قمة كوبنهاغن.. بين الخيبة المُعلنة والأمـل المنتظر
خصصت أغلبية الصحف السويسرية الصادرة يوم الاثنين 21 ديسمبر 2009 مساحة هامة من صفحاتها الأولى لفشل قمة كوبنهاغن حول التغيرات المناخية. ولئن حاول كتّاب افتتاحياتها توضيح أسباب تلك الخيبة، فإنهم لم ينكروا وجود بعض المبررات للتمسّك بالأمل في المستقبل.
ومن العناوين التي تلخّص التوجّه العام للصحافة السويسرية حول هذا الموضوع، ذلك الذي تصدّر الصحيفة اليومية “جيورنال ديل بوبولو”، الصادرة بالإيطالية في تيتشينو (جنوب سويسرا)، والتي حملت عنوان “القمة المُـفجعة”. ويأتي ذلك بعد يوميْن من توقيع اتفاق غير ملزم حول المناخ بكوبنهاغن.
فعلى مدى أسبوعيْن كامليْن من المفاوضات والنقاشات الحادة، وبعد الجهود المضنية في آخر لحظة لإنقاذ الموقف، انتهى المؤتمر إلى اتفاق سياسي غير ملزم لا يتجاوز الثلاث صفحات، والذي يحدد الهدف في تقليص الاحتباس الحراري على المستوى العالمي بقيمة درجتيْن حراريتيْن، بالمقارنة مع الفترة التي سبقت العصر الصناعي، لكن من دون تحديد الإجراءات التي يجب تنفيذها للوصول إلى هذا الهدف.
“الفشل الذي انتهت إليه قمة كوبنهاغن واضح ومحزن”، بحسب صحيفة “لا ليبرتي”، الصادرة بالفرنسية في فريبورغ، وهو حكم تشاطرها فيه صحيفة “فانت كاتر أور” الصادرة في لوزان، التي لم تتردد في وصف قمة الأمم المتحدة حول المناخ بـ “الفاجعة”.
أما بالنسبة لصحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ” الشهيرة الصادرة بالألمانية في زيورخ، فإنها لا تتكلّم عن “فشل” بوضوح، لكنها تفضّل الحديث عن “محاولة طموحة لإنقاذ البيئة لم يحالفها النجاح”. وبالنسبة لهذه الصحيفة، فإن الجهود التي بذلت في الوقت الضائع للخروج باتفاق، “كانت من أجل حفظ ماء الوجه” في قمة هي الأهم في تاريخ الأمم المتحدة.
نجاح “محزن”
الصوت الوحيد الذي خالف هذا التوجّه العام، الإفتتاحية المشتركة التي نجدها في كل من “دير بوند” و”تاغس أنتسايغر” الناطقتين باللغة الألمانية، واللتين أعادتا نشر رأي عالم المناخ الألماني هانس يوهاشيم شيلّنهوبر، الذي رأى في ما نتج عن قمة كوبنهاغن “نجاحا تراجيديا للعالم”.
وبحسب كاتب الإفتتاحية “، هذه هي المرة الأولى التي يقرّ فيها المجتمع الدولي بأن إرتفاع درجة الحرارة في كوكب الأرض بدرجتيْن حراريتيْن يمكن أن يؤدي إلى اختلال النظام الإيكولوجي لكوكب الأرض”، لكن هذا لن يمنع، يضيف الكاتب من “حدوث الكارثة، لأن البلدان المصنعة وبلدان الاقتصاديات الناشئة، ليست مستعدة لتسريع الإجراءات الهادفة للحد من انبعاث ثاني أكسيد الكربون”.
وتأسف صحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ” مرة أخرى لكون “التدابير المعلنة حتى حلول 2020 لن تكون كافية للحد من انبعاث غاز الاكسيد”، وستكون النتيجة “مواجهة الإنسانية لتغيرات مناخية أشد خطورة مما كان متوقّعا، وعلينا عندئذ مواجهة النتائج”، تحذّر صحيفة “لوتون” الناطقة بالفرنسية والصادرة في جنيف.
أسباب الفشل
إذا كانت كل اليوميات الصادرة الإثنيْن تتفق على أن ما حصل بكوبنهاغن هو “خيبة وفشل”، فإن العديد من تلك الصحف يتساءل عن أسباب ما حصل. ويتوجّه الإتهام في البداية إلى “نهج الأمم المتحدة الذي أثبت عدم جدواه. فالقمة في الحقيقة لم تبدا إلا في اليوم الأخير قبل الاختتام”، تشير صحيفة “فانت كاتر أور”.
كذلك تشير “لوتون” بإصبع الاتهام إلى المنظومة الأممية، والتي بسبب “تجاذبات الأنظمة السياسية”، “تواجه صعوبات كبرى في ترجمة الخطابات والأقوال إلى خطط عملية وأفعال ميدانية”.
لكن هذه الصحيفة الروماندية لا تتوقّف عند هذا السبب فقط لفهم ما حصل في كوبنهاغن، بل تشير أيضا إلى “غياب العدالة والمساواة في العالم”. ويبرز هذا بوضوح بحسب الصحيفة “بين شعوب غنية منشغلة بالمستقبل على المدى البعيد، وشعوب فقيرة كل همّها مواصلة نموّها الحالي، هناك هوّة عميقة”.
وللخروج من هذا الوضع، تنادي صحيفة “لوتون” بمؤسسات دولية أكثر تمثيلية ومصداقية: “إلى جانب مجموعة الدول العشرين، التي لا تمثّل إلا الدول الغنية، هناك إمكانية لانبثاق مؤسسة أخرى تمثّل بشكل أفضل مختلف الشعوب، من دون السقوط في التجزئة والإنقسام”.
مساحة للأمل
إذا كان هناك من فَضْل يذكر لقمة كوبنهاغن، تعلّق صحيفة “لا ليبرتي” فهو “كشفها للانقسام العميق داخل المجتمع الدولي، إذ لم نشهد، ومنذ انتهاء الحرب الباردة، إعادة تشكّل “للكتل الدولية” ولم يحصل صدام بينها، مثلما رأينا في كوبنهاغن”.
وفي الوقت الذي تعدد فيه الصحيفة الصادرة في فريبورغ “الدروس المستخلصة من هذه القمة”، تعدد كل من صحيفتيْ “دير بوند” و”تاغس أنتسايغر” الناطقتان باللغة الألمانية المؤشرات الإيجابية، والتي يمكن الوقوف عنها، بحسبهما، في الميدان الاقتصادي.
“في كوبنهاغن، لم يكن هناك فقط الفشل والإحباط. لقد تم اقتراح حلول ملموسة، وهذه الحلول لا تهدف للحد من التأثيرات المناخية فقط، بل تسعى أيضا إلى تحقيق نموّ اقتصادي (…)، لأن البلدان والمؤسسات الصناعية التي تبذل جهودا اليوم من اجل الحفاظ على البيئة، سوف تكون الرائدة في الميدان الاقتصادي في المستقبل”.
كاورل فيلتي – swissinfo.ch
(ترجمه من الفرنسية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)
بعد أسبوعين من المفاوضات، توصلت قمة كوبنهاغن التي اختتمت أعمالها السبت 19 ديسمبر 2009، إلى وثيقة اتفاق في ثلاث صفحات حددت لها هدفا “الحد من الاحتباس الحراري بمعدّل درجتيْن مقارنة بما قبل العصر الصناعي”.
وحول القضايا الأساسية المتعلقة بتمويل عملية مواجهة انعكاسات التغيرات المناخية وسبل مكافحتها، دعت الوثيقة إلى إنشاء صندوق خاص بثلاثين مليار دولار خلال السنوات الثلاث القادمة، وسويسرا إحدى البلدان التي عبّرت عن إستعدادها للمشاركة في تمويل هذا الصندوق الخاص بالتغيرات المناخية. والهدف النهائي لهذا الصندوق هو التوصل على حشد 100 مليار دولار لكل سنة بداية من 2020.
كذلك ينص الاتفاق على ضرورة إعلان البلدان الصناعية والبلدان النامية وبشكل كتابي، على استعدادها للإنخراط بشكل فعّال من أجل الحد من انبعاث ثاني أكسيد الكربون. كما تقترح الوثيقة إيجاد هيئة تشرف على ضمان تنفيذ الإجراءات المنصوص عليها من جميع الأطراف. لكن الوثيقة لا تشير من قريب أو بعيد لهدف تخفيض هذه الإنبعاثات بنسبة 50% مع حلول 2050، الذي دعت إليه بعض الأطراف قبل انعقاد القمة وخلالها.
وتم تأجيل الحديث عن اتفاق ملزم قانونيا لجميع الدول إلى سنة 2010، وربما يتم التوصّل إليه في مؤتمر المكسيك المرتقب. وفي انتظار ذلك، من المتوقع عقد مؤتمر خلال ستة اشهر ببون، بألمانيا لتدارس وضع المناخ.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.