نشاط مُلفت للجالية العربية بسويسرا في المجال الإفتراضي
أظهرت إحصاءات نشرت في عام 2012 أن 85% من السكان في سويسرا موصولون بخدمات شبكة الإنترنت، وهو ما يبوّئ هذا البلد المرتبة السابعة على المستوى العالمي، لكن هذه النسبة تختلف اختلافا طفيفا بين المناطق الجغرافية والفئات الإجتماعية. في المقابل، يُحاول أبناء الجالية العربية في سويسرا استثمار هذه التطوّر المهمّ على أكثر من صعيد.
في الوقت نفسه، كشف جرد بسيط لمواقع التواصل الاجتماعي الافتراضية الناطقة بالعربية (لا يأخذ في الإعتبار صفحات العرب باللغات الأخرى كالفرنسية والألمانية) في سويسرا أجرته swissinfo.ch تعدد الأغراض في هذا الجانب والتي تتراوح بين التعريف بإسهامات الجالية العربية في سويسرا، والمساعدة على اندماجها، والدعاية السياسية والحزبية لأفكار وهيئات في العالم العربي، بالإضافة إلى التعريف بالجهود الأهلية من أجل المساعدة والتنمية، أو حتى مجرد التواصل الثقافي والإجتماعي مع المحيط عامة…. كما أن من أكثر الجاليات العربية نشاطا في هذا الجانب، نجد المصريين والتونسيين والعراقيين والجزائريين.
زيارة خاطفة إلى صفحة “الجالية العربية في لوتسرن” تكفي للكشف عن تعدّد هذه الأغراض وتنوّعها: خبر هنا عن عراقي مغترب اختير لرئاسة مجلس سويسري لحقوق الإنسان، ورابط هناك لمقال يتساءل فيه طالب لجوء سوري لماذا الدم السوري رخيص الثمن، وألبوم صور نشر مؤخرا لمدرّب عربي لرياضة الكاراتي بأحد الأندية الرياضية الشهيرة بزيورخ، وهنا إعلان عن افتتاح مطعم للأكلات اللبنانية بأورغاو، فضلا عن أخبار المطربين والرياضيين العرب.
هذه الصفحات، وعلى غرار التي أشرنا إليها سلفا، تحاول إرضاء كل الأذواق، وجلب الإهتمام، فلا تفوتها أي صورة جميلة، أو مقال طريف، أو تعليق وثيق الصلة بواقع العرب في سويسرا، أو عرض بعض الخدمات كالترجمة والإستشارات القانونية وفرص الإندماج والتواصل مع المجتمع المحلي. في المقابل، تكشف هذه المواقع أيضا عن متابعة العرب المقيمين في سويسرا لتطوّرات الأوضاع في بلدانهم الأصلية على المستويين السياسي والثقافي خاصة في بلدان الربيع العربي.
تنوير الجالية ومساعدتها على الإندماج
رغم أن صفحة “الجالية العربية بلوتسرن” جهد فردي، فإن الغايات التي من أجلها أنشئت، كما يؤكّد باعثها والمشرف عليها الناشط الحقوقي والإعلامي راهب صالح في حديث إلى swissinfo.ch تشمل “نشر أكثر ما يمكن من معلومات حول القوانين والأنظمة والخدمات الإجتماعية ورفد المتلقي الناطق بالعربية بأخبار الجالية العربية بلوتسرن”، إضافة إلى “نشر ثقافة وجمالية مدينة لوتسرن العريقة، وجلب الزائرين للصفحة لحضارة سويسرا وجمال معالمها ومناظرها الخلابة”.
كذلك، جعلت هذه الصفحة نصب عيْنيْها كما يقول الإعلامي راهب صالح: “توعية الجالية العربية بسويسرا بالفجوة القائمة بينما كانوا يعيشونه في بلدانهم الأصلية من قيم وعادات، من جهة، وحاجتهم الماسة من جهة أخرى إلى التكيّف الإجتماعي مع الواقع السويسري، الذي يمرّ عبر التوافق مع القوانين المعتمدة، وتفضيل الإندماج في سوق العمل على البطالة وانتظار المساعدات الإجتماعية”.
