“غوغل ستريت فيو” ..هل حـــقــّا يـــُراقبكم الـــعم سام؟
أصبح بإمكان أي شخص زيارة سويسرا من خلال شاشة حاسوبه. وإذا كان هذا التطوّر قد شكّل مبعث سرور بالغ بالنسبة للمشتغلين بالسياحة، فإنه وجد قبولا أقل لدى المدافعين عن حماية المعطيات الشخصية. وكانت أربعة أيام من انطلاق خدمة غوغل "ستريت فيو" كافية لكي يطالب المسؤول الفيدرالي عن حماية المعطيات الشخصية بسحب هذه الخدمة.
المعتادون على استعمال هذه الخدمة سبق لهم أن قاموا بجولات افتراضية على ضفاف نهر السين الفرنسي أو في أعالي أسكتلاندا، من خلال الصور التي التقطتها المجموعة الأمريكية العملاقة “غوغل” التي أضافت إلى برنامجيها “الخرائط” و”الأرض”، كاميرات ذات إستشعار ثلاثي الأبعاد.
ومنذ 18 أغسطس 2009، أصبح بإمكان السويسريين الولوج إلى غوغل لمشاهدة منازلهم، أو اختيار المقهى المفضّل لديهم، أو الوجهة القادمة لرحلتهم، أو حتى اختيار الشاليه الجبلي الذي سينزلون به.. ولما لا التعرّف على جيرانهم هناك.=
ومن المفترض أن تبقى الوجوه ولوحات السيارات مشوّشة غير واضحة، حتى لا يكون بالإمكان التعرف على الأشخاص. لكن، التكنولوجيا التي يستخدمها غوغل تعتريها بعض النواقص، بحيث تم اكتشاف هوية بعض الأشخاص. والكثير من هؤلاء قد لا يرغبون بالضرورة أن تكون صورهم مكشوفة للعالم عبر الإنترنت.
السحب الفوري
هذا النوع من “الإخلالات” هو الذي دفع هانس-بيتر ثور، المسؤول الفدرالي على حماية المعطيات الشخصية والشفافية، والذي سبق وأن أعطى موافقته على إدخال خدمة غوغل “ستريت فيو” إلى سويسرا في بداية الأمر، إلى المطالبة يوم الجمعة 21 أغسطس بسحبها فورا.
ولقد أثبتت العديد من الشكاوى المرفوعة من المواطنين، وكذلك العديد من البحوث التي أجريت حول الموضوع أن غوغل سريت فيو لا تحترم القواعد المتفق عليها (…) إذ أن العديد من الوجوه، ومن لوحات ترقيم السيارات لم تكن مخفية بما فيه الكفاية، بحسب البيان الذي أصدره المسؤول الفدرالي عن حماية المعطيات الشخصية آخر نهار يوم الجمعة.
ونتيجة لذلك، طالب هانس-بيتر ثور من غوغل “تحسين خدمته، والتأكد من مطابقة الصور المنشورة للقوانين المعمول بها في سويسرا”، وأعلن حينذاك نيته الإلتقاء بالممثلين لمجموعة غوغل. وهذا ما حصل فعلا يوم 25 أغسطس 2009، وعقب اللقاء عبّر غوغل عن رغبته في التعاون مع المسؤول الفدرالي عن حماية المعطيات الشخصية، ووعد ممثلو الشركة بإدخال تحسينات على خدمة “ستريت فيو” في غضون أسبوع.
من جهته، ينتظر هانس-بيتر ثور مقترحات محددة من إدارة غوغل، ووعد يوما بعد اللقاء المذكور، ومن خلال بيان صدر عن مكتبه، أنه سيعلن لاحقا النتائج التي توصلت إليها محادثاته، ومن ذلك تخلي غوغل بشكل مؤقت عن وضع صور مناطق سويسرية أخرى على الإنترنت.
وبعد حامي المعطيات، عبر الجيش السويسري بدوره عن قلقه من خدمات غوغل ستريت فيو التي تنكب عليها حاليا وزارة الدفاع للتحقق من أن الصور المتاحة على الإنترنت عن سويسرا لا تكشف عن أسرار عسكرية.
ألمانيا واليونان اكثر تشددا
قبل ذلك، عبّر برونو بايرسفيل، رئيس “بريفاتيم” – جمعية المفوّضين السويسريين لحماية المعطيات الشخصية بزيورخ – عن بالغ قلقه لعدم احترام مسألة أخرى، وهي الإعلام المسبق للسكان في المنطقة التي سيتم تصويرها.
وعلى المستوى الأوروبي، يوجد دليل توجيهي،تختلف درجة الإلتزام به من بلد إلى آخر، بحسب المسؤول بكانتون زيورخ: “في ألمانيا مثلا، يتم إعلام الأشخاص قبل إلتقاط الصور، وفي كل الأحوال قبل أن تنشر على الإنترنت”.
