الأطفال الأصغر سنا يَتَغيّبون عن المدرسة أيضاً
يَعتقد مُعظم الأشخاص أن التلاميذ المُتغيبين عن المدارس هم من الفئة العمرية الأكبر سناً. لكن الخُبراء يقولون إن عدم الحضور إلى المدرسة يمثل مشكلة مُتنامية في سويسرا بين الأطفال الأصغر سنا أيضا.
“المُشكلة تبدأ في رياض الأطفال، حيث توجد العديد من الغيابات بالفعل”، كما قال فريدي نوسَر، رئيس رابطة مديري المدارس في كانتون سانت غالن للتلفزيون العمومي السويسري الناطق بالألمانية في تقرير عُرض مؤخراً.
هذا الإرتفاع في حالات التغيب في مرحلة رياض الأطفال (التي تتراوح أعمار الأطفال فيها من سن 4 إلى 6 سنوات في العادة) وفي المرحلة الابتدائية مُقلِقة بالنسبة لـ نوسَر. “لم يعد بامكاننا تجاهل هذا الوضع. ينبغي علينا أن نتعامل مع الأمر بجدية. وإذا لم نفعل ذلك، سوف نكون أمام مشكلة أكبر في غضون عشر سنوات، مع نسبة الغياب المقاربة لـ 20 – 30%”، كما قال.
لهذا السبب، قام الكانتون في عام 2014 بتأسيس فريق عَمَلٍ مَعني بهذه المسألة، تم توسيعه في عام 2017. ويتكون هذا الفريق من أعضاء يعملون في مجالات التدريس أو الصحة أو العمل الإجتماعي، ويضم في عضويته ألزبيث فرايتاغ، نائبة مدير خدمة الإرشاد المدرسي في كانتون سانت غالن.
وعن سبب تغيب أطفال تتراوح أعمارهم بين 6 و8 سنوات عن الصفوف الدراسية، قالت فرايتاغ: “نحن نعلم من نتائج الأبحاث بأن الخوف هو عامل مُرَجَّح للتهرب من المدرسة في 80% من الحالات”. وهذا الخوف قد يكون من المدرسة، أو من الفشل، أو من التعرض للتَنمُّر.
الشعور بالخوف من المدرسة، يمكن أن يؤدي أيضاً إلى سَماح ذوي الأطفال ببقائهم في منازلهم لأيام عديدة، أو لأسابيع حتى. لكن، وكما قالت فرايتاغ في المقابلة التلفزيونية، “يخجل العديد من المَعنيين من التَحَدُّث عن ذلك”.
توجّه وطني
في الوقت الراهن، لا توجد إحصاءات وطنية في سويسرا حول ظاهرة التغيّب عن المدرسة. لكن رابطة المعلمين السويسريين تقول إنها لاحَظَت وجود مَيل نَحو مَزيد من التَغيُّب عند الأطفال الصغار على العموم. وتَتضح هذه الحالة على مستوى رياض الأطفال غالباً عند تنظيم نشاط خارج الصفوف، مثل القيام برحلة إلى الغابة، حيث يَعتَذر ذوي الطفل عن مشاركته لـ “شعورهم بأن هذا (أمر) خطر جداً أو مُرهق بشدة”، وفقا لما قالته فرانزيسكا بيترهانز، الأمينة العامة للرابطة لـ swissinfo.ch. . وغالباً ما لا يتمتع أولياء الأمور هؤلاء بخبرة كبيرة في الهواء الطلق.
في أغلب الأحيان، تعتقد نفس هذه الفئة من الآباء والأمهات بأن المدرسة تُطالب أطفالهم بأكثر مما ينبغي، وأن بعض المبادئ المطلوبة من قبل المدارس ليست ضرورية حقا، كما جاء في تعليقات بيترهانز التي بعثت بها عبر البريد الإلكتروني.
وكما أضافت الأمينة العامة لرابطة المعلّمين السويسريين، فإن التغيّب عن المدرسة، وبغض النظر عن عُمر التلميذ، يُعتَبَر مسألة خطيرة. ومن المُهم أن تُفهَم الأسباب الكامنة وراء هذا الوضع وأن تُتَّخَذ التدابير اللازمة لتغييره؛ لذا فإنه من المهم بالتأكيد دراسة المسألة من جميع الزوايا، كما هو الحال في كانتون سانت غالن.
على سبيل المثال، يلجأ فريق العمل في سانت غالن إلى تنظيم حملات إعلامية ودورات تدريبية إضافية للمعلمين، من أجل توجيه الإنتباه إلى هذه المسألة.
مواقف الأبوين
على الجانب الآخر، توجد هناك بعض الأبحاث حول أسباب التغيب عن المدرسة بالنسبة للتلاميذ الأكبر سناً (الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و17 سنة). وقد أجرِيَت الدراسة التي نُشرت في عام 2008 من قبل مارغريت شتامّرابط خارجي، وهي أستاذة فخرية للتربية والتعليم في جامعة فريبورغ. ووفقاً لهذه الدراسة، تعود بعض الأسباب الرئيسية لتفويت هذه الفئة من التلاميذ للفصول الدراسية، إلى شعورهم بالتَعب من المدرسة، أو لتخلفهم عن الرَكب التعليمي.
وكما قالت شتام للتلفزيون العمومي السويسري الناطق بالألمانية، فإنها لم تفاجأ بوجود ظاهرة التَهَرُّب من المدرسة في صفوف التلاميذ الأصغر سنا أيضا. “هناك تحول في القيم داخل المجتمع؛ فالجيل الحالي من أولياء الأمور أكثر استعدادا لمخالفة القواعد المدرسية”، على حد تعبيرها.
الخبراء من جانبهم مُتفقون على ضرورة مُحاسبة الآباء والأمهات أيضاً. وفي الوقت الراهن، يُمكن أن يَتَسَبَّب غياب الأطفال عن المدرسة بِفَرض غرامة مالية على ذويهم (تعتمد قيمتها على كانتون الإقامة). وفي حالات التغيب الطويلة، يمكن أن يتم الإبلاغ عنهم إلى هيئة حماية الأطفال والبالغين، التي تقرر اتخاذ مزيد من التدابير بعد ذلك. وفي بعض الحالات القصوى للغاية، يمكن أن تتدخل الشرطة أيضاً. مع ذلك، يتم اللجوء دائما إلى دراسة الحالة، والأسباب الكامنة وراءها بشكل متأنّ جداً في بداية الأمر.
بالإضافة إلى مشكلة التغيّب، توجد هناك قضية أخرى تتمثل بلجوء أولياء الأمور المُتزايد إلى اصطحاب أطفالهم في عطلة خلال الفصل الدراسي، كما أكدت بيترهانز، التي تشدد إلى حاجة مثل هذا التغيّب إلى الحصول على إذن مُسبق من المدرسة.
“بالنسبة للمعلمين، تولد حالات الإنقطاع عن الدراسة هذه عملاً إضافياً، بسبب حاجة الأطفال إلى تعويض الدروس التي فاتتهم. كما يجب تزويد الآباء والأمهات بالتعليمات الصحيحة للمساعدة في اللحاق بالعمل المدرسي”، كما أضافت الأمينة العامة لرابطة المعلّمين السويسريين.
أيام “الجوكر”
في كانتون زيورخ على سبيل المثال، يُمنَح أولياء أمور التلاميذ في المدارس الإبتدائية يومين في السنة يُمكن أن يَتَغَيَّب أطفالهم خلالها، دون أن يضطرهم ذلك لتقديم عذر للمدرسة. وفي هذين اليومين اللذين تُطلق عليهما تَسمية “يومَي الجوكَر”، لا يتعيّن على أولياء الأمرو سوى إبلاغ المعلم/المعلمة مُسبقا عن عَدم حضور أبنائهم للمدرسة.
في نفس السياق، قدَّمَت مجموعة من التلاميذ المغامرين من مدرسة ثانوية في زيورخ امقترحاً من خلال معلمهم – لعدم بلوغهم سن الثامنة عشر بعد – إلى البرلمان المحلي للكانتون للسماح بأيام ‘جوكر’ على مستوى مدرستهم أيضاً.
تم قبول المُقترح من قبل برلمان كانتون زيورخ في موفى شهر ينايَر المنقضي، لكنه لا يزال بحاجة إلى تجاوز عقبة خضوعه لقراءة ثانية حيث تُعارضه حكومة الكانتون. وبرأي سيلفيا شتاينَر، مديرة التعليم في الكانتون، فإن وجود ‘أيام جوكَر’ على مستوى المعاهد الثانوية يُرسل “إشارة خاطئة”، وبأن 13 أسبوع عطلة، والقدرة على أخذ إجازة بإذن هو كافٍ بالنسبة للطلاب.
تجدر الإشارة إلى أنَّ أن مُمارسة ‘أيام الجوكر’ ليست منتشرة على نطاق واسع في الأنحاء الناطقة بالفرنسية من سويسرا. وبحسب صحيفة “لا تريبون دو جنيف”، فإنه لا يُسمَح بهذه الممارسة إلّا في كانتون جورا.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.