موجة تضامن في سويسرا مع ضحايا الزلازل في تركيا وسوريا
بعد الزلازل التي دمّرت مناطق في جنوب تركيا وشمال سوريا يوم الاثنين 6 فبراير الجاري، تتزايد كثافة ووتيرة المساعدات الإنسانية. وفي سويسرا، كثفت "سلسلة السعادة" والوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية من نداءاتها لتقديم التبرعات والمساعدة إلى هذه المنطقة التي تُعاني من توتر جغرافي - سياسي شديد.
في الساعات الأولى من يوم الاثنين الماضي، اهتزت الأرض بشدة في تركيا وسوريا حيث دمّر زلزالان بقوة 7.8 و7.5 درجة على مقياس ريختر (الدرجة 9 تحدث دمارا شاملا) عددا كبيرا جدا من المباني، وأسفرا عن مقتل ومحاصرة آلاف الأشخاص. وتشير الحصيلة المؤقتة إلى مقتل أكثر من 16000 شخص فيما لا يزال الكثير من الناس مُحاصرين تحت الأنقاض.
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن هذه الكارثة قد تؤثر على حوالي 23 مليون شخص بشكل أو بآخر. في تركيا وحدها، يمكن أن يتسبب الزلزال في تشريد أكثر من 250 ألف شخص. وبالإضافة إلى البحث عن ناجين وتقديم مساعدة طبية للمُصابين، فإن تأمين السكن يُعتبر من الاحتياجات الملحة، لأن الشتاء قاس، كما يؤكد إيمانويل ماسّار، منسق عمليات منظمة أطباء بلا حدود غير الحكومية في منطقة الشرق الأوسط.
مساعدة عملية على الميدان
صباح الثلاثاء 7 فبراير، وصل 80 من خبراء وخبيرات الإنقاذ من سويسرا إلى هاتاي بجنوب تركيا. وتم عقد اجتماع أول مع السلطات المحلية لتحديد الاحتياجات ومواقع التدخل. وإثر ذلك، بدأ الخبراء السويسريون أنشطة البحث والإنقاذ في محاولة لانتشال أشخاص من تحت الأنقاض.
سويسرا قامت بإرسال معدات ثقيلة، بما في ذلك آلات تُستخدم في حظائر البناء ومناشير الخرسانة وآلات ثقب الصخور. وصرح أليسيو ماراتزا، العقيد في هيئة الأركان العامة للجيش السويسري، إنه لا تزال هناك فرص جيّدة لإنقاذ أشخاص مدفونين تحت الأنقاض، مضيفا أنه “عندما يكون الجو بارداً، يُعاني المرء من الجفاف بسرعة أقل ويبقى على قيد الحياة لفترة أطول تحت الأنقاض مقارنة بالصيف”.
بالإضافة إلى 80 من خبراء وخبيرات الإنقاذ، يشارك 29 من أفراد الجيش السويسري في تركيا. كما تتواجد الجمعية السويسرية لكلاب البحث والإنقاذ (اختصارا Redog) في المنطقة التي ضربتها الزلازل في تركيا رفقة العديد من فرق التدخل. وفي هذا الصدد، يقوم عشرة أشخاص وستة كلاب بأعمال التفتيش وسط الركام والأنقاض.
الجاليات المعنية تتجند
في سويسرا، أحدثت المأساة موجات من الصدمة لدى جميع أفراد الشتات السوري والتركي في سويسرا. وعلى الفور، تجندت الجاليات المعنية لمحاولة مساعدة السكان المتضررين، وبمرور الوقت تتزايد التبرعات وعمليات جمع التجهيزات والمستلزمات المادية ومختلف التحركات التضامنية.
أطلقت مؤسسة “سلسلة السعادة” الخيرية والوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية، نداءً لجمع التبرعات لمساعدة ضحايا الزلازل في سوريا وتركيا.رابط خارجي ويتم جمع التبرعات عبر هذا الحساب المصرفيرابط خارجي.
كما تتواصل “سلسلة السعادة” مع المنظمات الشريكة لها والموجودة بالقرب من مناطق الكارثة في سوريا. أما بالنسبة لتركيا، فيتمثل النشاط الدولي بجهود الصليب الأحمر والهلال الأحمر بشكل أساسي.
يقول ميرين بينغوا، مدير منظمة “سلسلة السعادة”: “تركز كل الجهود حاليًا على البحث عن المدفونين تحت الأنقاض والمفقودين، فضلاً عن توفير الغذاء والماء والمأوى للناجيات والناجين ممن ينتهي بهم المطاف بلا شيء تمامًا. ندعوكم شاكرين إلى التضامن في سويسرا لمساعدتنا على جمع المساعدة الملحة لمواجهة هذه الكارثة وحجمها”.
في مدينة بيل/بيان (كانتون برن) على سبيل المثال، وجّهت أوزليم أريك، رئيسة الفرع السويسري للهلال الأحمر الكردستاني (اختصارا HSK-CHرابط خارجي)، نداء لتقديم المساعدات وخصّصت على الفور موارد مالية لفائدة الضحايا الأكراد.
وأشارت إلى أنها قلقة بشكل خاص بشأن التمييز الذي قد يُعاني منه السكان الأكراد عندما يتعلق الأمر بالمساعدات التي تمنحها أنقرة. وفي تصريحات أدلت بها يوم الثلاثاء 7 فبراير الجاري إلى قناة الإذاعة والتلفزيون العمومي السويسرية الناطقة بالفرنسية RTS، قالت: “لدينا بالفعل تجارب سابقة تظهر أن الدولة التركية والمنظمات غير الحكومية التابعة للدولة تركز على الجانب غير الكردي. أمّا الأكراد فيحتاجون إلى المساعدة، فهم وحيدون بعض الشيء”.
وفي أماكن أخرى من البلاد، تقوم الجاليات المعنية بجمع الضروريات الأساسية، كالمواد الغذائية ومنتجات النظافة.
أما بالنسبة لسوريا، فإن الوضع يبدو أكثر تعقيدًا. ففي هذا البلد الذي يعيش حالة حرب منذ أكثر من عقد من الزمن، يكاد يكون من المستحيل إرسال الأموال أو الأغراض والتجهيزات مباشرة انطلاقا من سويسرا.
مزيج متفجر
لم تؤثر الزلازل في واحدة من أكثر مناطق الكوكب حساسية من الناحية الجيولوجية فحسب، بل وأيضًا في واحدة من أكثر المناطق اضطرابًا على المستوى السياسي، حيث تتضاعف الصعوبات التي تُواجه تقديم المساعدات للضحايا عشرة أضعاف.
في الوقت نفسه، تؤثر المأساة على بلدين يعيشان أوضاعا مختلفة جدًا. فعلى العكس من تركيا، توجد سوريا منذ عام 2011 في حالة حرب.
ورداً على سؤال طرحته عليه قناة الإذاعة والتلفزيون العمومي السويسرية الناطقة بالفرنسية RTS، يعتقد ديدييه بيلّيون، المدير المساعد لمعهد الدراسات الدولية والاستراتيجية في باريس (اختصارا IRIS) والمتخصّص في شؤون الشرق الأوسط وتركيا، أن “المسألة الكبرى خلال الأيام والأسابيع المقبلة ستتمثل في تنظيم وترشيد تدفق المساعدات والإغاثة”. ومن هذا المنظور، يُذكّـر بيلّيون بالأهمية التي يكتسيها “باب الهوى”، وهو المعبر الوحيد بين تركيا وسوريا الذي يضمنه قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي.
إلّا أنّ متحدثا باسم منظمة الأمم المتحدة أشار يوم الثلاثاء 7 فبراير إلى أن الطريق المؤدية إلى نقطة العبور تلك قد تضررت جراء الزلزال، ما أدى إلى تعطيل عملية إيصال المساعدات بشكل مؤقت.
بالنسبة إلى ديدييه مليار، سيكون من الضروري الإكثار من نقاط العبور، أو حتى التفكير في المرور عبر الجنوب، أي عبر دمشق، ويضيف “لكن تُطرح حينها مشكلة الموقف (الذي ستتخذه) الحكومة السورية”، حيث يخشى من “جنون العظمة الحاد” لحكومة بشار الأسد.
على الجانب التركي، وفي سياق سياسي متفجّر يتسم بالاستقطاب الشديد، يُثني الباحث على أن “الوحدة الوطنية تسود في الوقت الحالي”، لكنه يستدرك متأسفاً: “لكن الحياة السياسية لها قوانينها، والوضع مستقطب للغاية. وفي سياق سابق للحملة الانتخابية، هناك خطر أن يتحول الأمر إلى شكل من أشكال الاستغلال (للكارثة) في الأيام أو الأسابيع المقبلة”.
في سياق متصل، اعتبرت وزارة الخارجية السويسرية أن الزلزال في سوريا ينضاف إلى وضع يتسم بالفعل بهشاشة بالغة في البلاد ويتطلب استجابة على المدى المتوسط. وأشارت إلى أن المكتب الإنساني السويسري في دمشق، وكذلك الممثليات السويسرية في المنطقة بصدد تحديد الاحتياجات وأفضل السبل لتلبيتها.
ترجمة: ثائر السعدي
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.