عندما يُطوّر المهاجرون آلية لحماية الذات ضد ممارسات العنصرية
أين تبدا العنصرية؟ وكيف تنعكس ملامحها خلال مُجريات الحياة اليومية؟ وما هي الأساليب التي يستطيع المرء من خلالها تَحصين نفسه ضد ما قد يواجهه من مُمارسات تتسم بالتمييز العنصري؟
عن هذا الموضوع تحدثت سيدتان من ذوات البشرة الداكنة، تمتلك كلتاهما جواز السفر السويسري. وقد طوَّرَت كل منهما آلية لِحماية نفسها وتحصين ذاتها في مواجهة مثل هذا النوع من الممارسات.
جوزيفينا شنيل – أورتيتس المُنحدرة من جمهورية الدومينيكان، والتي تبلغ من العمر الخمسين عاماً، بدأت حديثها عن هذا الموضع بالقول: “أنا عن نفسي هجينة، ويمكن رؤية جميع ألوان البشرة في أسرتي، وهذا أمر طبيعي بالنسبة لي. وقد كان شكلي مقبولا في بلدي”.
وكانت شنيل- أورتيتس قد درَسَت علم النفس واللغة الروسية في مدينة سانت بطرسبرغ (شمال غرب روسيا)، والتي التقت فيها أيضاً بزوجها الحالي. وفي عام 1988، إنتقل الإثنان للعيش في سويسرا، حيث تقوم اليوم بتدريس اللغتين الروسية والإسبانية في العاصمة بَرن.
وهي تستذكر فترة مجيئها الى سويسرا قائلة: “في ذلك الوقت، كان هناك العديد من اللاجئين القادمين من سريلانكا، ومن دول البلقان لاحِقاً. ويبدو أن الخوف قد إنتاب السويسريين نتيجة هذا العدد الكبير من الغرباء الأجانب. وقد راودني حينئذٍ بعض الإرتياب حول كيفية العيش في بلدٍ توجد فيه هذه الكمية من الكُره للأجانب”.
ولا تربط شنيل – أورتيتس التي تحمل الجنسية المزدوجة الدومينيكية والسويسرية كلَّ تصرف غير لائق تجاهها بأسباب عنصرية، وكما تقول :”أنا لا آخذ كل شئ وكأنّه موجه ضدي بصورة شخصية”.
ردود الأفعال تجاه “المظهر الأجنبي”
من ناحيتها، وُلِدَت إيزوبيل ألّين في إسكتلندا في عام 1962 لِأمٍّ سويسرية وأب جامايكي. وفي عام 1985، انتقلت للعيش في سويسرا، وهو ما تُعلَّق عليه بالقول: “بالمقارنة مع إسكتلندا، وجدت راحتي هنا”.
وهي تستذكر حياتها في غلاسكو ذات الثلاثة ملايين نسمة قائلة: “كثيراً ما تعرضتُ للإهانات هناك، وكنت أسمع من يصفني بـ “السوداء غير الشرعية”. ولكن هذا لا يَمنع من إشعاري مِراراً وتكراراً بأنّ شكلي مُختلف في سويسرا أيضاً”.
ويظهر هذا الشعور بالإختلاف جَلياً عند البحث عن السكن. فبعد إجراءها لمكالمة هاتفية باللهجة السويسرية – الألمانية (الخاصة بسكان مدينة برن) التي تجيدها بطلاقة، تكون مفاجأة الطرف المُعلِن لرؤيتها كبيرة عندما يفتح لها الباب لتَفَقُّد الشقة المَعنية. وكما تقول: “لا تَتَفق الصورة المُكونة في مُخيلة الشخص الذي قمت بمكالمته مع شكلي، فهم يتوقعون رؤية إمرأة أخرى”.
ولم يكن بإمكان ألّين الحصول على شقة أبداً من دون أن تلعب الوساطة دورها. وهي تصف هذا الواقع قائلة: “أستطيع الإعتماد على غريزتي، فأنا أشعر عندما يعود السبب في رَفض طلبي للحصول على وظيفة أو شقة لأسباب عنصرية. هذا الإحساس مألوف لي منذ طفولتي”.
