مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ما لم تَكُنْ روجيه فيديرر.. لا تتوقع جَني ثروة من الرياضة

السويسري روجيه فيدرر يقصي الفرنسي جيل سيمون في نهائي دورة شنغهاي 2014 لكرة المضرب Osports/EQ Images

في الوقت الذي يجني فيه نجم التنس السويسري روجيه فيديرر الملايين من الفرنكات سنوياً، يكافح مُعظم الرياضيين السويسريين لكي يعيشوا مما يكسبون. وبرغم التحركات التي تجري على قدم وساق من أجل تمويل الرياضة، إلّا أن البعض يرى أن دَعم "الهوايات" ليس من مهام الدولة.

وفقاً لمجلة فوربسرابط خارجي الأمريكية الشهرية، (التي تُعنى بإحصاء الثروات ومراقبة نمو المؤسسات والشركات المالية حول العالم)، حصل روجيه فيديرَر الفائز بالبطولات الكبرى (غراند سلام) في كرة المضرب 17 مرة، على 56,2 مليون دولار (54 مليون فرنك سويسري) ما بين شهري يونيو 2013 ويونيو 2014، مما جعله اللاعب الأعلى أجراً في كرة المضرب. أما شيردان شاكيري، لاعب كرة القدم السويسري الذي لا يزيد طوله عن 1,69 متر، والذي استقطب إهتمام الرأي العام العالمي بشكل واسع في نهائيات كأس العالم في البرازيل، فيكسب نحو 2,5 مليون يورو (3 ملايين فرنك) من خلال لعبه مع بايرن ميونيخرابط خارجي، احد أكبر الأندية الألمانية.

مع ذلك، لا ينطبق هذه الواقع على معظم الرياضيين السويسريين، الذين يجني نصفهم أقل من 14,000 فرنك سنوياً؛ ولا يستطيع سوى أقل من 100 منهم كَسْب لقمة العيش من خلال الرياضة، وفقاً لتقريررابط خارجي نشره المعهد الفدرالي السويسري للرياضة (مقره ماغلينغن) في عام 2014.

من جانبه، لفت البرلمان الفدرالي النظر الى الدور الهام الذي يؤديه لاعبو الرياضة كسفراء لسويسرا، وعبَّر عن رغبته في تغيير هذا الوضع. وكان مجلس النوابرابط خارجي قد صوَّت في نهاية شهر سبتمبر المنصرم من أجل دعم مقترح من شأنه أن يمنح المزيد من الإعتراف والتقدير لرياضيي النخبة، ويتيح لهم فرصة أفضل للجَمع بين الرياضة والدراسة. وقد حدث ذلك مباشرة عقب مطالبة الجمعية الأولمبية السويسريةرابط خارجي بتمويل إضافي بقيمة 30 مليون فرنك في السنة، بغية المحافظة على المعايير الحالية للنخبة الرياضية.

“ينبغي أن لا نُبهَر بما يجنيه روجيه فيديرر أو شاكيري. ففي واقع الحال، يعيش معظم الرياضيين المحترفين تحت خط الفقر”، كما قال يورغ شتال، عضو البرلمان الفدرالي عن حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) خلال مناقشة المقترح، مُشيراً الى أن العديد من الرياضيين مسؤولون عن عوائل، مما يضطر بعضهم إلى العمل بدوام جزئي.

رياضة الدولة؟

من جهتها، ترى الحكومة الفدرالية، التي كُلَّفت بالتوصل إلى إجراءات بهذا الصدد، أنه بالإمكان تأمين هذه المسألة من خلال المفهوم الوطني لرياضة النخبة، الذي تجري بلورته حالياً.

ولكن، وكما هو واضح، لا يَحظى هذا المقترح بقبول الجميع – ولا سيما داخل حزب السيد شتال نفسه. “هذا يبدو مشابهاً لمبادرة حدٍ أدنى من الأجور لرياضيي النخبة”، كما إشتكى بيتر كيلِّر، زميل شتال في الحزب الذي أشار إلى أن “إرساء رياضة الدولة – مثلما هو الحال في الصين – ليس مفهوماً ثقافياً سويسرياً”، على حد قوله.

ومن وجهة نظره، ينبغي أن تعود هذه المسؤولية للشعب، وقال متسائلا: “هل ينبغي أن تتدخل الدولة عندما يرغب أحد الأشخاص بتحويل هوايته إلى مهنة”؟

هذا الموقف ليس بالغريب على يورغ شيلد، رئيس الجمعية الأولمبية السويسرية، واللاعب السابق في المنتخب الوطني لكرة اليد، الذي صرّح لـ swissinfo.ch: “لقد كشفت لي تجربتي الشخصية في رياضة النخبة، أن الرياضة التنافسية، وبالمقارنة مع الدول الأخرى، غير مُعترف بها كُلّية من قبل المجتمع السويسري”.

وقال شيلد انه يأمل في أن يمنح الدعم لهذا المقترح الشجاعة للمجلس الفدرالي لتعزيز التمويل في المجال الرياضي من خلال المفهوم الوطني لرياضة النخبة.

وفي الوقت الراهن، يقدَّر التمويل الذي تحصل عليه الجمعية الأولمبية السويسرية بنحو 38 مليون فرنك في المتوسط، منها 25 مليون فرنك من اليانصيب السويسري، وما يزيد قليلا عن 10 مليون فرنك سويسري من قبل الحكومة، فضلاً عن 3 ملايين فرنك من الجهات الراعية.

وأشار شيلد الى الإستثمار المكثف في الرياضة الذي تمارسه بعض الدول الأخرى مثل اليابان وكندا والنرويج ، لافتاً الإنتباه الى ضرورة عدم ترك سويسرا في المؤخرة.

وقد أثيرت بعض التساؤلات في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية التي أقيمت في لندن في عام 2012 بشأن العرض الضعيف للفريق السويسري، رغم أنَّ الأداء الذي قدمه الرياضيون المشاركون في دورة الألعاب الأولومبية الشتوية في سوتشي للعام 2014 كان أفضل، مع فوزهم ب 6 ميداليات ذهبية.

وبِحَسب شيلد، لن تُنفَق الملايين الثلاثين الإضافية التي تطالب بها الجمعية الأولمبية السويسرية على الرياضيين فحسب، ولكنها ستسهم أيضاً في توفير المزيد من المُدربين وتأمين الفحوص الطبية المجانية للرياضيين كل عامين على سبيل المثال.

وظيفة القدوة

في السياق، جادل شتال المؤيد للمبادرة، وعضو المجلس التنفيذي في الجمعية الاولمبية السويسرية، أن مساعدة رياضيي النخبة لا يعني التحول الى رياضة الدولة.

“أذكر هنا الكوبي خافيير سوتومايور، حامل الرقم القياسي في الوثب العالي، الذي كان مثالاً حقيقياً لتصدير كوبا [الشيوعية] وأفكارها. نحن لا نريد ذلك – أنا لا أريد ذلك”، كما قال شتال ل swissinfo.ch.

“إن [دعم الرياضة] يعني مَنح الشاب الذي يختار المسار الرياضي نوع من الحماية، مثل توفير اللوازم الضرورية، والتأمين، ونوع من الدخل الذي من شأنه أن يرفع الإعباء المالية عن كاهل الآباء”.

وبهذا الصدد، أشار شتال الى الدعم الذي تمنحه الدولة للفنون، وهو ما يمكن أن تحصل عليه الرياضة أيضاً. “يتعلق الأمر هنا بنخبة من الرياضيين الذين يمثلون سفراء البلد ونماذج يُحتذى بها للشباب.” 

جهود الرياضيين

وبحسب الاتحاد السويسري لألعاب القوى، لا يكسب سوى 5 الى 10 من رياضيي سباقات المضمار والميدان قوت يومهم من خلال الرياضة.

أحد هؤلاء هو فيكتور روثلينرابط خارجي، أشهر عداء ماراثون سويسري على الإطلاق. ولكن وفقاً للرياضي الذي تقاعد مؤخراً، لم تبدأ الرعاية التجارية بالتدفق إلّا بعد نجاحه بالفوز بأول ميدالية – البرونزية- في بطولة اوروبا لإلعاب القوى في غوتنبرج (السويد)، في عام 2006.”قبل ذلك كان علي أن أكافح بشكل مستمر لأشق طريقي مُتحملاً كافة المخاطر”، كما قال ل swissinfo.ch 

المزيد

المزيد

تقاعُـدُ عدّاء سويسري لُقّب بـ “الإفريقي الأبيض”

تم نشر هذا المحتوى على بعد مسيرة رياضية ثـريّـة غنيّة بالإنجازات والألقاب والأرقام القياسية، خلع أخيرا فيكتور روتلين، أنجح عدّاء ماراثون سويسري، أحذية العدو.

طالع المزيدتقاعُـدُ عدّاء سويسري لُقّب بـ “الإفريقي الأبيض”

إحدى القضايا الأخرى التي واجهها روثلين خلال مسيرته التي إمتدت 15عاماً – وكان قد ركض آخر ماراثون له يوم 17 أغسطس المنصرم خلال مشاركته في بطولة كأس الامم الاوروبية 2014 في زيورخرابط خارجي – هو الإفتقار الى تقبل الرياضة كمهنة في سويسرا.

“عندما كنت أقول للناس، حتى بعد فوزي بالميدالية، بأنني عداء ماراثون كانوا يجيبونني: ‘حسناً ولكن كيف تكسب قوتك اليومي’؟ ربما يكون هذا شيء آخر يتحتم معالجته، أن يُدرك الناس ان الرياضة هي مهنة أيضاً وليست هواية فقط”.

