في بـازل.. غرامات مالية تـنـتـظـر الآبـاء المُهملين
بخُـطى حثيثة، تتقدم مدينة بازل باتِّـجاه استحداث فَـرض غرامة صارمة على أبوي الطفل الذي يتكرّر حضوره إلى المدرسة والنّعاس يغطّي جفونه أو الجوع يلف بطنه أو دون أن يُنجز واجبه المدرسي.
في الأسبوع المنصرم، وافقت الحكومة المحلية لكانتون بازل على تعديل قانون التعليم، ليسمح بفرض غرامة قد تصل إلى 1000 فرنك (863 دولارا)، بسبب الإهانة المتكرّرة.
وبحسب المصادر، فإن هذا الإجراء هو واحد من بين مجموعة إجراءات يعتزم الكانتون اعتمادها ضمن قوانينه، التي تعتبر الأكثر تشدّدا في هذا المجال بسويسرا.
وستواجه هذه الخطوة تصويتا نهائيا، يجريه برلمان مدينة بازل في فصل الربيع المقبل، وقد أعرب مدير التعليم في المدينة كريستوف آيمان عن ثقته التامة بأن يتمّ تمرير القرار.
في الوقت الحاضر، يخضع آباء الأطفال في سن المدرسة للالتزام القانوني بضمان ذهاب أبنائهم إلى المدرسة بشكل منتظم. وفي ضوء هذه المتغيرات، سيتعيّـن على الآباء التقيّـد بحضور الاجتماعات المسائية، التي يدعو لها المدرسون، والتأكد من أهبة أبنائهم جسديا لاستقبال يومهم المدرسي وقيامهم بتحضير الواجبات المدرسية التي تُـعطى لهم.
وينتقد آيمان الصورة السلبية لبعض التلاميذ قائلا: “كثيرا ما يشكو المعلمون من نوم الطلاب في الفصل بسبب بقائهم أمام التلفزيون حتى منتصف الليل”.
ويُحمّل آيمان الأبوين المسؤولية قائلا: “على أولياء الأمور مُـراعاة نوم أبنائهم والتأكّـد من أنهم أخذوا القِـسط الكافي من الراحة قبل وصولهم إلى المدرسة، وكذلك ضمان انتظامهم في الحضور، وأن يكونوا في كامل اليقظة داخل الفصول الدراسية، ويكونوا متأهبين لفهم واستيعاب المواد التي تدرّس لهم”.
أهداف مشتركة
في تصريح أدلى به آيمان لسويس انفو، قال بأن التعديلات القانونية المقترحة تنصّ على ضرورة عرض المشكلة أولا على أولياء الأمور في اجتماع بينهم وبين المدرسة، ثم تكون الخطوة التالية، حيث يقوم الآباء بالتوقيع على لائحة تعليمات يتعهّـدون من خلالها ببذل المزيد من الجُـهد، وستكون الغرامة هي آخر الخطوات.
ويستطرد القول، بأن الآباء، على وجه الخصوص، هم من سيقولون إن كانوا لا يريدون إتِّـباع هذه القواعد. وللأسف، يوجد هناك من الآباء من يقول ذلك. وتكون النتيجة بأن يعطل أطفالهم سير الدّراسة على أقرانهم.
ويوضِّـح القول بأن الآباء الذين لا يستطيعون تحمّـل المسؤولية، كأولئك الذين يشق عليهم القيام بالواجب التربوي بأنفسهم، فإنه يمكنهم الاستعانة بالمدرسة.
ويتابع القول، بأن التفكير الجديد يرتكِـز على فكرة توطيد التعاون بين أولياء الأمور والمدرسة، لتحقيق الأهداف التربوية المشتركة، ويرى بأن هذه الإجراءات مهمّـة لأجل ضمان حصول جميع الأطفال على تعليم جيِّـد.
ويضيف: “نريد وقف تحوّل الشباب إلى مُـعسكر العاطلين والبطالين، هذا على أقلّ تقدير. ونريد أن نعطي جميع الأطفال الفرصة لاكتشاف ذواتهم وتحقيق إمكانياتهم، وهذا قليل كثيرا ممّـا يتعين اعتماده من إجراءات وتدابير”.
وقال: “نعلم أن في ذلك تدخّـل كبير في حياة الناس الخاصة، ولكنه سيكون آخر الحلول. فإذا ما فشلت الحلول الأخرى، لن يبق أمامنا سوى خيار فرض الغرامات”.
حلول أخرى
غير أن هذا الطرح قابله اعتراض من آنّا هاوشر، السكرتيرة المركزية لجمعية الآباء والأمهات المفترقين، التي قالت في مقابلة مع سويس أنفو: “الاقتراح ليس واقعيا، إذ لا يُـعقل أن يُـعاقَـب الأبوان بسبب أحوالهم داخل بيوتهم”، وأكدت قائلة: “إن هذا ليس حلا سليما، فهو لا يقدِّم للأبوين الدّعم الحقيقي الذي هُـم بحاجة إليه”.
وأردفت القول: “سويسرا لديها نقص هائل في مرافق رعاية الأطفال، كما في برامج ما بعد الدّوام المدرسي، وفي وجبات الغداء، وهي أمور توفِّـرها غالبية الدول الأخرى التي لها نفس المستوى المعيشي، وهذا هو ما ينبغي القيام به أولا”.
وأوصت آنا هاوشر بأن تقوم المدارس بتخصيص وقت للتلاميذ للقيام بعمل واجباتهم المدرسية، كما ينبغي على المدرسة – برأيها – أن تساعد في توفير طعام وشراب إضافيين لسدّ حاجة الطفل في الصباح، إذا ما شعر بالجوع أو العطش.
ومضت تقول: “ليس كل الآباء والأمّهات لديهم القدرة والوقت لمساعدة أطفالهم في عمل واجباتهم المدرسية”، واعتبرت أنه: “ليس من السّـهل دَوما جعل الأطفال يتناولون الإفطار قبل ذهابهم إلى المدرسة، كما أن وقت الخلود إلى النوم قد يختلف بحسب الثقافات”، وعليه “من الأنسب التحدث إلى الآباء والأمهات لمساعدتهم على تغيير عاداتهم”.
واختتمت لسكرتيرة المركزية لجمعية الآباء والأمهات المفترقين قائلة: “الغرامة قد تكون عقوبة للوالدين وقد تؤثر سلبيا في حياة العائلات ذات الموارد المالية المحدودة”.
التشجيع بدلا من العقوبة
من جهتها، اتّـخذت فيفيان فينتر من المؤسسة السويسرية لتعليم الآباء والأمهات نفس الموقف وقالت: “بالتشجيع وليس بالعقوبة، يمكننا تحسين الوضع، ذلك أن العقوبات لم تكن يوما من الأيام لتحلّ أية مشكلة”.
وفي الوقت الذي يُطبق فيه نظام الغرامة على نطاق واسع في ألمانيا والنمسا المجاورتين، ناقشت في سويسرا السلطات المعنية في كانتوني برن وزيورخ بعض السبل التي يمكن من خلالها للوالدين تحمّـل المزيد من المسؤولية حِـيال أداء أطفالهم في المدارس.
كما رحب بيات زيمب، رئيس الجمعية السويسرية للمعلمين، بخطوات مدينة بازل، معتبرا أنها تمثل حافزا للأولياء، إذ قد يكون بوسعهم التأثير على أولادهم بشكل أكبر من تأثير المدرسة.
وفي الختام، سيتعيّـن على البرلمان المحلي لكانتون بازل المدينة اتخاذ قراره خلال الربيع المقبل، بعد استماعه للجنة التعليم والثقافة هناك، ويبدو مدير التعليم كريستوف آيمان جِـد متفائل، وهو يقول إنه: “متأكِّـد تماما” من أن المقترح سيُـكتب له النجاح، لاسيما أنه يحظى بدعم إتحاد المعلمين.
سويس انفو – جيسيكا داسي
طُـرحت المبادرة لأول مرة من قبل إدارة التعليم في كانتون مدينة بازل في أبريل 2008، ثم أتبعت بعملية تشاور بين الجهات المعنية.
وافقت عليها حكومة الكانتون في الأول من فبراير 2009، وسيتم عرضها في الربيع المقبل على برلمان الكانتون للتقرير بشأنها.
يجري العمل بنظام الغرامات على الآباء غير المتعاونين، في العديد من الكانتونات السويسرية.
كانتون أرغاو يفرض غرامة من 600 إلى 1000 فرنك على الأبوين اللذين يقصران في حضور الاجتماعات المدرسية التي تُعقد بين الأولياء والمدرسين. أما كانتون أبّـنزيل رودس الخارجية، فإنه يفرض غرامة قد تصل إلى 5000 فرنك للتغيب عن المدرسة بدون إذن.
وفي كانتون ريف بازل، تُفرض على كل من “يخِل بالالتزامات تجاه المدرسة”، غرامة تصل إلى 5000 فرنك.
وفي زيورخ يلزم القانون الآباء بإرسال أبنائهم وهم بـ “لباس وجَهاز مناسبين”، سواء للمدرسة أو للرحلات المدرسية، كما توجد عقود نصية لإلزام الآباء بواجباتهم.
إلا أن النظام في كانتون بازل المدينة هو الأكثر استيعابا وشمولية، بحيث إذا فشلت اجتماعات المعلم مع أولياء الأمور في حل المشكلة، فإن إدارة المدرسة تتحمل المسؤولية في صياغة اتفاق مكتوب في ذات الشأن، وعلى الأبوين التوقيع عليه. وفي نهاية المطاف تؤول المسؤولية إلى الإدارة العامة للتربية والتعليم التي يمنحها القانون الحق في فرض غرامة قد تصل إلى 1000 فرنك.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.