مُحاولات لسَـدّ النَّقص في التبرّع بالأعضاء البشرية في سويسرا
ينتظر ما يقرب من 1200 شخص في سويسرا بفارغ الصبر دوْرهم لإجراء عملية لزراعة عُـضوٍ ما في أجسامهم، ومن مجموع هؤلاء، يتوفّى نحو 100 شخص سنوياً.
وبالمقارنة مع مُعظم الدول الأوروبية، يتبرّع السويسريون بعددٍ أقلّ بكثير من أعضائِهم. ومن المُؤمل أن تقوم دراسة وطنية وبمساهمة وسائِل الإعلام الحديثة وشبكات التواصل الإجتماعي، بالمساعدة في رَفْـع هذه المعدّلات.
الدراسة، التي بادر بها المكتب الفدرالي للصحة، وبِإشراف اللّجنة الوطنية للتبرّع بالأعضاء، صُمِّمَت لتقييم العوامِل المُؤدية إلى انخفاض معدّلات التبرّع. كما بَيّـنَت شراكة جُربت مع موقع التواصل الإجتماعي “فايسبوك”، إمكانية تشجيع الناس وحثِّهم على طلب بطاقات المُتَبَرّعين بالأعضاء.
في عام 2012، تصدّرت عمليات زراعة الكِلى، قائمة عمليات زراعة الأعضاء في سويسرا بواقع 500,000 عملية، تليها زراعة الكبد بواقع 20,000 عملية، كما أجرِيت 3500 عملية لزراعة القلب. وفي سويسرا، تقوم خمس (5) مستشفيات جامعية (في بازل وزيورخ وبرن وجنيف ولوزان)، بالإضافة إلى مستشفى كانتون سانت غالَّن، بإجراء عمليات زراعة الأعضاء.
في مرحلةٍ ما من عام 2011، كان هناك 1,716 شخصاً على قائمة الإنتظار، إستلم 504 مريض منهم عُضوا ما. وقد إرتفع عدد الأشخاص الذين ينتظرون عملية لزراعة عضوٍ في أجسامهم بنسبة 71% في الأعوام ما بين 2005 (حيث كان عددهم 683 شخصا) وحتى 2012 (حيث وصل العدد إلى 1165 شخصا).
بإستطاعة مانح واحد أن يحتمل التبرّع بِسَبعة أعضاء صلبة (تشمل القلب والرئتين والكبد والبنكرياس والأمعاء الدقيقة والكليتين)، بالإضافة إلى القرنية والجلد والدم ومجموعة مختلفة من الأنسجة والخلايا الأخرى. وهناك طلب متزايد على الكِلى بواقع 813 شخصا على قائمة الإنتظار في بداية عام 2012، ومعدل إنتظار بلغ 514 يوما في عام 2011.
هناك تفاوُت كبير في طول الفترة الزمنية لِبقاء العُضو المزروع في الجسم المضيف، حيث اتضح أن ما بين 60 و70 في المائة من بعض الأعضاء كالقلب والرئة والكبد المزروعة تستمر لمدة 10 سنوات. كما يُمكن للمتلقين إستلام عضوٍ آخر بعد فشل العضو الأول. ويحدث هذا في أغلب الأحيان مع الكِلى، التي تستمِر في جسم المتلقِّي مدّة 15 عاماً في المتوسط.
المتبرعون.. أقلية محدودة
في عام 2011، أطلق المكتب الفدرالي للصحة حملةً إعلانيةً وطنيةً لزيادةِ الوعْي لدى المواطنين حول حقيقة، أن بإمكان الناس في سويسرا أن يملؤوا بطاقة المُتَبَرِّع بالأعضاء، التي تُبيِّـن ما إذا كانوا – أو لم يكونوا – مُستَعدّين للتخلّي عن أعضائهم عند وفاتهم. لكن دراسة صغيرة أجرتها المؤسسة الوطنية للتبرّع بالأعضاء وزرعها “سويس ترانسبلانت” (وهي المنظمة المكلّفة بتوزيع الأعضاء البشرية في سويسرا) في عام 2012، وجدت بأن نسبة 50% فقط من الأشخاص الذين شملهم الإستطلاع، كانوا على بَيِّـنة بهذه الإعلانات.
