يرقات الخنافس والصّراصير والجراد.. قريبا في الصحون السويسرية
إعتباراً من عام 2016، من المُتَوَقَّع أن يعثر المتسوقون في سويسرا على صرّار الليل، ويرقات الخنافس السوداء، والجراد النطاط على رفوف محلات البيع بالتجزئة بوصفها مواد غذائية. وفيما يأنف البعض من أكل الحشرات ويعتبرونه أمراً مقززاً، يرى فيها آخرون غذاءاً ذا محتوى عال من المُغذيات ولاسيما البروتين، ومصدر غذاء لسكان الأرض في المستقبل. ورغم استعداد المنتجين لاستزراع الحشرات بالفعل، إلّا ان بعض الأسئلة تظل مفتوحة.
في سويسرا، مازالت المتاجرة بالحشرات وبيعها كمواد غذائية ممنوعة. بيد أن هذا الوضع لن يستمر طويلاً. ففي حي Kreis 5 العصري في زيورخ، وتحت أقواس جسر السكك الحديدية المطلة على امتداد طريق التنزه الجديد، يجلس كريستيان بيرتش في مقر العمل المجتمعي الخاص بأصحاب المشاريع الاجتماعية والمبتكرين. ومع أن لا شيء يوحي بأن مستقبل الطبخ السويسري يُقرّر في هذا المكان، فإن من يستمع إلى بيرتش سرعان ما يشعر بولعه الشديد بالحشرات ورغبته في إضافتها كغذاء على قائمة الطعام السويسري.
تعتبر الحشرات من الأطعمة الشائعة والمُحببة في قارة آسيا. كما تُقَدِّم المطابخ الأفريقية والأمريكية اللاتينية ولاسيما المكسيكية، أصنافاً من المكونات الزاحفة على طبق الطعام. وقد تكون هذه مقلية، أو مسلوقة، أو ملفوفة بعجينة، أو حتى حية.
وتقدِّر منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، أن أكثر من ملياري شخص يتناولون الحشرات بانتظام في جميع أنحاء العالم، حيث يجري تناول 527 نوعاً حشرياً مختلفاً في 36 بلداً من إفريقيا، و29 بلداً آسيوياً و23 بلداً من الأمريكتين.
وباعتبارها من اللافقاريات، فإن حاجة الحشرات إلى الغذاء تقل كثيراً عما تتطلبه الخنازير أو الأبقار. وفي المعدل العام، تستهلك الحشرات كيلوغرامين من الغذاء لإنتاج كيلوغرام من “لحم الحشرة”.
في المقابل، تتطلّب الماشية 8 كغم من العلف لإنتاج كيلوغرام واحد من اللحم البقري بحسب منظمة الفاو. وحيث تستهلك الحشرات موارد مائية وأراضي تقل بكثير عن الماشية، ولا تنتج سوى كسراً ضئيلاً فقط من العوادم كالميثان، والأمّونيا، والغازات الأخرى المسببة للاحتباس الحراري وفضلات السماد الملوثة، فإنها تعتبر البديل الأخضر للحوم.
كما تعتبر الحشرات ذات فوائد صحية للإنسان، لاحتوائها على نسبة عالية من البروتين والعناصر الغذائية الأخرى العالية الجودة مقارنة باللحوم والأسماك، بحسب الفاو أيضاً.
علاوة على ذلك، فإن مخاطر نقل الحشرات للأمراض الحيوانية على شاكلة أنفلونزا الطيور أو جنون البقر منخفضة. كما تمت مناقشة تناول الحشرات كغذاء بشكل مكثف في معرض اكسبو ميلانو 2015 المخصص لموضوع التغذية.
وبغية تحقيق حلمه هذا، قام أصيل مدينة فينترتور (شمال كانتون زيورخ) وبمشاركة عدد من الشباب الراغبين بإنتاج مواد غذائية من الحشرات، بتأسيس شركة “أسّنتو” الناشئة. وتحدو جميع المؤسسين الشباب ثقة كبيرة باحتلال “منتجاتهم اللذيذة” رفوف الأسواق في غضون 3 إلى 4 أعوام.
