مجلس أوروبا: “انتشار واسع للعنصرية في سويسرا برغم جهود الحكومة”
أشار تقرير صدر حديثا عن مجلس أوروبا إلى الإنتشار الواسع للعنصرية في سويسرا، على الرغم من الجهود المتواصلة التي تبذلها الحكومة للحد من هذه الظاهرة.
ويتوقّف التقرير بصفة خاصة عند التمييز الممارس ضد الأجانب في مجال العمل، والسكن، وقطاع الخدمات. أما الضحايا فهم بالأساس من المسلمين، المنحدرين من بلدان البلقان، وتركيا، وإفريقيا.
وقد أشاد تقرير اللجنة الأوروبية لمكافحة العنصرية وعدم التسامح (ECRI)، والذي نشر الثلاثاء 15 سبتمبر 2009، من ناحية أخرى بالتقدم الذي حققته الحكومة السويسرية بشأن تنفيذ توصيات 2004، الهادفة إلى الحد من العنصرية.
وعبّرت الهيئات السويسرية المعنية بمكافحة االتمييز العنصري عن ترحيبها بما جاء في التقرير الذي افرد انتقاداته إلى حزب الشعب (يمين متشدد)، واتهمه بنشر وإشاعة كليشيهات عنصرية.
كما لم يغفل التقرير الإجراءات المختلفة التي اتّخذت لدعم اندماج الأجانب في مجالات مثل العمل، والإسكان، والخدمات الصحية. وقد واصلت، بحسب التقرير، الهيئات الوطنية السويسرية لمحاربة العنصرية عملها من أجل تعزيز الوعي بمخاطر التمييز ضد الأجانب، واتخذت خطوات عديدة لمحاربة النزعات اليمينية المتطرفة.
في المقابل، يشير التقرير إلى انتشار مخيف للخطاب السياسي العنصري ضد المهاجرين الأجانب، وضد المسلمين، وأصحاب البشرة السوداء، والأقليات الأخرى. وتعتبر اللجنة الأوروبية لمكافحة العنصرية حزب الشعب السويسري جزءًا من هذه المشكلة، مشددة على ان هذا الحزب اعتمد خلال السنوات الأخيرة “خطابا عنصريا ومعاديا للأجانب”، اشاع في البلاد حالة عامة من عدم التسامح.
وينص التقرير على ان: “تكرار استهداف حزب الشعب للأجانب، ولحقوقهم الأساسية، ودعوته إلى منع حظر العنصرية وكراهية الأجانب، قد خلق حالة من القلق، وعدم الإستقرار داخل المجتمع السويسري عامة، وبين صفوف الأقليات خاصة”.
وبالنسبة للجنة الأوروبية لمكافحة العنصرية(ECRI): “يعاني أبناء المهاجرين من التمييز في المؤسسات التعليمية، وتقوم بعض وسائل الإعلام في البلاد بتعزيز الكليشيهات العنصرية، وتنشط بعض المجموعات النازية، واليمينية المتطرفة في البلاد”.ويشير التقرير في النهاية إلى أن التشريعات السويسرية لم يتم تكييفها وتعديلها لكي تواجه التمييز العنصري بشكله المباشر.
انتقادات بناءة
يوصي تقرير اللجنة الأوروبية من اجل مواجهة التمييز العنصري بإخضاع أعوان الشرطة، وسلك القضاة إلى مزيد من التدريب لمعرفة القوانين المحاربة للعنصرية كما يوصي ايضا بإتاحة المزيد من الإمكانات للهيئات العاملة في هذا المجال. ويدعو التقرير الحكومة السويسرية إلى مضاعفة الجهود من اجل محاربة العنصرية على مستوى الخطاب العام، وإلى إعادة النظر في الخطوات المتخذة من اجل اندماج الأجانب، وللتأكد من مدى جدواها عمليا.
من جهتها، عبّرت اللجنة الفدرالية لمكافحة العنصرية عن دعمها لما جاء في تقرير اللجنة الأوروبية بشأن “الإفتراءات والأكاذيب” المشاعة حول الأجانب والأقليات الدينية، وكذلك القصور الحاصل في الإجراءات المتخذة من اجل الحماية من التمييز العنصري. وقالت اللجنة الفدرالية انها تشاطر ما ذهب إليه التقرير الأوروبي من أن الأجانب يتعرضون إلى الإساءة، خلال الحملات الإنتخابية، وان الخطاب المعادي للاجانب، مسموح به في الساحات العامة.
كما قالت اللجنة الفدرالية أنها سوف تتقدم خلال هذه السنة باقتراح لسن قوانين جديدة أكثر تشددا لمكافحة العنصرية.
ويعد التقرير الأوروبي بحسب مايكل شيلّر-غلوس، المسؤول بمؤسسة غير الحكومية معنية بمكافحة العنصرية ومعاداة السامية “عادلا ومتوازنا”، ويتضمّن “انتقادات بناءة”، لكنه يبيّن من جهة أخرى أنه لا يزال أمام سويسرا طريقا طويلا يجب قطعه لمكافحة العنصرية.
وإذا كانت الوثيقة تشيد بالتقدم الذي أحرزته سويسرا في هذا الميدان، فإنها تشير أيضا إلى الحاجة الملحة إلى حملات إضافية لتحسيس الجمهور السويسري للأبعاد المختلفة للعنصرية والتمييز ضد الأجانب، وهي ظواهرة لا تزال حاضرة بقوة داخل المجتمع.
لكن “حجم تمويلات القطاع العام لهذا النوع من الحملات قد تراجع بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. وهذا تطوّر سيء لا يخدم إلا مصالح اليمين المتشدد”، يضيف التقرير.
تدخّل اجنبي؟
لم يتأخّر رد حزب الشعب على ما ورد في التقرير الأوروبي الذي اعتبره منقوصا ومخلاّ، ولم يفهم بصورة جيّدة سياساته، التي هي بحسب الحزب، لا تستهدف الأجانب، بل الأجانب المرتكبين لجرائم، والذين يرفضون احترام القوانين السويسرية.
وجاء في بيان لحزب الشعب، صادر بالمناسبة: “نعلم انه من السهل اتهام حزب الشعب بمعاداة الأجانب بدلا من التطرّق للظاهرة الحقيقية وهي الأجانب المرتكبين للجرائم”، ويختم البيان بدعوة الحكومة السويسرية لما يسمية “التدخّل الأجنبي” في الشؤون السويسرية الداخلية.
ويضبف البيان: “لقد دأبت المنظمات الدولية، التي تحركها جهات يسارية على انتقادنا”.
كذلك يتفق المجلس السويسري للاجئين بصفة عامة مع ما تضمّنه التقرير ، لكنه طالب الحكومة بشرح سياساتها في مجال اللجوء بشكل افضل، قبل الحديث عن تغيير في الرأي العام وعلى مستوى الوعي بمخاطر التمييز.
وتقول سوزانا بولس، العضو بالمجلس السويسري لللاجئين: “الحديث عن اللجوء وعن اللاجئين باعتبارهما مشكلة تصعب عن الحل سمّم الرأي العام، وجعل من الصعب تغيير وجهة النظر هذه. لكن إذا أردنا أن تتغيّر هذه النظرة التي ترى ان طالبي اللجوء يمثلون مشكلة، فلابد من اعتماد خطاب جديد، كأن يتم التركيز على إظهار النماذج الناجحة على مستوى الإندماج”.
جيسيكا داسّي – swissinfo.ch
(نقله من الإنجليزية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)
تعتبر اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية وعدم التسامح (ECRI) التابعة لمجلس أوروبا، هيئة مستقلة معنية بحقوق الإنسان، متخصصة في قضايا العنصرية والتمييز ضد الاجانب.
وتوجد لهذه اللجنة فروع في جميع البلدان الأعضاء في مجلس أوروبا، وتقوم بعرض نتائج عملها بشأن جهود مكافحة العنصرية في تسع إلى عشر بلدان أعضاء كل سنة.
في يوم الثلاثاء 15 سبتمبر 2009، قامت هذه اللجنة بنشر ثلاثة من تقاريرها، تغطي الأوضاع في كل من جمهورية التشيك، واليونان، وسويسرا. وتُعد هذه التقارير جزء من عملها في دورتها الرابعة، والتي تنصب فيها الجهود على تقييم مدى التزام البلدان الأعضاء بالتوصيات التي صدرت عن المجلس سنة 2004، بشأن مكافحة العنصرية. وسوف تشفع هذه التقارير بعملية تقييم شاملة في غضون السنتيْن القادمتيْن.
ويستوجب إعداد التقرير الخاص بكل بلد تحليل وثائق وبراهين، والقيام بزيارة تفقدية للبلد المعني، بالإضافة إلى حوارات مع سلطات البلدان المعنية.
من التوصيات الأساسية الصادرة عن اللجنة المعنية بمكافحة العنصرية التابعة لمجلس أوروبا، نجد:
الدعوة إلى المصادقة على العديد من القوانين والإتفاقيات الدولية، بما في ذلك البروتوكول الثاني عشر من الإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والتي تحظر بشكل شامل التمييز العنصري.
الدول الاعضاء مدعوة لتدريب أعوان الأمن، والقضاة.. وحثّهم على الإلتزام التام بالفصل 261 (2) من القانون الجزائي، والذي من المفترض أنه يحظر السلوكات العنصرية.
على السلطات المحلية في كل بلد تعزيز الأدوات القانونية اللازمة بما يساعد في القضاء على كافة أنواع التمييز.
دعم وتعزيز موارد الهيئات المعنية بمحاربة العنصرية كاللجنة الفدرالية لمكافحة العنصرية، والدائرة الفدرالية لمحاربة العنصرية، اللجنة الفدرالية لقضايا الهجرة والمهاجرين.
على البلدان الأعضاء بذل المزيد من الجهود من أجل محاربة العنصرية على مستوى الخطاب السياسي، وفي وسائل الإعلام، وكذلك لمجابهة كل اشكال أعمال العنف ذات الطابع العنصري.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.