المختلفة على المستوى العالمي في مجال حماية الخصوصية. ومن المتوقّع أن تعلن الولايات المتحدة قريبا عن مقترحاتها الخاصة. ورحّب فيليب فيرفير، المنسّق الأمريكي للإتصالات الدولية وسياسة المعلومات، بالخطة الأوروبية وقال إن الولايات المتحدة سوف تسعى إلى “الإعتراف المتبادل” بالمبادرتيْن.

ولكن فيرفير يقول إن المقترح الأمريكي سيقدّم “مقاربة مختلفة إلى حد ما”، مضيفا أن الهدف هو أن يكون المقترحان قابليْن للتنفيذ المتبادل على ضفتيْ المحيط الأطلسي بما يضمن حماية المعطيات الشخصية في نهاية المطاف.

وأوضحت فيفيان ريدينغ، مسؤولة حقيبة العدل بالإتحاد الأوروبي، في حوار أجرته معها صحيفة “لوتون” السويسرية الناطقة بالفرنسية يوم 30 يناير 2012 أن مقترحات الإتحاد الاوروبي من المحتمل أن تدخل حيّز التنفيذ قبل أن تصدر أي تدابير عن الولايات المتحدة. 

ونتيجة لذلك، تقول ريدينغ: “سوف تكون الشركات التي توجد مقارها في الولايات المتحدة مُجبرة على احترام القواعد التي وضعها الإتحاد الأوروبي إذا كانت تقدم خدمات إلى مواطنين أوروبيين. وسوف يصبح القانون الأوروبي بذلك المعيار العالمي”.

في سياق متصل، لاحظ فانتي أن الإختلافات بين المقاربتين الأمريكية والأوروبية بشأن حماية البيانات الشخصية ستتلاشى قريبا، وأنه يتوقع أن تتبنى الولايات المتحدة موقفا متشددا في هذا السياق.

وأضاف فانتي: “تتجه الامور في الولايات المتحدة اليوم نحو فرض الرقابة من أجل حماية المعطيات الشخصية، أنظر ما فعلوه مع فايسبوك، لقد قالوا لهم إنهم سيفرضون عليهم الرقابة طيلة العشرين سنة المقبلة. ويرغب الكونغرس الأمريكي في الحصول على توضيحات من شركة غوغل بشأن سياساتها الجديدة في مجال حماية الخصوصية. أما الهوة الموجودة حاليا بين الولايات المتحدة وأوروبا فسوف يتم جسرها، وستصبح الولايات المتحدة من البلدان الرائدة في مجال البيانات الشخصية، وسوف يصبحون أكثر تشددا منا”.

صُممت المقترحات الأوروبية الجديدة خصيصا لتعزيز سلطة الجهات المدافعة عن حماية المعطيات الشخصية والمراقبة للجهات التي ترتكب إخلالات في هذا المجال. وتطالب هذه المقترحات الشركات بإخطار الجهات التنظيمية في حالة تمت سرقة البيانات أو أسيء استغلالها.

تمنح هذه المقترحات البلدان الأعضاء في الإتحاد الاوروبي سلطات جديدة تمكنها من فرض غرامات تتجاوز 1% من مجموع إيراداتها في حالة انتهاك قواعد الإتحاد بشان حماية البيانات الشخصية.

تضمن هذه المقترحات للأفراد المزيد من الحقوق، بما في ذلك “الحق في النسيان”، وهو الذي يسمح للأفراد بالمطالبة بإلغاء بياناتهم وعدم الإحتفاظ بها إلكترونيا.                                

تنشئ هذه القواعد الجديدة “الحق في نقل البيانات” للتأكّد من ان الأفراد يمكن لهم بسهولة نقل معلوماتهم الشخصية بين مختلف الشركات أو الخدمات.

تأتي هذه القواعد الجديدة في ظل توسع نطاق الكيفية التي يستخدم بها الناس الإنترنت اليوم. فشبكات التواصل الإجتماعي، مثل فايسبوك ولينكدين وغوغل+، بلغ عدد أعضائها مليار مستخدم، في حين أن ما يسمى خدمات الحوسبة الرئيسية، والتي تسمح للشركات وللأفراد بتخزين البيانات على خوادم بعيدة تسمح بالوصول إليها أيْنما كانت سوف تصبح الإتجاه السائد.  

قبل الشروع في تنفيذها، تحتاج القواعد المقترحة من طرف الإتحاد الأوروبي إلى موافقة البلدان الأعضاء، ومن المحتمل أن يستغرق ذلك سنتيْن على أقل تقدير، وأن تتغيّر تلك القواعد إلى ذلك الحين، ولذلك ليس من المنتظر مطالبة شركات خدمات الإنترنت باحترامها وتنفيذها قبل عام 2014 وربما 2015.

أنشأت خدمة “التفكير في البيانات” بالإشتراك بين المفوّضية الفدرالية لحماية البيانات الشخصية، وكانتون جنيف، وجامعة جنيف، والمعهد السويسري العالي للإدارة العمومية في لوزان، والمرصد التكنولوجي بجنيف.

يهدف هذا المشروع إلى مساعدة السلطات المحلية والشركات المستخدمة للمجالات المتعددة والمعنية بحماية البيانات الشخصية في ميدان العمل.

يعرض هذا المشروع مجموعة من دراسات حالات لحماية البيانات الشخصية، والقضايا ذات العلاقة، والحلول الممكنة، والصيغ القانونية.

هذا الموقع متوفّر حاليا باللغة الفرنسية، ومن المنتظر أن يظهر قريبا بلغات أخرى.

(نقله من الإنجليزية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية