مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

يهود وفلسطينيون كسروا الجليد على قمة جبل “مون بلان”

بعد الوصول، قام المتسلقون بنصب علم واحد يرمز للجاليتين على قمة جبل "مون بلان" coexistences.ch

اشترك فريق يضم ثمانية طلبة عرب ويهود في تسلق أعلى جبل في أوروبا بغرض تعزيز فرص التعايش السلمي بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وُجهت الدعوة للفريق المشترك الذي تمكن من بلوغ قمة جبل “مون بلان” MontBlanc يوم الأربعاء 4 أغسطس 2010، من قبل منظمة Coexistence أي “التعايش” (يوجد مقرها في مدينة لوزان) التي تعمل من أجل تشجيع ودعم الحوار التفاهم المشترك بين الطرفين.

وفي تصريحات لـ swissinfo.ch قال ماسيمو ساندري، مدير منظمة “كوإيكزيستانس”: “إن هذه المنطقة من العالم ليست في حاجة الى نشطاء سياسيين لأن ذلك يعمل على إدامة الصراع. لذلك علينا تجاوز هذه التصنيفات النمطية وإلى ما هو أبعد من خط الانقسام في هذا الصراع ما بين هذا الطرف أو ذاك”.

هذه العملية التي اختير لها شعار”كسر الجليد” شاركت فيها سيدتان وستة رجال ينتمي كل أربعة منهم إلى إحدى المجموعتين وتتراوح أعمارهم ما بين 23 و 31 عاما، وجميعهم من الرياضيين ذوي الخبرة ويحملون الجنسية الإسرائيلية، لكن حمل نفس جواز السفر في منطقة الشرق الأوسط لا يعني تقاسم نفس الإحساس بالمواطنة.

العيش في عزلة

“أغلب افراد الأقلية العربية لا يشعرون بالإنتماء الى دولة إسرائيل”، مثلما صرحت بذلك لـ swissinfo.ch لبنى أغباريا، طالبة الحقوق والإقتصاد البالغة من العمر 23 سنة، والتي أوضحت بأن “العرب الفلسطينيين من مسيحيين ومسلمين يعيشون منفصلين (عن اليهود) في المدن التي يقطنون فيها، وفي المدارس، وبالنسبة للتعليم الذي يتلقونه، وبالنسبة للأصدقاء الذين يصاحبونهم، كل شيء منعزل. وحتى عندما تكون طالبا، فإن أغلب أصدقائك ينحدرون من نفس المجموعة”.

قبل انخراطها في مشروع “مون بلان”، كانت لبنى تعتقد بأنه لا توجد نقطة يمكن أن توجد فرصة لفتح حوار بشأنها مع الإسرائيليين قبل وضع حد لاحتلال الأرض الفلسطينية، وللمستوطنات اليهودية. وفيما اعترفت بأنها “كانت تنظر لهذا المشروع على أنه تجميل رومانسي للواقع المعاش، وهذا الواقع المعاش ليس بالجميل”، استطردت تقول: “ولكن عندما تسائل نفسك: ما الذي عليّ فعله؟ وما دمت أعيش في هذا الواقع ما الذي يمكنني القيام به للمساعدة في تحسين الأوضاع؟”.

وأوضحت لبنى بأن “الواقع الفلسطيني لا يتم التعريف به في المدارس الإسرائيلية، وعلى الرغم من هذا الاختلاط بين الجاليتين، فإن غالبية الإسرائيليين لا تعرف الشيء الكثير عن الفلسطينيين”.

وفيما تؤكد أن الحيوية التي لاحظتها في الفريق المشارك في عملية الصعود إلى قمة “مون بلان” لا تعكس الديناميكية الموجودة في المجتمع الإسرائيلي، تعتبر لبنى أن “التجربة تكتسي أهمية لكونها سمحت بإجراء حوار مع مشاركين يهود كأصدقاء”.

وأوضحت الطالبة العربية الفلسطينية التي تواصل دراستها في جامعة حيفا بأن “هذه المجموعة فريق من نوع خاص جدا. فقد سمح اللقاء بتغيير وجهات النظر السياسية وخاصة لدى الجانب الإسرائيلي، لأنهم واجهوا لأول مرة فلسطينيين يقاسمونهم الكثير في الحياة العامة”.

التأثير في آخرين

توم كيتر، الطالب اليهودي في الدراسات العليا بقسم الجيو فيزياء البحرية في نفس الجامعة والبالغ من العمر 29 سنة، يتفق مع ما ذهبت إليه لبنى ويرى أنه “بالرغم من تعرفه على العديد من العرب، لم يتخذ أيا منه كصديق حميم ولم يتعرف على مواقفهم وآرائهم”.

ويعتبر توم في حديث مع swissinfo.ch أن الأمر كان مغايرا مع فريق متسلقي جبل “مون بلان” وقال: “هذا المشروع عمل على تغيير مواقفي السياسية… فاليوم بعد أن أصبح لي أصدقاء حقيقيون من العرب، أعتقد بأن ذلك سيفتح لي، في نظري، عالما جديدا بأناس يمكنني أن أرتبط بهم وأن يصبحوا أصدقاء جدد”.

ولا زال توم يتساءل عن كيفية استغلال هذه التجربة مع هذه المجموعة للتأثير في آخرين، ويقول: “هناك العديد من الإسرائيليين والفلسطينيين الذين يفكرون مثلي، ولكن الكثير منهم يخشون البوح بذلك، أو يشعرون بحرج عند التصريح بذلك علانية”. وأضاف “من السهل تبني المواقف المتطرفة، كما أن الصحافة تفضل الإستماع لأصوات الأقليات المتطرفة، والمشكلة الكبرى بالنسبة للصحافة أنها لا تُـولي اهتماما للأصوات المعتدلة”.

ويقول كيتر: “إن المجموعة تنظر في الطرق التي تسمح لها بتعميم هذه التجربة التي قامت بها ليستفيد منها إسرائيليون آخرون، ويخططون بالخصوص للقيام بجولات مشي مع مجموعات مختلطة من الشباب”.

بناء الثقة

في الواقع، أقدمت منظمة “coexistence” (تعايش) على إنجاز أول مشروع قبل أربعة أعوام باستضافة مجموعة مختلطة من الشباب من مدينة القدس، ولكن القيام بعملية تسلق حتى قمة جبل “مون بلان” تعتبر المشروع الأكثر طموحا الذي تقوم بإنجازه. ومثلما يشرح ساندري، يعتبر صعود الجبال “نشاطا رمزيا، يتطلب التضامن بين أعضاء الفريق المشارك”.

وهو ما تؤكده لبنى أغباريا بقولها: “عندما تنتقي ثمانية أجانب وتشكل منهم مجموعة تتطلب تنسيقا محكما بين أفرادها لبلوغ هدف بعيد مثل قمة جبل مون بلان، لا يمكنك القيام بذلك بدون بناء أسس الثقة بينهم”. وهذه الثقة هي التي يتم بناؤها عبر أشهر التدريب على التسلق، وهي الأساس التي تبنى عليه باقي العلاقات التي تترسخ فيما بعد.

وأضافت أغباريا “أعتقد بأن أهم شيء تعلمناه، هو أنه بإمكانك تفتيح ذهنك، ويمكنك فتح حوار بثقة مع الأشخاص الذين تثق فيهم وهذا حتى ولو ناقشنا أمورا سياسية وهذا حوار نفتحه على مستوى جديد”.

التفاهم

مع أن منظمة “Coexistence” سويسرية، لكن جبل “مون بلان” يوجد في فرنسا المجاورة. ويقول المنظمون إنه قد تم اختيار هذا الجبل بالذات، نظرا لموقعه ولما يتمتع به من شهرة في شتى أنحاء العالم.

