كيف يُمكن أن تتحول إعادة تدوير القُمامة إلى مساعدة للقارة السمراء
عندما تقوم بأداء زيارة إلى عدد من البلدان الإفريقية، تحرص البرلمانية السويسرية إيزابيلّ شوفالّيه على أن تطلب من مُضيّفيها أداء زيارة إلى مكبّات النفايات الموجودة فيها.
تَعتقد البرلمانية السويسرية إيزابيلّ شوفالّيهرابط خارجي أن مُساعدة الأفارقة على إعادة تَدوير النفايات، وخَلق فرص العمل، وتنظيف البيئة، يُمكن أن يساعد بلدان القارة السمراء على التَعَلُّم من أخطاء الغَرب، والمُضي بوتيرة أسرع على طريق التنمية المُستدامة.
“أنا بحاجة إلى رؤية المواد التي يكبونها هناك لكي يكون بوسعي اقتراح الحل المُناسب”، كما تقول. ومن الواضح أن طلبَها هذا قد يتسبب بإحداث ضجة أحياناُ، كما حَدَث في ليبيريا، عندما أصَرَّت الحكومة هناك على تزويدها بحراس شخصيين، وسيارة جميلة تتوفر على زجاج مُعتم. “لقد فاتتك مشاهدة وَجه مدير مكبّ النفايات!”، كما تقول. “أنا واثقة من أنه لا يزال يتحدث إلى اليوم عن كيفية مجيء امرأة بيضاء إلى هنا ورغبتها بتصوير القمامة”!
تشغل شوفاليه التي تبلغ الخامسة والأربعين من العُمر مَقعداً في البرلمان الفدرالي السويسريرابط خارجي عن حزب الخضر الليبراليين. وعندما لا تكون مُنشَغِلة بالعمل النيابي، أو بِخوض حَملة من أجل سويسرا خالية من الأسلحة النووية، فإنها غالبا ما تتواجد في دول أالقارة الإفريقية. وكما ترى أصيلة كانتون فو، ينبغي على الدول الغربية أن تتبنى مشاريع إعادة التدوير، اذا كانت لا تريد أن تعاني من هجرة ملايين الأفارقة العاطلين عن العمل إلى أراضيها.
طاقتها وحماسها لا حدود لها. أما “قصصها الإفريقية”، فتتضمن وَضع منزلها كضمانة للحصول على قرض لفائدة مُزارعي البطاطس في بوركينا فاسو، والمُساعدة في مَعرفة سَبَب إصابة الفيلة في زيمبابوي بمرض “الشلل الجذعي”، وتصوير مناجم اليورانيوم في النيجر، وتسهيل نَقل المُعدّات الطبية من المستشفى الجامعي في لوزانرابط خارجي إلى مستشفى بوديولاسو، العاصمة الإقتصادية لجمهورية بوركينا فاسو. كما شَمِلَت الدول التي عملت فيها شوفالّيه جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومالي، وليبريا، وتنزانيا، وجنوب أفريقيا، وجزر القمر.
والآن، تخطط عضوة البرلمان السويسري الحاصلة على شهادة الدكتوراه في العلوم، لتنظيف مكب ضخم للنفايات في العاصمة السنغالية داكار، كما أنها بِصَدَد وَضع اللمسات الأخيرة على كتاب يتناول موضوع إعادة تدوير النفايات، مُوَجَّه للجمهور الإفريقي.
الإستماع إلى حديث شوفالّيه يُمكن أن يُصيبَك بالدوار قليلاً. لكن إيزابيل، التي دَرَسَت الكيمياء في جامعة لوزانرابط خارجي، تَتَبِعُ نَهجاً عَمَلياً. وبرأيها، فإن النجاح في إنجاز أي مهمة هو مسألة إقتصادية بَحتة. وهي تُرَكِّز اليوم بشكل رئيسي على إعادة تدوير النفايات في إفريقيا. وكما توضح، فإن “النفايات المُنتَجة من قِبَل أحد الأشخاص هي مواد خام لشخص آخر”. وتضيف أن “كل ما يَتَعَيَّن عليك فِعله، هو تَعَلُّم كيفية إعادة تدويرها والعثور على مُشتر” لها.
قلبٌ في أفريقيا
لكن ما الذي جَعَل شيفالّيه تَتَحَمَّس للقارة الإفريقية إلى هذه الدرجة؟ تجيب النائبة السويسرية أن كل شيء قد بدأ عندما كانت تَدرُس في جامعة لوزان، حيث كان هناك العديد من الطلبة الزائرين والمُتدربين الأفارقة. “أنا أنحدر من قرية سويسرية صغيرة هي سانت جورج، في كانتون فو”، كما تقول. “وفي أول خمسة عشر عاماً من حياتي لم أرَ أيّ وجه أفريقي. ربما كان ذلك على شاشة التلفاز، ولكن ليس في الواقع. لذا لم أكن متعودة على الثقافة الإفريقية على الإطلاق. وفي أحد الأيام قال لي شخص من جزر القمر كنت أعمل معه: ‘إيزابيل، لماذا لا تأتين لزيارتنا في جزر القمر؟ سوف أعَرِّفُك على أسرتي هناك’. وحينها، قلت في نفسي: لِمَ لا؟. وقد كَشَفَت لي تلك الرحلة أشياء كنت أجهلها تماماً، لأنني رأيت طيبة هؤلاء الناس الذين لا يعرفونك، لكنهم يرحبون بك مع ذلك وكأنك واحد من أعضاء الأسرة”.
منذ ذلك الوقت، وعلى امتداد السنوات الـعشرين الماضية، كانت شوفالّيه تسافر في أرجاء القارة الإفريقية، وتتمتع بالموسيقى، والدفء، والتقاط الصور، وتتقاسم خبرتها في مجال البيئة.
بالإضافة إلى نشاطها في مجال تدوير النفايات، قامت بتأسيس المجموعة البرلمانية السويسرية الإفريقيةرابط خارجي التى تعقد اجتماعات حول القضايا ذات الإهتمام المُشترك، مثل الزراعة والطاقة والبُنية التحتية والبحوث فى العاصمة الفدرالية برن. وكما تقول: “تكمن الفكرة دائماً بإظهار الروابط بين سويسرا وإفريقيا بشأن هذه القضايا المُختلفة”.
إعادة تدوير النفايات
“الجميع يتحدَّث اليوم عن الإحترار العالمي. لكنّي أعتقد أن المُشكِلة الكُبرى التي نواجِهُها هي النفايات، لأنها تلوث الهواء والتُربة والمياه على المَدى البعيد”، كما تقول العضوة في حزب الخضر الليبراليين. وتضيف موضحة: “حالما تُصبح المعادن الثقيلة في الماء أو التربة، فإن التخلُّص منها يكاد يكون مستحيلاً، أو مُكلف جداً على أقل تقدير. وعاجلاً أو آجلاً، سوف ينتهي بها المطاف في السلسلة الغذائية، ونحن سوف نتناولها في طعامنا. هذا ليس إلّا تَسَمُّما بطيئا، ونحن سنستمر في تناول الطعام الملوث حتى نُصاب بالمرض. لكن الوقت سيكون قد تأخر جداً حينذاك”.
تقول شوفالّيه إن الحكومات، بما في ذلك سويسرا والغَرب، تَحتاج إلى إتباع نَهْج جَديد لإعادة تدوير جميع أنواع النفايات، بدءاً من الألومنيوم والمعادن الثقيلة ووصولا إلى البلاستيك. وعند سؤالها عمّا إذا كان النَهج الذي تتبعه تجاه المشاكل البيئية مُتشابه في سويسرا وإفريقيا، نَفَت ذلك بشكل قاطع، حيث أن “سلطة الدولة في أفريقيا تميل لأن تكون ضعيفة”، كما تقول. “لذا، عليك أن تبدأ مع الناس، لِجَعلِهِم أكثر وَعياً ومسؤولية”.
واعتمادا على الديناميات المحلية، تؤكد العضوة في مجلس النواب السويسري أن هذا الأمر يُمكن تنفيذه من خلال التعاونيات والجمعيات، أو من خلال السلطات المحلية أحياناً – وبأن هذا الأسلوب ينجح. وهي تستشهد بمشروع ساعدت في إطلاقه في مدينة بوبو- ديولاسو في بوركينا فاسو، حيث تقوم رابطة من النساء المحليات تسمي نفسها ‘فريق النساء العاملات من أجل الإنتعاش الاقتصادي لهويت’ (GAFREH) بِصِناعة حقائب يدوية من البلاستيك المُعاد تدويره.
وكما تقول: “تتوجه النساء مع الحمير والعربات لجمع القمامة من الناس”. وتضيف: “يدفع الناس 3 فرنكات سويسرية شهرياً لِجَمع القمامة. وتأخذ النساء هذه القمامة وتضعها في مكب للنفايات، لأن هذا هو الحل الوحيد المُتاح في الوقت الراهن. لكنهن يَقُمنَ بِفَرز الأكياس البلاستيكية الموجودة في كل مكان، ويَعمَدنَ إلى غَسلها وقَصِّها، ويَخِطنَ منها حقائب مُدهِشة. واليوم، يدفع هذا النشاط رواتب 100 امرأة، بالإضافة إلى تكاليف التشغيل، وهن يَقُمنَ بإعادة تدوير 15 طناً من الأكياس البلاستيكية سنويا”.
أعتقد أن المُشكِلة الكُبرى التي نواجِهُها هي النفايات، لأنها تلوث الهواء والتُربة والمياه على المَدى البعيد!
“رائحة نتنة جداً”
المشروع الكبير الحالي لـ إيزابيلّ شوفالّيه هو تَنظيف مِكَبّ نفايات ‘مبيوبيوس’ [الذي يستقبل أكثر من 1300 طن من القُمامة يومياً من العاصمة السنغالية داكار]، والذي تقول أنه واحد من أكبر المكبات في العالم، وبأن “رائحته النتنة تصل إلى عنان السماء”. ووفقا للبرلمانية السويسرية، تبلغ مساحة هذا المدفن للنفايات 60 هكتارا، ويعمل فيه قرابة 3500 شخص في إعادة تدوير النفايات. لكن النفايات التي أعيد تدويرها حالياً لا تزيد عن نسبة 10%. وكما تقول: “إن هدفي هو إعادة تدوير المَزيد من النفايات، وحَرق الباقي في مصنع للأسمنت بدلاً من الفَحم”.
وكما توضح النائبة السويسرية، تُنتِج الطُرُق التقليدية لِحَرق النفايات ديوكسينات شديدة السُمّية من البلاستيك والرماد الضار أيضاً، في حين أن حَرقها بدرجة حرارة أعلى بكثير (2000 درجة مائوية) في مصنع للأسمنت لا ينُتج هذه الديوكسينات، كما يُمكن استخدام الرماد الناتج في صناعة الأسمنت.
خلال الأشهر الاخيرة، لجأت شوفالّيه إلى عَقد عشرات الإجتماعات مع شركاء ومُمولين مُحتَمَلين، وحَصَلَت على دَعْمِ مجموعة ‘فيكات’ (Vicat) الفرنسية، التى تمتلك مصنعاً للأسمنت فى داكار. رغم ذلك، لم تَمضِ الأمور كما كانت تتمنى خلال اجتماع مع البنك الدولي بشأن تمويل مُحتَمَل، مع إعراب ممثل البنك عن تشكيكه بخططها.
ووفقاً لـ شوفالّيه، يُمثل إيجاد التمويل المَبدئي للمُباشَرة بِعَملية التشغيل أحد التحديات الرئيسية التي تواجهها، بالإضافة إلى “إقناع الناس الذين لا زالوا يمارسون نفس الأساليب – أي الطَمر أو الحَرق – علينا أن نقول لهم لا. فاليوم توجد هناك طريقة ثالثة، ألا وهي إعادة التدوير والحَرق في مصانع الإسمنت”.
وكما توضح، يمكن أن يكون الإستثمار الخارجي ضرورياً للسنتين أو الثلاث الأولى من المشروع، بُغية دفع تكاليف البُنية التحتية، وتدريب الناس، ولأن “عليك أن تبدأ في عملية البيع للحصول على الإيرادات الأولى التي ستمول بها الرواتب”. بعد ذلك، كما تقول، من المُفترض أن يكون المشروع قادراً على تمويل نفسه بنفسه.
عند سؤالها عن طموحها الرئيسي، تضحك إيزابيل، ثم تقترح أنه “تنظيف العالم”. وكما تضيف: “أتمنى حقاً أن تؤدي هذه المبادرات إلى توليد مُبادرات أخرى. وهذا هو الدافع في تأليفي لهذا الكتاب. إن الهدف من ذلك هو عَدَم الإحتفاظ بكل هذه المَعرفة لنفسي، فهذا عَديم الفائدة. أنا لا أستطيع تحقيق ذلك بمفردي. هناك حاجة إلى وجود الكثير من هذه المشاريع في كل مكان. وأنا مُستعدة للذهاب إلى أي مكان أتمكن فيه من تسهيل هذه المشاريع”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.