«آن الأوان لحظر الطائرات الخاصة»
للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، يعتبر ماريو هوبر أنَّه لا يوجد إجراء فوري ويؤثر على أقل عدد ممكن من الناس مثل حظر الطائرات الخاصة.
خلال فترة طويلة، كان يُنظَر إلى الطائرات الخاصة على أنها رمز للثراء والنجاح. لكن في الآونة الأخيرة، بدأت أصابع الاتهام تشير إليها بسبب تأثيرها على البيئة، وهي محقة في ذلك.
ليس هناك ثمة شيء آخر يُستخدم من قبل حفنة من الأشخاص ويحرق هذه الكمية الكبيرة من الوقود الأحفوري، فيُلوّث الهواء ويؤدي إلى تغير المناخ. فلماذا لا يزال المجتمع يتساهل مع هذه الطائرات على الرغم من فائدتها المثيرة للجدل؟
“نسبة الأشخاص الذين يستفيدون منها أقل بكثير من نسبة الانبعاثات التي تنجم عنها”
بشكل عام، لا يحظى الحظر بشعبية كبيرة. ومع ذلك، ينوي حزب العمال البريطاني حظر طائرات الوقود الأحفوري الخاصة بحلول عام 2025. وجاء الإعلان في أوائل نوفمبر 2019، تماماً بعد بدء حملة الانتخابات العامة التي كان موعدها في 12 ديسمبر في بريطانيا. وبعد أسبوعين، قام الفرع السويسري لمجموعة «Extinction Rebellion» الناشطة في مجال البيئة بإغلاق مُدرّج الطائرات الخاصة في مطار جنيف، مُندّداً بها ومعتبراً أنها وسيلة نقل سخيفة. وفي نفس اليوم، قرر شباب حزب الخضر السويسري بالإجماع إدراج حظر الطائرات الخاصة في برنامجهم.
الحد من الانبعاثات
تتسبب الطائرات بانبعاث ثاني أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين وبخار الماء على ارتفاعات عالية، مما يزيد من ظاهرة الاحتباس الحراري المسؤولة عن تغير المناخ. وبالطبع، لا يتسبب الطيران سوى بجزء صغير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية ـ في الواقع يتم التقليل من شأن هذه الظاهرة باستمرار من خلال إعطاء أرقام لا تأخذ بالحسبان سوى ثاني أكسيد الكربون ـ والطائرات الخاصة لا تُمثل سوى جزء بسيط من مجمل حركة النقل الجوي. ومع ذلك، فقد انبعثت كمية 20 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون من الطائرات الخاصة في عام 2015 ـ أي حوالي 0,1% من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ـ بالإضافة إلى جميع المواد الأخرى التي تنبعث وتزيد من تأثير الطيران على البيئة بثلاثة أضعاف – وهذه الكمية لا يُستهان بها.
والجدير بالذكر، أن السفر على متن طائرات خاصة يتسبب بانبعاث كمية ثاني أكسيد الكربون تزيد عشر مرات عن تلك التي تنبعث من الطائرات التابعة للخطوط الجوية، و150 مرة عما لو استُخدم القطار السريع. وبالتالي، فمن شأن ترك هذه الطائرات على الأرض ونقل الركاب على متن الطيران التجاري أن يقلل من الانبعاثات. بالإضافة إلى ذلك، وبسبب عدم توفير الراحة وسهولة الوصول إلى الطائرة، من المحتمل أن يقلل أولئك الذين كانوا يستخدمون الطائرات الخاصة من السفر. بالمناسبة، عندما يتعلق الأمر بالأثرياء جداً، قد يكون اتخاذ تدابير رادعة غير نقدية أكثر فعالية من الغرامات المالية.
للنُخبة فقط
ولكن الأهم من ذلك أنَّه، على عكس الطعام والتدفئة، لا أحد يحتاج فعلاً إلى طائرات خاصة. هناك مجرد عدد قليل من نخبة العالم ممن يستخدمونها. ونسبة الأشخاص الذين يستفيدون منها أقل بكثير من نسبة الانبعاثات التي تنجم عنها.
حتى هذه المجموعة الصغيرة جداً ستواجه عواقب مادية محدودة. بالتأكيد، تُقدم الطائرات الخاصة مرونةً في التوقيت ومزيداً من الخصوصية وإمكانية تجنب بعض المطارات المُزدحمة والمُستَخدمة من قبل الأشخاص الأقل ثراءً. ولكن منعها لن يُقلل من حركتهم بشكل كبير. وعلى العكس من السفر عن طريق البر أو البحر، فإن اختيار السفر بالدرجة الأولى على متن طائرة تجارية لن يطيل كثيراً من مدة السفر.
إنَّ مستخدمي الطائرات الخاصة هم الذين يسافرون أكثر من غيرهم وهم على الأرجح الذين استفادوا من النمو الاقتصادي العالمي في الماضي، هذا النمو الذي يُعدُّ المسؤول عن تغير المناخ. وبالتالي، فإن الأمر ليس مسألة عملية فحسب، وإنما يتعلق بالأخلاقيات والعدالة المناخية التي تطالبهم بتقديم تضحيات للحد من تغيير المناخ أكثر من الأشخاص الذين ليست لديهم إمكانيات مادية كبيرة.
توجيه رسالة
في نهاية المطاف، سيكون للرسالة المُوجّهة من خلال حظر الطائرات الخاصة آثارٌ على المدى البعيد أكثر من نتائجها الفورية. لقد مرت عقود دون اتخاذ أية تدابير حقيقية للتخفيف من تغير المناخ. ولقد أعطت الإضرابات من أجل المناخ في عام 2019 زخماً لهذه القضية؛ وبالرغم من ذلك، لا يزال الكثير من الناس ـ من داخل وخارج المجال السياسي أو العلمي ـ غير مُدركين لخطورة تغير المناخ. يمكن لوسائل الإعلام الاستمرار في نشر التنبؤات الكارثية استناداً إلى أحدث المعطيات العلمية ولكن ذلك لن يُغيّر ساكناً لأنَّ الأفعال الملموسة تؤثر في الناس أكثر من التفسيرات أو إعلان النوايا.
سيُظهر الحظر أنَّه حتى أكثر الأشخاص قوة وثراء سيضطرون للانضمام إلينا من أجل التخفيف من تغيّر المناخ. وسوف يكون الحظر دليلاً مباشراً عن أهمية اتخاذ إجراءات سريعة وملموسة بشأن الوقود الأحفوري. كما أنها ستجعل السياسات المناخية الواسعة أكثر شرعيةً وتقبُّلاً اجتماعياً.
البدء بتنفيذ الحظر
كما جرت العادة، يتعين على الحكومة الاهتمام بتسوية التفاصيل، مثل التمييز بين الطائرات غير التجارية التي تقدم خدمات للمصلحة العامة والطائرات الفاخرة. يعتمد عدد قليل من الوظائف على الطائرات الخاصة، ولكن يجب ألا يُشكّل هذا الأمر مصدر قلق كبير، لأنَّ العمل من أجل المناخ يعني أنَّ العديد من الفروع الصناعية ستختفي مع ظهور شركات جديدة مستدامة. وعلى أية حال، تحتاج الحكومات إلى سياسات للتعامل مع الموظفين المُتأثرين بهذه الفترات الانتقالية. علاوة على ذلك، غالباً ما يكون هؤلاء العمال مُؤهلين وبإمكانهم البقاء بسهولة في مجال الطيران أو الانتقال لفروع أخرى تتطلب تقنيات عالية.
فما العمل الآن؟ قد تبدو قضية حظر الطائرات الخاصة جذرية في حين أنها بكل بساطة منطقية. والسلوك الذي يجب اتباعه هو التحدث إلى المعارف والسياسيين المحليين أو غيرهم من صناع القرار عن العمل من أجل المناخ وعن الأسباب التي تجعلنا نقول: «آن الأوان لحظر الطائرات الخاصة».
درس الرياضيات والعلوم الاجتماعية والاقتصاد وعمل لفائدة الحكومة الفدرالية السويسرية وفي منظمات غير حكومية. وهو من قام بإطلاق مبادرة «حظر الطائرات الخاصةرابط خارجي» التي تهدف إلى مناقشة سبل تقليل الرحلات الجوية بطريقة مقبولة اجتماعياً.
تقوم swissinfo.ch بنشر آراء حول مواضيع مختلفة، سواء حول قضايا سويسرية أو مواضيع لها تأثير على سويسرا. يرمي اختيار المقالات إلى تقديم آراء متنوعة بهدف إثراء النقاش حول القضايا المطروحة. تعبّر الأفكار الواردة في هذه المقالات عن آراء مؤلفيها فقط ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر swissinfo.ch.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.