نحو مركز جامعي لإنجاح التعايش بين الإسلام والمجتمع
بمجرد إعلان فريبورغ قبولها استضافة "المركز السويسري للإسلام والمجتمع"، الصيغة النهائية لمشروع تكوين الإئمة، وانتقال الموضوع من مرحلة التفكير إلى التأسيس، احتدم الجدل بين مؤيّد ومعارض، وانهالت التساؤلات حول مصادر التمويل، وبرامج التدريس، والجدوى من هذا التكوين أصلا. ولئن حاول المؤتمر الوطني الثاني الذي احتضنته جامعة فريبورغ يوم 13 مارس 2014، تبديد هذا الغموض، فإن تعارض الأجندات كان من أبرز سمات ذلك اليوم.
رغم ذلك بدا أنطونيو لوبريينو، عميد جامعة بازل، ورئيس فريق العمل الذي أشرف حتى الآن على تطوير هذا المشروع سعيدا بما أنجز، وقال مخاطبا الحضور: “نحن محظوظون إذ قبلت جامعة فريبورغ، ذات التقاليد العريقة في الدراسات الدينية، هذا التحدّي، ومن اليوم انتقلنا من مرحلة وضع التصوّر إلى طور التأسيس والإنجاز”. وبولوج عتبة هذه المرحلة، انتقلت الوديعة إلى فريبورغ.
بدوره يقول هشام ميزر، رئيس فدرالية المنظمات الإسلامية بسويسرا في تصريحات لـ swissinfo.ch: “أنا سعيد جدا أن أرى هذا التطوّر. المسلمون موجودون في سويسرا منذ ما يزيد عن نصف قرن، والأجيال التي تعاقبت خلال هذه الفترة لها مطالب وتطلّعات مستقبلية، وعلينا أن نوفّر لها جسورا للتواصل مع المجتمع والسلطات المختلفة. ومنذ البداية اخترنا الحوار طريقا للتواصل، وهذا المركز سيكّرس هذا النهج ويعزّزه”، وأضاف ميزر “أردنا أن نثبت من خلال انخراطنا في هذا العمل أنه لا تعارض بين أن تكون مسلما وسويسريا في نفس الوقت”.
التواصل مع المنظمات والجمعيات الإسلامية في الكنفدرالية
إعلام الرأي العام والتواصل مع المؤيدين والمعارضين للمشروع
التواصل مع الدوائر الأكاديمية والسياسية
القيام بمسح للتعرّف على الإمكانات والفرص المتاحة، وتحديد الشركاء المحتملين
تسمية منسّق عام للمشروع
وضع هيكلة وإدارة داخلية واحتمال إنشاء لجنة استشارية.
اختبار في الأفق
من جهته، يأمل البروفسور غيدو فيرغوفين، عميد جامعة فريبورغ الذي أشرف بنفسه على تسيير أعمال هذه المؤتمر الذي جعل هدفه الأساسي توضيح الإطار العام لهذا المركز، أن تنطلق الدروس الخاصة بتكوين الأئمة في كلية دراسات اللاهوت بحلول خريف 2014، وأن يبدأ برنامج التكوين المستمرّ في مجال دراسة الإسلام بحلول ربيع 2015.
جون بيار سيغن، وزير التعليم في حكومة فريبورغ رحّب بدوره بانخراط الجامعة في هذا المشروع، وهي خطوة تثبت بحسب رأيه أن “الجامعة منفتحة على بيئتها، ومساعدة للمجتمع في فهم الظواهر المستجدة، ومبادرة بإدارة الحوار حولها”. وقال سيغن إن “الحكومة المحلية، ومن خلال دعمها لـ “مركز الإسلام والمجتمع” تريد تطوير الحوار بين الأديان، وترى أن الجامعة هي الإطار الأنسب لذلك”.
لكن برلمانيين محليّين من حزب الشعب ومن الحزب الديمقراطي المسيحي عبّروا في وقت سابق عن معارضتهم لإنشاء هذا المركز بجامعة فريبورغ. وفي التماس توجهوا به إلى الحكومة طالبوها بالتدخّل لدى إدارة الجامعة للتراجع عن هذه الفكرة، وقالوا إنه “لا يمكن استخدام اموال دافعي الضرائب في تمويل تدريس الإسلام”. وأمام الحكومة ستة أشهر لتقديم رد على هذا الإلتماس.
