مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

على شبكة الأمان السويسرية أن تحمي الجميع

غابرييل بارتا وإيمانويل ديونّا ووهبة غالي وجون ماري ميلانا

اجتاحت صور لآلاف الأشخاص يصطفون في نهاية كل أسبوع لتلقي طرود الطعام في المدينة السويسرية الغنية جنيف مؤخراً الصحافة العالمية. تضرر العمال الفقراء والمهاجرون الذين لا يحملون وثائق رسمية في سويسرا بشدة من جائحة الفيروس المستجد. في جنيف، تطالب مجموعة من المواطنين الذين أثار الوضع قلقهم باحترام الحقوق الأساسية للمهاجرين وبتسوية أوضاعهم.

بالنسبة للعديد من المراقبين الأجانب، فإن الحق الأساسي في الغذاء قد تم احترامه دائمًا في سويسرا، ومع ذلك، يبدو أن عمليات التوزيع الأخيرة للمعونات الغذائية من قبل السلطات المحلية والمنظمات غير الحكومية والجمعيات الخاصة في مركز فيرناي الرياضي في جنيف قد فاجأت الصحافة الدولية.

منذ ما يقرب من شهر، يزداد هذا الاتجاه وضوحًا ويستمر في النمو. في العاصمة الدولية لحقوق الإنسان، وثاني أكبر مدينة في سويسرا، وفي بلد غالباً ما يتم الإشادة بها لتنظيمها الاقتصادي والاجتماعي الممتاز، نجد أن جزءًا من السكان في حاجة ماسة إلى الطعام، والأشخاص الذين لم يعتقدوا سابقًا أن الحقوق الأساسية معرضة للخطر في بلدهم يدركون فجأة أن الغذاء هو حق أساسي تقع مسؤولية ضمانه على المجتمع إذا ما لزم الأمر.

“نحن لسنا بحاجة إلى تمديد العمل بمشروع “بابيروس” بل ما نحتاجه الآن هو نهج معقول من الناحيتين الإنسانية والقانونية” 

ضمان الحقوق الأساسية

يمثل الأشخاص ممن ليس لديهم إقامة قانونية – ما يسمى بالمهاجرين غير الموثقين – أكثر من نصف الأشخاص الذين يتلقون الإعانات الغذائية في فيرنياي (Les Vernets). ومع ذلك، فإن أولئك الذين يعملون مع هؤلاء السكان منذ سنوات ويعرفون محنتهم يعرفون أن الحقوق الأساسية في سويسرا – نعم، حتى هنا – لا تتعرض للخطر فحسب، بل يتم تجاهلها في بعض الأحيان. في الواقع، غالبًا ما نكون غير قادرين على معاملة جميع البشر بإنسانية، ولولا مشهد فيرناي المحبط جداً، لكان بوسعنا أن نغمض أعيننا تمامًا عن حقيقة أن آلاف الأشخاص في جنيف، وما يقدر بـ 100 ألف شخص بدون وثائق ثبوتية أو ما يسمون بـ “البدون” في سويسرا، لا يجرؤون حتى على الإبلاغ عن اعتداء أو سرقة، فسيادة القانون لا تنطبق على الجميع؛ بل تنطبق أولاً وقبل كل شيء على أولئك الذين يحملون الأوراق الثبوتية المناسبة والمعترف بها.

ربما تشعر الغالبية الساحقة من المواطنين أنه من واجبهم ضمان وصول العدالة والغذاء والرعاية الصحية للجميع، وما إلى ذلك. ويصر الناس في كثير من الأحيان على أنه في سويسرا هناك دائمًا الحق في الإبلاغ عن الإساءة، والحصول على العلاج في المستشفى وفي تلقيك للمساعدة إذا ما فقدت وظيفتك. ومع ذلك، فإن الحقائق تروي قصة مختلفة تمامًا، ويتم الكشف عن عدم التضامن والفرصة لتأكيد حقوق المرء بشكل صارم عندما يتعين على المجتمع مواجهة قيود غير عادية كتل التي نشهدها اليوم مع وباء كوفيد – 19. ومن غير المستغرب أن يكون أي شخص ضعيف أو في وضع غير مستقر هو أول من يعاني في مثل هذه الظروف.

منذ زمن بعيد، بدأت بعض السلطات والمنظمات الناشطة في مجالات المساعدة والاندماج الاجتماعي في ملاحظة واستنكار هذه المجالات غير القانونية والمحظورة، وقد حاولت القيام بشيء حيالها. فقبل خمسة وثلاثين عامًا، رافق دومينيك فولمي، عضو مجلس مدينة جنيف، فتاة صغيرة بدون وضع قانوني في المدرسة لأول مرة. ومنذ ذلك الحين، وسيراً على خطى النموذج الذي قدمته جنيف، تم احترام الحق الأساسي للأطفال في الالتحاق بالمدرسة في أجزاء كثيرة من سويسرا. في مكان آخر، تُقدم وحدة الاستشارات الخارجية المتنقلة لرعاية المجتمع (CAMSCO) بمستشفى جامعة جنيف أيضًا الرعاية الطبية، بغض النظر عن حالة المريض القانونية. لكن الخوف من التنديد والترحيل يعني أن الحقوق الأساسية الأخرى – مثل الحق في الحياة الخاصة والعائلية، والوصول المناسب إلى العدالة أو الحماية من الاستغلال في العمل – ليست مضمونة من الناحية العملية. وتبذل بعض السلطات وعدد كبير من المنظمات غير الحكومية جهوداً ملحوظة في هذه المجالات، وينبغي الترحيب بها. ومع ذلك، يمكن رؤيتها على أنها خليط غير منسق أو – أسوأ من ذلك – على أنها نشاطات هواة. في ضوء هذه الأمثلة ونظراً لمحنة أولئك الذين يصطفون في فيرناي، من الواضح أن النهج الوحيد الذي سيضمن احترام الحقوق الأساسية هو تعديل الوضع القانوني للمهاجرين غير الموثقين.

المزيد
رجال ونساء في صفوف ينتظرون توزيع مساعدات غذائية في جنيف

المزيد

من هم الأشخاص المُهدّدون بالسقوط في براثن الفقر في سويسرا؟

تم نشر هذا المحتوى على الصور التي تداولتها وسائل الإعلام كانت صادمة ومثيرة للإستغراب، إلى حد إعادة نشرها في وسائل الإعلام الدولية الرئيسية مثل الغارديانرابط خارجي أو نيويورك تايمزرابط خارجي أو إذاعة فرنسا الدوليةرابط خارجي، وقد أظهرت مئات الأشخاص وهم يصطفون على مسافة تزيد عن كيلومتر يوم السبت 9 مايو 2020، كما كان الحال في يوم السبت السابق (2 مايو) من…

طالع المزيدمن هم الأشخاص المُهدّدون بالسقوط في براثن الفقر في سويسرا؟

تسوية أوضاع المهاجرين غير الموثقين لا شك هو أمر أساسي، لكن حقيقة أن عددًا من الأشخاص الذين يصطفون في فيرناي لديهم أوراق ثبوتية تظهر أن هذا غير كافي، المطلوب حقا هو القضاء على نقاط الضعف والقلاقل بشكل أعم، المتمثلة بالتهديد الدائم في السقوط فجأة فريسة للفقر. يذهب الكثير من الناس إلى فيرناي لأنهم لا يجرؤون على الاستفادة من مدفوعات المساعدات الاجتماعية التي يحق لهم الحصول عليها، خوفًا من فقدان تصاريح إقامتهم. وبالنسبة للعديد من الأجانب، فإن عدم المطالبة بالمساعدات الاجتماعية هو شرط لتجديد عقد عملهم أو تصريح إقامتهم. وبالتالي فإن هؤلاء الأشخاص عالقون بين نارين، إما أن يتضوروا جوعًا أو يفقدوا الحق في العمل وبكسب سبل معيشتهم. ما لم يتم تغيير الشروط التي تخلق مثل هذه الحالة المقلقة، لأولئك الذين لا يحملون أوراقًا ثبوتية ولكن أيضاً لمن يحملون مثل تلك الأوراق، سيستمر تجاهل بعض الحقوق الأساسية.

تسوية الأوضاع أمر ممكن وضروري

الضروري ليس تسوية الأوضاع فحسب، بل إن تجربة حديثة العهد قد أثبتت أنه أمر ممكن أيضاً. فقبل مشروع “بابيروس” التجريبي (2017-2018) [لتسوية أوضاع المهاجرين غير الموثقين بشكل طويل الأجل في جنيف]، غالبًا ما كان يُسمع في بعض الأوساط أن تسوية الأوضاع على هذا النحو سيجذب أشخاصًا آخرين وسيتدفق المهاجرون غير الشرعيين من كل حدب وصوب إلى سويسرا. لكن نتائج هذا المشروع، التي تم تقييمها علميا من قبل الخبراء، أثبتت أن الأمر ليس كذلك. أمّا اليوم، نحن لسنا بحاجة إلى تمديد العمل بمشروع بابيروس، فهو اختبار محدود في الوقت والنطاق، بل ما نحتاجه الآن هو نهج معقول من الناحيتين الإنسانية والقانونية، يرتكز على تنظيم وتسوية أوضاع المهاجرين غير الموثقين على أساس معايير واضحة ويمكن التنبؤ بها. وقد أثبتت التحركات الأخيرة لتنظيم المهاجرين غير الموثقين في إيطاليا والبرتغال خلال أزمة فيروس كورونا المستجد أن هناك سياسات أخرى ممكنة.

شبكة الأمان المالي؟

في 25 مايو 2020، تبنت حكومة كانتون جنيف مشروع قانون طارئ يهدف إلى توفير الدعم المالي للمستضعفين من سكان الكانتون، الذين يكافحون وسط جائحة الفيروس المستجد. شمل هذا الإجراء المهاجرين غير الموثقين، والأشخاص الذين لا يحق لهم الحصول على المساعدات الاجتماعية، وغيرهم ممن لم يتلقوا دعمًا ماليًا سابقًا كاستجابة لوباء كوفيد – 19 من الكانتون أو من الفدرالية.

كي يحق للمرء تقديم طلبه للحصول على تلك المساعدات يجب عليه أن يكون قادرًا على إثبات أنه عاش في كانتون جنيف لمدة عام واحد على الأقل وأنه عمل لمدة ثلاثة أشهر على الأقل قبل سريان إجراءات الإغلاق الجزئي الذي دخل في منصف شهر مارس حيز التنفيذ.

خصصت حكومة الكانتون في هذا الصدد ميزانية قدرها 15 مليون فرنك سويسري، ولا يزال الاقتراح بحاجة إلى موافقة برلمان كانتون جنيف.


تستضيف swissinfo.ch من حين لآخر بعض المساهمات الخارجية وتنشر بانتظام نصوصا مختارة لخبراء، وصانعي قرار ومُراقبين متميزين، لتقديم وجهات نظر تتسم بالعمق والطرافة حول سويسرا أو بعض القضايا المثيرة ذات العلاقة بهذا البلد. ويبقى الهدف في نهاية المطاف إثراء النقاش وتفعيل الحوار البنّاء. جميع الآراء الواردة في هذه المقالة هي آراء كتابها، وهي لا تعكس بالضرورة آراء swissinfo.ch.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية