مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“وجود عالم مستقر يتعايش فيه الناس من مختلف الأديان.. في صالح الجميع”

مراسم تشييع جنازة ضحية مسيحية قتلت في يناير 2011 فيما يُعرف بـ "حادث القطار" في مصر Keystone

أدت الهجمات التي استهدفت الأقباط في مصر، وتلك التي تعرض لها المسيحيون في العراق الى إثارة الذعر في أوروبا والعالم الغربي عموما. في الحديث التالي يوضح السفير السويسري كلود فيلد طبيعة المحاولات الذي تقوم بها سويسرا لمواجهة العنف المُحرّض عليه دينيا ونزع فتيله.

swissinfo.ch: لسويسرا إسهامٌ في مجال سياسة السلام وتشجع على التعايش السلمي بين البشر من مختلف الأديان والتصورات. ما الذي يدفعها للقيام بذلك؟

كلود فيلد: إن من تقاليد سويسرا أن تتدخل لصالح السلم، واحترام حقوق الإنسان والوقوف الى جانب المظلومين. وثانيا لأن لنا فائدة في وجود عالم مستقر. فالسياسة الخارجية هي في الواقع هي سياسة الحفاظ على المصالح. فنحن بلد يحتاج للأمن لأن ذلك ضروري أيضا لضمان رفاهيتنا. فإذا كان وجود عالم مستقر، تطبق فيه القوانين  ويتعايش فيه الناس من مختلف الأديان والتصورات هو في صالح المظلومين والمعذبين فهو أيضا في صالحنا جميعا.

هل تقوم سويسرا بنشاطات في هذا المجال في كل من مصر والعراق؟

كلود فيلد: بلدان المنطقة لا تـُوجد ضمن الدول التي تمنحها سويسرا أولوية في مجال دعم السلم، لأنها تقع ضمن أقاليم تهتم بها دول أخرى عديدة. ولكن مع ذلك، قمنا في العراق بإنجاز مشروع في مجال حقوق الإنسان. فقد سهرنا على تكوين عدد من الموظفين العراقيين في مجال حقوق الإنسان حيث تلقوا تدريبا لتوسيع معرفتهم فيما يتعلق بتقديم الحماية للأقليات وحول حرية الأديان.

ونقوم حاليا بإنجاز مشروع في مصر وهو مشروع نموذجي بين منظمة مصرية تسيرها سيدات لهن توجه إسلامي ومنظمة مسيحية غير حكومية من سويسرا. وتعمل المنظمتان معا في مجال العمل الإنساني وتسهران على تطوير برامج تسمح لكل منهما بالتعرف بصورة طبيعية وعملية على دين الآخر وعلى تصوراته وأفكاره. وهذه التجربة هي فريدة من نوعها في عملنا في مجال “الدين والصراعات” ونطلق عليه إسم “الحوار عبر الممارسة”.

وفي طاجيكستان، على سبيل المثال، أسهمنا بعد الحرب الأهلية، في إنجاز مشروع يسمح عبر الممارسة بتعميق الثقة. إذ ندعم تحضير برامج تعليم مُوحدة لكل المدارس الدينية الخاصة غير الخاضعة للنظام التعليمي العمومي.

فقد تم إدماج عناصر التعليم التقليدي والمدني في برامج التعليم لهذه المدارس. وبذلك تمت إقامة جسر بين نظامي تعليم وبين تصورات مختلفة. وبهذا يتم تكوين الأطفال وفقا لبرنامج ديني ولكن ليس بمفهوم وتصورات الأصوليين والمتطرفين.    

ألا يمكن النظر لهذا الإلتزام السويسري على أنه تدخل في الشؤون الداخلية لهذه البلدان؟

كلود فيلد: لا أعتقد ذلك، لأننا ليست لنا أجندة خفية، ولم نكن في يوم من الأيام قوة استعمارية. وحتى إذا كانت لنا مصلحة في رؤية عالم مستقر، فليست لنا اية أطماع سياسية. يضاف إلى ذلك أن المشاريع التي نقوم بإنجازها هي مشاريع مُعلنة ولا نقوم بأي شيء دون أن نـُشـعـر به الدولة المعنية، بل في كثير من الأحيان يُطلب منا ذلك.