كما نقلت وسائل إعلام محلية عن رولاند ميزوت، رئيس حزب الشعب بفريبورغ قوله: “نحن لا علم لنا بما سيدّرس في هذه المؤسسة، وإلى ما ستؤول إليه الأمور، إذ من الممكن أن تستفيد منه الأفكار الراديكالية”.
لكن لوبريينو، رئيس المجموعة الداعمة لهذا المركز يعتقد أنه “ليس من المحتمل أبدا ان تجد الأفكار الراديكالية طريقها إلى جامعة منفتحة، لها تقاليد ليبرالية، ومركز كهذا يمكن أن يؤدي إلى ظهور خطاب إسلامي يتسم بالتحرّر ومتطابق مع قيمنا وتقاليدنا”.
سمير جلاصي رضوان، إمام في لوغانو، وأوّل إمام سويسري متأهّل بأوروبا
الإسلام ليس دينا جامدا، بل هو مدعُـوّ إلى التكيّف مع البيئة التي يتطوّر ويتحرّك فيها
“اسلام منفتح”
في الأصل، تعود فكرة هذا المشروع إلى الدراسة التي أنجزها الصندوق الوطني للبحوث سنة 2009 بعنوان “المجموعات الدينية، الدولة والمجتمع” (58 PNR)، التي كشفت أن “العدد الأكبر من الأئمة ومن مدرّسي الإسلام لا يُتقنون اللغات الوطنية”، وأنه “لا دراية لهم بثقافة بيئتهم السويسرية أو القوانين التي تؤطّرها”، كما أن “أزيد من 150 إماما ناشطا في مساجد سويسرا قادمون من دول البلقان، أو من تركيا، أو شمال إفريقيا والشرق الأوسط”. وبالتالي فلا بد من وضع برنامج تكويني خاص لهذه الفئة، يستجيب لاحتياجات الواقع ويساعد الأجيال الجديدة على المزاوجة بين الحياة العصرية وأصولها الثقافية، من أجل إنجاح اندماج الأقلية المسلمة في المجتمع.
من هنا حدّد هذا البرنامج الدراسي هدفه في السعي – بحسب عميد جامعة فريبورغ – إلى “انتاج ثقافة حوارية حول الإسلام، وتكوين أئمة ومدرّسين وباحثين منفتحين على بيئتهم، وعلى المراكز البحثية في الفضاء الأوروبي وعلى الساحة الدولية”. وأضاف المسؤول الأكاديمي: “نسعى إلى مدّ جسور التواصل بين مكوّنات الأقلية المسلمة وانشغالاتها من ناحية، والمجتمع الأكاديمي من ناحية أخرى، بما يسمح “بالمساهمة في الإرتقاء بالحوار حول الإسلام في سويسرا”.
في المقابل، لا يبدو أن ثنائية “الإسلام والمجتمع” تعبّر عن محتوى ومضمون هذا البرنامج بشكل صحيح، إذ يرى الدكتور هانسيورغ شميد، الخبير الألماني والمسؤول التنفيذي عن مشروع “المركز السويسري للإسلام والمجتمع” بجامعة فريبورغ أن “الإسلام لا يُوجد مقابل المجتمع، بل هو ضمن المجتمع، والمسلمون يتأثرون ويؤثرون في ما حولهم”. وهو يرى أيضا أنه “من الخطأ النظر إلى المسلمين فقط من منظور ديني، إذ أن جزءًا كبيرا من أفراد هذه الأقلية لهم أصول وارتباطات تتجاوز المجتمع السويسري، كما تشقهم تباينات واختلافات على أكثر من مستوى”. ولذلك فإن هذا التكوين “لن تكون غايته جعل الإسلام موضوعا للعلوم، بل جعل المسلمين فاعلين في المجتمع العلمي بإعمال النظر والتفكير في ديانتهم، في ضوء حوار بينهم وبين المجتمع، وانطلاقا من تفاعلهم مع مؤسساته”، بحسب رأيه.