وتأمل هذه الصفحة التي نذرت جهدها إلى خدمة الجالية العربية في سويسرا وفي لوتسرن تحديدا، أن تتحوّل في يوم ما إلى ناطقة باللغات السويسرية الوطنية كالألمانية والفرنسية، بما يسمح بـ “التواصل مع الجمهور السويسري ولفت نظره إلى الدور المجتمعي الهام للجالية العربية بسويسرا، خاصة الكفاءات العربية المتحضرة منها”، بحسب المشرف عليها.
الدعاية السياسية والحزبية
لأسباب تاريخية مفهومة، تعد الجالية العربية من الجاليات الأجنبية القليلة في سويسرا، التي أطلقت العديد من الصفحات الفايسبوكية المتخصصة في الدعاية السياسية لهذا الحزب او ذاك كـ “الصفحة الرسمية لحركة وفاء” (حركة سياسية تونسية)، وكما يدل عنوانها، هي صفحة ناطقة بإسم هذا الحزب، ويتركّز مضمونها على نشر تدخلات وحوارات ومبادرات زعيم الحركة عبد الرؤوف العيادي، وتعرض بيانات هذا الحزب ومواقفه من العديد من القضايا التونسية، مثل قضايا المحاسبة والمصالحة وانتهاكات حقوق الإنسان بعد الثورة، واسترجاع الاموال المنهوبة والمحاولات الانقلابية لما يطلقون عليه “الدولة العميقة”.
وعن الهدف من إنشاء هذه الصفحة يقول نضال (إسم مستعار)، المشرف عليها: “الغاية الاولى هو تسجيل الحضور على هذا الموقع الإفتراضي المهمّ، وثانيا توفير فضاء للتواصل والتفاعل بين مناضلي حركة وفاء الذين يقيمون في سويسرا”. ويأمل نضال كذلك في أن تساعد هذه الصفحة على فايسبوك في “التعريف بمواقف وتوجهات حركة وفاء السياسية بشكل مباشر، وفي صناعة مشهد سياسي جديد في تونس بشكل غير مباشر”.
نفس التوجه اختارته صفحة “نساء حركة النهضة بسويسرا”، والتي يبلغ عدد المعجبين بها 1231 شخصا، ومن خلال النظر في مضمونها، نجد انها اختارت الدعاية لحزب حركة النهضة التونسية انطلاقا من مدينة بيل السويسرية، وهي صفحة متابعة بدقة كبيرة للشأن السياسي التونسي ولتطوّرات عملية الإنتقال الديمقراطي في هذا البلد الذي أطلق شرارة الربيع العربي. لكن اهتمام هذه الصفحة لا يتوقّف عند حدود الشأن التونسي، إذ تتابع الاوضاع في بلدان عربية أخرى، ويأتي الشأن المصري في المقدمة، فتنشر أخبار المحاكمات السياسية وفضائح “الإنقلاب” وانتهاك الحريات في مصر بعد الثالث من أيلول في العام الماضي.
الشأن السياسي المصري تخصصت في متابعته والإخبار عنه صفحة “مصريون مؤيدون للديمقراطية”، ويقدّم القائمون عليها أنفسهم بأنهم “مصريون مقيمون في سويسرا ومعارضون للإنقلاب العسكري، ومؤيدون للسلطة الشرعية”. وتزخر الصفحة بمستجدات الساحة السياسية المصرية، وبتناقضات سلطة “الانقلاب” وتخبط النخب “المأجورة” التي تؤيدها، ومن ذلك نشرها لفيديو حول ثورة متظاهرين مصريين ضد فنانين مؤيدين للسلطة العسكرية خلال مهرجان مالمو للأفلام العربية بالسويد، أو ثورة الجمهور على الكاتب علاء الأسواني خلال القائه محاضرة برّر فيها اسقاط نظام محمّد مرسي بمقرّ المعهد العربي بباريس في شهر أغسطس 2013. إضافة إلى ذلك، هناك العديد من الصفحات الأخرى التي يشرف عليها أفراد عرب لديهم ميولات والتزامات سياسية متنوعة من المغاربة والعراقيين والسودانيين.
بلغ عدد المشتركين السويسريين في شبكة الفايسبوك 3.400.000 شخص، وهو ما يعني تقريبا كل سويسري من مجموع ثلاثة.