وحول آفاق المزيد من التمويل، يرى روثلين إن على سويسرا أن تقرر المسار الذي ترغب في إتخاذه. “إذا كانت تطمح بالفوز بميداليات في المستقبل، وأن تكون أمة رياضية ناجحة، فلربما كان عليها أن تفكر في كل شيء: لا أن تكون موجودة فقط وتدعَم الرياضيين عند فوزهم بالميداليات، ولكن أن تمدهم بالإسناد اللازم وهم في الطريق الى تحقيق ذلك أيضاً، سواء تعلق ذلك بالتعليم، أو بِمَنحهم المال اللازم إذا لم يكن لديهم ما يكفيهم للعيش بالإستناد عليه”.

أحد الفائزين بالميدالية الذهبية في بطولة أوروبا لألعاب القوى في عام 2010، ومع إعتباره للمستقبل، قام بتأسيس شركة خاصة للترويج للصحة والتمارين الرياضية في عام 2008. وهو يعمل الآن بدوام كامل في هذا المشروع.

حشد التمويل

في الأثناء، تحول عدد من الرياضيين مثل مايك كورت الى أساليب غير تقليدية. فبعد 20 عاماً من الكفاح بغية تمويل أحلامه الرياضية، قام أحد أفضل متسابقي قوارب الكانو ذو الرابعة والثلاثين عاماً، بإنشاء موقع يهدف الى حشد التمويل للمشاريع الرياضية، يحمل تسمية I believe in youرابط خارجي (أنا أؤمن بك)،. وتسمح هذه الفكرة المُقتبسة من القطاع الثقافي أصلاً، بتقديم يد العون الى لاعب تنس يشق طريقه، أو بِسَد تكاليف السفر وتهيئة العدّة المطلوبة للإشتراك في مسابقة دولية في رياضة الألواح الشراعية “كايت سورف”.

“بشكل إجمالي، تم تجميع أكثر من نصف مليون فرنك لنحو130 مشروعاً، وهذا يكشف لنا عن المكانة العالية لتي تحتلها الرياضة في سويسرا”، كما اخبر كورت صحيفة “تاغس أنتسايغر” الصادرة بالألمانية في زيورخ.

مع ذلك، ما زال كورت يؤمن بالحاجة الى المزيد من التمويل الحكومي. وبحسب كلماته :”هناك إخفاق في أسواق بعض الرياضات مثل المصارعة، والمبارزة والتجديف. هنا ينبغي على الحكومة أن تتدخل من أجل توفير الدعم”.

النتائج الرئيسية لتقرير رياضة النخبة

الدخل الإجمالي: في عام 2010، لم يحقق سوى 16% من رياضيي النخبة السويسريين إيرادات إجمالية تجاوزت 70,000 فرنك، مع ملاحظة تمتُع رياضيي الألعاب الشتوية بوضع أفضل من أقرانهم الذين يمارسون الألعاب الصيفية. مع ذلك، يتحتم على أكثر من 70% من لاعبي الألعاب الشتوية أيضاً أن يعيشوا على أقل من المبلغ المذكور. ويجد 40% من الرياضيين أنفسهم مُجبرين على تدبر أمورهم المعيشية بأقل من 14,000 فرنك سويسري سنوياً.

الدخل المُتأتي من رياضات النخبة: لا تكسب الغالبية العظمى من الرياضيين سوى دخل متواضع من أنشطة رياضات النخبة التي يمارسونها. ويبلغ الدخل المتوسط للرياضيين المحترفين نحو 25,000 فرنك سويسري سنوياً. مع ذلك، يوجد هناك رياضيون في كافة المستويات الوظيفية ممن يتجاوز الدخل المكتسب من رياضاتهم 100,000 فرنك سنوياً. وبشكل عام، لا تحوِّل الرياضة سوى عدد متواضع من كبار الرياضيين إلى أصحاب ملايين.

أمثلة دولية: قامت هولندا بدعم 352 رياضياً بواسطة 120% من الحد الأدنى المحدد للدخل، ومن خلال اتفاقات خاصة للجمع بين الرياضة والدراسة أو المهنة. كما تعتمد كل من فنلندا والدنمارك على أنظمة مِنَح دراسية متطورة للطلاب. وتوفر دول أخرى الأمن المالي والوظيفي للرياضيين من خلال الجيش، وحرس الحدود، والشرطة والإطفاء. وبالمقارنة مع غيرها من الدول، يبدو أداء سويسرا ضعيفاً من ناحية الدعم المالي المباشر للرياضيين.

(منقول عن تقرير”رياضة النخبة في سويسرا، لقطة خاطفة، العوامل السياسية والرياضية المؤدية الى النجاح في الرياضة الدولية- سويسرا 2011. تضمن التقرير مقابلات مع 959 رياضياً، و682 مدرباً و58 مدير أداء، فضلاً عن إعتماده على للكتابات الأكاديمية، وتحليلات الخبراء والبحوث الدولية.) 

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية