عنصرية بعض السياسيين في سويسرا تُسفر عن وجهها
في الوقت الذي تستعد فيه سويسرا لعرض حصيلتها في مجال حقوق الإنسان أمام مجلس حقوق الإنسان بجنيف، سُجلت في الآونة الأخيرة أحداث شارك فيها سياسيون وأعضاء في أحزاب تنم عن كراهية للإسلام وعن معاداة للأجانب.
بعض هذه الأحداث كان في شكل تغريدات قصيرة على تويتر أو تعليقات على فايسبوك، أو المدوّنات الشخصية، أما البعض الآخر فقد ظهر في شكل ملصقات، وتصريحات مباشرة على بعض القنوات التلفزيونية.
وخلال الأشهر القليلة الماضية، سُجّلت عدد من حالات التمييز ضد الأجانب والمسلمين تورطت فيها شخصيات سياسية عامة وأعضاء معروفون في تشكيلات سياسية، ينتمي معظمهم إلى حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي)، وقد احتلت هذه الأحداث العناوين الكبرى في وسائل الإعلام المحلية.
إحدى هذه الحالات التي أمر المدعّي العام في زيورخ بفتح تحقيق بشأنها تخص النائب عن حزب الشعب ألفريد هيير، الذي أعلن خلال برنامج حواري على قناة ” Tele Züri ” الخاصة أن الشبان الذين يقدُمون من تونس لأجل طلب اللجوء يأتون “بهدف أن يُصبحوا مجرمين”. ويقوم البرلمان الفدرالي حاليا بدراسة وضع هذا النائب بعد أن لوّح بالحصانة البرلمانية لإيقاف التتبعات ضده.
كذلك يقوم حاليا مكتب المدعي العام نفسه بالتحقيق بشأن ألكسندر موللّر، العضو في إحدى اللجان التابعة لفرع حزب الشعب بزيورخ الذي نشر تغريدة على موقع تويتر في شهر يونيو 2012 جاء فيها النص التالي: “ربّما نحتاج إلى ليلة كريستال جديدة.. ولكن هذه المرة ضد المساجد”. وقد أطرد موللّر لاحقا من عمله، وقدّم اعتذارا علنيا، ثم استقال من الحزب.
وفي الوقت الحالي، يُجري المدعي العام في كانتون برن تحقيقا بشأن عضو آخر من نفس الحزب وهو أولريخ شلوير، المدير المسؤول عن صحيفة “الزمن السويسري”، وإحدى الشخصيات السياسية التي وقفت بقوة خلف حملة “الأغنام السوداء”، بسبب تصريحات عنصرية ضمّنها في مقال نشره على الإنترنت في شهر يوليو 2012.
وفي جنوب البلاد، أرسلت جمعية “Belticino” رسالة إلى رئيس البرلمان الفدرالي في شهر سبتمبر الماضي لقيت الدعم من شخصيات سياسية بارزة من بينها ديك مارتي، عضو مجلس الشيوخ السابق، احتجاجا على صورة مركبة مناهضة للمسلمين نشرت على صفحة النائب لورنزو كوادري، المنتمي إلى حزب “رابطة التيتشينو” (يمين شعبوي)، لكنه نفى أن يكون هو الذي قام بنشر الصورة، التي اختفت من صفحته منذ ذلك الحين.
دعوة إلى الحزم
من ناحيتها، ترى اللجنة الفدرالية لمكافحة العنصرية أن الوقت قد حان لكي تبدي سويسرا المزيد من الحزم مع رجال السياسة الذين يُدلون بتصريحات عنصرية في الأماكن العامة.
وفي التقرير الذي تقدمت به بمناسبة الإستعراض الدوري الشامل الثاني الذي ستتقدم به سويسرا أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للامم المتحدة بجنيف يوم 29 أكتوبر 2012، أشارت هذه اللجنة الفدرالية إلى أن المهاجرين والسياح الأجانب، وطالبي اللجوء “لا يتمتعون بحماية كافية من نزعات كراهية الأجانب والسلوكات العنصرية في بعض نواحي الحياة”.
وجاء في نفس التقرير أن بإمكان الساسة السويسريين التصريح ببيانات معادية للأجانب “من دون الخوف من عقوبات جنائية إلى حد كبير”، مما يفتح المجال لاتهام سويسرا بأنها “متسامحة” مع الآراء العنصرية.