يتوزّع هؤلاء المشتركون عمريا على النحو التالي:
أقلّ من 19عاما: 18%
ما بين 20 و29 عاما: 31%
ما بين 30 و49 عاما: 38%
ما يزيد عن 50 عاما: 13%
تتوزع نسبة المشتركين كالآتي: 51% رجال، و49% نساء
بالنسبة للغات، نجد أن 57% يستخدمون الألمانية، و21% يستخدمون الفرنسية، و6% يستخدمون الإيطالية، و16% يستخدمون الإنجليزية.
من أكثر المدن السويسرية حضورا على الفايسبوك:
زيورخ: 603.000 نسمة
جنيف: 216.000 نسمة
لوزان: 147.000 نسمة
برن: 139.000 نسمة
بازل: 112.000 نسمة
(المصدر: موقع الفايسبوك)
الفايسبوك من أجل الكرامة والتنمية
ولعلّ أبرز عينة على الإستثمار الجيد لمواقع التواصل الإجتماعي في هذا الجانب العمل الذي تقوم به منظمة الكرامة لحقوق الإنسان، والتي يوجد مقرها بجنيف، وهي منظمة سويسرية عربية غير حكومية تعمل من أجل احترام كرامة الإنسان العربي وحقوقه، ويبلغ عدد المُعجبين بهذه الصفحة حتى كتابة هذا التقرير 3168 فردا.
ومثلما يتجلى من العنوان، تقتصر تغطيات هذه الصفحة على نشر تقارير الامم المتحدة والمنظمات غير الحكومية حول أوضاع حقوق الإنسان في العالم العربي، في سوريا، واليمن، وفي ليبيا، والجزائر،…ويتأكّد الزائر بعد زيارة هذه الصفحة بأن أخبار الإختفاء القسري، والتعذيب الجسدي، والاحكام الإعتباطية قد زادت في السنوات الاخيرة، وأن انتفاضات الربيع العربي لم تزد اوضاع حقوق الإنسان في العديد من البلدان العربية إلا تدهورا وسوءً، وإن جعلت من الكرامة واحترام الذات البشرية في مقدّمة المطالب الشعبية.
جمعية أخرى، ومجال آخر هو مجال المساعدة من اجل التنمية، حيث نجد جمعية “التعاون السويسري التونسي للتنمية المستديمة”. والتي لا تكتفي صفحتها على الفايسبوك بعرض أهدافها والتعريف بها، أو المشروعات التي أطلقتها في تونس في مجالات عدة او إعلاناتها التي تبحث من خلالها عن مموّلين لأفكار مبدعة في مجال التشغيل ومساعدة العائلات الفقيرة في المناطق المحرومة، بل تجتهد في أن تكون مواكبة للأوضاع الاجتماعية في تونس ولمفردات الدعم السويسري لهذا البلد الذي يمرّ بمرحلة انتقالية صعبة.
فعلى سبيل المثال، نشر هذا الموقع مؤخرا تقريرا يشير إلى أن سويسرا ساعدت تونس على إيجاد 10.000 موطن شغل، ويعرّف زوار الصفحة بالجهود الكبيرة التي يقوم مكتب الصندوق السويسري للتنمية بتونس، ويخبر عن التحركات والأنشطة التي تقوم بها الجالية التونسية في الكنفدرالية من أجل دعم بلدهم الاصلي كمشروع “La Tunisie à Redécouvrir“ الذي هدف أصحابه إلى التعريف بتونس كمقصد سياحي، فضلا عن فقرات اليوم الإعلامي التضامني لهذه الجمعية الفتية التي نشأت مباشرة عقب ثورة يناير 2011.
مواقع تواصلية ثقافية
رغم هذا الإستقطاب السياسي الحاد، اختارت صفحات أخرى العمل على توحيد الصفوف وعلى النطق بالقواسم المشتركة بين الجميع على أساس أن الإختلاف أيّا كان “لا يُفسد للود قضية”.
ومن ذلك صفحة “مصريون في سويسرا”، وقد سجّل حتى الآن 222 شخصا الإعجاب بما تنشره، وهي صفحة تحاول، كما يقول المشرف عليها محمد خليل، أن تكون “خيمة لجميع المصريين، تقدّم إحاطة شاملة لشؤون المهاجرين من هذا البلد العربي، وتنشر أخبار الملتقيات والمؤتمرات والزيارات الرسمية وغير الرسمية، كما تزخر بأخبار الثقافة والرياضة وانجازات المصريين في سويسرا وفي العالم، وإعلانات الخدمات بعيدا عن الإختلافات السياسية وتباين العقائد الدينية”.
من جهة أخرى، يرى السيد خليل أن “أغلبية المصريين في سويسرا موجُودون على شبكات التواصل الإجتماعية، وبفضلها نستطيع أن نبلّغهم ما نريد وبسرعة فائقة عن أي حدث أو تظاهرة ثقافية أو احتفالات وطنية أو دينية أو أي حملات نطلقها لمصلحة الوطن الأم”. وبالفعل، استطاعت هذه المنظمة الأهلية من خلال هذه الصفحة إطلاق حملة في الأشهر السابقة لجمع الملابس المستعملة، وأخرى لحث المصريين المقيمين في سويسرا على الإنخراط في الشأن العام، وثالثة لدعم الإقتصاد المصري عبر تحويل الأموال إلى الداخل.
وفي منطق تواصليّ اجتماعي بحت، اختارت صفحة “الجالية العراقية في سويسرا”، نشر صور وفيديوهات لصيد سمك “الكوشر” في البحر الأحمر واعداد “المسكوف” على طريقة بلد الرافديْن، وأخبار الأمسيات العائلية التي يحييها روبرت العراقي أو مظفّر البغدادي في مدن سويسرية عدّة، فضلا عن رسائل التهنئة بحلول الأعياد الوطنية والدينية. لكن هذه الصفحة تحمل بشدة من حين لآخر على الأوضاع السائدة في بلاد الرافدين، ويلخّص القائمون عليها تذمّرهم من النزعة الطائفية المتحكمة في المشهد هناك، ومن التشوّهات التي أصابت المجتمع بعد سقوط نظام صدام حسين عبر مقولة “العراق الجديد، السنيّ فيه من القاعدة، والشيعي فيه صفوي”.
ولا تختلف كثيرا عن هذا المنزع ما تنشره صفحة “جزائريون في سويسرا”، وهي مساحة حرة مفتوحة هدفها تجميع الجزائريين المقيمين بسويسرا، وتأثيث ذاكرتهم الجماعية عبر نشر مجموعة مهمّة من الصور النادرة كصورة لعائلة هواري بومدين برفقة عائلته ومجموعة من الاصدقاء وهم جلوس على شاطئ البحر في السبعينات، أو مشاهد طريفة لمدينة الجزائر مباشرة بعد خروج المستعمر في الستينات، أو معرض صور نادر وحصري لمفاوضات إيفيان بين جبهة التحرير الجزائرية والسلطات الإستعمارية الفرنسية في عام 1961. وتؤكّد المواد المنشورة على أهمية الدور الذي لعبته سويسرا في إنجاح تلك المفاوضات، ويُذكر أن برن ساعدت الثوار الجزائريين آنذاك وفتحت مكتبيْن لهم في كل من لوتسرن ونوشاتيل.
وفي محاولة منه لتفسير ظاهرة هذا النشاط المحموم للجاليات العربية بسويسرا على شبكات التواصل الإجتماعي يقول راهب صالح، وهو من أصول عراقية: “لقد وجدنا هنا في سويسرا حريتنا في التعبير بعد أن كنا في بلداننا الاصلية في سجن كبير”، وبفضل بلد إقامتنا الجديد “بات بإمكاننا إيصال الحقيقة ونشر الوعي والتبشير بالقيم الديمقراطية”، على حد قوله
رغم هذا الحضور العربي السويسري المُلفت على مستوى شبكات التواصل الإجتماعي، لا زالت وسائل الإعلام في سويسرا (العمومية منها والخاصة على حد السواء) مُتجاهلة عموما لمشاغل هذه الأقليات، وفي الحالات القليلة التي تهتم بها، فعادة ما يقترن ذلك بسياقات سلبية تزيد من تهميشها وتكرّس الأفكار المُسبقة المتداولة حولها.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.