يمُوتون كلّ يوم على نار هادئة في ميكولان ..
في هذه البُــقعة من العالم، يموتُ واحدٌ من كلّ عشرة أطفال قبل عيد ميلاده الخامس. وتتسبّب في معظم الوفيات أمراضٌ يمكن الوقاية منها مثل الملاريا، والتهابات الجهاز التنفسي، أو الإسهال. وعلى الرغم من بعض التحسينات، فإن موزمبيق مازالت بعيدة كلّ البعد عن تحقيق المرامي الإنمائية للألفية، مثلما تُقر الحكومة الوطنية. swissinfo.ch تحوّلت إلى عين المكان لإنجاز هذا التقرير الميداني.
الطفل وُلد على حافة الطريق. الأم اضطرّت لقطع الحبل السرّي بنفسها بواسطة سكين. الأب تابع المشهد، ولكن من بعيد، لأن الرجل لا يحشر أنفـه في قصص النساء هاته. الدّم جفّ على الأرض، إلى جانب الشُّجيرات المُـتشابكة. عندما أصحبت آلام المخاض لا تُطاق، أدرك الزوجان أنه سيكون من المُستحيل الوصول إلى مركز كاتابوا الصحي. فمن بلدتهم ميكولان، كان يتعيّن قطع مسافة تتجاوز 15 كلم، على طريق ترابية، في قلب السّافانا وتحت شمس حارقة. “خوانيتو هو ابني الخامس”، يحكي بكل فخر أرماندو ساباو البالغ من العمر 30 عاما. إلى جانبه، تحضن الزوجة ناتاليا فيليكس رضعيها الذي يبدو على ما يُرام قبل ذلك ببضع دقائق، شارك أرماندو وناتاليا في اجتماع للسّكان تحت إحدى شجيرات المانجو. حضر اللقاء أيضا أعضاء من لجنة الصحة المتكونة من أربعة سكان، ورئيسة القرية، والقائد المحلي، ومتعاونين من منظمة “ويوانانا” غير الحكومية التي تستفيد من دعم وكالة التعاون والتنمية السويسرية. كان موضوع النقاش الولادة في المنزل، وهي ممارسة لازالت شائعة جدا في المناطق الريفية، وتُعتبر أيضا مصدرا لمشاكل هالكة. فغالبا ما تلفظ الأمهات أنفاسهن الأخيرة لأسباب يمكن تفاديها: المضاعفات، والإلتهابات، والتشنجات، والنزيف. وكان السؤال عن سبب عدم استخدام دراجة الإسعاف التي تبرّعت بها “ويوانانا”.
مسافات شاسعة
يتشكّل المجلس من حوالي ستين قرويا. يتواجد معظمهم في الحقول حيث يزرعون البذور قبل موسم الأمطار الذي يتواصل عادة من أكتوبر إلى مارس. ولكننا الآن في شهر ديسمبر (2014)، ولم تشهد القرية بعدُ تساقطات هامة، لذلك فإن الأجواء متوترة.
تشرح امرأة جالسة على الأرض: “يفضل الناس أن يُولد أطفالهم في المنزل بما أن المركز الصحي بعيد جدا”. وتقول سيدة أخرى مُنفعلة: “لماذا لا تأتي سيارة الإسعاف لاصطحابنا؟ قالوا في آخر مرة إنهم لم يكونوا يتوفرون على البنزين، حتى أنهم طالبوا بالمال مرة سابقة”.
يجري إبلاغ رئيسة القرية مباشرة بهذه الإتهامات. يتدخّل أحد العاملين في “ويوانانا” لمساندة السكان قائلا وهو يشير بأصبعه إليها: “عليكم تقديم الشكاوى إليها، هي مُمثلة الحكومة”. رئيسة القرية تصمت وتنظر بحرج إلى موظفي المنظمة غير الحكومية. خلال النقاش، بدا أنه يُنظر إلى دراجة الإسعاف كمؤشر على تحسّن الأوضاع، ولكنّها لا تسمح أبدا بالوصول إلى المركز الصحي في الوقت المناسب.
تتوفّر كاتابوا، وهي جهة تشمل 16 قرية بما فيها ميكولان، على مركز صحّي من نوع “2”، أي أنه يتوفّر على مصحّة توليد، وأنه يُجري عمليات جراحية صغيرة، في حين يتمّ إرسال الحالات الخطرة إلى مستشفى كيوري، عاصمة المقاطعة الواقعة على بُعد ستين كلم.
ألمحُ أمّا شابة مُستلقاة على سرير. لقد وضعت مولودها قبل قليل. خضعت لعملية جراحية على إثر بعض المضاعفات، وأصبحت على ما يرام. لكن نظراتها واهنة، ولا تُعبّـر ملامحها عن تلك الفرحة المألوفة لدى الأمّهات في مثل هذه اللّحظات. “إنها مُصابة بفيروس نقص المناعة البشرية وتتلقى علاجا بمضادات الفيروسات القهقرية (الرجعية). هذه ولادتها الثانية بعد أن فقدت طفلها الأول”، مثلما يشرح موان سايدي.
هذا الممرض البالغ من العمر 32 عاما يدير المركز الصّحي مع زميل آخر. العمل لا ينضب هنا. يقول سايدي: “نحن نعمل ما يقرب من عشرين ساعة في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع”. ويتقاضى مقابل هذا العمل 10000 متكال شهريا، أي حوالي 316 دولار.
هو مضطر اليوم لتوليد النساء بمفرده لأن زميله أصيب بوعكة صحية. في حالة الأم الشابة، الأهمّ هو تفادي إصابة الرضيع بفيروس نقص المناعة المكتسب. فالمُمرِّض يخشى أن تتوقّف الأم عن تناول العقاقير المضادة للفيروسات الرجعية. ويضيف متفجّعا: “الناس هنا لا يتغذّون بشكل جيّد. وعندما يكون البطن فارغا، تصبح الآثار الجانبية للأدوية أقوى. وبغض النظر عن هذا الأمر، لازالت تنتشر لدينا الملاريا وغيرها من الأمراض”.
الإقتصاد في حالة جيدة، والشعب في وضع تعيس
رغم تسجيلها لنمو اقتصادي قوي – بحيث يرتفع الناتج المحلي الإجمالي سنويا بنسبة تتراوح بين 7 و9% سنويا منذ 2002 – فإن موزمبيق لا تزال من البلدان الأكثر فقرا والأقل تقدّما في العالم، بحيث تحتل المرتبة 178 من بين 187 بلد مصنف حسب مؤشر التنمية البشرية (HDI) لعام 2014.
في مجال الصحة، تُظهر دراسة أنجزتها الحكومة عام 2011 أن معدل وفيات الرُّضع قد انخفض بشكل مضطرد. فمن بين كل 1000 ولادة حيّة، توفي 158 طفلا قبل بلوغ سن الخامسة في عام 2001. وبعد مرور عشرة أعوام، انخفض العدد إلى 97. ويُقدر خبراء صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة “يونيسيف” أن الموزمبيق قد تحقق الهدف الرابع من المرامي الإنمائية للألفية (أي تقليص معدل وفيات الرضع) بحلول نهاية 2015.
في المقابل، فإن وفيات الأمّهات، التي كانت قد انخفضت إلى النصف ما بين 1990 و2003، فتسجل ركودا واضحا ولاتزال مرتفعة منذ عشرة أعوام في موزمبيق، إذ تفارق الحياة خلال الوضع 408 سيدة من أصل 100000، وهذا من أسوأ المعدلات في العالم. وعلى سبيل المقارنة مع البلدان المتقدمة، تموت خلال الوضع في سويسرا 6 نساء فقط من بين 100000.
وما يزيد الطين بلة، سوء التغذية المزمن الذي لايزال من بين أعلى المستويات في العالم؛ إذ يعاني منه 45% من الأطفال دون سن الخامسة، ما يمثل عائقا كبيرا بالنسبة لموزمبيق.
يتوفر مستشفى مقاطعة كيوري على وحدة نموذجية دُشِّنت في احتفال ضخم من قبل الحكومة الموزمبيقية في بداية عام 2013. تدخل المديرة جانيت تادو إلى قاعة الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية وتطلُب الإطلاع على البطاقة الشخصية لطفل عمره سنة تقريبا. وزنه خفيف جدا بالنسبة لفئته العمرية. الجلد الذي يكسو جسده مُجعَّد ورقيقٌ مثل الورق، وحجم رأسه، الذي يكاد يخلو من الشعر، لا يتناسب مع باقي جسمه. إلى جانبه يوجد طفل حالته أسوأ ولا يكف عن البكاء، صراخه يشبه النواح. تقول المديرة مُستاءة: “يُعتبر سوء التغذية مشكلة ثقافية أيضا هنا، فسكان المناطق القروية لا يعرفون كيفية التغذية بشكل أفضل، سليم ومتنوع”.
الكسّافة والكسّافة.. ثم الكسّافة
في قرى المنطقة، سواء في ميكولان أو غيرها، يقتصر النظام الغذاء الأساسي على الكسافة (نبات ذو جذور نشوية يعرف أيضا بالمنيوك). والعديد من منتجات الحقول، مثل اللّوز والقطن، تُباع للتجار. أما الفواكه التي تنمو بجانب الأكواخ، سواء البابايا أو المانجو، فلا يسارع أحد لجنيها بحيث تظل على الأرض في غالب الأحيان، إلا إذا قرّر السكان بيعها لشراء منتجات تُعتبر أساسية بالنسبة للعائلات، مثل الصابون، والملح، والسكر، والزيت.
“وهنالك أيضا مشكلة المُعتقدات الشعبية. الكثير من الناس يظنون أنه لا يجب أكل الأفوكاتة والبطيخ لأنهما مُضران”، مثلما تحكي جانيت تادو، مُشيرة إلى أن غالبية سكان المناطق الريفية يكتفون بالفعل بطَبق “شيما” (وهي عصيدة من طحين الكسافة والماء) أو بوجبة “مادرانغا” (أي الكسافة الجافة).
“يُعتبر فقر الدّم الحالة الأساسية الطبيعية تقريبا ضمن السكان. في بداية الحمل، تعاني بالفعل الغالبية العظمى من النساء من فقر الدم. ومع تقدّم الحمل، يستمد الجنين كميات متزايدة من الحديد من الأم، وهو ما يسبب تفاقم حالتها الصحية. ثم تُصاب المرأة بالملاريا، ويزداد الوضع خطورة. نحن نلتقي أحيانا نساء يواصلن الحياة بمستوى متدني لخضاب الدم (اليحمور، هيموغلوبين) لا يتجاوز اثنين أو ثلاثة، وهذا أمر لا يُمكن تصوّره في أوروبا”، مثلما شرحت أنيتا هوكسلي، التي تعمل منذ ثلاثة أعوام كطبيبة في منظمة “سوليدارميد”رابط خارجي غير الحكومية السويسرية التي تساعد النظم الصحية في إفريقيا.
هذه الطبيبة الأنجلو برازيلية المتخصصة في أمراض النساء والتوليد اعتادت بالفعل على هذا الوضع، لكنها شدّدت على أن الحلول غالبا ما تكون بسيطة جدا. وقالت ضمن هذا السياق: “إن استعادة القوى تكون سريعة نوعا ما عندما نعطي الأطفال حليبا مُدعما بالفيتامينات. ويؤكد صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة “يونيسيف” أيضا على أهمية العلاج: “سوء التغذية المزمن لا يُؤدي فقط إلى وفيات الرضع، بل له آثار سلبية أيضا على النمو الإدراكي، كما أن طبيعة أضراره لا رجعة فيها”.
الموزمبيق الأخرى
بعيدا عن المناطق الريفية، يجتمع قادة موزمبيق وكبار مسؤوليها في مابوتو مع نظرائهم الأجانب في حانة فندق بولانا، أحد أفخم فنادق العاصمة. وتذكر الهندسة الكلاسيكية لهذه البناية -التي شُيدت عام 1922- بمعمار الفنادق السويسرية الكبيرة في غشتاد أو سانت موريس.
حول طاولات المطعم، تناقش بعض المجموعات الأرقام التي ستُعرض خلال قمة الغاز الثانية، حيث سيتم التطرق إلى دور موزمبيق واحتياطاتها الضخمة في السوق العالمية. المحلّلُون يعتبرون أنه بمقدور البلاد التحوّل إلى المنتج الرابع للغاز على المستوى العالمي، بعد روسيا، وإيران، وقطر. والحكومة تريد الإنطلاق في عملية الإنتاج ابتداء من عام 2018. وتنضاف إلى الغاز احتياطات ضخمة من النفط، والفحم، والذهب، وغيرها من الموارد الطبيعية. وهذا يجتذب الشركات متعددة الجنسيات التي تستقر في البلاد لتنفيذ مشاريع كبيرة في مجالي البنية التحتية والإستكشاف.
وتنتشر بالفعل في جميع أنحاء البلاد أجواء “حُمى البحث عن الذهب”. ترى الرافعات من كل ناحية. الطفرة العقارية تضخمت بفعل تزايد الطلب، وأدت أيضا إلى ارتفاع مستوى الأجور. فسعر شقة من ثلاث غرف وسط مابوتو تكللف في المتوسط ثلاثة آلاف دولار شهريا. الطبقات الميسورة والمتوسطة تشترط الحصول على خدمات أفضل، بما في ذلك الرعاية الصحية. وهذا يجتذب الشركات الدولية العاملة في هذا المجال.
“نحن أول شركة تُقدم تأمينا صحّيا ليس مُخصصا فقط لموظفي الشركات”. هذا التأكيد جاء بفخر على لسان فانيا ديك، مديرة مركز “ميدلايف ترَوما”، أحد المستشفيات الخاصة في مابوتو الذي تديره مجموعة جنوب إفريقية منذ أكتوبر 2013. أما العملاء المُستهدفون للمؤسسة فقد تم تحديدهم بوضوح. “إنها الطبقة المتوسطة والمتوسطة العليا التي كانت في الماضي تذهب إلى جنوب إفريقيا لتلقّي العلاج. فالخدمات التي نعرضها تشمل الجراحة العاجلة، وعلاج الأمراض المزمنة، والفحوص الإشعاعية، وحتى طبّ الأسنان”.
يكلف التأمين لأسرة مكونة من شخصين بالغين وطفلين ما يصل إلى 75000 متكال سنويا (ما يعادل 2377 دولار). ومقابل هذا المبلغ، يتلقى العملاء العناية الضرورية في أيّ وقت في هذا المستشفى الذي يتوفر على 30 سريرا، وعلى أحدث المُعدّات والتجهيزات. الديكور أنيق ويبعد بسنوات ضوئية عن المشتشفيات العمومية في الأرياف. وتضيف فانيا ديكي: “لدينا أيضا طبيبان مختصان في التخدير”.
وعن مدى اهتمام مهنيي القطاع الصحي الموزمبيقيين بالعمل في مستشفى خاص، أبرز مدير المصحة، روني روك، وهو طبيب كوبي يعمل منذ سنوات عديدة في هذا البلد الإفريقي، عوامل اقتصادية بالخصوص، قائلا: “إن الأجور وظروف العمل تُشجِّع الأطباء على العمل معنا”.
مع ذلك، فإن هذه العيادة، شأنها شأن مؤسسات الصحة العمومية، تواجه أيضا صعوبة في العثور على الموظفين المؤهلين. ويشرح روني روك الوضع قائلا: “إن البلاد تُكون عددا قليلا من الأطباء، والحكومة تُصعّب قدوم الأجانب للعمل في عيادتنا، لأن الأولوية تتمثل في توفير الكفاءات في المستشفيات العمومية”، مضيفا أن معايير التوظيف هي الخبرة المهنية والتصريح من الجمعية التنظيمية لأطباء موزامبيق.
وكان وزير الصحة الموزمبيقي، ألكسندر مانغيل، قد صرح مؤخرا أن البلاد تتوفر على 1500 طبيب فقط، أي أن هنالك طبيب واحد لكل 22000 ساكن، بينما توصي منظمة الصحة العالمية بتواجد طبيب واحد لكل 10000 ساكن. ولا تُكوِّن كليات الطب الخمس ما يكفي من الموظفين، ويتم سد جزء صغير من النقص بانتداب أطباء أجانب: حوالي مائة من كوبا، ينشطون أساسا في المناطق القروية، إضافة إلى أطباء من كوريا الجنوبية ومن عدد من البلدان الإفريقية.
ويتخرج العدد الأكبر من أفراد الطواقم الصحية من مدارس التمريض. فهم من يديرون المراكز الصحية المؤهلة لتزويد المرضى بالعلاجات الأٍساسية أو بوصف الأدوية مثل المضادات الحيوية، والمُسكنات، مضادات الفيروسات الرجعية.
مشكلة الصرف الصحي
بصفتها مُنسقة لمشروع خاص بصحة الأمهات، تنشط أنيتا هوكسلي في منطقة تشمل ثلاث مقاطعات ويقطنها حوالي 400000 نسمة. لقد اعتادت على العمل في ظروف صعبة. فقبل قدومها إلى موزمبيق قبل ثلاثة أعوام، عملت كطبيبة في سيراليون، والكاميرون، والبرازيل.