ولكن رغم هذا الحذر، لا تتوفّر ضمانات كافية. في أغلب الأوقات، يكتفي غوغل بالتنبيه إلى الإعلان عن مرور سياراته بالمنطقة عبر موقعه بالإنترنت. وإزاء هذا الأمر، طالب المدافعون الألمان عن حماية المعطيات الشخصية المجموعة الأمريكية العملاقة ببذل مجهود أكبر على مستوى الإعلام. وحتى هذه اللحظة لا يمكن رؤية ألمانيا من خلال خدمة غوغل “ستريت فيو”.
في المقابل، لا يسمح في اليونان لـ “سيارات غوغل”، وهي من نوع “أوبل آسترا”، تعلوها أجهزة تصوير بإمكانها إلتقاط صور 360 درجة، استخدام طرق البلاد، وتطالب السلطات المحلية المعنية بحماية المعطيات الشخصية بمعرفة المزيد عن خدمة “ستريت فيو”.
وفي فرنسا، أعربت اللجنة الوطنية للمعلوماتية وللحريات عن قلقها حول مصير الصور “الخام” (الصور قبل تشويش وجوه المارة ولوحات ترقيم السيارات)، التي يحتفظ بها غوغل بعد أن يقوم بنشر الصور المشوّشة.
وأمام مطالبة المجموعة الأوروبية للسلطات المعنية بحماية المعطيات الشخصية، وعد غوغل علانية وعلى الملأ في يونيو 2009، بعدم الإحتفاظ بالصور الخام بشكل لا نهائي. في المقابل، بقيت الفترة التي يحق لغوغل الإحتفاظ فيها بالصور من دون تحديد. ولا تزال المجموعة الأوروبية تنتظر المقترحات التي سيتقدّم بها غوغل.
الملايين من الصور الخام
وأكد ماثياس مايير، الناطق بإسم شركة غوغل في سويسرا أن غوغل “يولي أهمية كبرى لحماية المعطيات الشخصية”، وأنه “يحترم القوانين المعمول بها في البلد الذي يوجد فيه”، معترفا في الوقت نفسه بأن تكنولوجيا تشويش صور لا تزال تحمل بعض العيوب والقصور، “تماما مثل أي تكنولوجيا حديثة”.
ويضيف الناطق بإسم الشركة: “يتميّز البرنامج الذي نستخدمه بالجدوى القصوى، لكن يحدث في بعض الأحيان أن يشوّش على ما لا يجب أن يشوّش عليه، أو أن يخفق في التشويش على ما يجب أن يشوّش عليه”. ثم يضيف: “نحن بصدد تحسين هذا البرنامج بإستمرار لكي يصبح تشويش الصور أكثر فعالية، ولهذا السبب، نرى الإحتفاظ بالصور الخام ضروريا”. كما دعا هذا المسؤول مستخدمي “غوغل ستريت فيو” إلى التنبيه إلى أي أخطاء تعترضهم. وقد تلقت الشركة منذ أسبوع فقط قرابة 1000 شكوى بسبب صور نشرت دون تشويش.
وحول هذه النقطة بالذات، أكد ماثياس مايير بأن غوغل بصدد التفاوض مع مجموعة عمل تابعة للمفوّضية الأوروبية حول الفصل 29 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية، وذلك بهدف التوصّل إلى تحديد موعد أخير لتحقيق تشويش نهائي للملايين من الصور الخام التي يحتفظ بها العملاق الامريكي في خواديمه.
العم سام يراقبكم
بالنسبة لسيباستيان فانتي، محامي متخصص بالقضايا المتعلقة بالإنترنت، تكمن المشكلات الرئيسية في هذه النقطة بالذات.
تفرض القواعد العامة التي تنظم عمل هذه الشركات الأمريكية، مثل “غوغل” و”فيس بوك”، على هذه الأخيرة التعاون مع أي وكالة حكومية، بمجرد تقديمها لطلب، ومن دون اللجوء إلى القضاء. وإذا ما طلبت وكالة المخابرات الأمريكية من هذه الشركات أيا من المعلومات التي جمّعت في كل بلدان العالم، مثل ما حدث في زيورخ خلال موسم الربيع الماضي على سبيل المثال، فإن غوغل لن يعطيها صورا مشوّشة.
“وعلينا ألا ننسى أن الولايات المتحدة هي دولة تخوض حروبا. وما لم نفهم عمق المأساة التي عاشوها خلال هجمات 11 سبتمبر 2001، لن نستطيع فهم الوضع النفسي الذي هم عليه”، يضيف المحامي الذي هو بصدد إعداد كتاب حول العلاقة بين وكالة المخابرات الأمريكية، وشركات الإنترنت.
وينوه المحامي إلى أن الأمريكيين أنشؤوا عقب إقرار الولايات المتحدة للقانون الوطني المناهض للإرهاب، أكبر قاعدة بيانات في العالم، تستمد معطياتها من جميع الشركات الأمريكية.
وبالنسبة لسيباستيان فانتي فإن “سحب هذه الصورة أو تلك لأن التشويش عليها لم يكن جيدا أو كاملا، مثلما وعدت شركة غوغل الأشخاص الذين يشعرون بأن اعتداء ما قد حصل على معطياتهم الشخصية، لن يكون كافيا”.
ويلخص المحامي النابه (من كانتون الفالي) الموقف بالقول: “يتخذ غوغل أفضل القرارات على مستوى العالم، ولكن اليوم الذي تكون لك مشكلات معهم، عليك أن تبذل الجهود المضنية حتى تحصل منهم على رد عن أسئلتك”.
صور ألتقطت في الماضي
كذلك لا ينكر ماثياس مايير من ناحيته تعاون غوغل مع السلطات. ومن الأمثلة التي يذكرها على ذلك حالة اللصوص الذين تم إيقافهم في هولاندا لأنهم قرروا مخطئين الخروج من نافذة تقع في مدار شاشات سيارات غوغل التي صادف مرورها بالمنطقة.
وردا على القائلين بأن غوغل يتجسس على العالم، مستعيرين عبارة “الأخ الأكبر” التي وضعها جورج أورفيل سنة 1984، يقول الناطق بإسم العملاق الأمريكي: “ما ننشره هو صور التقطت في الماضي، وهي صور ثابتة، غير متحركة، فلا شيء يُبث بشكل مُباشر”.
مارك أندري – ميزري swissinfo.ch
(ترجمه من الفرنسية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)
بيغمان هو الإسم الذي يطلق على الشخص الصغير الذي يشبه ملقط الثياب، والذي يظهر على شمال شاشة الحاسوب في صفحة “خرائط غوغل” أو “غوغل الأرضي”. إذا كان هذا الملقط رمادي فـنت فوق آسيا الوسطى، وشمال كندا، وسهول البرازيل بدرجة واحدة. وليس هناك سبيلا للعودة إلى الأرض.
اللون البرتقالي: هو اللون الذي يظهر عليه بيغمان عندما تكون فوق الولايات المتحدة وبريطانيا، وهولاندا، وفرنسا، وإسبانيا، والبرتغال، وإيطاليا، وسويسرا، وأستراليا واليابان.. إضغط إذن على فأرة الحاسوب للإمساك على بيغمان، وتجوّل به فوق البلد الذي تزور إفتراضيا.
اللون الأزرق: كل الطرق التي سوف تقطعها سوف تظهر على هذا اللون. ويكفي تمرير ظل بيغمان على المنطقة التي تريد الذهاب إليها، فيكون لك ذلك تماما كما لو كنت راجلا تم تجسيده في عالم ثابت، لكنه على درجة عالية من الواقعية.
في الأسفل: هنا يمكنك الدوران حول نفسك بثلاثة مائة وستين درجة، وأن تنظر في الفضاء إلى السموات العلا، وبالإمكان طبعا التنقّل. وللقيام بذلك عليك اتباع الأبعاد التي رسمها غوغل وسط الشوارع والطرقات. وإذا ما إستخدمنا الأسهم لتقديم الصور واحدة تلو الاخرى، كل خطوة يتم قطعها تساوي عشر أمتار. وعندما يصبح الإنتقال بين الصور سهلا وميسورا، يحصل لدينا انبطاع بأننا نتقدم بخطوات كبيرة. والأثر الذي تتركه هذه الحركة أثر كبير. وبإمكاننا أن نذهب بسرعة أكبر بالنقر مرتيْن مباشرة في نفس المكان، أي في المكان الذي نرغب في الذهاب إليه ومشاهدته.
سويسرا تحظى بتغطية كاملة: في غالبية البلدان التي تشملها خدمة غوغل ستريت فيو، تتركز الجهود على المدن الكبرى ومحيطها القريب. أما في سويسرا، فقد قطعت سيارات غوغل فيو العديد من الطرقات الريفية خاصة في الكانتونات الناطقة بالفرنسية، وفي الجورا، وفي كانتونيْ برن وزيورخ. وحتى في التيتشينو جنوب البلاد وفي غراوبوندن شرقها، اللذين تعتبران في العادة كانتونين منسيين نوعا ما، يتكثّف فيها حضور غوغل ستريت أكثر من أي منطقة أخرى إذا ما استثنيْنا الولايات المتحدة.
منذ وصول خدمة “غوغل ستريت فيو”، يقضي المستخدمون للإنترنت أوقاتهم في البحث عن الصور الشاذة أو الغريبة، وعن الصور المقلقة أو المضحكة، وهي صور تخصصت بعض المواقع في تجميعها ضمن معارض للصور.
ومن بين هذه الصور ما يمكن أن يكون مجموعة من الرجال مستلقين للإستراحة عند سياج في مركب فضائي، معلّق في السماء، أو صورة لضبية دهستها سيارة غوغل ستريت في إحدى الطرق الغابية.
المسألة تصبح أكثر حرجا: هذان الزوجان اللذان يجوبان الشارع هل هما فعلا زوجان؟ أو هذه السيارة المتوقفة أمام الماخور، أو هذا النادي الليلي، فماذا يا تراه صاحبها يفعل هناك؟
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.