مُستشفيات سويسرية صديقة للمـُهاجرين
غالبا ما يواجه الطاقم الطبي والمُعالج في سويسرا صعوبة في التواصل مع المرضى الأجانب الذين لا يتقنون الحديث بإحدى اللغات الوطنية.
ولتجاوز هذا الحاجز، وضمان تكافؤ الفرص بين جميع المرضى، وتحسين جودة وفعالية الخدمات المُقدمة للمُهاجرين، أصدرت جمعية المستشفيات بالتعاون مع المكتب الفدرالي للصحة العمومية، كُتيبا وشريطا وثائقيا مُخصصيْن للطاقم الصحي.
بات ما لا يقل عن مليون ونصف المليون أجنبي يـقيم بشكل دائم في سويسرا التي يتجاوز إجمالي سكانها بقليل 7 مليون نسمة. وتحول بذلك المهاجرون إلى جزء لا يتجزأ من واقع الحياة اليومية في الكنفدرالية. واقعٌ يتطلب استيعاب التغييرات المتواصلة التي يشهدها المجتمع السويسري بفعل توافد المُهاجرين الذين يحملون مزيجا “إضافيا” من الأصول واللغات والأديان والثقافات المختلفة (علما أن سويسرا مجتمع متعدد اللغات والثقافات أصلا).
وتظل اللغة من أبرز الحواجز التي تقف عائقا أمام مسيرة اندماج عدد من المهاجرين في المجتمع السويسري. لكن خطورة عدم الحديث أو إتقان اللغة ترتفع عندما يتعلق الأمر بصحة وحياة المريض الأجنبي. فعندما لا يقوى هذا الأخير على التعبير، كما يجب أو تقريبا، عن آلامه للطبيب، ترتفع احتمالات سوء الفهم، وتتقلص فرص تزويده بالعلاج المناسب، مما يضع جودة وفعالية الخدمات الصحية المقدمة للمهاجرين في خانة التردد والشك.
وقد لاحظت السلطات الصحية الفدرالية والمستشفيات السويسرية أن فئة لا يـُستهان بها من المرضى الأجانب لا تتحدث إحدى اللغات الوطنية الرئيسية في الكنفدرالية، أي الألمانية والفرنسية والإيطالية.
كما استنتجت أن المهاجرين عموما، الذين يمثلون حاليا خُمس سكان سويسرا، غالبا ما ينتمون إلى الطبقة الأكثر ضعفا وحرمانا في المجتمع، ويعانون من وضع صحي أسوأ من وضع نظرائهم السويسريين.
استراتيجية فدرالية
ولتصحيح هذا الوضع، اعتمد المكتب الفدرالي للصحة العمومية الاستراتيجية الفدرالية “الهجرة والصحة 2002 – 2007” التي أقرتها الحكومة الفدرالية في عام 2002. وتمت بلورة الاستراتيجية اعتمادا على نتائج تحقيق واسع في مجال الهجرة أنجز بهدف تحسين الوضع الصحي للمهاجرين المقيمين في سويسرا والارتقاء بالخدمات الطبية المقدمة إليهم.
وفي إطار هذه الإستراتيجية، أصدرت جمعية المستشفيات السويسرية والمكتب الفدرالي للصحة العمومية كـُتيبا وشريطا وثائقيا بهدف كسر حاجز اللغة، وتشجيع تكافؤ الفرص بين المواطنين والمهاجرين أمام النظام الصحي للكنفدرالية.
ولدى تقديم الكـُتيب والفيلم أمام الصحافة يوم الإثنين 23 أكتوبر الجاري في برن، أوضح توماس سبانغ، مدير قسم تكافؤ الفرص والصحة في المكتب الفدرالي للصحة العمومية، أن المهاجرين لا يتمتعون اليوم بنفس فرص السويسريين في القطاع الصحي، إذ أنهم غالبا ما ينتمون لشرائح اجتماعية محرومة تعيش وسط أخطار صحية مُرتفعة.
وأصاف المسؤول أنه يصعب على المهاجرين الالتزام من أجل الدفاع عن مصالحهم، ليس لأسباب لغوية فقط، بل أيضا لأسباب اجتماعية وثقافية. كما أعرب عن اعـتقاده أن حملات الوقاية والإعلام في قطاع الصحة لا تستجيب بالقدر الكافي لاحتياجات المهاجرين.
وتحاول جمعية المستشفيات السويسرية والمكتب الفدرالي للصحة العمومية تحسين هذا الوضع من خلال الكـُتـيب الذي يحمل عنوان “تنوعُ وتكافؤ الفرص” والفيلم الوثائقي “الفهم يـمكن أن يـُشفي”، اللذين أنجـِزا خصيصا للعاملين في المستشفيات والعيادات ومراكز العلاج.
“مُستشفيات صديقة للمهاجرين”
وتم تأليف الكـُتيب على أساس التجارب التي أنجزت في إطار مشروع “مستشفيات صديقة للمهاجرين” الذي يعد جزء من استراتيجية الكنفدرالية “الهجرة والصحة” وأحد أهم مشاريعها. ويشمل هذا البرنامج الذي أطلق في عام 2002 دورات تكوينية، ودروسا للوقاية، وحِصصا علاجية لفائدة طالبي اللجوء الذين تعرضوا لصدمات قوية.
وقد رصدت الكنفدرالية لهذا البرنامج في عام 2002 ميزانية بلغت 25,8 مليون فرنك تصرف على مدى خمس سنوات. وأوضح السيد سبانغ أن البرنامج سيتواصل، وأن الاستراتيجية المتبعة ستُُعرضُ في الربيع القادم من قبل الحكومة السويسرية.
وتقدِّم جمعية المستشفيات السويسرية كـُتيب “تنوع وتكافؤ الفرص” كمؤلف يـُلخص تجارب هذا المشروع ويزود المختصين في المستشفيات والعيادات والمؤسسات الطبية الاجتماعية بتوصيات تسمح لهم بالاستجابة بكفاءة للاحتياجات الخاصة للمهاجرين، وبتحسين جودة وفعالية العلاج.
وتنوه الجمعية إلى أن المشروع يتضمن أيضا تكوينا متواصلا لطاقم المؤسسات الصحية المشاركة لضمان جودة العلاج في محيط يشهد تغييرات متواصلة، ولاكتسابهم ثقة في النفس لدى التواصل مع أشخاص من أصل أو لغة أو دين أو شريحة اجتماعية مختلفة، مما يخفف الإجهاد والأخطاء السلوكية.
ولا يطمح المشروع إلى تحسين جودة وفعالية العلاج فحسب، بل يسعى أيضا، على المدى المتوسط، إلى خفض تكاليف الخدمات الصحية عبر التخلص من نفقات سيصبح بالإمكان تفاديها.
وفي هذا السياق، أوضحت إدارة المستشفى الجامعي في برن أن الأجانب مثلوا خُمس المرضى الـ27036 الذين تلقوا العلاج في المستشفى الجامعي في برن عام 2005. وأكدت إنفاق 300 ألف فرنك سنويا لتغطية تكاليف المترجمين المُحترفين، مضيفة أن التأمينات لا تتحمل عبء هذا المبلغ الذي يظل غير كاف. مما يـفسر توفر المستشفى على قواميس بـ12 لغة…
ومن أهم توصيات المشروع ضرورة تقدير كفاءات العاملين في المستشفيات والمؤسسات الصحية المنحدرين من أصول ولغات وديانات ووضع اجتماعي مختلف، إذ يحث المشروع على الاعتراف بهذه المؤهلات وتقديرها وتشجيعها لأنها تمثل فرصة لتعزيز قدراتٍ متعددة الثقافات وسط المستشفيات السويسرية.
الفهمُ الشافي
أما الشريط الوثائقي “الفهم يـُمكن أن يشفي” (الذي أنجـِز في شكل قرص فيديو مدمج ملحق بالكُتيب)، فيبرز العلاقات الكثيرة بين الهجرة والصحة، ويظهر أمثلة “تجسد التوتر الناجم عن صعوبات الفهم اللغوي، والضرورات الطبية، ومتطلبات التوفير في نظام الصحة”، حسبما ورد في البيان الصادر عن جمعية المستشفيات السويسرية يوم 23 أكتوبر الجاري في برن.
فمن خلال عرض حالات من ثلاث مصحات تابعة لمستشفى “ليل” الجامعي في برن، يكشف الشريط عن مجريات الحياة اليومية للمهاجرين في المستشفى، وعملية التأقلم الجارية في المؤسسات الصحية مع متطلبات المرضى الأجانب. وتؤكد جمعية المستشفيات السويسرية أن الفيلم، الذي أنجز بتكليف من المكتب الفدرالي للصحة العمومية، هو بمثابة قاعدة نقاش لورشات عمل، ومؤتمرات، وتكوين للطاقم المعالج وإتقانه لعمله.
ومن الحالات التي يعرضها الشريط، على سبيل المثال، وضع السيد أجيم رمضاني الذي قدم إلى سويسرا من كوسوفو قبل 17 عاما، وكان يعمل في مجال البناء. لكنه يعاني منذ تعرضه لحادث عمل من آلام مزمنة في الظهر، ولم يعد بإمكانه مزاولة نشاطه. ويأمل رمضان أن تسمح له الفترة العلاجية في المستشفى باستعادة قدرته على العمل. لكن التواصل والحوار حول مشكلة الآلام المعقدة تضع الطاقم الطبي والمريض أمام مهمة صعبة.
أما السيدة سوباكايني راميش، فتتلقى عناية متواصلة في مصحة الولادات أُثناء فترة حملها. ويحيط بها مترجمون محترفون، وأعضاء من جالية التاميل السريلانكية، وطاقم طبي مـُلم بقضايا الهجرة، لمساعدتها على الاستعداد للوضع. ويوضح بورتريه السيدة راميش فرص وصعوبات التواصل بين كافة هذه الأطراف.
وينوه الشريط أيضا إلى أن قرابة 50% من الأطفال الذين يصلون إلى مركز الاستعجالات ينحدرون من أسرة مهاجرة. وفي حالات الطوارئ، لا يرافقهم مترجمون مؤهلون، مما يضطر الطاقم الطبي إلى بذل جهود مضاعفة لاستيعاب حاجيات الطفل وأسرته من أجل تقديم العلاج المناسب.
سويس انفو – إصلاح بخات
وُضعت استراتيجية الكنفدرالية “الهجرة والصحة 2002 – 2007” بعد إنجاز تحقيق واسع في مجال الهجرة. وتسعى أيضا إلى بلوغ هدف “الصحة للجميع في القرن الحادي والعشرين” الذي حددته منظمة الصحة العالمية.
يتمثل هدف الاستراتيجية على المدى البعيد في إنشاء نظام صحي قادر على الاستجابة لحاجيات مجتمع يخضع لحركات الهجرة.
من أجل تسهيل الاستفادة من الخدمات الصحية وتزويد المرضى بمساعدات خاصة، سيتم اتخاذ جملة من الإجراءات في خمسة ميادين: التكوين، والإعلام والوقاية، تقديم الخدمات الصحية، الخدمات العلاجية للمهاجرين، والأبحاث.
يهدف هذا المشروع الفدرالي إلى إقامة شبكة مستشفيات، وعيادات نفسية، ومصحات لإعادة التأهيل، ومؤسسات للعلاج الطويل الأمد، تتميز بكفاءات خاصة في مجال مساعدة المهاجرين، خاصة أولئك الذين لا يقوون على التعبير بوضوح عن آلامهم بإحدى اللغات الوطنية السويسرية.
يـفترض أن تكون هذه الشبكة مكانا لتبادل المعلومات والخبرات بين الأطباء والطاقم المُعالج والموظفين الإداريين.
من أهداف المشروع أيضا، صياغة التوصيات والمعايير الموحدة، وتشجيع إجراءات ملموسة ودعمها ماليا داخل المؤسسات المشاركة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.