مسألة موقف إلى حد ما
ولا يَخفى عن جوزفينا شنيل – أورتيتس أيضاً وجود نَزعات عنصرية وأشخاص يحكمون على الآخرين من خلال مظهرهم، ولكنها تقول: “مع ذلك، لا أشعر بأنّي ضحية، وليس باستطاعتي القول بأن الآخرين يتعاملون معي بشكل مُختلف بسبب لون بشرتي”.
فإنَّ المسألة تتعلق إلى حدٍ ما بالتصرف الشخصي أيضاً، كما تقول. وتضيف ضمن هذا السياق: “إنَّ تأثيري لا يَنبع من لون بشرتي. أنا أعامل الآخرين بإحترام، وأتوقع منهم – أياً كانوا – الشئ ذاته في المقابل”.
ووفقاً لِمُدَرسة اللغات، يتطلَّب الأمر بعض الثقة بالنفس كي يستطيع الشخص أن يعيش كَمُهاجرٍ في هذا المجتمع. وتتابع قائلة: “تجري مُراقبة المرء لفترة طويلة، ولا يتم قبوله على الفور”. وهي لا تعتبر نفسها “أيّة أجنبية”، بَل سويسرية تملك عائلة وأطفال. وتضيف:” أنا هنا في بيتي، ولا أسلب أحداً شيئاً”.
فضول ودهشة
وتعمل إيزوبيل ألين، الأم لولدٍ يبلغ الثانية عشرة من العمر، كَمُعلمة مؤهلة لرقص الجمباز، بالإضافة إلى عملها كممرضة في الرعاية الصحية الخارجية للمستشفى حيث تقوم برعاية ومساعدة العديد من كبار السن.
وعن وظيفتها تقول: “لا يعاملني أحد بإزدراء في عملي بِسَبَب لون بشرتي، وإن كان من الواضح بأن الفضول والدهشة ينتابان بعض زبائني فيبادرونني بالسؤال من أين أتيت”. ولكن القَصد من وراء هذه الأسئلة ليس عنصريا”. وتضيف: “قالت لي إحدى المريضات قبل فترة وجيزة “لقد صبغتك الشمس بِسُمرة جميلة”، وهي لَم تلاحظ بأني سمراء أصلاً”.
إتخاذ موقف والدفاع عن النفس
وتعلم إيزوبيل ألّين جيداً بأنّها تُصَنَّف وُفقاً لِشكلها الخارجي، وتقول: “غالِباً ما يتم تفتيشي من قِبَل موظفي الحدود والجمارك، وهذا أمرٌ طبيعي. ولكن ليس بإمكاني الإنشغال مع هذه القضية باستمرار. في السابق، كان الشعور بأني أجنبية هو الطاغي، ولكني كبِرت اليوم، وأتعامل مع الأمور بشكلٍ مختلف”.
ولا تتوانى إيزوبيل ألّين عن التدخل عند رؤيتها لِبعض الحوادث، كأن يتم التعامل مع أحد الأشخاص بدون احترام أو بشكل غير مُنصف، حيث تشعر بأن عليها أن تقول شيئاً هنا “كي يُدرِك الناس كيف يتصرفون”. وتقول الممرضة ومعلمة الرقص المؤهلة، بأنها قد تعلمت مع الوقت كيف تحمي نفسها وتدافع عنها.
وقد إضطُرَّت ألّين الى إتخاذ موقف كهذا عندما نَشَرَت غسيلها في إحدى المرات على شرفة شقتها بعد عودتها من العطلة، حين بادرتها إحدى جاراتها بالصراخ في وجهها بأن مثل هذا التصرف غير لائق في سويسرا، وبأنَّ عليها العودة الى بلدها. ولم تتوان ألّين بالرد عليها بأنها “قد عادت الى بلدها للتو، وبأن هذا هو وطنها”. وقالت مستعيدة تلك اللحظة: “لقد إنتابني غضب شديد وقتها، فأنا في نهاية الأمر أعمل هنا، وأدفع الضرائب كالآخرين”.
