“مَن الذي قتل شباب الثورة في 25 يناير إذن؟”
تباينت رُؤى خبيرين مصريين؛ أحدهما محسوب على شباب الثورة، والآخر محسوب على نظام مبارك، حول قراءتهما للأحكام الصادرة ببراءة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك ورجاله من التهم المنسوبة إليهم، وفي مقدمتها تهمة قتل المتظاهرين من شباب ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011. في المقابل، اتفق الرجلان على أن القاضي "حكَم بما لديه من أدلّة وما أمامه من أوراق" بغض النظر عن قناعاته كمواطن عادي.
وفيما استبعد الكاتب الصحفي أشرف عبد المنعم – نائب رئيس تحرير الأهرام، قيام المصريين بثورة أخرى في البلاد التي عانت – حسب قوله – الكثير من المرارة ودفعت تكاليف باهظة لِما حدث منذ 25 يناير وحتي اليوم؛ ينعي تامر فؤاد القاضي – عضو المكتب السياسي لكتل القوى الثورية والمتحدث باسم اتحاد شباب الثورة؛ عدم الْتفات المسؤولين منذ عهد الرئيس المعزول محمد مرسي وحتى اليوم، لمطالب شباب الثورة بإقامة محاكمات ثورية لنظام مبارك؛ مشددا على “ضرورة إصدار قانون العزل السياسي لنظامي مبارك والإخوان، حتى لا نفاجَأ بهما مجددا تحت قبّة مجلس النواب المقبل”، على حد قوله.
مزيد من التفاصيل في سياق هذه المواجهة التي أجرتها swissinfo.ch من خلال طرح نفس الأسئلة على كِلا الشخصين.
swissinfo.ch: كيف تقرأ هذه الأحكام الصادرة من محكمة جنايات القاهرة ببراءة مبارك ونجليه ورجاله من معظم التُّهم المنسوبة إليهم؟
أشرف عبد المنعم: هذه أحكام صادرة عن القضاء، والشعب ارتضى منذ البداية أن تكون محاكمات مبارك ورجاله، جنائية لا سياسية. لكن المشكلة أن الإعلام رفع سقف أحلام الإنتقام والتشفي عند الناس خلال السنوات الأربع الماضية، ثم كان أن جاءت الريح بما لم تشته السُّفن، أو كما يقولون “لما أُعمِلَ القانون خابت الظنون”، والمحاكمة اعتمدت على شهادات الثبوت والنفي، والقاضي في النهاية كالطبيب يطَّلع على الأشعة ويقرأ التحاليل، ثم يشخِّص المرَض، أما القاضي كإنسان، فقد عبّر عن رأيه في الديباجة التي ختم بها الحُكم.
تامر القاضي: بداية، أنا والكثير من الثوار لم تُفاجِئنا هذه الأحكام؛ فقد كُنا نتوقّع صدورها منذ قُدِّمَ مبارك وأعوانُه للمحاكمة، لعدّة أسباب، منها: أن مبارك يحاكَم بقوانين مبارك، وأن مَن يقوم بجمع المعلومات وعمل التحريات في القضية، هي الشرطة، والتي هي الخصْم الأساسي في القضية، وطبيعي أن تبرِّئ نفسها من التُّهم المنسوبة إليها، وفي مقدِّمتها قتل المتظاهرين؛ وعليه، فإن المحكمة لا ذنب لها، لأن القاضي لا يحكُم بعِلمه أو برأيه، وإنما بما أمامه من أوراق وما لديه من أدِلة، وأدِلّة القضية كانت مهترِئة، وعليه، فالبراءة كانت حتمية.
swissinfo.ch: هناك من يرى أن هذه الأحكام انتصار للثورة المضادّة، وقد تكون نقطة البداية لثورة شعبية جديدة؟ فماذا ترى؟
أشرف عبد المنعم: لا يُوجد شيء إسمه ثورة مضادة. فالمصريون عانَوا الكثير، جرّاء ما حدث في 25 يناير، وحينما يرى الناسُ العذابَ أمام أعيُنهم يُؤمنوا، وقناعتي أنه لن تكون هناك ثورة أخرى بمصر، بعدما تحوّلت الحالة إلى ثورة في 25 يناير، وقَع فيها شهداء ومُصابون، وحصل فيها ارتباك، وعموم المصريين سئِموا هذا السيناريو، وما عادت فكرة الثورة تخال عليهم مجددا، وهذا الجيل لن يقبل بثورة جديدة، لأنها شيء أقرب إلى المستحيل، لأن المصريين ليس لديهم استعداد ولا قدرة على دفع تكلفة الثورة مرة أخرى. ليست مصر وحسب، بل العرب جميعا، لأن ما يُسمّى بثورات الربيع العربي، خرّبت البلاد ودمّرت اقتصادها.
مقترحُ خبير قانوني
على صفحته الشخصية عبر موقع التواصل الإجتماعي “فيسبوك”، كتب الخبير القانوني الدكتور محمد نور فرحات، عضو المجلس الأعلى للثقافة ومقرر لجنة القانون بالمجلس، وكبير مستشارين لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة خلال الفترة من 1995 إلى 2000، يقول: “لو كانت الدولة راغبة في محاكمة رموز النظام السابق عن جرائم الفساد السياسي لأصدرت القانون التالي:
رئيس الجمهورية
بعد الإطلاع على الدستور وعلى القانون رقم 247 لسنة 1956 بشأن محاكمة رئيس الجمهورية والوزراء:
م ١) تختص محكمة استئناف القاهرة بمحاكمة رئيس الجمهورية والوزراء عن الجرائم التي وقعت منهم أثناء تأدية وظائفهم والمنصوص عليها في القانون رقم 247 لسنة 1956. وتنشأ بمحكمة استئناف القاهرة دوائر تسمى دوائر محاكمات الفساد السياسي تتولى محاكمة رئيس الجمهورية والوزراء عن هذه الجرائم.
م ٢) تتولى النيابة العامة التحقيق والاتهام في الجرائم المذكورة؛ وتنشأ بمكتب النائب العام نيابات يرأس كل منها محامي عام تسمى نيابات الفساد السياسي تتولى التحقيق والإتهام في هذه الجرائم.
م ٣) تتبع أحكام قانون الإجراءات الجنائية في التحقيقات والمحاكمات التي تجري عن الجرائم المنصوص عليها في القانون رقم 247 لسنة 1956.
ولا تنقضي الدعوى الجنائية بمضي المدة بالنسبة للجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، ولا يسري الحد الأقصى لمدد الحبس الإحتياطي بالنسبة لهذه الجرائم.
م ٤) يُلغى كل حكم يتعارض مع نصوص هذا القانون,.
م ٥) يُنشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ويعمل به من تاريخ صدوره”.
swissinfo.ch: على الجانب الآخر؛ هناك من يرى أن براءة مبارك ورجاله تتويجٌ للإنتصار على ما حدث في 25 يناير وعلى “المؤامرة التي كانت تُحاك” بالعالم العربي.. فما تعليقكم؟
تامر القاضي: الحديث عن أن 30 يونيو كان انتصارا على ثورة 25 يناير، يأتي ضمن مسلسل الكذب والتضليل والخداع ومحاولات تزييف التاريخ، ومن قام بثورة 30/6 ليس الرئيس السيسي وليس نظام مبارك كما يدّعي البعض، وشباب 25 يناير هم من قاموا فعليا بـ 30 يونيو، وأطالب الجميع بمراجعة الأرشيف العام للثورة عبْر موقع البحث العالمي “غوغل”، ليعرفوا مَن قام بإزاحة حُكم الإخوان، ومواجهتهم في ساحات الإعلام وعلى أرض الواقع، فمَن قام بهذا كله وبالتمرّد على نظام حكمهم هم شباب 25 يناير، وأنا شخصيا أحد شباب 25 يناير الذين شاركوا مباشرة في إزاحة الإخوان عن السلطة.
swissinfo.ch: هل تعتقد أن هذه الأحكام يمكن أن تؤدّي إلى انفصال جزء ممّن أيدوا 3 يوليو، وانضمامهم مجدّدا لأنصار 25 يناير في محاولة للتوحد لتحقيق أهداف الثورة؟
أشرف عبد المنعم: للأسف، هذه الردة هي امتداد للشعوب التي عاشت في الماضي ولا تزال تعيش في العقل السلفي أو الناصري، وقد عفا عليها الزمن، وكان الأَوْلى بها أن تعيش في العقل الحالي؛ وكل مَن يُحاول أن يُحيي نعرات الناصرية أو الإخوان أو السلفية يرفضهم الواقع، ويجب أن نتعامل مع الماضي على أنه ماضٍ، دون أن نحاول العودة إليه. هؤلاء منطقهم غريب وغير مفهوم، فعندما قرر مبارك التخلي عن حكم البلاد، حتى لا يسقط قتلى وحتى لا تسيل دماء، قالوا لابد من محاكمته! ولو كان رفَض التنحي وقاوم وسقط القتلى، لقالوا لو كان حكيما لَتَنحّى وحفظ دماء المصريين!!
تامر القاضي: من قاموا بـ 30 يونيو هم شباب 25 يناير وبعض الأهالي، وليس هناك انفصال. فمن هو الطرف الآخر الذي اتحدنا معه في 30 يونيو حتى ننفصل عنه اليوم؟! ولن يكون هناك انفصال بين شباب 25/1 وشباب 30/6، لكنني أعترف بأن هناك احتقان شديد في الشارع، وخاصة لدى شباب الثورة من هذه الأحكام، وهناك شعور المرارة لدى شباب الثورة، بأن نظام ورجال مبارك يعود مجددا، وقد طالبنا بعد 25 يناير، بإصدار قانون للعزل السياسي، لكن وقف ضد ذلك نظام الإخوان وشبكة مصالح نظام مبارك، وعندما قمنا بـ 30/6 طالبنا بإصدار قانون للعزل السياسي لنظامي مبارك والإخوان، لكن أيضا وقف أمامنا أنصار ورجال النظامين المخترقين لنظام الدولة.
swissinfo.ch: أشاد نشطاء وسياسيون ببيان “شباب الإخوان” الذي صدر عقب البراءات، يدعو للتوافق و”تجاوز أخطاء الماضي من أجل إسقاط حكم العسكر والقصاص لدماء الشهداء”… فهل يُمكن لهذه الخطوة أن تعيد بناء الثقة بين الطيف الداعم للتغيير في مصر؟
أشرف عبد المنعم: لا يوجد في مصر حكم عسكر، ومَن على سدة الحكم رجلٌ كان في القوات المسلحة وتقلد أعلى المناصب العسكرية، وحينما أراد أن يترشح، خلع بزته العسكرية وقدم استقالته، وجاء إلى السلطة عبْر انتخابات رئاسية مدنية حرّة ونزيهة. ولو أردنا أن نتكلم بمنطق هؤلاء، فإننا سنصف غالب قادة وحكّام العالم المتقدم، بأنهم عسكر! فـ “حكم العسكر”، يُطلق عندما ينقلب قائد الجيش على الحاكم المدني المنتخب، فيحكُم البلاد بالقوة دون اللجوء لصندوق الإقتراع. ثم إن حكام أمريكا وأوروبا، ومن يُعتبرون حماة الديمقراطية في العالم، يقفون اليوم في احترام للرئيس المصري المنتخب عبد الفتاح السيسي.
تامر القاضي: هذا البيان خدعة من الإخوان، لن تنطلي علينا، وأنا لا أعلم أحدا من شباب الثورة ونشطائها قبل هذا البيان أو تفاعل معه، لأنه خدعة مضحكة من خِدعهم التي لا تنتهي، والتي حاولوا كثيرا أن يمرِّروها. والحقيقة التي يجب أن نعلمها جيدا أن شباب الثورة لن يضعوا أيديهم في أيدي أنصار الإخوان ولا أنصار مبارك مرة أخرى، وإذا قدّر الله أن نقوم بثورة أخرى في مصر فسنخوضها وحدنا، دون مشاركة مع شباب الإخوان أو أنصار مبارك.
swissinfo.ch: هذه الأحكام، هل أعادت إليك الثقة بحياد الجهاز القضائي، أم أنها دليلٌ إضافي على الإتهامات التي تُوجّه إليه من طرف البعض بالإنحياز والخضوع للتعليمات؟
أشرف عبد المنعم: هذه الأحكام إما أنها خرجت من بنات أفكار القاضي بعد دراسته لأوراق القضية، أو أنها كما يدّعي البعض، وُجِهَت إليه وأنه أجبِر على النطق بها! لكن السؤال الذي يكشف الحقيقة هو: هل في الحُكم ببراءة مبارك ورجاله تهدِئة للشارع أم تهييجا للناس؟! وهل من مصلحة الرئيس السيسي الإمساك بزِمام الأمور أم تفجير الشارع ضدّه في هذه المرحلة المتشابكة، داخليا وخارجيا؟ لو كان السيسي يتدخّل في الأحكام، وِفق إدّعاء هؤلاء، لكان الأولى به أن يطالب القاضي بأن يحكُم على مبارك بالمؤبّد 25 عاما، وعليه فلا شك لدي بأن هذه الأحكام أعادت إلينا الثقة في حيادية الجهاز القضائي في مصر.
تامر القاضي: لقد ظلم القضاء كثيرا بعد الثورة، لأن الثورة لها محاكِمها وقوانينها الخاصة، والقضاء العادي يجب أن لا يحكم للثورات، ولهذا طالبنا مرارا وتكرارا بإجراء محاكمات ثورة لنظام مبارك، لكن الإخوان رفضوا بحجة الرغبة في استعادة أموال مصر التي نهبها نظام مبارك ورجاله وهرّبوها خارج البلاد، وما نعيشه اليوم، أثبت بشكل قاطع أن شباب الثورة كانوا على حقّ عندما طالبوا بمحاكمات ثورية، لكن مطلبهم قوبِل بالرفض من الإخوان ومن شبكة مصالح مبارك، وعلى السلطة اليوم أن تتحمّل المسؤولية أمام الشعب عن إضاعة أمواله التي نُهِبَت، وعن العودة المحتملة لنظامي مبارك والإخوان من باب الإنتخابات النيابية المقبلة.
swissinfo.ch: بعد هذه الأحكام الصادرة بالبراءة.. في تقديرك: مَن الذي قتل شباب الثورة في 25 يناير إذن؟
أشرف عبد المنعم: هذا السؤال لا يجب أن يوجّه لي أنا، وإنما الذي يجب أن يُجيب عليه هو النيابة العامة والقضاء الذي قال كلمته وبرّأ مبارك ورجاله من عدّة تُهم، وعلى رأسها تهمة قتل المتظاهرين في 25 يناير 2011، وفي قناعتي أنه لابد من فتح تحقيق مُوسّع في هذه القضية وأن يُقَدَّم للمحاكمة كلُّ من يثبت ضدّه بالدليل القاطع والبُرهان الساطع، الذي لا يرقى إليه شك، أنه هو الذي قتل الشباب في 25 يناير.
تامر القاضي: نظام مبارك هُو الذي قتل ثوار 25 يناير، والإخوان شاركوا في قتل شباب الثورة، وقلنا ونكرّر أن المشكلة أن مَن يقوم بجمع الأدلة والمعلومات والتحريات في القضية، هم رجال الشرطة، المتهم الأساسي في القضية، وهؤلاء لن يقدموا للمحكمة دليل إدانتهم، وقد طالبنا بمحاكم ثورية أو حتى محكمة مستقلة من قضاة مشهود لهم بالوطنية والكفاءة، ومن أجهض مطالب الثوار يتحمل النتائج التي وصلنا إليها أمام الله وأمام الشعب وأمام التاريخ.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.