هل أصبحت إمكانية حدوث صدام بين الإسلام والمسيحية اليوم أقوى من ذي قبل، ولماذا نشهد هذا التصعيد في هذا الوقت بالذات؟

كلود فيلد: لقد عرف عدد المسيحيين في المشرق في العقود الأخيرة تراجعا كبيرا. وهناك بلدان يتمتع فيها المسيحيون باحترام كأقلية، مثلما هو الحال في الأردن ولبنان وسوريا. أما في بلدان أخرى فيعرفون بعض المشاكل بحكم عدم الاستقرار الذي تعرفه تلك الدول. ولكن عدم الاستقرار هذا تعاني منه باقي الأقليات الأخرى أيضا.

وهذا ما ينطبق على سبيل المثال على العراق. فالمسيحيون هناك ليسوا مهددين من قبل الدولة بل من حالة عدم الإستقرار الشاملة. وفي العراق يعاني كافة السكان بشكل متساو من تصرفات المتطرفين الأصوليين. وقد أعربت الدولة ( في العراق) عن التزامها بحماية الأقليات، ولكنها غير قادرة على القيام بذلك. وهناك صراعات داخل هذا البلد حتى بين عناصر الطائفة المسلمة نفسها. إذ تم اضطهاد الشيعة مدة طويلة، وهم اليوم يطالبون بحصتهم في السلطة. وقد كان هناك بعض الوزراء المسيحيين في عهد الرئيس صدام حسين، وهذا ما يدفع للنظر لهم اليوم على أنهم كانوا من أنصار النظام السابق، وما يعمل على التحريض على القيام بعمليات انتقام ضد المسيحيين.

أما في مصر فإن الأمر عكس ذلك إذ هناك حكومة مستقرة، ولكن المعارضة مضطهدة وهو ما يدفع المتطرفين إلى محاولة زعزعة الدولة. ولكن هذا لا يعني ان التعايش بين المسلمين والمسيحيين أصبح غير ممكن في مصر، بل إن ما يتم هو عبارة عن عمليات يقوم بها المتطرفون والمجرمون لزعزعة هذا التعايش.

وعلينا في الغرب أن نعي جيدا بأن المسيحيين في المشرق ليسوا بمثابة ذراع الغرب التي امتدت الى هناك عن طريق الهجرة. بل إنهم من ابناء المنطقة أبا عن جد. فالمتطرفون يحاولون إيقاظ إحساس يصور المسيحيين على أنهم جسم دخيل ولكن إذا ما نظرنا الى الأمور من الناحية التاريخية فإننا نجد أن المسيحيين في هذه البلدان هم أبناء هذه المجتمعات.

هل تشكل القضايا الدينية لبّ الخلاف أم أن الأديان تشكل في وقت الصراعات ساحة مواجهة جانبية؟

كلود فيلد: أكيد أن الأديان تلعب دورا في الصراعات، ولكن كثيرا ما يتم استخدامها من أجل تعزيز الإنتماء للهوية داخل المجموعة الواحدة، ولوضع  حدود مع الآخر. وكثيرا ما لا تكون دوافع الأطراف المتصارعة دينية محضة. فقد أظهر التاريخ بأن الصراع عادة ما يكون من أجل السلطة ومن أجل التحكم في الأرض والموارد ولكن إقحام الدين يتم عن قصد من أجل تعبئة الناس، أي أنه  يتم توظيف الدين في لعبة الصراع السياسي من أجل السلطة.               

يرأس السفير كلود فيلد الدائرة السياسية الرابعة بوزارة الخارجية السويسرية. وهي الدائرة التي تسهر منذ العام 2004 على برنامج ” الدين، والسياسة، والصراعات”.

وفي إطار تدخل سويسرا من أجل السلم في العالم،  تقوم ايضا بدعم مشاريع التعايش السلمي بين أناس لهم ديانات وتصورات مختلفة.

وبإمكان سويسرا أن تعتمد في هذا المجال على خبرة معهد جنيف للدراسات العليا والتنموية  وخبرات شركاء آخرين ، وهي الخبرة المعترف بها على المستوى الثنائي أو الدولي.        

(نقله من الألمانية وعالجه: محمد شريف)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية