مستقبل “منطقة لافُو” المُدرجة على قائمة اليونسكو بيد الناخبين
تشتهر منطقة لافو الرائعة بمُدرّجات مزارِع الكروم وتشكيلة عِنب نبيذ "شاسلا"، ووضعها المُميز كموقع مُدرَج ضِمن قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو. ولكن الهدوء الرائع الذي يكتسيها، يخفي تحته صِراعاً عميقاً حول حالة الحماية للمنطقة ومستقبلها الاقتصادي، من المقرر أن يحسمه الناخبون في صناديق الإقتراع يوم 18 مايو 2014.
باستثناء زقزقة الطيور وأصوات التجريف الصادرة عن العمّال القائمين على إزالة الأعشاب الضارّة من المسطحات المبنية من الحِجارة البُنية بشكل مدرّجات حادّة وضيقة، يناهز عددها الـ 10,000، يُخيِّم الهدوء على حقول الكروم في بلدية “شيبر” CHEXBRES (كانتون فو)، المطلة على بحيرة ليمان.
أحد مزارعي هذه المنطقة، هو كونستانت جوميني، الذي يشق طريقه على طول خطوط الكروم في أرضه الممتدة على مساحة أربعة هكتارات، وهو يتفحص أولى الوريقات التي تفتّحت بفضل الدِّفء الذي أضفته شمس الأيام الأولى لفصل الربيع على الأجواء.
ويحِق لصانع النبيذ المحلّي، البالغ من العمر 36 عاما، أن يشعر بالبهجة، فعمله التجاري في ازدهار، فقد حاز إنتاجه من نبيذ “شاسلا” Chasselas و”بينو نوار” Pinot noir على اهتمام كبير في الآونة الأخيرة، وأصبح يُباع بشكل جيِّد، حتى في صفوف المشترين في الأنحاء السويسرية المتحدثة بالألمانية. وبلغ نجاحه حدّاً جعله يستثمِر بكثَافة لحِيازة قبْو جديد للنبيذ، لتلبية الطلبات في المستقبل. مع ذلك، ما زال هذا المستقبل يشكِّل مصدراً للقلق بالنسبة للمُزارع الشاب.
“إنقاذ لافو. الجميع يريد إنقاذ لافو، وخصوصاً مُزارعي الكروم. ولكن هذا يعني أن زراعة العنب لإنتاج النبيذ، سوف تعاني، لذا فنحن بحاجة إلى التطوير. أنا لا أتحدّث عن تشييد مبنى وسط حقول الكروم، ولكننا بحاجة إلى أن نكون قادرين على تطوير منازلنا في القُرى، وإنشاء أقبِية للنبيذ وبناء شُقق لقضاء العطلات”، كما قال.
المزيد
“المبادرة تُعيق التقدّم”
مخاوف المزارع الشاب بشأن منطقة النبيذ الموغلة في القِدم، والتي تعود إلى القرن الحادي عشر للميلاد عندما كانت الأديرة البِنِدكتِية والسترسيانية تتحكّم بالمنطقة، تعود إلى ما يسمى بمبادرة “إنقاذ لافو 3” التي سيتم التصويت بشأنها يوم 18 مايو الجاري.
وفي ذلك اليوم، سوف يكون بمقدور الناخبين من كانتون فو الاختيار بين مقترحيْن، أطْلِق أولهما في عام 2009 من قِبل المدافع عن البيئة فرانتس فيبر، الذي لعب دوراً أساسياً في مبادرتيْن سابقتين لحماية لافو (الأولى في عام 1977 والثانية في عام 2005). ويحظى هذا المقترح بدعم جماعات حماية البيئة، مثل الصندوق العالمي للطبيعة ومنظمة “برو ناتورا” (أكبر منظمة للحفاظ على البيئة الطبيعية في سويسرا)، وهو يدعو إلى اعتماد أنظِمة أكثر صرامة في مجال التخطيط، للتعامل مع المضاربات العقارية غير المقيدة “التي تتسبّب في التآكل البطيء لهذه المنطقة”، حسب مؤيِّدي المبادرة.
من جهتهم، يرد أنصار المقترح المُضاد – المُتمثلين بمُعظمهم من الأحزاب السياسية ومُزارعي الكروم في لافو – بغضب بأن المنطقة تحظى بحماية جيدة بالفعل من خلال قوانين الكانتون والقوانين الفدرالية المطبقة حالياً، وإلى درجة أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) أدرجتها على قائمة التراث العالمي في عام 2007، بوصفها “معلماً ثقافيا”. وهُم يدَّعون بأن مقترحهم المدعوم من قبل الأحزاب، من شأنه أن يضمن التنمية الإجتماعية والإقتصادية في المنطقة وحمايتها، بدلاً من اتِّخاذ تدابير جِذرية للحفاظ عليها “بما يشبه الغابة أو الحديقة الوطنية”، على حد رأيهم.
ومن شأن خطّتهم أن تقلل من حجْم المناطق التي يُمكن للأشخاص البناء عليها، في الوقت الذي يُرَخَّص فيه بإنشاء المباني العامة والسكنية. وهم يَعِدون مُزارعي الكروم أيضاً بالدّعم المالي، بغية مساعدتهم في الحفاظ على مُدرّجات الكروم. وفي غضون الأسابيع الأخيرة، تطايرت تعليقات الطرفيْن في جميع الإتجاهات، ترافقها مُلصقات وحملة إعلامية تعرض فيلماً حول المنطقة.
تقطيع تدريجي
قد يكون المشروع التجاري العائلي لكونستان جوميني مزدهراً، ولكن هذا الحظ ليس من نصيب الجميع. فقد تحتم على بعض صانعي النبيذ السويسريين الكفاح، بعد الإنخفاض الأخير في الأسعار، وتدنّي عدد مُحتسي النبيذ والمنافسة الأجنبية، وهُم يشعرون بالقلق من أن تكون مبادرة “إنقاذ لافو 3” المسمار الأخير في النّعش.
“الخطر الرئيسي الذي يواجه لافو، هو موت صناعة النبيذ، وليس المضاربات العقارية”، كما قال جان كريستوف شفاب، من الحزب الإشتراكي (يسار وسط) والمؤيِّد للإقتراح المضاد، في اجتماع مزدحم حضره 300 من مزارعي الكروم المعنيين والسكان المحليين في “شيبر” Chexbres في شهر مارس المنصرم.
في المقابل، لا ترى سوزان ديبلوي الأمر على هذا النحو، وتسير هذه السيدة المقيمة في بلدية “لوتري” منذ 40 عاماً، على خُطى والدها مُتحدِية مشاريع البناء المحلية المثيرة للجدل، لضمان “عدم تدهور هذا التراث”. وتقول، مشيرة إلى الفيلات الفردية المنتشِرة في التِّلال أعلى بلدية “لوتري”: “هذه المنطقة الريفية، هي ملك لنا جميعاً، وليس لأصحاب الأملاك فقط الذين يعتقدون أن بوسعهم فعل ما يشاؤون”.
على الجانب الآخر، تعتقد الأمينة العامة لجمعية “إنقاذ لافو” بأن مطوِّري العقارات يقومون بتقطيع الموقع شيئاً فشيئاً، وبأن مزارعي الكروم، إما يتجاهلون هذا الواقع أو أنهم يعملون يداً بيد مع صانعي القرار المحليين. وكما قالت بشيء من الحسْرة، فإن بعض رؤساء البلديات المحليين “قاموا بعمل جيِّد في حماية بلدياتهم، ولكن ليس بما يكفي”.
وأضافت: “لقد نجحت المبادرتان السابقتان الخاصتان بـ لافو في حماية جزء كبير من منطقة زراعة العنب المحمية مركزياً، ولكن التعامل مع الأجزاء العُلوية – أو ما يسمى بالتاج – وشاطئ البحيرة، كان سيئاً خلال السنوات الثلاثين الماضية”.
من جهة أخرى، يشير الأشخاص الواقفون خلْف هذه المبادرة، أن المشكلة قد تفاقمت في السنوات الأخيرة بسبب الضغط السكاني من مدينتي لوزان وفوفي المُجاورتين. ووفقاً لدييبلوي التي تستند على أدلّة فوتوغرافية، فإن كبار المقاولين العقاريين ينشطون في تحويل ممتلكات قديمة لزراعة الكروم، بهدف إنشاء شقق وفيلات فاخرة بملايين الفرنكات، ليس بوسع معظم السكان المحليين إمتلاكها.
المزيد
كفاحٌ من أجل تشديد القيود على البناء
في نفس السياق، يقول المحامي لارين فيشر، المؤيد للمبادرة: “تم فتح 450 مشروع بناء للتدقيق العام في بلديات لافو منذ يوليو 2011، ولكن دزينة منها فقط تتعلق بالبنية التحتية لصناعة النبيذ”.
بيْد أن هذه الأرقام هي محل خلاف من قبل المعارضين، مثل موريس نيرو، صانع نبيذ شاردوني، الذي وصفها بـ “المفتعلة” و”المخزية”. مع ذلك، يمكن ملاحظة قلّة من أصوات الإحتجاج المنفردة بين مزارعي الكروم المحليين، مثل ماركو ليفرا، البالغ من العمر 90 عاماً، الذي يُدين “الغزو الجديد للممتلكات والنقود”. وكما قال لرجال الإعلام في المؤتمر الصحفي الذي عقد حول المبادرة: “إنها تثير اشمئزازي”.
لهذا السبب، يرغب أنصار مقترح فيبر بتمديد مساحة المنطقة المحمية القائمة في كِلا الإتجاهين، الشمالي والجنوبي على حدٍّ سواء، لمراعاة التوسع العمراني المتنامي وإخراج القرارات المتعلقة بالتخطيط الحضري لمنطقة لافو من أيدي البلديات المحلية.
ووفقاً لهذا المقترح، ستكون المنشآت الجديدة محدودة للغاية، ولكن مع وجود استثناءات بغية السماح لصانعي النبيذ بمواصلة تحويل وتجديد بُنيتهم التحتية وفقاً لاحتياجاتهم، مع احترام الطابع التقليدي للقرى. كما سيُستثنى العمل على المباني العامة، كالمستشفيات والمدارس ودور المُسنّين أيضاً. لكن كونستانت جوميني لا يصدّق أي كلمة، ويقول: “استثناءات! ما الذي سيفعلونه؟ يمنحوها للبعض دون الآخرين”؟
“هذه مبادرة فائضة عن الحاجة. إذا تحوّلت لافو إلى متحف، لن تكون هناك تنمية، وإذا لم تكن هناك تنمية، فهذا يعني الموت البطيء لزراعة الكروم، وبالنتيجة، ستفقد لافو وضعها كمنطقة مَحميّة للنبيذ على قائمة منظمة اليونسكو… وهذا خطر كبير”، كما قال، وهو يتطلع إلى الأفق صوب جبال الألب.
تقع منطقة لافو على الساحل الشمالي الشرقي لبحيرة ليمان. وتمتد هذه المنطقة التي تشتهر بزراعة الكروم على حوالي 15 كيلومترا، من مدينة فيفي حتى الضواحي الشرقية لمدينة لوزان بكانتون فو، وهي مؤلفة من 840 هكتارا من حقول الكروم وهي على شكل مدرجات تغطي المنحدرات السفلى لسفح الجبل بين القرى والبحيرة. ويبلغ عدد سكان المنطقة نحو 28,000 نسمة.
بالرغم من وجود أدلة على زراعة الكروم في هذه المنطقة منذ العصر الروماني، يُمكن إرجاع مُدرجات الكروم الحالية إلى القرن الحادي عشر للميلاد، حينما كانت الأديرة البندكتية والسيسترسيانية تتحكم بهذه المنطقة.
أكثر أنواع النبيذ المنتجة في هذه المنطقة، هي “شيسلا” (65%)، الذي يحمل اسم صنف من الكروم السويسرية النادرة، وغاماي (10,9%)، وبينو نوار (11,5%). وتتم إعادة تصنيف هذه الأنواع إلى ثمانية مسميات حسب المنشأ وتحمل علامة AOC، (وهي علامة جودة وحماية رسمية فرنسية أو سويسرية تُمنح لبعض المنتجات الزراعية التي تعود لمناطق معيّنة، وبالأخص النبيذ). وهذه الأصناف هي: كالامين، شاردوني، ديزالي، إيبيس، لوتري، سانت سافوران، فوفي – مونترو وفيليت. وفي الوقت الحاضر، يُوجد حوالي 200 مُزارع للكروم في منطقة لافو.
أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) منطقة لافو السويسرية إلى قائمة التراث العالمي بوصفها “معلماً ثقافياً” في عام 2007.
مع ذلك، لا يفرُض هذا الوضع أي التزامات حماية مُلزمة قانوناً على مزارعي الكروم في لافو أو السلطات المحلية أو الفدرالية. ولكن، وبغية حماية ما يراه البعض “علامة تسويق وترويج” للمنطقة برمتها، ينبغي على السويسريين اتباع خطّة إدارة مُعترف بها للحفاظ على “القيمة العالمية الإستثنائية” للموقع.
تحدد خطة من هذا القبيل استراتيجيات للبحوث والثقافة والإقتصاد وتخطيط استخدام الأراضي والسياحة، كما يتم الإشراف عليها من قبل جمعية سويسرية مؤلفة من الساسة المحليين وصانعي النبيذ وغيرهم من الشخصيات العاملة في الحقل التجاري.
وفقا لمزارع الكروم برنارد بوفي، “يحمي وضع المنطقة ضمن قائمة اليونسكو، الحجارة والناس وعملهم على حد سواء”. لكن مؤيدي المبادرة الثالثة لـ “إنقاذ لافو” يجادلون بأن هذا الوضع لم يغيِّر شيئاَ، “بل على العكس من ذلك، زاد من جاذبية المنطقة للأشخاص الراغبين بالعيش هناك”.
حتى الآن، ظلت منظمة اليونسكو خارج النِّقاش الدائر حول المبادرة. ويقول أوليفر مارتن، رئيس قسم التراث الثقافي في المكتب الفدرالي للثقافة: “منذ أن تم إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي، لم تعلق منظمة اليونسكو أبداً على حالة الحماية في لافو”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.