ومنذ شهر نوفمبر 2012، أصبح بإمكان المُستَخدِمين في سويسرا أن يُـقِـرّوا على صفحاتهم الشخصية على موقع التواصل الإجتماعي “فايسبوك”، دَعمهم للتبرُّع بالأعضاء وأن يُطالِـبوا ببطاقة المُتبرّع بالأعضاء من منظمة “سويس ترانسبلانت”، من خلال تعقُّـب الرّابط الخاص بالمنظمة من على هذا الموقع.
وكما قال فرانتس إيمَّير، مدير منظمة “سويس ترانسبلانت” لـ swissinfo.ch: “لقد كان أمراً مُدهشاً جداً. ففي خلال الأسبوع الأول، تمّ تحميل بطاقة المتبرّع بالأعضاء من موقعنا في كل دقيقة خلال صفحة “فايسبوك”، وكان ذلك لمدّة عشرة أيام. وقد أرسلنا في تلك الفترة 10,000 بطاقة. ولكن موقع “فايسبوك” لا يستطيع حَلّ جميع المشاكل”.
في شهر يناير 2013، أصدَرَت مؤسسة “سويس ترانسبلانت” دراسة اللجنة الوطنية للتبرّع بالأعضاء (CNDO) التي تحمل عنوان “الرصد السويسري للمانحين المُحتَمَلين”، التي أجريت في وحدات العناية المركّزة السويسرية وأقسام الحوادث والطوارئ. وتم تصميم الدراسة، لتقدير عدد مانحي الأعضاء المُحتَمَلين في سويسرا وللبحث في الأسباب المُحتمَلة للإختلافات المسجلة في معدّلات التبرع بين المستشفيات والمناطق.
الدراسة وجدت أن رفض الأشخاص بالمُوافقة على التبرّع بأعضاء ذَويهم أو أقربائهم، قد ارتفعت بنسبة 10% بين عامي 2008 و2012، لتصل إلى 52.6 %. وبالمقارنة، يبلغ معدّل الرّفض في أوروبا 30%.
وفي الوقت الحاضر، يُـمثِّـل معدّل المتبرِّعين بالأعضاء في سويسرا والبالغ 12.8 شخصا لكل مليون نسمة – واحداً من أدنى المعدّلات التي يُمكن العثور عليها في أوروبا، وهي تبلغ ثلث المعدّل الموجود في إسبانيا، التي تملك العدد الأكبر من المتبرِّعين بمعدل 35.3 شخصا لكل مليون نسمة، كما تشكِّل نِصف معدل المتبرّعين في فرنسا والبالغ 24.8 شخصا لكل مليون نسمة. وقدَّرت الدراسة أنه بالإمكان الوصول إلى معدل 36.5 شخصا لكل مليون نسمة في سويسرا.
قانون زراعة الأعضاء السويسري
في العديد من الدول الأوروبية، هناك ما يسمّى بـ “الموافقة الإفتراضية”، أي أن على الأفراد الإعلان عن رفضهم التبرّع بأعضائِهم وإن لم يُعلنوا صراحة عن ذلك يُعتبرون موافقين من الناحية القانونية.
في سويسرا، فقد أصبح لِـزاماً على الأفراد أن يُعلِـنوا عن موافقتهم على التبرّع بأعضائِهم، أي ما يُدعى بـ “الموافقة الصريحة”، وذلك منذ تنقيح القانون الفدرالي حول زراعة الأعضاء في عام 2007. وتبقى مسألة الإعلان عن هذه الرّغبة متروكة للأفراد، كأن يكون من خلال حَمل بطاقة المتبرّع بالأعضاء على سبيل المثال أو من خلال إعلامِهِم لذويهم الذين ستُـوكل إليهم مسؤولية إتخاذ قرارات مُـعيَّـنة بالنيّابة عن المريض، إذا لم يكن بوُسْعهم القِيام بذلك بأنفسهم.