أئمة المساجد
مدرّسو الدين الإسلامي
المساعدون الروحيون في السجون والمشافي
المسلمون الذين ينشطون طوعيا
العاملون في الجمعيات والمنظمات الأهلية
الموظفون في الإدارات العامة ذات العلاقة بشؤون المسلمين
الدبلوماسيون والإقتصاديون الراغبون في التكوين
الصحافيون والعاملون في مجال الإعلام
الشباب من أصول مهاجرة
عموم السكان المحليين الراغبين في التعرّف على الديانة الإسلامية
أجندات متباينة
لا بد من التذكير أن “مجموعة التفكير والعمل” التي ظهرت إلى الوجود سنة 2010 وترأسها منذ البداية عميد جامعة بازل تشكلت من ثلاث فئات: أكاديميون، وأئمة مسلمون، وممثلون عن المجتمع المدني، وكان واضحا أن لكل مجموعة أهدافا تختلف عن الأخرى، إلا أن التقدّم في هذا المشروع اقتضى مثلما يقول لوبريينو “تخلّي كل مجموعة عن جزء من أهدافها للوصول إلى هدف مشترك”.
وكان يمكن لهذا التوصيف أن يكون صحيحا لو أضاف عميد جامعة بازل إليه “مؤقتا”، حيث كشف الحوار الذي دار بين المشاركين يوم الخميس 13 مارس 2014 عن تمسّك كل فئة من هذه الفئات بأهدافها الأولى.
فبالنسبة للإئمة والمنظمات الإسلامية، تنبع أهمية هذا التكوين – كما يقول هشام ميزر – من أن “الإسلام أصبح يشكّل بالنسبة للمجتمع والدولة في سويسرا نوعا من التحديّ، كما يشكّل المجتمع اللاديني والدولة اللائكية تحديا للمسلمين”، وعلى هذا المركز بالتالي أن “يساعد على إيجاد صيغة للتعايش بما يضمن مصالح الأكثرية والأقلية في آن واحد”.
الرئيس الحالي لمجلس الأديان في سويسرا يتمنى أيضا أن يتوجّه هذا التكوين في المقام الأوّل إلى الأئمة، بما يساعد في التخفيف من الإسلامافوبيا، ويحسّن أدائهم، وإلى تكوين مدرّسين أكفاء لتدريس الإسلام في المدارس العمومية، وإلى العاملين في المجال الإجتماعي لتهيئتهم للعمل مع المرضى في المستشفيات، ومع الموقوفين في السجون، ومع كبار السن في دور العجزة. وفي سياق متصل، يدعو سمير الجلاصي رضوان، الإمام في مدينة لوغانو والعضو في مجموعة العمل والتفكير إلى “ضرورة انفتاح هذا المشروع على الجامعات في العالم الإسلامي وفي بقية البلدان الأوروبية، وأن يُفسح المجال للمسلمين للمشاركة بفعالية في انتاج محتوى التدريس”، الذي يجب أن “يتصف بالمصداقية والموثوقية”، حسب رأيه.
أما ما يهمّ الأكاديميين فهو فتح فضاء جديد في مجال الدراسات الدينية بالجامعات السويسرية، يتمايز في آن واحد عن التجربة الألمانية التي تركّز اهتمامها على الدراسات القرآنية والمنظومة الأخلاقية والشريعة، وعن تجربة الجامعات الإسلامية التقليدية التي تفتقر إلى “البعد النقدي في تناولها لقضايا الإسلام”، حسب رأي بعضهم.
المستشرق رينهارد شولتزه، الأستاذ في معهد الدراسات الإسلامية والشرقية بجامعة برن، يرى أنه يتعين على “المركز السويسري للإسلام والمجتمع” أن “يتجه إلى إنتاج خطاب إسلامي، ومقاربة إسلامية تجد لها مكانا في سويسرا، من دون أن تكون منحصرة في مرجعية مغلقة”، وعلى قسم البحوث في هذه المؤسسة برأيه “أن يعمل على انتاج ميتا- تصوّر يهيّؤ الإسلام للعب دور كامل في مجتمع متعدد ومنفتح”، كما يذهب شولتزه إلى أن إنتاج هذا التصوّر ليس حكرا على المسلمين بل “يُمكن أن يساهم فيه أكاديميون من مدارس دينية أخرى”.