“لقد قمنا بتطوير همبرغر مصنوع من يرقات الخنافس السوداء (أو ديدان الفرينة)، وهو يختلف في طعمه عن طعم الهمبرغر النباتي [بأنواعه المختلفة]، كما صنعنا معجوناً يُدهن على الخبز هو Tenebrio-Paté. وليس هذه فحسب، ولكننا طورنا رقائق الشيبس، والرافيولي، والمعكرونة والخبز أيضاً. وهناك عدد كبير جدا من التطبيقات التي تمكننا من استخدام هذه المكونات القيمة”، كما يشرح بيرتش. لكنه كان يفتقر إلى “عيّنة للتذوق” للأسف.
خيار اجتماعي وبيئي
وكما يردد بيرتش مرارا وتكراراً، كان الجانب الاجتماعي والبيئي، وفكرة الاستدامة هي العامل الحاسم بالنسبة للقائمين على هذا المشروع. وفي هذه التجربة الرائدة لاستزراع الديدان التي تجري في شرق سويسرا، والتي لا يمكن الإطلاع عليها، تتم تغذية نفايات الحبوب الناتجة من صناعة الدقيق وخلطة حبوب “الموسلي”. أما الغذاء الرطب المطلوب لذلك، فيصنَّع من نفايات الجزر المزروع بالطريقة العضوية. ولا علاقة لمسألة السرية المرافقة لهذه “المزرعة” الرائدة بالرفق بالحيوان، ذلك أن “الناشطين في مجال حقوق الحيوان مرحب بهم دائماً” وفقاُ لـبيرتش، ولكنها تتعلق بـ “استبعاد المنافسين”.
في الوقت نفسه، يؤكد بيرتش أن الاهتمام الرئيسي للشركة ليس استزراع الحشرات، “ولكن ما يأتي بعد ذلك”. إذ يركز رجال الأعمال الشباب على عملية تطوير، وإنتاج، وتسويق المواد الغذائية المُصَنَّعة من الحشرات. وكما يقول، تكمن الخطة مؤقتاً على الإعتماد على الموردين من الدول الأوروبية الأخرى، لأن عملية الإنتاج في سويسرا لم تصل إلى هذا المدى بعد. لكنه شدد على المعايير العالية الموضوعة لذلك “لضمان التعامل المحترم مع الحيوانات”.
وفي سياق مماثل، يقوم أورس فانغر بتربية الحشرات لأغراض صناعية بالفعل. وتقوم شركته المسماة “أنتوموس” Entomos بتربية الحشرات لتغذية الحيوانات الأليفة منذ ست سنوات، ولكنه يمتلك خبرة 27 عاماً في تكاثر كميات كبيرة منها لاستخدامها كمتعضيات نافعة في الزراعة لحماية المحاصيل ونموها. “لو تطلب الأمر، فسنكون مُستعدين بسرعة نسبياً، فنحن نقف في مرحلة الإنطلاق”، كما يقول.
لوبي داخل البرلمان
بدورها تعمل إيزابيل شوفالّي، النائبة في مجلس النواب عن حزب الخضر الليبرالي في كانتون فو بجدية لإضافة الحشرات إلى طبق الطعام السويسري، ولم تتوان عن إطلاق عدد من المبادرات بهذا الشأن بالفعل. “لماذا يُمنع بيع الحشرات في السوق السويسرية بينما يسمح باستهلاكها في دول أخرى”؟ كما تساءلت في آخر استجواب برلماني بهذا الشأن.
وكتبت شوفالّي من جزر القمر التي تزورها في رحلة عمل، كانت تجربتها الأولى لتناول الحشرات في بوركينا فاسو، أثناء زيارتها لمركزٍ لأطفال الشوارع في العاصمة واغادوغو. “لقد دعاني الأطفال لمشاركتهم طعام الغداء. وكانوا يأكلون اليرقات المشوية لشجرة جوز الشيا، لذا أكلت من هذا الطعام الذي كان لذيذا جدا”.
تعديل قانون الأغذية
وعما قريب، يُتَوَقَّع أن يصبح تناول أطعمة مماثلة في سويسرا أمراً مقبولا على نطاق واسع. وكانت الحكومة الفدرالية قد عملت على مراجعة حق تنظيم قانون الغذاء. وطبقاً لذلك، سوف تضاف ثلاثة أنواع من الحشرات هي يرقات الخنافس السوداء، وصرّار الليل، والجراد النطاط إلى قائمة المواد الغذائية.
وكانت جلسات الإستماع الخاصة بمناقشة تفاصيل تنفيذ القانون قد بدأت منذ نهاية شهر يونيو المنصرم. وبإستطاعة الأطراف المهتمة إبداء رأيها بالمشروع حتى موفى شهر أكتوبر القادم (2015). وهنا يُطرح السؤال عن السبب في إدراج هذه الحشرات في هذا الوقت بالذات”. حتى الآن، كانت لدينا مخاوف صحية متعلقة بها بالدرجة الأولى”، كما كتب المكتب الفدرالي للبيطرة وسلامة المواد الغذائية (BLV) في إجابته على هذا التساؤل. وقد إتضح الآن “جني عدد من التجارب الإيجابية” مع هذه الأنواع الثلاثة من الحشرات، و”تقييمها كمواد صالحة للاستهلاك البشري”.
ويعتمد إحتمال قبول هذه الحشرات بوصفها مواد غذائية، والتوقيت الدقيق لهذا القبول على النتائج التي ستتمخض عنها جلسات الإستماع في البرلمان الفدرالي. ويتوقع المكتب الفدرالي للبيطرة وسلامة المواد الغذائية أن تدخل هذه الحزمة من الأنظمة حيز التنفيذ في النصف الأول من العام القادم 2016، بعد إتمام عملية التقييم الشامل للمخاطر التي هي بصدد الإنجاز.
“قد تبرز هناك الحاجة إلى بعض التغييرات في الغالب”، وفقاً للمكتب الذي يستند في قراره على “جميع المعلومات المتاحة” حول المخاطر والآثار الجانبية التي قد تنتج عن تناول الحشرات، بالإضافة إلى اعتماده على تقييمٍ للمخاطر صادر من السلطات البلجيكية، بحسب إيفيلين كيرخشتايغَر- مايَّ، مديرة وحدة إدارة الجودة وقانون الغذاء في جامعة زيورخ للعلوم التطبيقية.
مصادر الخطر
وبهذا الصدد، كانت هذه السلطات قد أبرزت – من بين أمورٍ أخرى – أربع مصادر للخطر بحسب كيرخشتايغَر- ماير: الجراثيم المسببة للأمراض، والمخاطر الكيميائية، واحتمالات الإصابة بالحساسية، والأخطار المادية. فمن المحتمل أن تصيب الجراثيم والبويغات هذه الحشرات عند تربيتها، مما يستوجب “ضمان السلامة الميكروبيولوجية للحشرات من خلال المعالجة الحرارية”، وفقاً للخبيرة في مجال سلامة الأغذية.
كذلك، قد توظف الحشرات السموم كآلية للدفاع عن نفسها. ومن المحتمل أيضاً ألاّ يتحمل الأشخاص الذين يتحسسون من المحار والأسماك الصدفية تناول الحشرات. وأخيرا، يمكن أن تتسبب أطراف أو أجنحة الحشرات بجرح المستهلكين أثناء عملية الطعام.
وهكذا، يشير المكتب الفدرالي للبيطرة وسلامة المواد الغذائية أيضاً في ملاحظاته بشأن المادة التنظيمية الجديدة إلى ضرورة تجميد الحشرات قبل تسليمها [توصيلها]، وتعريضها للمعالجة الحرارية، لأنها “قد تكون حاملة للطفيليات والجراثيم المُسببة للأمراض”.
علاوة على ذلك، ينبغي أن يكون تمييز الحشرات والتعرف عليها مُمكناً، وهو ما يعني عدم إخضاعها للمعالجة. “لقد وُضِعَت هذه الملاحظة للحماية من الاحتيال، لأن توقعات المستهلكين وثقافة الأغذية لدينا تعتبر الحشرات من الآفات الضارة”.
كاملة أو مُعاَلجة؟
من جانبهم، عبَّر أعضاء اللوبي المؤيد لإدراج الحشرات ضمن قائمة الطعام عن إرتياحهم العام بشأن هذه الملاحظات، باستثناء النقطة الأخيرة التي وجدوا أن من الصعب تطبيقها، لاسيما في ضوء الدراسة التي أظهرت أن تقبُّل منتجات الحشرات المُصَنَّعة سيكون أعلى بكثير في سويسرا (انظر الحاشية). ولهذا السبب أيضاً، تخطط شركة إيسّينتو لدخول السوق “بمنتجات مُصَنَّعة بالدرجة الأولى”.