من وجهة نظرها، يتعين رفع تحديين رئيسيين من أجل تحقيق المرامي الإنمائية للألفيةرابط خارجي في موزمبيق: البنية التحتية ونظام التعليم. وتشرح قائلة: “للوصول إلى مركز ناموغيليا الصّحي، وهي بلدة في مقاطعة كيوري، يجب عبور نهر، ولكن ليس هنالك جسر. وخلال موسم الأمطار، يكاد يكون من المُستحيل الوصول إلى هناك، ويواجه السكان مشكلة ولوج مراكز العلاج في جميع أنحاء البلاد”.
ووفقا لمسح ديمغرافي خاص بالصحة أنجزته الحكومة في عام 2011، تحسّن حصول السكان على الماء في السنوات الأخيرة. فبينما كانت نسبة المواطنين الذين يشربون مياه الآبار لا تتجاوز 37% في عام 2003، قفزت لتصل إلى 53% في عام 2011. كما تحسّنت بعض الشيء عملية الوصول إلى منابع المياه، بحيث انخفضت نسبة المواطنين الذين تستغرق رحلتهم للبحث عن الماء أكثر من نصف ساعة، من 53% في عام 2008 إلى 39% في عام 2011، وهذه الظاهرة مستمرة في المناطق الريفية وأيضا في الأحياء الشعبية داخل المراكز الحضرية.
ورغم هذا التقدم المُحرز، فإن 16% من السكان لازالوا يستخدمون مياه النهر للشرب. ويلجأ أقل من ربع مواطني موزمبيق إلى أساليب تسمح بفصل النفايات البشرية بشكل صحي؛ فما يقرب من 40% من السكان لازالوا يتبرزون في العراء. وتعتبر أنيتا هوكسلي أن “موزمبيق بعيدة كل البعد عن تحقيق المرامي الإنمائية للألفية، والمتمثلة في خفض نسبة السكان المحرومين من الحصول المستدام على الماء الصالح للشرب، ومن مرافق الصرف الصحي الأساسية”.
وتضاف إلى مشاكل البنية التحتية أوجه القصور الثقافية، إذ تضيف هوكسلي: “رغم بناء العديد من مضخات المياه، يُفضل الناس في غالب الأحيان شرب مياه النهر مباشرة بعد هطول الأمطار، لأنهم يقولون إن طعمها أفضل. هذا المنطق هو نفسه بالنسبة للماء المُعالج بسائل يحتوي على الكلور لتنقية الماء، والذي يباع في زجاجات صغيرة مقابل 30 متكال (أقل بقليل من دولار). فبالنسبة للناس هنا، الإصابة بإسهال من حين إلى آخر بعد استهلاك مياه غير مأمونة أمر طبيعي تماما”.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن العديد من المشاكل الصّحية تتفاقم بسبب مسائل مرتبطة أساسا بالتعليم. فنسبة الأمّية لا تزال مرتفعة بين البالغين: 40% لدى النساء و67% بين الرجال، ولم تتغير هذه النسب منذ عشرة أعوام. حتى الاختبارات التي جرت في المدارس بيّنت أن نسبة عالية جدا من التلاميذ أميون وظيفيون (أي أنهم غير قادرين على الإستفادة من القراءة والكتابة والمهارات الحسابية التي يتعلّمونها بشكل كفء لتدبير شؤونهم اليومية). ويُفسر هذا الوضع بالمستوى المتدنّي للتّكوين ونوعية التعليم. وتظل نسبة الأطفال الذين ينجحون في الوصول إلى الصّف الأخير من التعليم الإبتدائي تقلّ عن 50%. وكانت دراسة لليونيسف يعود تاريخها إلى عام 2012 قد أظهرت أن 1,2 مليون طفل في سن التّمدرس لا يذهبون إلى المدرسة.
أهداف طموحة تتجاوز المُستطاع
في الطابق الأول من وزارة الصحة، التي تقع في عمارة من النمط السوفياتي لعقد السبعينات، غير بعيد عن مستشفى مابوتو المركزي، تُـقر نائبة مدير الصحة العمومية، ماريا بـنينيا ماتسيني، بالصعوبات التي تواجهها بلادها في هذا القطاع. وتقول مستاءة: “بالنسبة للهدف 5 – صحّة الأم – لاتزال معدلات الوفيات مرتفعة جدّا للأسف”.
غير أن المديرة الشابة، وهي طبيبة في الأصل، تشير إلى لوحات على الحائط تسلط الضوء على التقدم المحرز، ثم تعلق قائلة: “فيما يتعلق بالهدف 6، وهو مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، والملاريا، وغيرها من الأمراض، شهدنا تقدما كبيرا. الملاريا في تراجع ملحوظ، خاصة بفضل الإستراتيجيات المختلفة التي تُنفذ في إطار برامج محددة، مثل توزيع الناموسيات، والرّش الثمالي بمبيدات الحشرات داخل المباني، وإدخال علاجات أكثر فعالية. وفيما يخص مرض السّل، يتناقص عدد الوفيات بالرغم من الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية “.
ورغم أوجه القصور في عدّة مجالات، تعتقد هذه المسؤولة أن العديد من المشاكل التي تعيشها الموزمبيق يجب أن تُحلّ داخليا. وهنالك ثلاثة نقاط أساسية من وجهة نظرها: نسبة المواليد، نقص المعلومات، والحصول على الخدمات الصحية.
وعن الكلمة التي قد تُلقيها أمام جمعية الأمم المتحدة إذا ما دُعيت إلى تبرير عدم الإلتزام بتحقيق بعض المرامي الإنمائية للألفية، اعتبرت نائبة مدير الصحة العمومية أن تلك الأهداف كانت طموحة جدا بالمقارنة مع قدرات بلادها، مضيفة: “ربما على أساس تجربتنا الأولى، فإننا نستطيع الآن أن نُقيِّم بشكل أفضل القدرات التي نمتلكها والتي قد تؤهلنا لتحقيق الأهداف الجديدة. إن لم تجر الأمور كما كان مُتوقعا منّا، فلأن نظامنا بأكمله [يشكو من نقائص]، وهذا يعني الإفتقار للموارد البشرية، والبنية التحتية، والمشاكل الإجتماعية والثقافية التي تقف عائقا أمام تحقيق التحسينات”.
الآمال مُعلقة على الغاز
تدرك الجهات المانحة الدولية حجم التحديات المقبلة بالنسبة لموزمبيق. وتقول لورا بوت، المسؤولة عن التعاون السويسريرابط خارجي في سفارة مابوتو: “إن البلاد تمرّ بمرحلة انتقالية بفضل طفرة الموارد الطبيعية، وستواجه تغييرات كبيرة”.
تعتبر موزمبيق من البلدان والمناطق ذات الأولويةرابط خارجي بالنسبة للوكالة السويسرية للتنمية والتعاون التي خصصت لها مساعدات بقيمة تناهز 160 مليون فرنك في إطار برنامجها المتواصل من 2012 إلى 2016. ويتم استثمار هذه الأموال في مشاريع مختلفة تُنجز بالتعاون مع حكومة موزمبيق ومنظمات غير حكومية شريكة في مجالات التنمية الإقتصادية، والصحة، والحكم الرشيد.
ورغم نموه الإقتصادي، لازال البلد يعتمد بشكر كبير على المساعدات الخارجية. وتأتي نسبة تناهز 30% من ميزانية الحكومة من تبرعات الشركاء الدوليين. ويُتوقع أن تدر صادرات الغاز بالفعل أرباحا على البلاد اعتبارا من 2018 – وهذا مازال يعتمد على استثمارات كبيرة – حينها، سيتعين إعادة هيكلة المساعدات الدولية.
وتقول لورا بوت: “ستظل مكافحة الفقر هدفا [في موزمبيق]، ولكن سيتم استهداف جانب التطوير الاقتصادي بشكل أكبر. وهذا يعني أنه سيتوجب علينا التفكير في كيفية دعم ومرافقة نمو البلاد من خلال تعاون يتأقلم [مع الأوضاع الجديدة] وتظل فيه مبادئ الحكم الرشيد أساسية”.
وتنشط هذه السويسرية (أصيلة مدينة لوزان بكانتون فو) في موزمبيق منذ ثلاثة أعوام. ولها نظرة واقعية لعملها، إذ تقول: “كُنا نعلم أن موزمبيق سوف تواجه صعوبات في تحقيق جميع الأهداف الإنمائية للألفية، وخاصة في مجال الصحة”. لكن لورا بوت لا تنسى أن البلاد شهدت حربا أهلية تواصلت 16 عاما، ولم تنته إلا في عام 1992. وتضيف قائلة: “لقد دُمِّرت البنية التحتية بأكملها، وكان يتعيّن الإنطلاق من نقطة الصفر. لذلك فإننا لا نستطيع أن ننكر التقدّم الذي تمّ إحرازه”.
(نقلته إلى العربية وعالجته: إصلاح بخات)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.