جزء من ميزانية جامعة فريبورغ
مساهمة من كتابة الدولة للتكوين والبحث العلمي والتجديد (التابعة لوزارة الإقتصاد)
تمويلات من المؤسسات التعليمية والبحثية الشريكة
التفكير في إنشاء مؤسسة مدنية لدعم هذا المركز تكون مفتوحة لتبرّعات العموم.
مشاركة المجتمع المدني
الفئة الثالثة، والتي سجّلت حضورا قويا في اليوم الدراسي كانت منظمات المجتمع المدني سواء المعنية بقضايا التعايش والإندماج وحوار الأديان أو المدافعة عن حقوق الإنسان والتفكير العقلاني. فعلى سبيل المثال، ترى رفعت لانزين، العضوة في اللجنة الفدرالية لمناهضة العنصرية، أنه من “المهم أن يقوم هذا المركز على نشر فكر نقدي منفتح، وأن يتعاون في ذلك مع المجتمع المدني الإسلامي في سويسرا”. كذلك يشدّد عبد الحفيظ الورديري، مدير مؤسسة التعارف بجنيف على ضرورة “تطوير الفكر النقدي، وتنمية النقد الذاتي داخل هذه المؤسسة”.
في المقابل، يرى باشكيم احساني، الباحث المتعاون مع منتدى دراسات الهجرة والسكان بنوشاتيل، ومدير موقع « Albinfo.ch» الإلكتروني، أن الأولوية في هذه المؤسسة يجب أن تعطى للقضايا المجتمعية، ولقضية الهجرة والإندماج بشكل خاص، نظرا لأن نسبة كبيرة من المسلمين من أصول مهاجرة.
بالإضافة إلى المنظمات الإسلامية، يدعو إحساني القائمين على تأسيس هذا المركز وإدارته لاحقا إلى “الإنفتاح على مكوّنات المجتمع المدني، وعلى السكان المحليين لكي يتعرّفوا أكثر على واقع وحقيقة الأقلية المسلمة”، كما يأمل أن يعكس التكوين المستقبلي في هذا المركز “التنوّع الثقافي والمذهبي واللغوي للمسلمين في سويسرا”، دون أن تفوته الإشارة، وهو الباحث في القضايا الإسلامية بجامعة لوزان، إلى أن هذا المركز يُشكل “فرصة للإنفتاح على المسلمين، وجسرا للتواصل بينهم وبين المجتمع السويسري”.
أسئلة عالقة
رغم غزارة المادة وحيوية النقاش، لم يُفلح اليوم الدراسي الذي استضافته جامعة فريبورغ في تقديم أجوبة على جميع الأسئلة التي طرحت، وهي كثيرة جدا، رغم التدخلات والتوضيحات المتكررة من طرف عميدي جامعتي بازل وفريبورغ.
لقد انصرف الحضور الذين تجاوز عددهم المائة دون أن تتضح لهم بشكل حاسم مصادر تمويل هذا التكوين الجامعي، ودون أن يسمعوا جوابا مقنعا حول المستقبل الوظيفي للأئمّة أو المهنيين الذين سيتلقون تدريسا في هذا المركز، ومن هي الجهة التي ستدفع أجورهم؟ وهل ستلزم دور العبادة في سويسرا بتوظيفهم؟
إضافة إلى ذلك، لم تتبيّن طبيعة دور المنظمات والجمعيات الإسلامية بسويسرا في هذا التكوين وما هي حدوده؟ وهل سيتم إشراكها مثلا في اختيار المدرّسين أم لا؟ وأي شكل للتعاون بين هذا المركز الجامعي وبقية التجارب في أوروبا أو خارجها؟ وهل سيكون هناك فصل بين التكوين الديني والتكوين المدني في مقرراته؟
هذا الغموض الذي ظل قائما بعد تنظيم يوميْن دراسيين، دعا البعض إلى اقتراح موعد حواري ثالث…
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.