” قمة الاندماج أن يمنحك السويسريون أصواتهم في صناديق الإقتراع”
تُوجت مسيرة سهيل مُهنّا، المواطن السويسري من أصل سوري، بانتخابه لعضوية المجلس الدستوري الذي سيسهر على صياغة دستور كانتون جنيف، بعد أن تقلد هذا المناضل اليساري لأكثر من 40 سنة عدة مناصب نقابية وسياسية. وهو يعتقد جازما أن "قمة الاندماج، أن يمنح مواطن سويسري صوته لمرشح يحمل إسما عربيا ويدافع عن قيم عالمية تهدف لإقامة عالم مسالم وعادل".
سهيل مهنا، شخصية سياسية يسارية معروفة على مستوى الساحة السياسية في جنيف، ونموذج متميز للإندماج النشيط في المجتمع السويسري. واندماجه هذا اتخذ عدة مسارات، سواء من حيث المهنة التي زاولها كأستاذ للرياضيات في معاهد وجامعات لوزان وجنيف لأكثر من أربعين عاما، أو من حيث مساره النقابي الذي قاده إلى رئاسة نقابة أساتذة العلوم والرياضيات على مستوى سويسرا بأكملها، وتجنده السياسي في أحزاب أقصى اليسار الذي سمح له بتولى منصب عضو في المجلس البلدي لمدينة جنيف ونائب في البرلمان المحلي لكانتون جنيف قبل أن يُنتخب في المجلس الدستوري الذي سيتولى صياغة دستور الدويلة للقرون القادمة.
وإذا كان بعض السياسيين من أصول أجنبية يطرقون باب الحياة السياسية في سويسرا من باب الانتهازية وتحين الفرص، فإن سهيل مهنا دخل هذا الميدان من منطلق الاقتناع العميق بمبادئه اليسارية المتمثلة في الدفاع عن المظلومين والطبقات الكادحة والعمل من أجل الوصول إلى مجتمع عادل، وقد تم هذا في بعض الأحيان حتى “ضد مصالحه الشخصية”، كما يقول.
نقابي منذ الصغر
عند توجيه السؤال للسيد سهيل مُهنا عن الأسباب التي جعلت أستاذ رياضيات يتحول الى نقابي وسياسي مشهور على مستوى جنيف، جاء الجواب مباشرا وبدون تردد “أنا من صغري من الناس الذين لا يتحملون الظلم وعدم المساواة”، وهي صفة يبدو أنه “لربما يرثها من والده”، مثلما اتضح في نهاية الحديث معه.
فقد تولى مُهنا في وقت مبكر رئاسة اتحاد الطلبة السوريين في فرنسا مما جعله يحتك بالنشاطات الطلابية العربية والعالمية خصوصا في فترة الستينات والسبعينات الثرية بالتحركات والإنتفاضات الطلابية وبالأخص ثورة مايو 1968 بفرنسا وعدة بلدان أوروبية.
ويشير سهيل مُهنا إلى أن مجيئه إلى سويسرا جعله يتقلد بشكل طبيعي مهمات نقابية على مستوى أساتذة تدريس الرياضيات. فأصبح في عام 1980 رئيسا لنقابة أساتذة الهندسة والتقنيات على مستوى جنيف، قبل أن يُنتخب لتولي نفس المهمة ولكن على مستوى القطر السويسري بأكمله في عام 1990.
وبوصفه موظفا حكوميا، أصبح في عام 1996 رئيسا لنقابة موظفي الدولة على مستوى كانتون جنيف. ويتذكر السيد سهيل مهنا، أن هذه الفترة (وبالأخص ما بين عامي 1996 و1997) تميزت بخوض العديد من المعارك النقابية والإضرابات التي سمحت بتحقيق العديد من المكاسب الاجتماعية مثل معركة دمقرطة التعليم العالي والسماح لأبناء العائلات التي ليست لديها إمكانيات مادية بمزاولة الدراسة الجامعية. وفي هذا السياق، يعتبر سهيل مُهنا أن التعليم لا يجب أن يقتصر على مجال التخصص لوحده بل لا بد من أن يتعلم الطالب الفكر النقدي وهو توجه شجع على تطويره.
حادث عارض يقوده للسياسة
إذا كانت تعقيدات صحية عابرة قد أجبرت السيد سُهيل مُهنا على الإبتعاد عن العمل النقابي، فإن ذلك تحول إلى دافع شجعه على التجند من أجل تغيير الأمور من الأصل، أي بصفته سياسيا وعضوا في المجلس البلدي ثم نائبا في البرلمان المحلي لكانتون جنيف وفي مناصب أخرى بعد ذلك.
فقد تم انتخابه كعضو في المجلس البلدي لمدينة جنيف في عام 1999. وعلى إثر تغيير قوانين الكانتون والسماح للموظفين التابعين للدولة بتولي مناصب سياسية مع مواصلة أداء مهامهم في القطاع العمومي، تقدم لخوض الانتخابات البرلمانية على مستوى كانتون جنيف، وأصبح نائبا في عام 2001 لفترة أربعة أعوام. ومن أهم المعارك التي خاضها في تلك المرحلة الدفاع عن قطاع الخدمات العمومية سواء بالنسبة للمستشفيات أو الجامعات أو على مستوى المصالح التابعة للحكومة المحلية.
لكن انقسام “تحالف اليسار” الذي كان يضم ثلاث مجموعات سياسية صغيرة، إلى حركة “التضامن” SolidaritEs من جهة، وكلا من حزب العمل الشيوعي والمستقلين اليساريين من جهة أخرى، جعله يفقد كل تمثيل له بسبب عدم تمكن أي مجموعة من بلوغ النصاب المطلوب لدخول البرلمان أي 7% من الأصوات على أقل تقدير.
ولكن هذا الفشل لم يمنع السيد سُهيل مُهنا من مواصلة النضال بشكل آخر، وهذه المرة بصفته رئيسا لرابطة المتقاعدين التي تعنى بتمثيل مصالح حوالي 15 ألف متقاعد على مستوى كانتون جنيف.
وسط صعب.. ولكنه ديمقراطي
هذه النضالات السياسة اليسارية التي خاضها السيد سُهيل مُهنا، دارت أطوارها في معقل الليبرالية، جنيف، وفي سنوات تميزت بهيمنة تحالف الأحزاب البورجوازية تارة على الجهاز التنفيذي وتارة أخرى على كل من الجهاز التنفيذي والتشريعي في آن واحد.
وهو ما يستذكره بالإشارة إلى أن “الإمكانيات لم تكن متكافئة من الناحية المادية”، فعندما تخصص التيارات اليسارية مجتمعة عشرين الف فرنك لحملة انتخابية على سبيل المثال، تخصص مجموعة واحدة من مجموعات اليمين حوالي 500 الف فرنك. يضاف الى ذلك أن أرباب العمل يقفون بقوة وراء الأحزاب البورجوازية “وهو ما يجعل العمال متخوفين من الجهر بمواقفهم”، على حد تعبيره.
ولكن هذه الأوضاع غير المتكافئة هي التي يرى السيد سهيل مهنا أنها “ظروف ملائمة لعمل التيارات اليسارية لأن من واجب هذه التيارات إن كانت يسارية فعلا، حث الطبقات الكادحة التي تشكل الغالبية، على التجند للدفاع عن المكاسب الاجتماعية والحقوق السياسية”.
وإذا كانت ظروف المواجهة مع الأحزاب البورجوازية صعبة، فإن السيد مهنا يجد شيئا من العزاء في أنها تدور في بلد يعتبره “البلد الأكثر احتراما للديمقراطية والحرية ولحرية التعبير في العالم، ولو أن هذه الحرية ليست كاملة وأنه من الضروري أن تتحسن”.
وعن حكمه على السويسريين أو بالأحرى على سكان جنيف من أنصار التيارات اليسارية الذين اختلط بهم طوال هذه المدة، يقول السيد سهيل مهنا “هذا المجتمع ليس مثاليا ولذلك يجب أن نواصل نضالنا، ولكن من خلال تجربتي بالخصوص في جنيف أجد أن الناس في جنيف يولون أهمية كبرى للحريات الديمقراطية وللحقوق الاجتماعية، ولديهم الإرادة والشجاعة الكافية، عندما يواجهون ظلما غير طبيعي وغير منطقي، من أجل خوض المعارك. ولكن الظروف المتوفرة في سويسرا عموما وفي جنيف بالخصوص، وباستثناء بعض الانحرافات المعروفة، تسمح بقنوات تعبير متعددة، وهو ما لا يعرضك للاعتقال على الفور أو للتعذيب مثلما هو الحال في عدد من الدول”.
الأزمة قد تعيد لليسار الحقيقي مكانته
وبما أن معقل الليبرالية أي جنيف تمر هذه الأيام كباقي العواصم الاقتصادية الغربية بأزمة مالية واقتصادية، كان التساؤل طبيعيا حول تصوره لمستقبل التيارات اليسارية ولطبيعة المواجهة القادمة من أجل الحفاظ على المكاسب الإجتماعية في ظل هذه الأجواء المتسمة بالانتكاس والإنكماش وبوادر الكساد.
يُجيب السيد سُهيل مُهنا “لربما أن أسوأ ما يمكن أن تؤول إليه الأمور هو العودة الى ما كان سائدا من قبل سواء من الناحية الاقتصادية أو المالية أو السياسية”، لذلك يتوقع تغيرا في طبيعة العمل النقابي “الذي إن كان من قبل يُواجه مالكي الشركات وممثلي أرباب العمل مباشرة، فإننا نجد اليوم أن ملكية الشركة تتحول في اليوم الواحد بين أياد متعددة وعبر الوسائل الالكترونية بدون أن يكون هناك تشخيص واضح للمالك، كما أن هذه العولمة أظهرت بأنها لم تكن في صالح الشعوب والطبقات الكادحة بل دفعت الى جشع ونهم أرباب العمل بشكل كبير، وإلى حروب من أجل الموارد الطبيعية”.
أما الظاهرة الأخطر اليوم فهي تتمثل حسب رأيه في “محاولة هذه الأوساط توظيف الحكومات اليوم للحفاظ على مصالح أرباب العمل والمصارف على حساب الشعوب والعمال والطبقات الكادحة”. وهذا ما يدعو في نظره الى توسيع جبهة المواجهة لتشمل “كل من يرغب في إقامة مجتمع عادل وتقدمي يحول دون استغلال الإنسان للإنسان”.
ويرى سهيل مُهنا أن هذه المبادئ مجسدة بشكل أوضح في التيارات اليسارية الحقيقية وليست تلك التي تتخذ من اليسار مجرد واجهة، لكنه يُشكك في قدرة القيادات السياسية الحالية على خوض هذه المعارك التي – حتى وإن كانت معارك ديمقراطية – فإنها ستكون أعمق وأوسع وأكثر تعقيدا مما عرفناه من قبل.
تتويج بالمشاركة في صياغة الدستور
لا يوجد شك في أن انتخاب السيد سهيل مهنا في اللجنة الدستورية يُعدّ تتويجا حقيقيا لمسيرة سياسية ونقابية وإنسانية طويلة، كما أن اختياره من طرف الناخبين بنسبة أصوات تفوق كل التوقعات يعتبر اعترافا وتقديرا لما قدمه لفئات من أبناء جنيف على مدى العشريات الماضية.
فعندما ظهر مشروع تأسيس لجنة دستورية لإعادة صياغة دستور دويلة جنيف الذي يعود تاريخ كتابته إلى عام 1847، ألح عدد من الأصدقاء على هذا النقابي المخضرم لشغل منصب في هذه اللجنة (وهو مجلس يتكون من 80 عضوا أُوكلت غليه مهمة صياغة دستور جديد في غضون السنوات الأربع القادمة) التي يحتل فيها ممثلو التيارات اليمينية الأغلبية.
وعن الأسباب التي دفعت السيد سهيل مهنا لتولي هذه المهمة اقتناعه بأن “هذا الدستور يجب أن يكون دستورا تقدميا يحافظ على المكاسب الاجتماعية” التي انتزعها الكادحون بعد نضالات مريرة. ويتذكر السيد مهنا بالمناسبة أن “استطلاعات الرأي كانت تعطينا كممثل عن رابطة المتقاعدين، ما بين 2 و 3 % من الأصوات فقط، لكننا حصلنا على أكثر من 10% أي في تجاوز كبير حتى لأحزاب كبرى على مستوى جنيف وهو ما أدى إلى الدهشة في الأوساط السياسية”.
وعما إذا كانت المشاركة في المجلس الدستوري ستعكس هذا الصراع بين اليسار واليمين على المستوى القانوني أيضا، يقول السيد سهيل مهنا “عند بداية الحديث عن تشكيل اللجنة الدستورية لم تكن الأزمة الاقتصادية والمالية واضحة المعالم. لكن تصورات بعض القوى اليمينية بل حتى بعض القوى اليسارية – التي تكون يسارية أثناء الانتخابات وتتناسى ذلك فيما بعد – أبدت تصورا يهدف الى التخلي عن بعض المكاسب الاجتماعية وذلك تحت غطاء (ضرورة تحرير دستور جديد أكثر لياقة)”.
ولتفسير هذه الفقرة يقول السيد سهيل مهنا “الشعب السويسري في جنيف حصل منذ تحرير نص الدستور الحالي في عام 1847 على مكتسبات كبيرة وفي عدة مجالات مثل العمل والإسكان وغيرها وهي مكتسبات مدونة بشكل محدد في الدستور. لكن بعض القوى ترغب في صياغة الدستور الجديد بشكل عام، وهذا ما يسمح لها بتأويل تلك البنود حسب هواها. لكن ما نرغب فيه نحن هو تثبيت كل شيء بالدستور سواء ما تعلق بالصحة او التعليم أو السكن وغيرها”.
وبما أن الأغلبية الممثلة في اللجنة الدستورية هي من التيارات اليمينية التي لديها ما يكفي من الأموال لخوض حملاتها الدعائية، وبما أن وسائل الإعلام موالية لهذه الفئة البورجوازية يتوقع السيد سهيل مُهنا مواجهة حادة وغير متكافئة. لكن ما يطمئنه وتيارات اليسار، هو أن المشروع النهائي للدستور الجديد سيعرض على الناخبين في كانتون جنيف في استفتاء شعبي للموافقة عليه أو لرفضه، وهو ما سيتم في ظرف زمني لا يتجاوز عام 2012.
سويس إنفو – محمد شريف – جنيف
1940: ولد في تشرين الأول من هذا العام بسوريا
1958: غادر سوريا لمتابعة دراساته العليا في فرنسا في جامعة السوربون حيث تخرج من كلية العلوم والرياضيات.
1963: زيارة سويسرا لأول مرة بدعوة من بعض الأصدقاء.
1969: استقرار بسويسرا لمزاولة مهنة أستاذ في الرياضيات أولا في لوزان.
1971: تحول للتدريس في كلية الهندسة بجنيف وهي الوظيفة التي مارسها حتى موعد الإحالة على التقاعد في عام 2006.
1999: تم انتخابه كعضو في المجلس البلدي لمدينة جنيف.
2001: انتُخب نائبا في البرلمان المحلي لكانتون جنيف.
2007: تم انتخابه رئيسا لجمعية المتقاعدين في جنيف AVIVO
2008: انتُخب عضوا في اللجنة الدستورية المكلفة بإعادة صياغة دستور كانتون جنيف.
سهيل مهنا الذي يقول إنه “منح لسويسرا أكثر مما منحته له”، نظرا لأنه قدم إلى سويسرا وقد استكمل دراسته الجامعية، وخدم نظامها التعليمي لأكثر من أربعين عاما، يرى أن الاعتراف بالجميل يأتي من خلال ما ردته له الأجيال التي درست على يده حيث أن طلابه وزملائه كانوا أكثر الداعمين له في حملاته الانتخابية التي كان يخوضها دوما من أجل الدفاع عن المبادئ والأفكار الإنسانية بل إنها “كانت في بعض الأحيان حتى ضد مصالحي”، على حد قوله.
وعن نظرته لعملية الاندماج وللمجتمع السويسري الذي عاش فيه طوال هذه الفترة، يقول السيد سهيل مهنا “هذا المجتمع له قواعده وعاداته وقوانينه وليس لي كفرد أن أغيره، كما أنني عندما أتيت إلى هذا المجتمع أتيت بأفكار وقناعات وبخلفية ثقافية وباسم عربي لا زلت أحمله ولم يطلب مني أحد أن أغيره. وقد وجدت في هذا المجتمع من يشاطرني هذه الأفكار العالمية. وأي مجتمع يسمح لي بتحقيق أفكاري بإمكاني الاندماج فيه بدون مشاكل”.
ويضيف السيد مهنا “هذا الشعب السويسري في جنيف شعب مسالم وعادل بنظرته للقضايا الإنسانية وغير متطرف. واكتشافي له كان مفاجأة سعيدة ولن أندم على هذه السنين التي قضيتها بين أحضانه لأنه عندما يمنحك السويسريون أصواتهم في صناديق الاقتراع وأنت تحمل أسما مثل سُهيل مُهنا، فهذا ليس فقط قمة الاندماج بل قمة القبول لإنسان ليس أصيل هذا المجتمع ومعروف أنه سوري وعربي، ولكنهم أعطوه ثقتهم واختاروه لكي يمثلهم لأنه يدافع عن قيم عالمية تهدف لإقامة عالم مسالم وعادل. وهذا شرف كبير”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.