مصورٌ سويسري يوثّق ويلات حرب أوكرانيا
عاد المصور الفوتوغرافي "دومينيك نار"، الذي كان شاهدا على الكثير من أزمات وحروب السنوات الأخيرة، مؤخرًا من أوكرانيا. في هذا الحوار، يتحدث عن عمله ودوافعه وعن التأثير الذي يتركه على نفسيته ومشاعره بؤس العالم.
دومينيك نار هو واحدٌ من المصورين الأكثر نجاحًا في عصرنا. “مجلة التايم” من بين الوسائل الإعلامية التي تنشر صوره. في السنوات الأخيرة، كان شاهدا عن كثب على الكثير من الأزمات والحروب. كان في هايتي بعد الزلزال، وفي فوكوشيما بعد الكارثة النووية، وفي القاهرة خلال ثورة 25 يناير، ومؤخرًا عاد من أوكرانيا التي يستهدفها غزو روسي..
SWI swissinfo.ch: كيف تبدو العودة من منطقة حرب إلى سويسرا الهانئة بالسلام؟ لا بدَّ أن يكون ذلك صدمةً حضارية.
دومينيك نار: هذا أمر طبيعي: نعم، ولكن في هذه المرّة: لا. لقد كنتُ عائدًا للتو من أوكرانيا وأقف في مطار زيورخ منتظرًا حقائبي فأدركتُ بأنَّ الحربَ قريبةٌ جدًّا. فجأةً هي جزءٌ من عالمنا الحديث. كنت كما لو أنني ما زلت في أوكرانيا، والفارق الوحيد في تلك اللحظة كان هو أن المرء لا يسمع صفارات الإنذار.
بالضبط منذ خمسة عشر عامًا وأنتَ، كمصور حرب، على سفرٍ من مكانٍ إلى آخر. كيف يؤثّر فيك عيش أجواء الحرب عن كَثَب؟
أن أعملَ بشكلٍ أفضل وأتعلّمَ أشياء يُمكن أن أحتاجها في المهمة القادمة، لكنَّ التعوّدَ على الحرب أمرٌ خطير. إذا سار كلُّ شيءٍ بشكلٍ جيّد، ولم يتأثر المرء عاطفيًّا، فتلك مشكلة. دائمًا يأخذ المرء معه شيئًا من هناك. في كل مهمةٍ من مهمّاتي يتحطم شيءٌ ما في مخيلتي وذاكرتي، وربما في الجسد أيضًا. عندما أعود، عليَّ أن أحاول إعادة بناء ما تحطّم، كي أعودَ سليمًا. كل مهمة تسلبُ مني شيئًا ما.
كمصوّر، يوثّق “دومينيك نار” بؤَر الأزمات في كل العالم، سواءٌ أكانت في الصومال أو هايتي أو أفغانستان أو غزّة. صوره تُنشر في أشهر الصحف والمجلات في العالم، مثل “مجلة التايم” و”نيويورك تايمز” و”ناشيونال جِيوغرافيك” و”لوموند”. في عام 2013، حصل على جائزة التصوير الصحفي العالمية. ولد “دومينيك نار” في سويسرا ونشأ في هونغ كونغ ودرس في تورونتو التصوير وصناعة الأفلام. عاش عدة سنوات في العاصمة الكينية نيروبي.
ما الذي يدفعك إلى التصوير في مناطق الأزمات؟
دائمًا كان من المهم بالنسبة لي، أن أوثّق الأشياء كي لا تُنسى. الحادي عشر من سبتمبر كان لحظةً خاصّةً. آنذاك كان عمري سبعةَ أو ثمانية عشرَ عامًا، وكنت في هونغ كونغ حين شاهدت تلك الصور. وقفت أمام التلفزيون وأردتُ أن أكون هناك.
لا أعرف من أين انبثق ذلك، أردت أن أكون هناك في اللحظة التي يتغيّر فيها التاريخ. من الشرف أن تكون موجودًا هناك. أجد ذلك مثيرًا للغاية.
هل هو البحث أيضًا عن حدودك الخاصة، بعد الصدمة؟
بطريقةٍ ما دخلتُ مجال التصوير وهو طريقي الآن لأترك شيئًا ما للعالم، لكنّه من الواضح أن المغامرة مهمة أيضًا. أريد أن أشهد أشياءً أخرى، أريد أن أرى دائمًا أكثرَ مما يُرى في المجلات والتلفزيونات.
في مناطق الحرب أنت قريبٌ جدا من موضوعك، وليس لديك مسافةٌ فاصلة (للحكم على الأشياء). ألا يجب على المرء أن يكون قادرًا على تخليص نفسه من موضوعه، أو ربما يكون بمشاعرَ باردةٍ حتى؟
أظنُّ بأننا، نحن البشر، نستطيع أكثرَ مما نحنُ نعتقد. في مناطق الأزمات يجب أن يكون لدى المرء ثقةٌ برأسه وجسده، بأنه يستطيع أن يقوم بأكثرَ مما يعتقد. إنه فعل توازن. لا بدَّ أن أشعرَ بشيءٍ كي تكون صُوَرِي قويّةً. لكن الخطر يكمن في أنَّ المرءَ إما لا يشعر بما يكفي أو يشعر بالكثير جدًّا. في عام 2011، كنت في مقديشو في الصومال. بعد التسونامي صورت أزمة الجوع. ماتَ أطفالٌ بقربي. كنت عاطفيًّا جدًّا. الصحافي الذي كان يعملُ معي، اضطرَّ أن يُخرجني من هناك. كنت متأثرًا جدًّا ولم أستطع التقاط صورٍ جيّدةٍ قطْعًا.
كيف كان شعورك؟
كدت أن أصبحَ مجنونًا. ااعتقدت بأنه يجب عليّ أن أصوّرَ كلَّ شيء، أن أوثّق كلَّ شيء، كلَّ طفلٍ يموت. آنذاك، كنت منغمسًا في الحدث إلى حدٍّ بعيد نوعا مّا.
ما الذي يُلفت نظرك في الغالب من الحرب: الصور أم الروائح؟
كلُّ حربٍ تفوح برائحةٍ مختلفة. ولكن عندما توجهنا إلى الجبهة في أوكرانيا، وجدنا جميعنا بأن الأجواء تفوح بأكثرَ من رائحة حربٍ معتادة. الحرائق مندلعة في كل مكان. المرء يشمُّ البارود ويسمعُ ويشعرُ بالقنابل. أعتقد أن الروائحَ بالنسبة لي هي الأقوى. أكون أحيانًا في طريقي إلى مكانٍ ما وأشمُّ شيئًا ثم أكون فجأةً وسَطَ الحرب مرةً أخرى.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.