مُلاحقة على مدى الحياة لمستغلي الأطفال جنسيــا
بموجب القانون السويسري الجديد الذي دخل حيّز التنفيذ في الفاتح من يناير الجاري، لم يعد ضحايا الاستغلال الجنسي للأطفال مُــقيَّدين بأي مهلة زمنية لتقديم شكوى جنائية ضد المعتدين عليهم.
فرغم معارضة المؤسسة السياسية والقانونية في سويسرا، أزيل قانون التقادم عن ارتكاب الأفعال الجنسية والإباحية بحق الأطفال دون سن الثانية عشرة. وكان الضحايا يُــمنحون في السابق مهلة حتى سن 25 عاما لاتخاذ الإجراءات القانونية.
هذا التغييـر تحقّق بفضل الجهود الحثيثة لـجمعية “المسيرة البيضاء” للدفاع عن حقوق ضحايا الاستغلال الجنسي للأطفال، والتي تأسست في سويسرا عام 2001 بمبادرة مجموعة من الأولياء، على شاكلة ما حصل في بلجيكا في تسعينات القرن الماضي بعد فضيحة دوترو الشهيرة. وبانتظام، قادت الجمعية مسيرات صامتة في العديد من المدن السويسرية للتوعية بمخاطر هذا النوع البشع من الجرائم والمطالبة بالتصدي له ودعم ضحاياه في مسعاهم لمقاضاة الجناة.
وكانت ثمرة نضالها تأييد غالبية السويسريين للتعديل الدستوري الذي اقترحته الجمعية في هذا الصدد. فبعد أن نجحت “المسيرة البيضاء” في تجميع التوقيعات اللازمة لطرح مبادرتها الشعبية على تصويت الناخبين، دعم ما يناهز 52% منهم في نوفمبر 2008 مضمون المبادرة، لينتهي بذلك زمن إسقاط جرائم الاستغلال الجنسي للأطفال بالتقادم في القانون الجنائي السويسري، شأنها شأن جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية. في حين هنالك مهلة 30 عاما لمحاكمة المتهمين بالقتل.
المزيد
مساعدة نفسية لأخطر السجناء
استثناء مُبرر
أوسكار فرايزينغر، النائب البرلماني والوجه المعروف في حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي)، يقول إن الاستثناء القانوني المرتبط بالتحرش الجنسي بالأطفال له ما يُبرره.
وفي تصريحاته لـ swissinfo.ch، أضاف فرايزينغر الذي كان عضوا في لجنة المبادرة عام 2008: “إن الاعتداء الجنسي على الطفل هو جريمة ضد الإنسانية بالنسبة لي، إنه أسوأ شيء يمكن فعله لأن الطفل لا يستطيع الدفاع عن نفسه”. وتابع قائلا: “أنا أضع نفسي إلى جانب الضحية التي ينبغي أن تتمتع بحقها في رؤية المعتدي عليها يُحــال أمام العدالة حتى بعد مرور ثلاثين عاما عن ارتكابها للجريمة، إن كان ذلك يساعد على شفائها النفسي”.
وكان المعارضون للتعديل الدستوري قد برّروا موقفهم بكون إزالة قانون التقادم تشكل تحركا غير متناسب، وقد لا يرفع بالضرورة عدد المنتهكين الذين يحالون إلى المحاكم. وكانت وزيرة العدل آنذاك، إيفلين فيدمر-شلومبف، قد أوضحت أن الخطوة قد تؤدي إلى شعور الضحايا بـ “خيبة الأمل” وبـ “صدمة نفسية جديدة”. من جهتها، نوهت كريستا مارفالدر، النائبة البرلمانية من الحزب الليبرالي الراديكالي (يمين)، إلى أن إزالة المهلة الزمنية قد يضع مثل تلك الجرائم على قدم المساواة مع الأعمال الإرهابية والجرائم ضد الإنسانية.
بدلا من ذلك، كانت الحكومة الفدرالية قد اقترحت تمديد قانون التقادم إلى 15 عاما بعد بلوغ الضحية سن 18 عاما. ولكن تبـيّن من حالات بارزة عديدة أن الضحايا تستمر في الظهور بعد مضي عقود على ارتكاب الجريمة، خاصة عندما تُسلط الأضواء على مستغل أطفال متعدد الجرائم.
وتظل أسوأ فضيحة اعتداء على الأطفال في سويسرا، تلك التي تم الكشف عنها عام 2011، بحيث اتُهم عامل في مجال الرعاية بالاستغلال الجنسي لأكثر من 120 من الأطفال والبالغين المعاقين عقليا في دور مخصصة باستقبالهم، ولن يحاكم إلا بشأن ربع الحالات المذكورة.
في سويسرا، يقدر أن ما يصل إلى واحدة من كل أربع نساء وواحد من كل عشرة رجال في سويسرا تعرضوا لاستغلال جنسي خلال طفولتهم.
وتشمل هذه الأرقام حوادث وقعت مرة واحدة، واعتداءات لم تُلمس فيها الضحية مثل الاستثارة.
ثلثا الضحايا فتيات، وأكثر الفئات العمرية المتضررة 7 إلى 12 عاما.
بعض الأطفال يتعرضون لهذا النوع من العنف مرة واحدة، وآخرون يعانون من اعتداءات جنسية متكررة، قد تطول أحيانا لسنوات عديدة.
(المصدر: الجمعية السويسرية لحماية الطفل)
إشارة خاطئة؟
ويتساءل خبراء قانونيون ما إذا كان التعديل الدستوري سيؤدي إلى مزيد من الإدانات. ماركوس أورتلي، المدعي العام لزيورخ، اعتبر في توضيحات لـ swissifno.ch أن التخلي عن قانون التقادم أعطى إشارة خاطئة للضحايا، قائلا: “إنها إشارة تقول لهم بأنه يمكنهم الإنتظار لتقديم شكوى، ولكن من المهم جدا لإنجاح المحاكمات أن يمضي أقصر وقت ممكن بين وقوع الاعتداء ورفع الشكوى”.
وأضاف أن هناك منطقا وراء قانون التقادم طالما يُجنب المحاكمات غير الضرورية، أي “تلك التي لها فرص نجاح ضئيلة لأنه بقدر ما طال زمن ارتكاب الجريمة بقدر ما استعسر مقاضاة الجاني بنجاح”.
مع ذلك، لا يعتقد أورتلي أن نظام العدالة سيُثقل بالقضايا الجديدة في عام 2013، قائلا: “لن يكون (لسريان مفعول القانون الجديد) تأثير إلا بعد مضي فترة زمنية معينة لأن تطبيقه بالأثر الرجعي محدد في نوفمبر 2008، والجرائم التي مرت عليها مهلة المحاكمة قبل ذلك التاريخ ستظل خاضعة لقانون التقادم (السابق)”.
الماضي والحاضر
ما يعني عدم وجد سبل لإنصاف ضحايا الاعتداء الجنسي في الكنسية والمؤسسات التي تديرها الدولة، والذين يظهرون أكثر فأكثر الآن في ظل ازدياد الوعي بتفاصيل هذا الفصل المظلم من تاريخ سويسرا الاجتماعي.
وقد أظهرت تحقيقات حديثة أجراها كانتون لوتسرن والكنسية الكاثوليكية حول أوضاع الأطفال الذين رعتهم 15 مؤسسة من 1930 إلى 1970 أن أكثر من نصف من تم استجوابهم وصفواالتعرض لحوادث عنف جنسي. ولن يتمكن أي من هؤلاء الضحايا مقاضاة الجناة يوما ما في المحاكم.
وفي الآونة الأخيرة، أضاف انتشار المحتويات المستغلة للأطفال جنسيا على الإنترنت، بُعدا جديدا لجريمة الاعتداء. وكانت من الحجج التي تقدم بها نشطاء المبادرة أن النيابة العامة ينبغي أن تُـحاكــِم الجُناة بحرية، استنادا إلى أدلة فوتوغرافية أو أشرطة فيديو قد تظهر بعد سنوات عديدة من وقوع الجريمة.
تنص المادة الجديدة في الدستور الفدرالي 123b على إلغاء قانون التقادم لمقاضاة ومعاقبة مرتكبي الأعمال الجنسية والإباحية بحق الأطفال دون سن البلوغ.
هذه الإضافة تطلبت مراجعة القانون لتحديد مصطلح “الأطفال دون سن البلوغ”، وتقرر في القانون الجديد أنهم الأطفال دون سن الثانية عشرة.
(المصدر: وزارة العدل السويسرية)
عقوبة على مدى الحياة
في عام 2011، اتُّـهـم 1043 شخصا بممارسات جنسية مع الأطفال وفقا لمكتب الإحصاء الفدرالي. أما عدد حوادث استغلال الأطفال التي لم يُبلغ عنها فيُقدر بأنه أعلى من ذلك بكثير.
المؤلفة السويسرية إيريس غالي، التي كتبت عن تجربتها الخاصة كضحية استغلال جنسي في مؤلفها الصادر سنة 1981 بعنوان: “لم أستطع البكاء عندما مات أبي” (ترجم إلى ثمان لغات)، أيّدت المبادرة لأنها، كما قالت، تعاطت مع الضحايا بقدر أكبر من الجدية. وقالت في تصريحات لـ swissinfo.ch: “يُفلت الكثير من الجناة باستخفاف بينما يواجه الضحايا عقوبة على مدى الحياة. إن (الاعتداء الجنسي) يلحق بك ضررا عميقا، لا سيما في علاقاتك”.
وكان والد غالي قد قتل نفسه رميا بالرصاص بعد يومين من إبلاغها عن اعتداءاته الجنسية عليها منذ أن كانت في سن التاسعة. أمها لم تُصدق تلك المزاعم، لتنتهي بذلك حياة غالي الأسرية.
وأضافت غالي في سردها لقصتها المأساوية: “لقد تم إرسالي بعيدا في سن الرابعة عشرة وكأنني فضيحة، ولم أتمكن أبدا من إعادة بناء نفسي. الشرطية صدقتني عام 1951، ولكن لم يحدثني أحد أبدا عما ارتُكب من محارم أو عن الانتحار، ولم أتعاف أبدا”.
وتعتقد غالي أن ترك الباب مفتوحا أمام المقاضاة لا يرتبط بالعقاب، “بل يتعلق الأمر بالإنصاف وبتصديق الضحية، وأيضا بمواجهة المعتدي للحقيقة قبل أن يموت”.
خلال الفترة التي سبقت التصويت على إلغاء قانون التقادم، كانت الوزيرة فيدمر-شلومبف قد حذرت من أن التغيير قد يأتي بنتائج عكسية، ويلحق المزيد من الأذى بالضحايا الذين لم تكلل قضايا إنصافهم بالنجاح. وبعد يوم من التصويت، كان العنوان الذي اختارته صحيفة “لوتون” (تصدر بالفرنسية في جنيف) لمقالها عن قبول غالبية الناخبين السويسرية للمبادرة: “انتصار الضحايا”.
هل هو انتصار حقا؟ هذا ما سيختبره النظام القانوني بعد أن أصبحت مادة الدستور الجديدة سارية المفعول.
(ترجمته من الإنجليزية وعالجته: إصلاح بخات)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.