ظاهرة إنسانية
وبالنسبة لجوسيفين أورتيتس، فإنَّ التمييز والتهميش موجود في جميع أنحاء العالم، سواء كان ذلك بسبب إمتلاك الشخص لِبشرة سوداء أو بيضاء، أو بسبب التمييز ضد الجنس (النساء)، أو الدين، أو لمُجَرَّد أنَّ للشخص الآخر رأيا مُخالِفاً.
وعن رأيها في سويسرا في هذا المجال تقول:” ليست سويسرا أكثر أو أقلَّ عُنصرية من دولٍ أخرى، ذلك أن الخوف من الغريب والمجهول هو ظاهرة بشرية طبيعية”. وقد شهِدَت أورتيتس من ناحيتها أيضاً حالات “بدا فيها نوع من التمييز، ولكني لم أسمح للأمر بأن يتفاقم، وقمت بالدفاع عن نفسي”.
و إستقرَّ في ذاكرة مُدَرِّسة اللغتين الروسية والإسبانية أمرٌ حدث لها خلال رحلة في القطار، حين أرادت إحدى السيدات الجلوس في المكان الذي وضعت فيه أورتيتس حقيبتها. وقالت: “بدلاً من التحدث معي، قامت السيدة بِلَمس (الرَبت على) كتفي، وقد قلت لها حينئذٍ بأن بإمكانها التحدث معي، ولكني رجوتها بِعَدم لَمسي”.
ولكن أورتيتس تشير الى أنها لا تقوم بِتَضخيم حوادث كهذه، فحالات مثل هذه لن “تهز” حياتها. وهي تعلَّق قائلة :”ما الذي ينبغي أن أفعله إذا كان هناك نقص في الآداب؟ ليس بوسعي تربية الناس، ولكني أحاول تجنُّب مثل هذه النزاعات”.
ارتفع عدد حالات التمييز العنصري المُبَلَّغ عنها في تقرير “حوادث العنصرية التي رصدتها المراكز الاستشارية (من يناير إلى ديسمبر 2010)”، والتي شمِلَت سبع مراكز لتقديم المشورة في مجال مكافحة العنصرية في عدد من مناطق سويسرا، الى 178 حالة بعد أن كانت 162 حالة في العام السابق.
وسجلت المشاورات المُتَعَلِّقة بالعنصرية في تقرير عام 2010 أشخاصاً من خلفيات مختلفة، ضمت مواطني ومواطنات سويسرا، بالإضافة الى المهاجرين والمهاجرات.
و بالمقارنة مع عام 2009، سجل تقرير عام 2010 أيضاً إرتفاعاً في حالات التمييز العنصري الموجهة ضد السود والمُعادية للمسلمين.
ويحتل المُتَهمون بممارسة العنصرية في كثير من الأحيان مراكز قوة ومكانة إجتماعية وإقتصادية رفيعة، حيث يقومون بإستغلال هذه المناصب بشكلٍ مُباشر أو غير مباشر ضد الأطراف المُستهدفة.
وإنعكست الممارسات العنصرية المَعنية بشكلٍ أكثر وضوحاً في الفضاءات العامة، وأماكن العمل، أو خلال التعامل مع الشرطة.
وفي أغلب الأحيان، إنعكست التجاوزات العنصرية على شكل تعليقات لفظية مُهينة وجارحة.
ويُعتَقَد بأن العدد الحقيقي للحوادث العنصرية غير المسجَّلة يفوق بكثير الأحداث المُبَلَّغ عنها رسمياً.
ويُعَد تقرير عام 2010 حول العنصرية جزءاً من مشروع “شبكة مراكز تقديم المشورة لضحايا العنصرية” الذي يتلقى الدعم من قبل “منظمة حقوق الإنسان في سويسرا” humanrights.ch”، واللجنة الفدرالية لمناهضة العنصرية (EKR).
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.