من جهة أخرى، تتجه النية إلى تجسيد هذه القيمة الرمزية المروجة لفكرة أن “السلام في منطقة الشرق الأوسط أمر ممكن”، من خلال تصوير شريط وثائقي يغطي كافة مراحل المشروع منذ البداية وحتى بلوغ القمة.

لكن المنظمة السويسرية التي أطلقت الفكرة وأشرفت على إنجازها ميدانيا حريصة على تعزيز التفاهم والتعاون ليس فقط بين اليهود والعرب، بل أيضا بين وديان كل من سويسرا وفرنسا وإيطاليا، ومن أجل ذلك ستتضمن المشاريع القادمة تنظيم جولات مشي على الأقدام لمجموعات مشتركة تضم يهودا وفلسطينيين عبر هذه المناطق ذات الطبيعة الخلابة.

جوليا سلاتر (مع مساهمات من سوزان فوغل) swissinfo.ch

(نقله من الإنجليزية وعالجه: محمد شريف)

تم تأسيس هذه الجمعية في عام 2006 وقامت باستضافة العديد من المجموعات المشتركة الإسرائيلية والفلسطينية من الشباب والبالغين في سويسرا.

والهدف هو لتسهيل الحوار بين المجموعتين، وذلك بتقاسم تجربة في الحياة في محيط طبيعي خال من العنف.

وقد تم تنظيم المشروع بالاشتراك مع مؤسسة YMCAبالقدس وينحدر المشاركون من أوساط اجتماعية مختلفة.

خضع المشاركون لعملية تصفية صارمة بحيث كان العنصر الفاصل هو مدى تمتع الفرد بذهن منفتح وبإمكانه الإسهام في إثراء عمل المجموعة واستخلاص الدروس منها.

يتوجب الآن على أعضاء المجموعة الإستمرار في عقد الإجتماعات بعد عودتهم لمواصلة الترويج للتجربة التي حصلوا عليها.

في عام 2008 استضافت عائلات سويسرية مجموعات مختلطة تتركب من 40 شابا إسرائيليا وفلسطينيا لمدة 10 ايام.

وبعد بضعة اشهر زارت سويسرا 16 سيدة فلسطينية وإسرائيلية من أمهات الشبان الذين تم استقبالهم في عام 2006، لمواصلة الحوار الذي شرع فيه أبناؤهن.

وفي عام 2009 وفرت المنظمة لحوالي 30 معطوب حرب من الطرفين إمكانية تنظيم حوار مكثف حول نظرة الآخر للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وفي عام 2009 استضافت المنظمة 16 من الشابات الإسرائيليات والفلسطينيات.

تضم منظمة” كوإيكزيستانس” حوالي 100 عضو في صفوفها، يقيم أغلبهم في لوزان وجنيف وبعضهم في إسرائيل.

تم تنظيم عملية التسلق لبلوغ قمة جبل مون بلان تحت إشراف الخبير السويسري في تسلق الجبال جون ترويي، بمساعدة الخبيرتين دورون إيريل الإسرائيلية والفة حيدر الفلسطينية.

تم قبل عملية التسلق الخضوع لأشهر من الاجتماعات والمناقشات ولعمليات تدريب رياضي صارمة.

وقد قضى أعضاء الفريق أسبوعا كاملا مع بعضهم في سويسرا قبل الشروع في عملية التسلق انطلاقا من طريق تروا مون.

بلغ الفريق أعلى قمة يصل ارتفاعها إلى حوالي 4807 متر في منتصف يوم 4 أغسطس 2010.

حصل المشروع على دعم مدن “شامونيكس” و”كورمايور” الفرنسيتين، وحيفا الإسرائيلية، كما ساعدت جامعة حيفا في تنظيم الزيارة.

تعهد أعضاء الفريق بمواصلة العمل الذي تقوم به منظمة “كوإيكزيستانس” بعد عودتهم، والقيام بالخصوص بزيارة المدارس اليهودية والفلسطينية للحديث عن تجربتهم.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية