متى يُصبح إظهار الشخص لانتمائه الديني مثار جـدل؟
سواء تعلّق الأمر بوضع عمامة أو ارتداء حجاب، فإن إظهار انتمائك الديني في سويسرا قد يجعل الآخرين يُعاملونك بشكل مختلف للغاية.. بدءا من نظرات مريبة في الشارع، ووصولا إلى صعوبات في الحصول على شغل أو وظيفة. وبالفعل، أثبتت بحوث علمية أجريت في سويسرا أن الملابس ذات الإيحاء الديني تُحدث الفارق.
كانت أمينة عليّان – طالبي، أول طالبة في كانتون نيوشاتيل، ومن الأوائل على المستوى الوطني في سويسرا، التي ترتدي الحجاب في المدرسة. وحينها، كان عمرها لا يتجاوز الحادية عشرة.
اليوم، تبلغ السيدة عليّان – طالبي 28 عاما من العمر، وحاملة لجواز سفر سويسري، وقالت في حديث إلى swissinfo.ch: “كان ارتداء الحجاب مهما لأنه علامة بلوغ بالنسبة للفتاة. وكان أيضا للتعبير عن الشعور بالفخر لأنني كنت أريد إظهار اعتزازي بكوني مسلمة تمارس شعائر الإسلام، وأنني متمسّكة بديني”.
كان على عليّان – طالبي أن تكافح من أجل حقها في ارتداء الحجاب في ذلك الوقت، والمرور عبر سلسلة من الطعون القانونية، وهي لا تزال تعتقد أنها تتعرّض إلى التمييز إلى حد الآن، وإن كان بطريقة أكثر دهاء.
وتقول: “الآن أنا أجتهد في الحصول على وظيفة دون أن أنزع حجابي… أكملت دراستي، لكنّني لم أنجح، خلال العاميْن الماضيين، في العثور على عمل”.
اليقظة الدينية
عليان – طالبي هي واحدة من مجموع 4.9% من السكان في سويسرا الذين يعتبرون أنفسهم مسلمين، وفقا للأرقام الصادرة عن المكتب الفدرالي للإحصاء في عام 2012.
أما عدد أتباع الديانات الأخرى فهو لا يكاد يظهر في الإحصائيات الرسمية لقلّتهم. فهل يؤدي الحضور الضعيف على الساحة، وندرة التفاعل بين عموم المواطنين وهؤلاء الأشخاص الذين يرتدون رموزا دينية إلى تعزيز الأفكار المُسبقة السلبية حول هذه المسائل؟
جاكلين غريغو، الباحثة في القضايا الدينية بجامعة زيورخ أجرت مقابلات مع 20 شخصا في كانتون زيورخ يرتدون أشكالا مختلفة من الملابس الدينية، ورصدت ستّ حالات على مدى ثلاث سنوات كاملة. نشرت غريغو النتائج التي توصلت إليها في شهر فبراير 2015، وكان الغرض من هذا البحثرابط خارجي رصد ما يشعر به هؤلاء الأشخاص تجاه نظرة المجتمع إليهم.
وفي حديث إلى swissinfo.ch، قالت غريغو: “ما هو مثير للإهتمام، بالنسبة لكل الأشخاص تقريبا، ليس شعورهم بنظرة المجتمع السلبية تجاههم، بل الشعور بأنهم ضحايا عمليات تمييز حقيقية أيضا”.
وتشير غريغو إلى الصعوبات التي تعترض هؤلاء الأشخاص “خلال البحث عن وظيفة، أو محاولة استئجار بيت للسكن، علاوة على تعرّضهم للسبّ والشتم، أو السخرية، أو حتى الإعتداءات الجسدية”.
من جهتها، تعتقد عليان – طالبي أن المجتمع السويسري في العموم يتقبّل الحجاب، و”لكن فقط عندما يبقى على مستوى الحياة الشخصية”. وأما عندما يتعلّق الامر بالمجال العام، “يصبح السويسريون أقلّ [انفتاحا]. وفي مجال العمل، ليسوا منفتحين بالمرة على النساء المحجبات”.
الخوف من المجهول؟
على الرغم من أن عدد النساء المنقبات في سويسرا لا يتجاوز حسب التقديرات المتداولة 100 إمرأة، بات من المرجّح جدا أن تطلق قريبا مبادرة شعبية تدعو إلى حظر تغطية أو إخفاء الوجه في أي مكان عام. ومن المنتظر أن يبدأ جمع التوقيعات اللازمة لإجراء استفتاء عام حول هذا الموضوع في فصل الربيع القادم.
مبادرة أخرى شبيهة إلى حد كبير وحول نفس الموضوع، أقرّها الناخبون في كانتون تيتشينو (جنوب) في عام 2013، لكن النص الخاص بها لا يشير بشكل مباشر إلى البرقع أو النقاب. وتضمن بيان صدر عن اللجنة المشرفة على مجموعة Egerkinger اليمينية دعما لهذه المبادرة تم التأكيد فيه على أهمية الحق في حرية التعبير في سويسرا، وأضاف بأن “الآراء يعبّر عنها في بلد حر أشخاص بوجوه مكشوفة كما يفعل الأحرار الذين يعبّرون عن آرائهم وجها لوجه”.
ويواصل البيان: “الأنظمة الموازية كنظام الشريعة الإسلامية، لا مكان له في سويسرا”، وان المسلمين “لا يطالبون بالعدالة إلا عندما يكونون في وضع الأقلية”.
