الوَضع الإجتماعي لا يلعب دوراً في اختيار المستقبل المهني
يتمتع التدريب المهني في سويسرا بِسُمعة جيدة على الصعيد الدولي لكنَّ المخاوف بدأت تتصاعد من فقدانه لقاعدته على أرض الوطن. بيد أن دراسة أجريت مؤخراً أظهرت بأن هذا الوضع ينطبق على المهاجرين فقط.
في المؤتمر الدولي للتعليم والتدريب الإحترافي والمهنيرابط خارجي، الذي عُقِدَ مؤخراً في مدينة “فينترتور” (كانتون زيورخ) ، إمتدح المشاركون نظام التدريب المهني السويسري المزدوج، الذي يَجمَع بين التَعَلُّم في المدارس والعَمل في شركات مُضيفة. وفي الوقت الراهن، يَتَّبِع ما لا يقل عن ثلثي التلاميذ الذين ينهون تعليمهم الأساسي الإلزامي هذا المَسار الدراسي.
السؤال إذن: لماذا الحديث عن حصول تراجع في هذا الوضع؟ “أعتقد أن لذلك علاقة كبيرة بالتطورات الإقتصادية الحاصلة في البلاد، والتوجّه نحو الإرتقاء بالمهارات، لأن سوق العمل بات يتطلب المزيد من مهارات التعليم اللاحق للمرحلة الثانوية”، كما يقول توماس بولّيرابط خارجي من معهد KOF السويسري المتخصص في دراسة الظرفية الإقتصاديةرابط خارجي، الذي يشكل جزءاً من المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ.
وكما أضاف بولّي، قد يكون لدى الناس لإنطباع بأن التدريب المهني لا يشكل قاعدة جيّدة كافية لتعزيز مهاراتهم ومستواهم التعليمي. وعلى سبيل المثال، شهدت وسائل الإعلام جدلاً واسعاً حول ما إذا كان أولياء الأمور يدفعون بأولادهم للتوجه نحو المدرسة الثانوية (المعروفة باسم gymnasium في الجزء الناطق بالألمانية، و lycée في الجزء الناطق باالفرنسية و liceo في الأنحاء المتحدثة بالإيطالية) للحصول على شهادة البكالوريا الفدرالية، التي تؤهلهم للإلتحاق مباشرة بإحدى الجامعات الأكاديمية أو المعاهد التقنية الفدرالية العالية.
السبب الآخر في اعتقاد بولّي يرجع إلى تدويل الإقتصاد. كذلك قد تكون زيادة نسبة الهجرة من بلدان ينصب التركيز فيها على الحصول على درجة جامعية، من العوامل المؤثرة على النظرة إلى التعليم والتدريب المهني في سويسرا أيضاً.
في هذه السياق، ورغبةً مِن بولّي وفريقه في معرفة ما إذا كان بإمكانهم دَعم هذه التصور من خلال بيانات موَثّقة، خرجوا بفكرة لقياس الوضع الإجتماعي للفئة التي اختارت الإنخراط في مسار التعليم والتدريب المهني، وتلك التي اختارت التوجّه إلى التعليم الثانوي المؤدي للحصول على شهادة البكالوريا الفدرالية.
خطط الحياة ونتائج الاختبارات
من أجل تنفيذ هذه الفكرة، قام بولّي وفريقه بتفحص نتائج “البرنامج الدولي لتقييم الطلبة” “بيزا” (PISA) في مادتي القراءة والرياضيات لـمجموع 50,000 طالب وطالبة بعمر الخامسة عشرة، ومقارنتها بأقوالهم حول ما يريدون القيام به بعد الإنتهاء من مرحلة الدراسة الإلزامية (حيث تتراوح أعمارهم بين 15 و16 سنة في سويسرا). وكما قال بولّي موضحاً: “لو أن المكانة الإجتماعية للتعليم والتدريب المهني في تَراجُع، فإننا نتوقع أن يختار الطلاب ذوي القدرات المُتَدَنية مسار التدريب المهني”.
لكن النتائج التي خرجت بها الدراسة أشّرت إلى وجود تداخل كبير فيرابط خارجي نتائج “البرنامج الدولي لتقييم الطلبة”رابط خارجي (PISA) بين فئة الطلاب الذين إختاروا التدريب المهني وأولئك الذي سلكوا المسار الأكاديمي. “وهكذا لا يزال هناك أشخاص حاصلين على درجات عالية للغاية في البرنامج الدولي لتقييم الطلبة ممن يختارون التعليم والتدريب المهني”، كما قال بولّي.
علاوة على ذلك، ظل هذا التداخل مُستقراً منذ عام 2000 وحتى عام 2012. وبحسب بولّي فإنه “يُمكن للمرء أن يستنتج من هذه الدراسة أن المكانة الإجتماعية للتعليم والتدريب المهني لم تتراجع”.
خلفية الوالدين وبلد المنشأ
وماذا عن الخلفية التعليمية للوالديْن، التي كثيراً ما يُشار إليها كعامل مُحَدِّد للتحصيل العلمي في سويسرا؟ “هذا لم يُحدِث أي فَرق فيما يتعلق بالمكانة الاجتماعية للتعليم والتدريب المهني”، يجيب بولّي.
ما كان له فرق على الجانب الآخر هو بلد المنشأ. فقد كانت سُمعة التدريب المهني هي الأعلى بين أولئك الذين وُلِدَ أحد والديهم في سويسرا، والمنتمين إلى دول لديها أنظمة مزدوجة مماثلة لتلك الموجودة في سويسرا، مثل ألمانيا والنمسا في المرتبة الثانية. بينما كانت سمعة هذا النوع من التعليم هي الأدنى بين المراهقين الذين ينتمي آباؤهم إلى بلدان لا تتمتع بتقاليد قوية في مجال التدريب المهني.
مع ذلك، وجدت الدراسة بأن المكانة الإجتماعية للتدريب المهني قد ازدادت كلما طالت فترة إقامة المهاجرين في سويسرا. “هذا يعني بأن المعلومات والتنشئة الإجتماعية تلعب دوراً مهماً هنا. ينبغي على الخدمات الإستشارية المهنية أن تُطلع الُمهاجرين بالأخص على نقاط القوة التي يتمتع بها نظام التدريب المهني” السويسري، على حد قول بولّي.
وهذا يشمل أيضاً إطلاعهم على النفاذية التي يتمتع بها نظام التعليم السويسري. وعلى سبيل المثال، يمكن للطالب الحاصل على شهادة البكالوريا المهنية أن يختار أما التوجّه إلى سوق العمل، أو متابعة الدراسة والحصول على شهادة دبلوم من إحدى المعاهد العليا المتخصّصة. كما توجد جامعات تستقبل الطلبة من هذا المستوى في بعض أقسامها الدراسية.
+ تعرّف على المزيد من المعلومات حول نظام التعليم في سويسرا
الإحجام من قبل الأجانب
من جانبها، قالت الرابطة السويسرية للموظفين التجاريينرابط خارجي إن نتائج الدراسة مشجّعة للغاية، وأكدت أن التدريب المهني “يسير على الطريق الصحيح”.
وكما أخبر ميشيل كرافت، خبير برامج التلمذة المهنية التجارية في الرابطة swissinfo.ch عبر البريد الألكتروني: “نحن نلاحظ أثناء المناقشات التي نُجريها مع أولياء الأمور والطلّاب مدى أهمية الإشارة إلى الفُرَص العديدة المُتاحة أثناء التدريب المهني وبعده”. وكما يعتقد كرافت، ينبغي تعزيز البرامج الخاصة بالطلاب ذوي الإمكانات العالية، مثل دراسات الباكالوريا المهنية.
في السياق ذاته، لاحظ نيكلاوس شاتسمانّرابط خارجي، مدير إدارة المدارس الثانوية وقسم التعليم والتدريب المهني في كانتون زيورخ، إحجاماً من طرف الأجانب للإنخراط في مجال التعليم والتدريب المهني. وكما جاء في رسالته عبر البريد الإلكتروني: “العامل الرئيسي هنا ليس مجرد الإفتقار للمعرفة الكافية بشأن هذا النظام التعليمي، ولكن هذا [الإحجام] يعود أيضا لانعدام الثقة والإعتقاد بِمُضاهاة التدريب المهني الأساسي في أهميته للتعليم المدرسي”.
ولهذا السبب، يُدير مكتب التوجيه والإستشارات المهنية في كانتون زيوريخ خدمة “إنتَغراس” Integrasرابط خارجي للمهاجرين، التي تقدم معلومات كثيرة حول نظام التعليم السويسري، ونصائح للبحث عن وظائف بعدة لغات. ورغم أن شاتسمانّ يعتقد بأن هذه الخدمة كافية، لكنه يرى ضرورة بَذل المزيد من الجهود للوصول إلى الفئات المُستهدفة من المهاجرين بشكل عام.
وكما أضاف، بذل أرباب العمل والكانتونات إجمالاً الكثير من الجهود لإضفاء الجاذبية على التعليم والتدريب المهني، وضمان استيفائه لمتطلبات سوق العمل المستقبلية. وهذا يشمل خَلق وظائف جديدة مثل تصميم الوسائط التفاعلية.
واختتم شاتسمانّ حديثه بالقول: “لذا فمن غير المستغرب أن تكون مكانة وجاذبية التعليم والتدريب المهني قد تقدَّمت عوضاً عن تراجُعها”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.