مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

عندما يوضع الرّحل السويسريون “في سلة واحدة” مع الغجر

Yves Leresche

الزيادة الحادة في عدد الغجر الرّحـــل الذين يعبُرون سويسرا والإفتقار للفضاءات المخصصة لاستقبالهم بشكل مؤقت عاملان أثارا مؤخرا توترات مُلفتة بين سكان الكنفدرالية.

وبينما تواصل البلديات في مختلف أنحاء البلاد مواجهة هذه الــمشكلة بمفردها في غالب الأحيان، يعاني الرّحل السويسريون من الخلط والمغالطة بين شعبين يظلان مختلفين رغم نقاط التشابه الكثيرة بينهما.

كثـــُر الحديث في سويسرا خلال صيف 2012 عن تجمّعات الغجر الكثيفــة، وقيامهم باحتلال مساحات عديدة بصورة غير مشروعة، وبتلويث وتشويه عدد من الممتلكات. كما راجت الصور النمطية عن هؤلاء الرّحل الذين يوصفون بـ “لصوص الدجاج”، وصدرت تهديدات ضدهم في شبكات التواصل الاجتماعي، ورُفعت عليهم شكاوى جنائية، بل زعم البعض أنهم قاموا بإطلاق النار، وكادت الأمور أن تأخذ منحى خطيرا ومأساويا، لاسيّما في غرب سويسرا الذي يعد منذ سنوات منطقة جذابة جدا للمجموعة الغجرية الفرنسية “مانوش” نظرا لأنها تتحدث بالفرنسية. هذا فضلا عن ارتفاع قيمة الفرنك السويسري.

وقد زادت حدة التوتر في ظل تدفق الغجر الرومانيين والبلغاريين الذين يأتون للتسول في البلدان الغنية، بعد أن فــُتحت الحدود بموجب اتفاقية “شنغن” التي سمحت بحرية تنقل الأشخاص بين البلدان الموقعة عليها، إضافة إلى ارتفاع عدد طالبي اللجوء الغجر القادمين من صربيا.

وتستغل بعض الأحزاب الشعور بالقلق والانزعاج الناجم عن هذا الوضع، من خلال اقتراح تدابير غير واقعية عموما، مثل مصادرة المنازل المتنقلة للرحل في حال ارتكابهم جنحا، أو استحداث “إنذار للتنبيه من وجود الغجر” على المستوى الوطني.

ويقول دانييل هوبر، رئيس جمعية الّرحل في سويسرا المتحدثة بالألمانية “Radgenossenschaft”: “لن يطرح الأمر أية مشكلة إن كانت تتوفر في هذا البلد فضاءاتٌ كافية لوقوف (العربات المتنقلة لمجموعات الرحل)، فليس هنالك ما يكفي منها حتى لنا، نحن السويسريون”.

ويستدرك قائلا: “نحن أصلا لدينا الانطباع بعدم التمتع بنفس حقوق السكان المستقرين، بينما لدينا نفس الواجبات. وفضلا عن ذلك، تلحق بنا هذه الأحداث ضررا كبيرا لأننا نُوضع في سلة واحدة مع الغجر الذين يمثلون شعبا مختلفا”.

مغالطة تصمد في وجه محاولات التصحيح

يُعتبر الرّحل في سويسرا المعروفون باسم “يينيش” (وأيضا بـ “سينتي” و”روم”) “شعب سويسرا الخامس” قوامه 30000 مواطن يذهبون إلى المدارس، ويدفعون الضرائب، ويؤدون الخدمة العسكرية. ولكنهم يواجهون صعوبة في الحصول على القبول من السكان المستقرين. وفي حين تبحث هذه الفئة تقليديا عن نمط عيش يتميز بالهدوء والتكتم، زادت أحداث هذا الصيف من حدة مشكلة الصورة والسمعة التي يعانون منها أصلا.

وأشارت دوريس آنغست، مديرة اللجنة الفدرالية لمناهضة العنصرية إلى أن “هذا الخلط ذو طابع عنصري، بينما ينبغي التفريق بين تطلعات الدّولة وواجباتها تجاه هؤلاء المواطنين وإزاء مواقف شديدة الاختلاف”.

من جانبه، أوضح أورس غلاوس، مدير مؤسسة “مُستقبل للرحل السويسريين” قائلا: “إن الناس لا يدركون بأن الاختلافات الثقافية بين اليينيش والغجر هي أكبر وأهمّ من تلك الموجودة بين اليينيش والسكان السويسريين المستقرين. فالغجري، على سبيل المثال، لن يذهب إلى المرحاض على مرأى من الجميع. هذا الحياء يجعل المرافق الصحية في نظر الغجر أماكن غير نقية، ما يدفعهم إلى تدميرها أحيانا. ويجب بالتالي التفكير في وضع بنيات تحتية محددة تأخذ بعين الاعتبار هذه الحقائق”.

وتضيف دوريس آنغست في نفس السياق: “عند حدوث كل نزاع، يشعر اليينيش بأنهم يواجهون الخطر بسبب الهجمات التي تستهدف الغجر، ولكنهم يتواجدون في الوقت نفسه فيما يشبه أزمة ولاء إزاهم لأنهم يريدون النأي بأنفسهم عن مثيري الشعب، والدفاع عنهم في نفس الوقت، ما يجعلهم يشعرون بأنهم وقعوا في فخ. والمسألة هنا ليست إثنية، بل إقليمية: فمن واجب الحكومة حماية نمط العيش المتنقل هذا، ووضع مساحات رهن إشارة هؤلاء الرّحل”.

وينوه دانييل هوبر إلى أن “أكبر عقبة هي أن الكانتونات تريد منّا على نحو متزايد أن نتعايش مع الغجر في نفس الأماكن، في حين أن احتياجاتنا ليست هي نفسها. فهم يسافرون ضمن قافلات كبيرة، ونحن نظل بين أسرنا. هم يحبون البقاء بمقربة من محاور الطرق السريع، بينما نفضل نحن العيش في مساحات صغيرة وسط الطبيعة. هذه العوامل كلها تضع شعبنا في خطر”.

مسألة إقليمية

يعيش حوالي 10% من اليينيش نمط حياة يتراوح بين الرحل ونصف المقيمين. ويوضح أورس غلاوس أنهم “يتوفرون على 14 مساحة رسمية للإقامة في فصل الشتاء، أي ما يمثل 30% من احتياجاتهم. لذلك، تضطر العديد من العائلات لقضاء الشتاء في الشقق”.

ويضيف هذا المحامي أن “فضاءات العبور في فصل الصيف انخفضت من 51 إلى 42، ومعظمها مجهز بشكل سيء، لاسيما من حيث توفير المياه. وهي لا تغطي سوى 60% من الطلب”.

من جانبه، يعتقد دانييل هوبر أن “الاحتياجات تتزايد لأننا نلاحظ ميولا واضحا بين الشباب إلى العودة لحياة الترحال”. ويشير إلى أن الوضع في سويسرا الناطقة بالألمانية متباين قائلا: “يمثل كانتون شفيتس الحالة الأسوأ بحيث لا يتوفر سوى على فضاء عبور صغير بينما يعد أحد أهم كانتوناتنا الأصلية. في المقابل، يتمتع كانتون غراوبوندن بتقاليد تعايش عريقة. أما كانتونات زيورخ وأرغاو، وبرن قريبا، فهي مجهزة بشكل جيد للغاية، وهذا يثبت بأن (إيواء الرحل) أمر ممكن”.

أما سويسرا الروماندية، أي المتحدثة بالفرنسية، فهي أسوأ حالا، سواء تعلق الأمر بإيواء الرحل السويسريين أو الأجانب. وحاليا، لا يتوفر سوى كانتونا فو (بفضاءين) وفالي (بفضاء واحد) على مواقع رسمية للقوافل الكبيرة التي يزداد عددها بشكل حاد.

وقالت بييريت رولي-غرين، الوسيطة المندوبة لشؤون الرّحل في كانتون فو: “لقد أحصينا 5345 ليلة مقضاة في المنازل المتنقلة في عام 2009، و10149 في عام 2011، وتم تجاوز هذا الرقم في شهر أغسطس الماضي. وأنا شخصيا، تدخلت 16 مرة في عام 2011 و35 مرة إلى نهاية أغسطس 2012. ولم يعد باستطاعة الكانتون التحكم في تدفق بهذا الحجم”.

نقص الإرادة السياسية

الحلول لمعالجة هذه المشكلة ينبغي أن تكون سياسية، ولكن مسألة الرّحل لا تبدو مثيرة جدا للحماسة. ويــُذكر أورس غلاوس في هذا الصدد قائلا: “في عام 2001، دعت لجنة خبراء فدرالية الكانتونات إلى إنشاء 30 فضاء إقامة جديد و30 فضاء مخصصا للرحل العابرين في غضون عشرة أعوام. وفي عام 2012، لا يزال ينقص 10 من تلك المساحات”.

كما هو الحال في العديد من المجالات، لا يسهل النظام الفدرالي المأمورية لأن الكانتونات يفترض أن تطبق قرارات برن (حيث أن القرارات التي تتعلق بالرحل تصدر عادة عن السلطات الفدرالية والحكومات المحلية في الكانتونات). بييريت رولي-غرين تشدد أيضا على صعوبة الوضع بالنسبة للبلديات قائلة: “تقوم الكنفدرالية والكانتونات بالتوقيع على القوانين دون أن تنشغل بتطبيقها على الميدان. والبلديات تجد نفسها وحيدة، وممزقة بين ضرورة استضافة الرّحل بشكل لائق وضمان النظام والأمن العموميين”.

