لأكثر من 150 عامًا ، أثبتت السياحة السويسرية مرونتها وقدرتها على التأقلم
لابد لقطاع الفندقة من التكيّف! فلقد غيّرت الجائحة السلوك السياحي للمستهلكين في العامين الأخيرين. فيما يلي يوضح أندرياس تسوليغ، رئيس رابطة أصحاب الفنادق السويسرية المعروفة باسم "HotellerieSuisse" كيف تواجه الفنادق السويسرية هذه الأزمة.
“كيف تسنّى لكم ذلك في سويسرا؟” لقد وجهت إحدى صحفيات التلفزيون الألماني لي هذا السؤال في مطلع العام. وكان السؤال يتعلق بمناطق التزلج على الجليد التي لا تزال مفتوحة في سويسرا.
ففي شهر نوفمبر 2020، ترددت مطالبات في البلدان المجاورة، التي ما لبثت أن قررت تقليص عروضها من السياحة الشتوية في ذلك الموسم بشدة، بل حتى منعها تماماً.
في شبه اتفاق حذر زعماء كل من ألمانيا وإيطاليا وفرنسا والنمسا من وجود بؤرة جديدة لفيروس كورونا في أوروبا. ولقد كان الضغط على حكومتنا متزايداً. ولكنها بقت صامدة ـ ولحسن الحظ جاء هذا فيما يتعلق بالسياحة الشتوية التي تمثل أهمية خاصة لسويسرا.
إذن فالثقة في الإجراءات المتخذة لحماية خطوط القاطرات المعلقة (تليفريك) والفنادق ومنشآت الضيافة في سويسرا قد آتت أكلها. فقد نجحت بالفعل. وعلى إثر ذلك بدأت وسائل الإعلام الأجنبية منتصف الموسم الشتوي فجأة في الاهتمام بـ “النموذج السويسري”. فكيف يُمكن حماية الاقتصاد والوظائف والشركات، بجانب حماية الإنسان؟
وتجدر الإشارة هنا إلى ما يتميز به الشعب السويسري من تحمل واضح للمسؤولية على جميع المستويات. وقد أهلته هذه الصفة أن يسلك طريقاً عملياً ـ أو بالأحرى “نهجًا سويسرياً” – في تلك الأزمة منقطعة النظير. والفضل في هذه الثقة يعود للمسؤولين على المستوى السياسي وفي المناصب العامة.
فهذه التحديات الاستثنائية في العام والنصف الماضيين قد أيقظتنا أيضاً، وحفزتنا لتطوير أنفسنا في المجالات المختلفة. وهذا من خلال التعاون والترابط وتضافر الوسائل والقوى، كي نستعد لمواجهة التحديات المستقبلية.
في هذا الصدد، اكتسبت موضوعات مثل الرقمنة والاستدامة فجأة مزيداً من الأهمية. كما أن الحاجة الملحة للتصرف أصبحت أمراً مقبولاً. وذلك في السياسة وداخل رابطة أصحاب الفنادق السويسرية، وكذلك في الشركات كل على حدة.
بين عشية وضحاها، اضطررنا إلى تعلم التواصل من خلال برامج “تيمس” (Teams)، و”سكايب” وما شابهها. صحيح أن الرقمنة قد تبوأت مكانها في مجال الفندقة منذ أمد بعيد. برغم ذلك ظهر تغيّر هائل خلال وقت قصير للغاية. إذ أصبح علينا جمع بيانات النزلاء؛ والكثير مما كنا نؤجله للمستقبل أصبح في طرفة عين ضرورياً ومُستوجباً للتطبيق الفوري.
أما في فندقنا الخاص، فقد أسفرت الجائحة بكل مفاهيم الحماية والقواعد التي واكبتها إلى تمكننا منذ الربيع الماضي من تنظيم استقبالنا بحيث أصبح لا يتطلب استخدام ورق تقريباً. ومستقبلاً أيضاً سيظل هذا الموضوع نصب أعيننا في مجال السياحة.
ولمزيد من الإيضاح، فمن شأن الرقمنة مساعدتنا في الاضطلاع بوضع عروض تتناسب تماماً مع احتياجات النزيل. كما أن هذه العروض سيُمكن ربطها ببعضها البعض أكثر من ذي قبل، ابتداءً من وصول السائح إلى المطار وحتى إقامته بغرفة الفندق، أو تعرّفه على المنطقة المحيطة به. وهذا من خلال موظف استعلامات رقمي، يحقق للضيف إمكانية القيام بالمزيد من التجارب ويساعده في اكتشاف الجديد.
فالاستدامة ليست فقط كلمة جديدة ومتداولة، بل إنها أساس أي شركة ناجحة. فبدون إدارة مستدامة، ترشّد استخدام الموارد، وتلتزم بتعيين موظفين يحظون بتأهيل جيّد وحماس متقد، وتوفر كذلك الموارد المالية من أجل تأمين الشركة والوظائف على المدى البعيد، لن تستطيع أي شركة إحراز نجاح في المستقبل.
لقد حددت منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة ست مسارات للعمل من أجل تحقيق نهضة مسؤولة في مجال السياحة، والتي تركز على مجالات الصحة العامة، والدمج الاجتماعي، والتنوع الحيوي، والمناخ، والاقتصاد الدوري وكذلك الحوكمة والماليات.
من ناحيته، لحق قطاع السياحة السويسري بهذا التطور في مطلع عام 2021، وذلك من خلال حملة “Swisstainable” (أو الاستدامة السويسرية)، والتي تتماشى مع أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة.
تكافئ هذه الحملة الأطراف الفاعلة في قطاع السياحة بمنحهم علامة “Swisstainable”، حينما يلتزمون بالبرنامج الأممي، كما تشجع الحملة سياح الإجازات على “السفر الأكثر وعياً”، بحيث يتعرفون على الثقافة المحلية على سبيل المثال، ويقومون كذلك باستهلاك منتجات البيئة، ويبقون في المنطقة لمدة أطول.
وبخلاف ما أوضحه أندرياس تسوليغ من جهود تبذلها الفندقة السويسرية، فإن هناك أطرافا فاعلة أخرى في القطاع السياحي قد التزمت بالاستدامة.
حيث حددت الشركة الفدرالية للسكك الحديدية لنفسها عام 2030 كموعد لتصبح فيه مؤسسة غير ضارة بالمناخ، وهو ما يرجع الفضل فيه بنسبة كبيرة لاعتمادها في توليد الطاقة على مولدات طاقة المياه الخاصة بها. فوفقاً لبيانات الشركة، فإن مصادر الطاقة المتجددة تغطي اليوم بالفعل بنسبة 100% احتياجاتها من الكهرباء اللازمة للمباني والبنية التحتية، وبنسبة 90% لتشغيل القطارات.
ولهذا السبب بالذات، يُعدّ من الأهمية بمكان، أخذ هذا الموضوع على محمل الجد. وبدورها، ألزمت رابطة أصحاب الفنادق السويسرية نفسها في عام 2015 باتباع استراتيجية جديدة بالفعل، وجعلت من الابتكار والاستدامة حجر الزاوية لقطاع الفندقة والضيافة.
ومن الجدير بالذكر أن إحدى فرق العمل التابعة للرابطة، تعمل حالياً على وضع استراتيجية الاستدامة للسياحة السويسرية بأسرها وتحديد إجراءات تطبيقها. فبالتأكيد ستتغيّر السياحة في المستقبل.
إذ ستؤدي الرقمنة إلى تقليص رحلات العمل إلى المدن. فكما أسلفنا، سوف يشهد المستقبل تراجعاً في تبادل الآراء والاجتماعات ميدانياً، حيث ستنعقد افتراضياً.
من ناحية، يُعدّ هذا التطور محل ترحيب بالنسبة للبيئة، لكنه يعني من ناحية أخرى – بالنسبة للسياحة وخطوط الطيران – تناقصاً هائلاً في العائدات التي كانت تُجنى من قبل. وبالتالي سيتم التخلص من الطاقات الفائضة عن الحاجة. ونذكر هنا أن بعض خطوط الطيران قد قررت أثناء الأزمة عدم عودتها لاستخدام الطائرات ذات السعة الكبرى مرة أخرى، حتى بعد انتهاء الجائحة.
ولكن ما الذي تغيّر في السياحة خلال هذه الأزمة المستمرة منذ ما يقرب من عامين؟ بصفة أساسية يمكن الوقوف على حدوث تغيرات بعينها على أية حال. فالتغير الديمغرافي، والرقمنة والوعي المتنامي بالتغير المناخي قد لاحت معالمها قبل الأزمة بالفعل. وبالتالي، سوف تزداد بعض تلك التطورات قوةً وتسارعاً.
فضلاً عما سبق، هناك عامل سوف يمثل أهمية كبرى في السفر مستقبلاً ألا وهو السلامة والصحة. فالمسافرون سوف يُولون التغذية والحركة والنوم والراحة المزيد من الاهتمام. كما أن التباطؤ في السياحة سيصبح علامة مميزة. ففي المستقبل، لن يسافر المرء في رحلة خاطفة إلى مكان ما، لالتقاط بعض الصور ومن ثَمَّ يعود كي يشاركها مع أسرته، بل إن المعايشة الواعية للمكان سوف تصبح عاملاً أكثر أهمية.
في هذا السياق، أظهر استبيان أجري بمعهد فراونهوف، أن ثمانين بالمائة من النزلاء يرون أن تعامل الفندق مع العاملين به يُعدّ من الأهمية بمكان. كما يعول حوالي سبعين بالمائة آخرين على السلوك الذي يدل على وعي بالبيئة، وهناك عدى ذلك أربعون بالمائة من نزلاء الفنادق على استعداد لدفع ثمن أعلى لأجل هذا الغرض.
إذن، فسياحة المستقبل سوف تُولي الكيف مزيداً من الأهمية مقارنةً بالكم. فلن يكون مهماً القيام بخمس رحلات وأكثر إلى مدن مختلفة. بل إن المستقبل سوف يشهد سفراً أكثر وعياً واستدامة. وسوف تكون معايير الاختيار هي الثقافة المتاحة، والاختيار من أطباق تحتوي على منتجات محلية وموسمية، وكذلك الاستخدام الرشيد للموارد وتوفر موظفين متحمسين ومؤهلين تأهيلاً جيّداً.
وبالعودة إلى سويسرا، سنجد أنها تحظى بكل الشروط التي تمكنها من تلبية الاحتياجات الحالية والمستقبلية للسياح، بل والتفوق عليها.
وإنني على قناعة بأن سويسرا سوف تظل قائمة وصامدة بصورة مستدامة في خضم التنافس العالمي. وسواء كانت هذه السياحة في المدن أم في الجبال. فمع الطاقة الابتكارية والقدرة على تلبية احتياجات الزوار، سوف نتمكن من تقديم إقامة لا تنسى لضيوفنا في المستقبل أيضاً.
ختاماً، فإن السياحة كانت تخرج في الماضي من سنوات الأزمات أكثر قوة. وهذا ما أثبتناه كرواد في مجال السياحة منذ أكثر من مئة وخمسين عاماً.
الآراء الواردة في هذا المقال تُلزم المؤلف فقط، ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر SWI swissinfo.ch.
سلسلة “وجهات نظر”
تقوم swissinfo.ch بنشر آراء حول مواضيع مختلفة، سواء حول قضايا سويسرية أو مواضيع لها تأثير على سويسرا. يرمي اختيار المقالات إلى تقديم آراء متنوعة بهدف إثراء النقاش حول القضايا المطروحة. إذا كنت ترغب/ين في اقتراح فكرة لمقال رأي، يُرجى إرسال رسالة إلكترونية إلى arabic@swissinfo.ch.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.