وبالإضافة إلى دعوتها لسن تشريعات شاملة لمكافحة التمييز، وهو ما ترفضه الحكومة والبرلمان، تنادي اللجنة المناهضة للعنصرية بتطبيق المادة 261 مكرر من قانون العقوبات على نطاق واسع وبحزم على حالات التمييز التي يتورّط فيها سياسيون.
دوريس أنغست، مديرة هذه المنظمة غير الحكومية أوضحت أيضا أن “القانون الجنائي مصاغ بشكل جيّد، ولكن تطبيقه، هذا هو السؤال؟ لم يتم التعامل مع العنصرية التي تستخدم كأداة للدعاية السياسية بالحزم الكافي من طرف المحاكم”. أما المشكلة مع الحالات المرتبطة بالسياسيين فتتمثل في أن “المحاكم السويسرية تميل دائما في أحكامها لصالح حرية التعبير، ولو تضمنت تمييزا عنصريا”، مثلما تقول أنغست.
بدوره، يؤيد ميشال غزاليا، رئيس قسم مكافحة العنصرية بوزارة الشؤون الداخلية، ما صرحت به دوريس أنغست، ويقول: “إن ذلك يعكس الديمقراطية المباشرة في سويسرا، والنظام الفدرالي السائد فيها”، ويضيف “يقينا هناك مجال لخطر الإنحرافات اللفظية، ولكن من الأفضل مناقشة الأشياء الحساسة علنا بدلا من تركها مختبئة وفي الخفاء”.
النوادي المحلية
من الواضح أن الإستخدام الواسع لمواقع التواصل الإجتماعي والإنترنت من طرف الشخصيات السياسية قد أدى إلى تضخيم المشاكل ومضاعفتها، ما أجبر الأطراف المعنية إلى تشديد القواعد المعمول بها.
ويشرح غزاليا هذا التطوّر الجديد فيقول: “مع شبكات التواصل الإجتماعي، يشعر الناس في بعض الأحيان كما لو كانوا في ناديهم المحلّي، وبإمكانهم التحدّث على الملإ من دون التفكير كثيرا في التبعات السياسية لتصريحاتهم”.
ويشدّد هانس شتوتس، وهو صحفي يقطن في مدينة لوتسرن، متخصص في تغطية قضايا التمييز العنصري، على أن حزب الشعب السويسري، أكبر الأحزاب السياسية في الكنفدرالية، يُعاني من مشكلة عدم القدرة على السيطرة على جناحه اليميني المتشدد، والذي أصبح حضوره قويا من خلال شبكات التواصل الإجتماعي.
ويضيف هذا الصحفي أن “الألفاظ والعبارات المستخدمة لم تتغيّر، لكنها الآن أقوى حضورا على الساحة العامة. وأعتقد أنها أصبحت راديكالية أكثر فأكثر، لأنه لا أحد بصدد الإعتراض على هذا النوع من التصريحات العنصرية”.
الدفاع عن حزب الشعب
على إثر نشر نص موللّر المُعادي للإسلام على شبكة تويتر في شهر يونيو الماضي، وبعد نشر تعليقات العضو بيت موزيمان على الفايسبوك ضد طالبي اللجوء، نشر حزب الشعب السويسري على موقعه الإلكتروني ووزّع على نطاق واسع مضمونا تحريريا يُدين السلوكات العنصرية “غير المقبولة”، ومُحذّرا أنصاره في نفس الوقت من المخاطر المترتبة عن استخدام مواقع التواصل الإجتماعي.
أوسكار فرايزنغر، النائب عن حزب الشعب السويسري، ذهب إلى أبعد من ذلك حيث نقل عنه الموقع الإلكتروني لصحيفة “20 دقيقة” اليومية المجانية قوله: “يجب على أعضاء حزب الشعب التوقّف عن استخدام شبكات التواصل الإجتماعي لأنها تنطوي على مخاطر جمّة”.
في المقابل، دافعت السيدة مارتين برونشفيك – غراف، رئيسة اللجنة الفدرالية لمكافحة العنصرية (تنتمي إلى الحزب الليبرالي الراديكالي) عن حزب الشعب مؤكدة أن هذه التصريحات المعادية للأجانب والمناهضة للمسلمين “بكل وضوح لا تعبّر عن الموقف الرسمي للحزب”. وأضافت غراف أن “حزب الشعب ليس الحزب الوحيد الذي يُوجد في صفوفه أفراد يُدلون بتصريحات عنصرية وتمييزية”.
من جهة أخرى، أفادت برونشفيك – غراف أنها اتصلت بهذا الحزب لتحديد موعد في شهر ديسمبر المقبل للحديث عن الإجراءات الوقائية التي يجب اتخاذها للحد من هذه الظاهرة. ومن المنتظر أيضا أن تعقد لقاءات مع أحزاب أخرى للتباحث في هذه المسألة في غضون العام المقبل.
ما بين 1995 و2011، تم تسجيل 547 حالة تمييز عنصري تنتهك للقانون الجنائي الجاري العمل به، خاصة المادة 261 مكرر (أي بمعدّل 32 حالة كل عام)، وقد انتهى 259 منها بإصدار أحكام إدانة ضد المنتهكين (أي بمعدّل 15 حالة في العام).
تختلف الإحصاءات المتداولة حول الحوادث العنصرية من منظمة على اخرى نظرا لإختلاف الطرق والمعايير والقواعد المستخدمة في هذا المجال.
أفاد التقرير الأخير الصادر عن اللجنة الفدرالية لمناهضة العنصرية، والتي تجمع في تقريرها المعطيات التي استقتها من عشر منظمات مناهضة للعنصرية، أن عدد حالات التمييز ضد السكان السود وضد المسلمين في عام 2011 قد بلغت 156 حالة، أي أقل بقليل من الحالات 178 المسجلة في عام 2010، واكثر من الحالات 87 المسجلة في عام 2008.
يعتقد الخبراء أن هذه الأرقام ليست سوى “غيض من فيض” كما يُقال، خصوصا وأن الضحايا ليست لديهم الإمكانية لمتابعة قضايا الإنتهاكات المرتكبة ضدهم لوقت طويل لأن ذلك يتطلب مبالغ طائلة، ويمكن أن يُعرّضهم لخطر سحب تصاريح الإقامة أو الطرد من وظائفهم.
تتعهد الكنفدرالية بضمان تطوير الوعي وتعزيز الوقاية لمحاربة العنصرية وكراهية الأجانب على أسس دائمة وعلى المدى البعيد والمتواصل.
يقوم قسم مناهضة العنصرية بوزارة الداخلية بإطلاق جملة من الأنشطة والتنسيق بين الفاعلين في الميدان . ويموّل المشروعات المتعلّقة بالإندماج والهجرة، والتدريب في مجال حقوق الإنسان فضلا عن مشروعات تهدف إلى توعية الأجيال الصاعدة بمخاطر العنصرية. (قيمة الميزانية المخصصة لذلك: 900.000 فرنك سويسري).
.في عام 2009، نشر هذا القسم الدليل القانوني للتمييز العنصري. وفي ما بين 2010 و2012، عرض 40 دورة تدريبية بناءً على هذا الدليل موجهة إلى ما بين 500 إلى 600 شخص اغلبهم من الكانتونات ومن مسؤولي المنظمات غير الحكومية.
يقوم قسم مناهضة التطرّف الذي تأسس سنة 2002 داخل مؤسسة الجيش بالرفع من الوعي ويعطي نصائح ويعلم المنخرطين في صفوف الجيش، وأفراد عائلاتهم وذويهم، ويدعمهم عندما يكونوا ضحايا للنزعات المتطرفة.
من مهام اللجنة الفدرالية لمناهضة العنصرية تحليل دراسة ورصد حالات التمييز العنصري في سويسرا وتقديم المشورة للسلطات وكيفية مكافحة هذه الظاهرة.
بدعم من قسم مكافحة العنصرية، قامت اللجنة الفدرالية لمناهضة العنصرية، بالإشتراك مع 10 أقسام للإستشارات العامة، بتأسيس شبكة لتقديم المشورة والخبرة والمعلومات والبيانات بشان الظواهر العنصرية وبشأن التمييز في سويسرا.
(مقتطف من تقرير سويسرا المقدم إلى الإستعراض الدوري الشامل الثاني)
(نقله من الإنجليزية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.