أما بيرتش فما يزال محتفظاً بانتقاده لهذه التعديلات القانونية لنفسه: “المجال مازال مفتوحا”، كما يؤكد، “ونحن نعمل الآن بشكل مكثف مع مختلف الجهات الفاعلة لصياغة أي تعديلات مُقترحة”.
على الجانب الآخر، يصُب تعريف العملاء بإحتواء المنتجات المُصَنَّعة على حشرات في فائدة المُصَنّعين أيضاً. “وهذا ما يجعلنا على إتصال وثيق مع مؤسسة حماية المستهلك السويسرية، التي تشدد على الإنفتاح بشكل أساسي”. وهكذا تجري المناقشات في الوقت الحالي حول نوع من الإعلان أو التعريف الجغرافي (والذي يكون بمثابة شهادة إمتلاك المُنتَج لصفات معينة).
من جهتها، تشعر شوفالّي بالرضا بشأن هذه التنظيمات. ولكنها تعتبر أن لائحة الحشرات الصالحة للأكل “قصيرة جدا”. ومع مجموعة الضغط التي تنتمي إليها، تبذل النائبة عن حزب الخضر الليبرالي جهودها للحَث على إنشاء منظمة مظلة “تشمل جميع المنظمات والشركات المهتمة بهذا النوع من الإنتاج بغية وضع معايير للتربية والقتل والنظافة”.
وفي المناسبات الخاصة، ليست هناك أي موانع اليوم لتقديم الحشرات للتذوق، حيث لا يخضع مثل هذا النشاط لقانون الأغذية، كما جاء في تعليق المكتب الفدرالي للبيطرة وسلامة المواد الغذائية. وللمشاركين في هذه المناسبات… شهية طيبة.
وفقا لدراسة أجرتها مجموعة من المختصين في بحوث الإستهلاك في برن، فإن الإهتمام بالمواد الغذائية المُصَنَّعة من الحشرات في سويسرا متواضع بعض الشيء.
وكانت كلية الزراعة والغابات وعلوم الأغذية في برن قد استجوبت 548 شخصاً تم اختيارهم عشوائيا من دليل الهاتف في مناطق سويسرا المتحدثة بالألمانية والفرنسية، لسؤالهم عن مدى استعدادهم لتناول الحشرات.
وبشكل عام، حازت الحجج المتعلقة بعاملي الإستدامة والصحة على قبول المستطلعين بالدرجة الأولى، كما تصدرت الأسباب التي قد تدعو إلى إضافة الحشرات إلى النظام الغذائي أيضاً. مع ذلك، فإن الاستعداد العام للقيام بذلك كان منخفضاً. وكان عامل الإشمئزاز هو السبب الرئيسي في الإبتعاد عن تناول الحشرات وبنسبة 44%. مع ذلك، أقر حوالي 16% من المستطلعين بتناولهم الحشرات مرة واحدة على الأقل – بدافع الفضول أساساً. بيد أن ربع هؤلاء إكتفوا بهذه التجربة الوحيدة.
وأظهرت الدراسة أيضاً ان موضوع تناول الحشرات ليس معروفاً أكثر في الجانب الروماندي (المتحدث بالفرنسية) من سويسرا فحسب، ولكن باستطاعة تخيل أكل يرقات الخنافس (أو ديدان الفرينة) المُعاَلجة التي لا يمكن تمييزها، أكثر من السويسريين المقيمين في الجزء الناطق بالألمانية. لكن رَفْض الطرفين لتناول الحشرات التي يمكن التعرف عليها كان مُتقارباً.
وكما خلُص الباحثون، ينبغي على مَن يرغب في تسويق منتجات مصنوعة من الحشرات أن يمضي قدما بحذر، وأن يحاول كخطوة أولى تقديم مثل هذه المنتجات دون وجود واضح للحشرات.
(المصدر: وكالة الأنباء السويسرية ATS/SDA)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.