واستشهدت في هذا الصدد بمثال كانتون فريبورغ الذي قرّر أخيرا السماح بتهيئة فضاء استراحة مخصص للغجر على الطريق السريع، ولكن إنجاز المشروع من قبل المكتب الفدرالي للطرقات أُجل إلى عام 2015 لأسباب اقتصادية.

وفي الوقت الراهن، لازالت المشاكل التي يطرحها توافد الغجر تُحل بالطرق “البوليسية”. فبعد هذا “الصيف الساخن”، قررت وزيرة الأمن بكانتون فو، جاكلين دي كواترو، أن يتم بالقوة إجلاء الرّحل الذين لا يحترمون القوانين.

وأكدت الوزيرة في تصريحات أدلت بها ليومية “فانت كاتر أور” التي تصدر بالفرنسية في لوزان أنه ينبغي على البلديات أن تتحلى بحزم شديد قائلة: “من أجل توحيد الممارسات، أخطط لكتابة ما يُشبه مفكرة مُوجّهة للبلديات تحتوي على إجراءات تقديم الشكاوى، واقتراحات لتسوية المطالبات بالتعويضات، وما إلى ذلك”. كما أعلنت السيدة دي كواترو أنها ستقترح معاهدة على نظرائها الرومانديين توضح بأنه ينبغي عليهم “الاتفاق مرة واحدة وإلى الأبد” بهذا الشأن.

ومن جانبها، تضيف بييريت رولي-غرين أن ما يجب فعله حاليا هو ثني الغجر الذين لا يحترمون القواعد الموضوعة عن القدوم إلى سويسرا، قائلة: “إن العدالة بطيئة جدا في فرض العقوبات على من يدمرون كل شيء. وهي تتطلب الوقت الكثير لرد الفعل، وعندما يحدث ذلك، يكون مرتكبو المخالفات قد غادروا البلاد منذ طويل، لذلك عليها أن تتحرك وأن تتعاون مع الشرطة لفرض غرامات مالية على مثيري الشعب. وصدّقوني، إنهم يفهمون جيدا لغة المال”.

الغجر (أو الروم، أو تسيغان) هم من أصل هندي ووصلوا إلى أوروبا ابتداءً من القرن العاشر، وهم يتحدثون “الرّوماني” (Romani).

يقدر عددهم بما يتراوح بين 10 و12 مليون نسمة، ويشكلون أهم أقلية إثنية في أوروبا. يوجد أكبر عدد من الغجر في رومانيا (2 مليون، أي 10% من السكان، وفي بلغاريا (700000، 10%)، وفي المجر، وإسبانيا، وسلوفاكيا، وتركيا، وفرنسا.

يتعرضون للتمييز منذ القرن السادس عشر، وقتل منهم 800000 على يد النظام النازي.

اليينيش هم مجموعة عرقية مرتحلة منذ العصور الوسطى في النمسا، وألمانيا، وفرنسا، وسويسرا. يناهز عددهم 100000 نسمة ويتحدثون لغة اليينيش “yéniche”.

في سويسرا، ينتمي 90% من المواطنين الرّحل إلى مجموعة اليينيش، أي ما يمثل 30000 شخص، من بينهم 3000 إلى 5000 يعتبرون شبه رحل حيث يعيشون نمط حياة يتراوح ما بين الرحّـل ونصف المقيمين.

هم يعيشون في إطار عشائري تضم فيه كل مجموعة حوالي عشرين شخصا يقيمون في ستة إلى ثمانية بيوت متنقلة على أقصى تقدير.

منذ عام 1998، يعتبرون مجموعة محمية بمعاهدة مجلس أوروبا بشأن الأقليات الوطنية، وهم يحملون الجنسية السويسرية.

فضاءات الإقامة: يستأجر الرّحل السويسريون مكانا واحدا في السنة ويقضون فيه فصل الشتاء داخل عربات متنقلة أو مخيمات.

فضاءات العبور: تُستخدم للإقامة لفترات قصيرة – تصل إلى شهر كأقصى تقدير – خلال السفر والتنقل في فصل الصيف. ما يسمح للرحل بممارسة مهنهم التقليدية (مثل السنّـان أو المِـشحذ، وصنع السلال، والمظلات، وتجارة الخردة والبيع المتجول).

أماكن لتوقف العربات: توضع مساحة 150 متر مربع رهن كل عائلة رحل في فضاءات الإقامة، ومساحة 100 متر مربع في فضاءات العبور. يكلف كل مكان بين 8 و13 فرنكا في اليوم.

(ترجمته من الفرنسية وعالجته: إصلاح بخات)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية