مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

في تركيا.. الورقة الكردية والحسابات الرئاسية

لا يُخفي رجب طيب أردوغان رغبته في تغيير النظام السياسي في تركيا من برلماني في الوقت الحاضر إلى نظام رئاسي. Keystone

اختلطت الساحة السياسية التركية في الآونة الأخيرة بمجموعة من الأحداث التي تؤشر إلى أهمية المرحلة المقبلة بمحطاتها المختلفة على مستقبل التوازنات الداخلية وربما بعض العلاقات الخارجية. فقد اقترب موعد الإنتخابات النيابية المقرر إجراؤها في السابع من شهر يونيو المقبل، وتقاطعت كل التحركات والمناورات والتفاهمات والصفقات المحتملة عند الأهمية المصيرية لما ستسفر عنه هذه الإنتخابات.

فهي أولا الانتخابات الأولى التي تجري في ظل عدم وجود رجب طيب أردوغان رئيسا لحزب العدالة والتنمية وبالتالي للحكومة بعد أن انتُخب رئيسا للجمهورية في صيف العام 2014.

وثانيا هي الأولى في ظل رئاسة وزير الخارجية السابق احمد داود أوغلو للحزب وتاليا للحكومة.

تركيا تغلق معبرين حدوديين مع احتدام المعارك حول حلب السورية

إسطنبول (رويترز) – قال مسؤولون أتراك يوم الأربعاء 11 مارس 2015 إن تركيا أغلقت معبرين حدوديين مع سوريا كإجراء احترازي مع احتدام القتال حول مدينة حلب في شمال سوريا.

وقال مسؤولون في معبري أونجوبينار وجيلفيجوز في إقليم خطاي التركي لرويترز إن المعبرين أغلقا في وجه السيارات والأفراد القادمين من سوريا من التاسع من مارس آذار. وسمح للسوريين الذين يحملون جوازات سفر بالعبور عائدين إلى سوريا.

وأبقت تركيا حدودها مفتوحة للاجئين منذ بداية الحرب الأهلية السورية قبل أربعة أعوام. ولكنها تعرضت لانتقاد لتقاعسها عن اتخاذ خطوات تمنع المقاتلين الأجانب من العبور والانضمام إلى الجماعات المتشددة ومنها تنظيم الدولة الإسلامية.

وحلب التي تبعد نحو 50 كيلومترا جنوبي الحدود مقسومة بين قوات حكومية وجماعات معارضة مسلحة تقاتل بهدف الإطاحة بنظام حكم الرئيس بشار الأسد في حرب تشير تقديرات إلى أن 200 ألف شخص قتلوا فيها.

وقتل العشرات يوم الأربعاء الماضي (4 مارس) حينما هاجم متشددون مسلحون مبنى أمنيا تابعا للحكومة السورية في حلب وفجروه وشنوا هجوما بالأسلحة.

وأعلنت جماعات جهادية منها جبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة وجيش المهاجرين والأنصار مسؤوليتها عن الهجوم.

ويأتي إغلاق المعبرين الحدوديين التركيين بعد ضربة جوية يوم الأحد 8 مارس في شمال غرب سوريا على مقربة من الحدود فأصابت معسكرا تستخدمه جبهة النصرة. وهذا ثاني هجوم كبير على الجماعة في الأيام القليلة الماضية.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 11 مارس 2015)

ومن الطبيعي أن يتبادر إلى الأذهان أن الإنتخابات تعني أولا واخيرا داود أوغلو غذ أنها انتخابات نيابية وللحزب الحاكم، والذي ستتحدد في ضوء نتائجها خريطة البرلمان المقبل وهوية الحزب الحاكم لمدة اربع سنوات مقبلة، أي حتى العام 2019. وبما ان السلطة التنفيذية في تركيا هي بيد الحكومة وبالتالي يُعتبر رئيس الحكومة الرجل الأقوى في البلاد، فإن داود اوغلو سيخوض أول انتخابات نيابية عامة له لتكون اختبارا لزعامته الجديدة للحزب ولممارسته في رئاسة الحكومة منذ نهاية أغسطس 2014. ويُمكن القول أن الإنتخابات هي فرصة لداود اوغلو ليُثبت زعامته للحزب وليكون الرقم الصعب الأول في تركيا.

انتخابات اردوغان أم داود اوغلو؟

غير أن هذه الانتخابات ستكون ذات أهمية مصيرية أيضا لرئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان ولن تقل أهمية بل ستفوق الأهمية التي يوليها داود اوغلو لها. وهذا أمر غير طبيعي في الديموقراطيات كما في تركيا حيث ان الرئيس منذ الحرب العالمية الثانية (وخصوصا بعد دستور 1961 ومن بعده دستور 1982) يمتلك صلاحيات محددة ومحدودة إجمالا تجعل منه أقل أهمية من رئيس الحكومة وخارج الإصطفافات السياسية وحكما بين القوى السياسية وما الى ذلك، وهذا ما يفرض على أي رئيس جديد للجمهورية أن يستقيل من الحزب الذي كان ينتمي اليه قبل أن يباشر مهام عمله ليكون للجميع وليترك للعملية الديموقراطية والإنتخابية ان تجري بصورة طبيعية تهم الأحزاب المشاركة فيها.

غير ان الوضع في تركيا ليس بهذا الشكل. إذ ان وجود حزب العدالة والتنمية في السلطة كان منذ لحظته الأولى بعد انتصاره في انتخابات خريف 2002 وجودا لرجب طيب أردوغان. إذ كان المؤسس والمقرر والآمر والناهي. استعان بشركاء من اليسار ومن التيارات الدينية الأخرى واستعان بقوى أوروبية في لحظة ما، غير انه كان يمضي على امتداد العشر سنوات الأولى من حكمه في اتجاه تغليب النزعة الفردية في الحزب والسلطة واصطدم من أجل ذلك حتى بأقرب المقربين اليه واحد دعامات تمكنه من السلطة والثبات فيها وهو رفيق دربه ونضاله عبدالله غول رئيس الجمهورية الذي استبعد لدى انتهاء ولايته من أن يكون له أي دور داخل حزب العدالة والتنمية.

أردوغان، كرئيس الجمهورية معني مباشرة بالانتخابات النيابية العامة لأنه يرى أن موقع القرار الأول في البلاد والراسم لسياساتها والمحدد لتوجهاتها وخياراتها الإستراتيجية يجب ان يكون حيث يكون هو. وبما أنه انتقل إلى رئاسة الجمهورية، فإن الدستور يجعل منه الرجل الثاني في البلاد بعد رئيس الحكومة لجهة الصلاحيات والتأثير.

من هنا فإن مشروع أردوغان ليس البقاء ضمن حدود ما يمنحه له الدستور بل أن تنتقل صلاحيات رئيس الحكومة إلى رئاسة الجمهورية وهذا ليس بالأمر السهل ويتطلب معركة سياسية كبيرة كما ضد الآخرين كذلك ضد رفاقه في حزب العدالة والتنمية.

أن يعود أردوغان الرجل الأقوى في البلاد دستوريا يتطلب تعديل الدستور والإنتقال بالنظام السياسي من نظام برلماني متعدد، الثقلُ فيه للحكومة ورئيسها، إلى نظام رئاسي يكون رئيس الجمهورية هو رئيس الحزب الفائز في الإنتخابات الذي يُعيّن الوزراء وربما رئيس الحكومة ويحصر السلطة بيده.

مثل هذا الطموح يتطلب خوض معارك على أكثر من جبهة.أولها داخل حزب العدالة والتنمية. ومع أن أردوغان خرج من رئاسة الحزب ومن الحزب، إلا أن تأثيره لا يزال قائما وهو الذي جاء بداود اوغلو رئيسا للحزب وللحكومة كما أن النواب الحاليين هم من صناعته. لذلك فإن مهمته في ادارة الحزب من بعيد وفقا لما يُريد ليست بالصعوبة الكبيرة، فجميعهم يدينون بالولاء له.

لكن مع ذلك فإن المفارقة انه في وقت يخوض رئيس الحزب داود اوغلو الحملة الانتخابية ليؤكد انه جدير بالزعامة وبالتالي تحقيق انتصار جلي له ولحزبه يرسخ زعامته الجديدة ويخرجه من كونه مجرد تابع لأردوغان فإنه بهذا الإنتصار إنما يكون في الوقت نفسه يعمل على جلب نهايته بيده. فالولاء في النهاية داخل الحزب لن يكون له بل لأردوغان وهذا أمر محسوم. لكن داود اوغلو لن يقبل – مع احترامه لأردوغان وفضله عليه – بأن يكون الرجل الذي يُلغي نفسه من أجل شخص آخر ولو كان أردوغان لأن هذه فرصته أيضا ليكون شخصية يذكرها التاريخ وليس الرجل الذي ألغى مركز ثقل رئاسة الحكومة ليعود بعد الإنتخابات مجرد نائب أو وزير بعدما انفتحت له أبواب الزعامة والتاريخ.

اردوغان يريد ان يحقق حزب العدالة والتنمية انتصارا كبيرا بثلثي مقاعد البرلمان لكي يتسنى له ان يُعدّل الدستور في البرلمان والإنتقال بالبلاد إلى نظام رئاسي. وإذا لم ينجح في ذلك، ففوز الحزب بما لا يقل عن 330 نائبا لكي يمكن إحالة أي مشروع لتعديل دستوري الى استفتاء شعبي وإلا فإن كل مشروع اردوغان الرئاسي سوف يُواجه هزيمة كبيرة وتسقط أحلامه في أن يكون الرجل الأقوى دستوريا في البلاد.

في الأثناء، لن يعتمد أردوغان فقط على الحملة الإنتخابية لحزب العدالة والتنمية بل إنه قرر أن يخوض بنفسه (رغم انه رئيس للجمهورية) المعركة الانتخابية النيابية وأن يقوم بجولات في شتى المناطق كما لو أنه رئيس لحزب العدالة والتنمية وبهذا يسعى لتحقيق هدفين: الأول رفع منسوب نجاح الحزب بأكبر عدد من المقاعد والثاني أن ينسب انتصار الحزب الى نفسه وليس الى داود اوغلو.

فيدان و أوجالان

غير ان أردوغان يتبع استراتيجية معقدة بعض الشيء وتحمل أكثر من مجازفة. من ذلك تهيئة الساحة الحزبية لحمل زعيم جديد للحزب بدلا من داود اوغلو وهو حاقان فيدان. فرغم الأنباء التي قالت إن اردوغان يعارض استقالة حاقان فيدان من رئاسة الإستخبارات التركية للترشح الى النيابة فإن بعض المعلومات تقول انها لعبة أردوغانية للإطاحة في مرحلة ما بعد الإنتخابات بداود اوغلو وتنصيب فيدان زعيما للحزب لأن فيدان برأي هذه المصادر أكثر أمانة وطواعية لأردوغان من داود اوغلو. وبالتالي فإن أردوغان يُخطط – حسبما يبدو – لتصفية كل الحرس القديم في الحزب.

ومن بين الأوراق التي يحاول أردوغان أن يستخدمها أو ربما يتلاعب بها من أجل الوصول الى هدفه، الورقة الكردية. فلقد قرر الحزب الكردي المعروف باسم حزب الشعوب الديموقراطي المؤيد لحزب العمال الكردستاني خوض افنتخابات النيابية بصفته الحزبية وليس كمرشحين مستقلين. وهذا يتطلب أن ينال الحزب عشرة في المائة من الأصوات في الانتخابات على مستوى تركيا. وفي ذلك مغامرة كبيرة اذ ان نتائجه السابقة كانت تعطيه بحدود 6-7 في المائة. فإذا فشل في نيل العشرة في المائة فسيبقى كليا خارج البرلمان وهذا ستكون له نتائجه السلبية في الداخل التركي. وهذا بالطبع سيكون لمصلحة حزب العدالة والتنمية الذي سيُجيّر لصالحه معظم المقاعد في المناطق الكردية وسيكون حصول الحزب على ثلثي المقاعد قريبا من المنال وبالتالي سيتمكن اردوغان من تعديل الدستور في البرلمان خارج أي ابتزاز كردي.

لكن اردوغان يتحسب، في المقابل، لاحتمال أن ينال الأكراد النسبة المائوية المطلوبة وبالتالي فإنه سيكون بحاجة إلى نوابهم الستين أو السبعين لتعديل الدستور والإنتقال بالبلاد إلى نظام رئاسي. من هنا كانت حركة أردوغان باتجاه إغداق الوعود على حزب العمال الكردستاني وخصوصا رئيسه المعتقل عبدالله أوجالان بتلبية المطالب الكردية على أن يقوم أوجالان في المقابل بخطوة كبيرة جدا تتمثل في الدعوة إلى تخلي الحزب عن السلاح في مؤتمره المقبل، أي أن يتخلى الحزب عن السلاح مقابل تلبية المطالب الكردية على أن يقابل الأكراد ذلك بتأييد تعديل الدستور للإنتقال الى نظام رئاسي يلبي طموح أردوغان خصوصا وأن الأكراد يعنيهم أولا وأخيرا تحقيق مطالبهم سواء كان النظام في تركيا برلمانيا أو رئاسيا.

تحركات وتناقضات 

لكن هذا السيناريو الذي يرسمه أردوغان ليس بالسلاسة التي يعتقدها. فالمشكلة الكردية بالطبع لن تبقى إلى الأبد بلا حل لكنها أيضا لن تكون كذلك في ظل مهلة زمنية قصيرة جدا وضاغطة ومحكومة بالإنتخابات. كما أن الأبعاد الإقليمية وخصوصا في ظل ما يحققه الأكراد من تقدم في سوريا ومن عدم وضوح المشهد الإقليمي المحيط بتركيا يجعل من خطوات التقدم لحل المشكلة الكردية محكومة بكل هذه العوامل غير الواضحة والتي لا يتوقع ان تكون كذلك في المدى المنظور وقبل أن تتبلور معالم الصراع الدامي وانتهاء الإضطراب الكبير الذي تشهده المنطقة والذي لا تبدو له نهاية قريبة.

وإذا كان لفت في الآونة الأخيرة بعض التحرك التركي الجديد ،بعد انقطاع طويل، في اتجاه قوى ودول كان على توتر معها مثل زيارة اردوغان الى السعودية، فإنه من المبكر القول بعودة التحالفات السابقة بين انقرة والرياض ولا سيما بعد هذا الكم الكبير في التناقضات ولا سيما في موضوع الإخوان المسلمين ومصر. ومثل هذا التواصل الجديد لن يكون مؤثرا في القضايا المشتركة مثل العداء لسوريا إذ أن الإختلاف بين انقرة والرياض لم يؤثر على استمرار موقفهما العملي من السعي لإسقاط النظام السوري وبالتالي لن تحدث زيارة اردوغان للسعودية اي اضافة استثنائية في صراعهما ضد دمشق. ومع أن السعودية تحاول حشد التأييد ضد ايران عشية اتفاق نووي مرتقب بين طهران والغرب، فإن تركيا لن تكون في وارد الذهاب بعيدا مع السعودية لمعاداة ايران حيث المصالح التركية – الإيرانية المشتركة قائمة وتفرض نفسها وتخريبها لن يكون لصالح أي من الطرفين.

عموما، لن تغير الحركة التركية الخارجية الجديدة كثيرا من المشهد الداخلي الذي يبني جميع الفرقاء حساباتهم تبعا لما ستسفر عنه الإنتخابات النيابية المقبلة التي ربما تكون فاصلة لتحديد طبيعة النظام السياسي المستقبلي للبلاد كما لتحديد البوصلة التي ستكون عليها المشكلة الكردية سواء في اتجاه تعزيز فرص الحل أو عودة الإنفجار الكبير إلى الساحة الداخلية بكل ما تختزنه (المشكلة الكردية) أيضا من أبعاد اقليمية ودولية.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية