لماذا يصعب أن تعيش في سويسرا بالحد الأدنى لمستوى الكفاف؟
في بلد غني مثل سويسرا، غالباً ما يجد الأشخاص ذوو الدخل المنخفض أنفسهم مضطرّين إلى إنفاق أكثر مما تسمح لهم به مداخيلهم، وهو ما يجعل تلبية احتياجاتهم حتى نهاية الشهر، أمراً صعباً.
تعتبر سويسرا واحدة من أغنى الدول في العالم. ووفقاً لتقرير كريدي سويس العالمي للثروة لعام 2018رابط خارجي، وصل متوسط ثروة الفرد البالغ السويسري إلى 5303240 دولاراً (أي ما قيمته 527707 فرنكاً سويسرياً)؛ إلا أن توزيع الثروة والدخل لا يتم بشكل متساوٍ بين المواطنين.
فحوالي 8% من السويسريين يعتبرون فقراء، بينما يعيش 3.5% منهم بفضل المساعدات الاجتماعية.
مواجهة تحديات المعيشة بالقليل من المال
يوضح أندريا شميد -فيشر، رئيس منظمة المستهلكين “أن الأشخاص ذوي الدخل المحدود يتعرضون لضغوط معيشية كبيرة في سويسرا”.
وحتى هؤلاء الذين يعتبرون من ذوي الدخل المتوسط الأدنى، يواجهون خطر الانزلاق إلى أسفل السلّم المعيشي؛ فبين عامي 2016 و2017، زاد معدّل الفقر في سويسرا بنسبة 10% تقريباً عما كان عليه سابقاً.
وفي حين أن تكاليف المعيشة في سويسرا آخذة في الارتفاع، تبقى المرتبات في حالة ركود. ووفقاً لمسح أجرته شركة الاستثمار الأمريكية بلاك روك، فإن سبب القلق الأول عند 55% من سكان سويسرا متعلّق بوضعهم المالي الشخصي.
إن إنجاب الأطفال، أو الطلاق أو التقاعد، هي من المستجدات التي يمكن أن يكون لها تأثير كبير على ميزانية الأسرة. ومن الجدير بالذكر أيضاً، أن ذوي المستويات التعليمية المنخفضة، هم غالباً من الفقراء في سويسرا.
مُجبرون على الإنفاق
من الأسباب التي تجعل حياة الفقراء في سويسرا صعبة للغاية، هو كون الكثير من السويسريين أغنياء؛ ليس لأن الأمر يشكّل بحد ذاته مشكلة اجتماعية، بل لأن الأغنياء يدفعون الفقراء، بطريقة غير مباشرة، إلى إنفاق مزيد من الأموال التي لا تمليها عليهم بالضرورة احتياجاتهم.
خذ على سبيل المثال، التأمين الصحي؛ فمع الارتفاع المستمر للأقساط الإضافية للتأمين الصحي التي تضيف بعض المزايا على التأمين الأساسي الإلزامي، يضطر الفقراء الى تمويل هذه المزايا الإضافية والتي يمكنهم الاستغناء عنها. كما أصبح التأمين الأساسي، بعد تصويت شعبي، يغطي علاجات الطب البديل والعلاجات عن طريق الوخز بالإبر، والتدليك الصيني التقليدي وغيرها من علاجات الرعاية الصحية. وصار بالإمكان أيضاً تغطية تكاليف علاج المضاعفات التي قد تلي الجراحات التجميلية. وازدادت أعداد المستشفيات التي تحتوي على غرف فردية أو بسريرين كحد أقصى، بدلاً من تلك التي تقوم بتقديم غرف تحتوي على عدة أسرّة، وبسعر أرخص.
وتعتقد شركة التأمين الصحي “أسورا” Assura أن تكاليف “خدمات الراحة” تزداد يوماً بعد يوم، وذلك على حساب عامة الناس. وتؤكد مجموعات مظلة التأمين الصحي الشاملة، سانتيه سويس santésuisse وكورافوتورا Curafutura، على أن التأمين الأساسي أصبح يغطي المزيد والمزيد من الخدمات الصحية.
يقول كريستوف كيمبف من سانتيه سويس: “نحن قلقون بشكل خاص بشأن الخدمات الصحية التي لا تؤدي بالضرورة إلى تحسين صحة المرضى، بل قد تكون مؤذية، حيث تقدر الحكومة حصة الخدمات الصحية غير الضرورية بحوالي 20% من مجمل العلاجات”.
وهناك مشكلة أخرى وهي مشكلة السكن؛ فالسويسريون يُعدّون من كبار المستثمرين في مجال العقارات، لكن معظم هذه العقارات السكنية عبارة عن أماكن إقامة فاخرة، مما يجعل من المستحيل تقريباً العثور على أماكن سكنية أكثر تواضعاً وبأسعار معقولة. ففي سويسرا، لا يُسمح لخمسة أشخاص بالعيش في شقة مؤلّفة من غرفتين (حيث توجد غرفة نوم واحدة) – لأن ذلك يُعد استغلالاً مفرطاً للمساحة العقارية. ولا توجد لدى المرء في سويسرا خيارات سكن أقل تكلفة، كمواقف المقطورات السكنية المؤقتة مثلاً. وغالباً ما تمثل تكاليف السكن أعلى النفقات بالنسبة لطبقة الفقراء والطبقة المتوسطة.
الكثير من الشكوى؟
بطبيعة الحال، عند مقارنتنا لمختلف بلاد العالم، نجد أن الفقر نسبي؛ ففي سويسرا، يُعتبر كل شخص أعزب يعيش بمدخول شهري يقلّ عن 2559 فرنكاً سويسرياً، أو كل أسرة مكونة من أربعة أشخاص يقل دخلها الشهري عن 3990 فرنكاً سويسرياً، من الفقراء. أما في روسيا، فيعيش أكثر من 12 % من السكان بمدخول شهري لا يتعدّى 11162 روبل، أي ما يعادل 174 فرنكاً سويسرياً.
ولكن تكلفة المعيشة في سويسرا، بطبيعة الحال، أعلى مما هي عليه في روسيا، مما يجعل المقارنة صعبة.
“الضرائب والإيجار والسكن هي النفقات التقليدية الثابتة العالية. ويوضح شميد-فيشر: “لذلك، لا يتبقّى لذوي الدخل المحدود الكثير من المال لتغطية النفقات الأخرى”. ووفقاً للأرقام الحكومية، فإن الأسر ذات الدخل الشهري الإجمالي الذي لا يتعدّى 5000 فرنك سويسري لا تجد نفسها قادرة على ادخار أية أموال.
وقد يكون هذا الأمر مدعاة للمشاكل في سويسرا، حيث يواجه الأشخاص، في كثير من الأحيان، نفقات عالية لم تكن في الحسبان. فالعلاجات المرتبطة بأطباء الأسنان والعيون، على سبيل المثال، لا يغطيها التأمين الصحي؛ كذلك الأمر بالنسبة لتكاليف النظارات وسمّاعات الأذن وبعض الأدوية التي تقع على عاتق المرضى.
في عام 2016، تم تحديد الحد الأدنى لدخل الكفاف في سويسرا بمبلغ 2247 فرنكاً سويسرياً (أي ما قيمته 2355 دولاراً أمريكياً) شهرياً للشخص الأعزب و3981 فرنكاً سويسرياً لشخصين بالغين مع طفلين.
يحصل الأشخاص الذين لديهم ظروف خاصة ويستفيدون من المساعدات الاجتماعية على مخصّصات أساسية قدرها 986 فرنكاً سويسرياً شهرياً، تبعاً لكل كانتون. يشمل هذا المبلغ تكاليف الطعام، والملابس، والتنظيف، والنظافة الشخصية، والمواصلات، والاتصالات. أما تكاليف الإيجار والتأمين الصحي وتكاليف الطبابة فيتم تغطيتها بشكل إضافي منفصل.
من المفترض أن يحتاج المتقاعدون الذين يحصلون على استحقاقات تكميلية إلى حد أدنى لا يقل عن 1621 فرنكاً سويسرياً.
ونذكر هنا أيضاً، أن كل طالب لجوء يحصل على 290 فرنكاً سويسرياً شهرياً إذا كان مقيماً في أحد مراكز اللجوء. وخلاف ذلك، وتبعاً لكل كانتون من الكانتونات، يحصل طالب اللجوء عل حوالي 485 فرنكاً سويسرياً شهرياً.
أما في حال كانت لديك ديون، فسيُخصص لك حد أدنى للمعيشة يبلغ 1200 فرنك شهرياً، بالإضافة إلى تكاليف التأمين الصحي والإيجار.
وعلى سبيل المقارنة، يبلغ متوسط الراتب الإجمالي في سويسرا حوالي 6500 فرنك سويسري شهرياً.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.