من المتوقّع أن تتدارس الحكومة الفدرالية في الربيع المُقبِل مسألة اعتماد “الموافقة المُفترَضة”، كما سيقوم البرلمان بالنظر في تغييرات مُقتَرَحة على القانون الحالي الخاص بزراعة الأعضاء.
من شأن أحد هذه التغييرات، أن يسمح للأطباء بسؤال عوائِل المرْضى عن إمكانية التبرّع قبل وفاة المريض، فيما من شأن التغيير الآخر أن يُتيح اتخاذ إجراءات مُعيّنة للحِفاظ على الأعضاء، التي يُنوى التبرُّع بها، داخل أجساد المانِحين قبل الوفاة.
في المقابل، تثير عملية الإحتفاظ بالوظائِف الحيوية لجسم المريض، لأجْل حِفظ أعضائه قبل التبرّع بها، الجَدَل. فقد وصفت مارغريت كيسّلر، المحامية عن جانب المرضى في مقال نُشِـرَ عام 2012 في مجلة “بيوباختَر” (المُراقب) السويسرية الصادرة بالألمانية، الأطباء الذين يُحاولون إعادة الحياة إلى مرضى في حالة موت سريري، للحصول على أعضائِهم بـ “النحل الذي يحتَشِد حول الجُثة”. وتساءلَت: “هل يُمكننا حتى الحديث عن الموت بكرامة في حالة كهذه؟”.
من جهتها، تؤيِّد كذلك تركس هيبيرلين، رئيسة مجلس إدارة “سويس ترانسبلات”، بأن إعادة الموافقة المُفترضة قد يحمل نتائج عكسِية، قد تزيد من الغموض لدى المرضى وعائلاتهم حول التبرّع بالأعضاء. وتقول معلَّقة: “من المُهِم بالنسبة لنا عدم اتخاذ إجراءات تتعارَض مع رغْبة المريض”.
المزيد
معدّلات زراعة الأعضاء تختلف حسب المناطق
الوضع الراهن
لم يستطع تقرير اللّجنة الوطنية للتبرّع بالأعضاء، تحديد السبب وراء عدم موافقة أقارب المريض على التبرع بأعضائه، ولكنه وجد بأنّه كلّما كان التقدم بالطلب في وقت مبكّر أكثر، كلما كانت الإجابة بالرّفض أكثر ترجيحاً.
وكما يقول إيفان غاشة، مساعد مدير قسم العناية المركّزة في مستشفى جنيف التعليمي ونائب رئيس اللجنة الوطنية للتبرّع بالأعضاء، فإنَّ اتخاذ قرارٍ بشأن التبرّع بأعضاء أحد الأقارب، هي عملية صعبة جداً للعوائل. وفي بعض الأحيان، ينبغي اتخاذ قرار كهذا في وقت قصير جداً، وهو حسب غاشة، أمرٌ “مُربك ومُفزع للغاية، لاسيما إذا لم يُناقش الموضوع سلفاً”.
كما وجدت الدراسة اختلافات في طريقة تنظيم المستشفيات المختلفة وشبكات التبرّع السويسرية الستة، وكذلك في الوعْي الموجود عند مَـن يمكن الإشارة إليهم كمُتبرِّعين، لاسيما في المُستشفيات الأصغر.
ويقول روجي لوسّمان، رئيس وِحدة العناية المركزة الجراحية في مستشفى كانتون سانت غالن وعضو مجلس إدارة اللجنة الوطنية للتبرّع بالأعضاء: “أعتقد بأنه ينبغي علينا تحسين عدد من الإجراءات في مستشفياتنا”. وأضاف: “يقوم رئيس وِحدة العناية المركزة بدوْر المنسِّق المحلّي للتبرّع بالأعضاء، وهذا غير كافٍ”.
وِفقاً لقانون زراعة الأعضاء، تتحمّل الكانتونات مسؤولية تنفيذ الإجراءات اللازمة لتشجيع التبرع وزراعة الأعضاء، بما في ذلك تعيين وتدريب الموظفين المسؤولين عن كشف وإحالة المُتبرعين المُحتمَلين.
ولتحسين معدّلات التبرّع، إقترح التقرير تطبيق أفضل الممارسات وتمويل المُنسِّقين المحليين لعمليات التَبَرُّع في وحدات العناية المركّزة، وتقديم البرامج التعليمية للأطباء وطاقم التمريض.
ووِفقا للقانون السويسري، ينبغي على الأطبّاء سؤال ذوي المرضى حول التبرّع. وهناك بالفعل برنامج تعليمي للمساهمة في إعداد الأطباء والممرضات لهذه المهمّة، ومساعدتهم على فهْـم عملية الحِداد، ولدراسة وجهة نظرهم الخاصة حول التبرّع بالأعضاء.
يُعتبر تشجيع الجمهور على مناقشة التبرّع بالأعضاء وإتخاذ موقف حول هذا الموضوع الحسّاس، واحداً من أهداف “سويس ترانسبلانت”. وكما جاء على لِسان نائب رئيس اللجنة الوطنية للتبرّع بالأعضاء: “لو كان عند الجميع بطاقة مُتَبَرِّع بالأعضاء – وليس مهمّاً إذا كانوا مع أو ضِدّ، ولكن أن يكونوا إتخذوا قراراً – فسيكون هذا مصدر إرتياح كبير للشخص ولِذَويه معا”.
أثَّـرت تقارير وسائل الإعلام حول الإتجار بالأعضاء في الصين وحول الأطباء الألمان المتلاعبين بالبيانات من أجل حصول مرضاهم على كبد بشكل أسرع، بصورة سلبية على تصور الأشخاص للتبرع بالأعضاء.
منذ ثمانينيات القرن العشرين، كان السجناء السياسيون الذين يتم إعدامهم في الصين، يُستَخدمون كمانحين للأعضاء. وفي عام 2006، أبرز محاميان كنديان تقريراً يؤكِّد على إبقاء مساجين سياسيين – أعضاء في حركة فالون غونغ بالمقام الأول – على قيْد الحياة في مخيمات، لاستخدامهم كمانحين لعمليات زرْع الأعضاء في المستشفيات الصينية على وجه التحديد.
في عام 2010 منحت المؤسسة الوطنية للتبرع بالأعضاء وزرعها “سويس ترانسبلانت” والجمعية الدولية لحقوق الإنسان، جائزة لهذين المحاميين الكنديين. وفي تعليقه على الموضوع، قال فرانتس إيمَّر، مدير المؤسسة: “إنها مسألة رهيبة. ولكن الآن، ونتيجة جهود المحامييَن في عام 2010، ينبغي أن يعلن السّجناء المحكومين بالإعدام عن موافقتهم على التبرّع بأعضائهم على وثيقة مُوقعة من قِبَلِهِم”.
في ديسمبر 2012، قدمت منظمة “أطباء ضد الجنْي القسْري للأعضاء”، عريضة تدعو قادة الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي والأمين العام للأمم المتحدة، إلى “حثّ حكومة جمهورية الصين الشعبية لوضع حدٍّ فوري لإقتناء الأعضاء اللاإنساني واللاأخلاقي من ِسُجَناء فالون غونغ وغيرهم من السجناء في الصين”.
نَفَتَ الصين مِراراً مزاعِم جنْي الأعضاء من السجناء الأحياء. وقامت في عام 2007، بإصدار لوائح تحظر التّداول التجاري بالأعضاء البشرية، كما قضت أن تُمنَح الأعضاء العائدة للسجناء المعدومين إلى أفراد أسَرهم حصرياً، وبإمكانية منح المُتبرّعين الأحياء أعضائهم إلى أقاربهم فقط، أو ممّن لهم “إرتباط عاطفي” بهم.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.