وتحاول عليان – طالبي فهم كيف وجد “حظر البرقع” طريقه إلى أجندة الشأن العام، وتقول: “في الأصل، هذا الأمر لا يجب أن يُعار له اهتمام”، وتضيف “ربما عدد قليل جدا” من النساء يلبسن في الواقع النقاب في سويسرا. “وهو لا يستحق حتى أن يكون مثار جدل أو نقاش”.
وتعتقد غريغو بأن هناك “نوع من اللائكية المثالية” في أوروبا، مغزاها أن الأشخاص “بالأساس لا دينيين، أو يجب أن يظل الدين خارج المجال العام”.
وتضيف: “لهذا السبب يُنظر إلى الأشخاص الذين يرتدون أزياء أو يحملون رموزا دينية بنوع من الريبة”.
كذلك تعتقد غريغو أن الإسلام يقدّم بـ “طريقة سلبية جدا” في وسائل الإعلام عموما، وفي “أغلب الأحيان في سياقات سلبية”، وبالتالي فإن “المسلمات المحجبات يُدركن تأثير ذلك. وكشفت دراسة حول هذا الموضوع أجريت ضمن برنامج البحوث الوطنية أن “الحسابات السياسية” للأحزاب اليمينية، و”التبسيط المخلّ” الذي تقوم به وسائل الإعلام هي من العوامل المساهمة في تصوير المسلمين كـ “خطر مُحدق” بسويسرا.
من العمائم إلى العباءة
البحث الميداني الذي قامت به غريغو شمل امرأة مسلمة محجّبة، وراهبة كاثوليكية تلبس عباءة، وراهبا بوذيا يرتدي رداء، ورجلا من اليهود الأورثودوكس يحمل قبعة وقفطانا، ورجلا من السيخ يرتدي عمامة، وآخر من طائفة “Schwarze Braut” (اللحية السوداء)، وهي طائفة تقوم على نشر ثقافة خاصة بالشباب “الذين يستمعون إلى الموسيقى القوطية، ويتحاورون حول الكتاب المقدّس، وهم يشربون الجعة”.
جميع هؤلاء كانوا يعيشون في زيورخ، لكنهم لم يكونوا جميعا من السويسريين، وكانت لدى الجميع “أمثلة حقيقية” من الأفكار المُسبقة التي كانوا يُواجهونها. وتقول غريغو وهي تتحدث عن الوقت الذي قضته مع كل حالة من الحالات التي درستها: “لقد وقفتُ بنفسي على المشاعر التي كانوا يحدثونني عنها”.
“لقد كنت شاهدة بنفسي على النظر إليهن باحتقار، أو قطع الطريق إلى الجادة المقابلة لتجنّب الإقتراب منهم، أو رميهم بنظرات مشمئزة… لقد عاينتُ كل ذلك”.
لكن لم يكن كل شيء سيئا. فالمرأة المسلمة التي شملتها تلك الدراسة مرت بفترات كان الناس يطرحون عليها أسئلة يدفعهم إلى ذلك الرغبة في فهم دلالات الحجاب الذي كانت تضعه على رأسها، وكانت هناك مواقف يستذكرها الرجل السيخي حينما قام أحد الآباء بشرح دلالات العمامة التي يحملها لابنه. بل “كاد أن يذرف الدموع عندما وجد أن شخصا ما يعرف حقيقة العمامة وما تدلّ عليه، ويقوم بشرح ذلك لغيره”، كما تقول.
التجربة المشتركة لحالات الدراسة التي أنجزتها غريغو دفعتها إلى الإهتمام أيضا بصورة الراهب البوذي أصيل التيبت. وفي هذا الصدد تلاحظ الباحثة أن مسألتي”التيبت والبوذية ربما اقترنتا (في الأذهان) بصورة مثالية إلى حد ما”. وتضيف أن “تجربته (أي الراهب البوذي) في سويسرا لم تكن مُريحة تماما، لأن ما حصل له أشبه ما يكون بالأمر الشاذ أو المدهش، أو المثالي البعيد عن الواقع”.
أخيرا، ترى غريغو أن بذل مزيد من الجهد من أجل التعرّف على من يحمل عمامة أو من تلبس حجابا ليس هو الهدف الذي يهمها الوصول إليه، بل إن ما يعنيها في المقام الاوّل هو “القبول إلى حد ما بالتنوّع” و”الإقرار بأن من حقّ البعض أن يكون مختلفا” عما هو سائد.
إنشغال بأصناف الحجاب
انتقدت منظمة العفو الدولية في تقريرها السنوي لعام 2015 سويسرا بشأن عدد من النقاط، بما في ذلك السياسات والمبادرات التي تركّز اهتمامها على مسألتيْ الحجاب والنقاب وغطاء الوجه عموما.
وقال التقرير إن حظر ارتداء الحجاب في مدرسة بسانت غالن في مارس 2014، والتصويت لصالح حظر النقاب في كانتون تيتشينو في عام 2013 هما “علامة تعصّب وعدم تسامح”.
وأعاد التقرير التأكيد على التوصية التي توجّهت بها لجنة الأمم المتحدة المناهضة للتمييز العنصري إلى سويسرا والداعية إلى إنشاء آلية مستقلة لمنع المبادرات الشعبية التي تتعارض مع القوانين الدولية لحقوق الإنسان.
(ترجمه من الإنجليزية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.