60 عاما من المهامّ الجوية لإسعاف ضحايا الحوادث والكوارث
كان حادث الحافلة المروع الذي أودى في منتصف شهر مارس الماضي بحياة 22 طفلا بلجيكيا في كانتون فاليه السويسري، بمثابة اختبار قاس لفرق الإنقاذ، بما فيها "حرس الإسعاف الجوي السويسري" (REGA) الذي عايش أفراده إحدى أكبر وأكثر العمليــات إثارة للحزن والصدمة في تــاريخ هذه الخدمة التي أُنشأت قبل ستين عاما.
ودُعيت طائرات “ريغا” المروحية لنقل بعض المُصابين من موقع الحادث إلى المستشفى. بينما تولت طائراتها النفاثة الثلاث إعادة التلامذة الناجين إلى بلادهم.
وبعد أسابيع قليلة فقط، خلف حادث حافلة في تركيا قتيلا و19 جريحا ضمن مجموعة سياح سويسريين. وفي ظرف ساعات قليلة، تحول طبيب يعمل هناك لحساب “ريغا” إلى عين المكان، وتمت إعادة 14 مُصابا سويسريا إلى بلادهم في ظرف يومين.
وكشف تقرير صحفي نُشر في بداية مايو 2012 بأن فرق “ريغا” تستجيب أيضا لطلبات تُوجــَّه لها من قبل قوات مسلحة أجنبية لكي ينقل أسطولها الجوي أعضاءها من المرضى أو المُصابين. ساشا هارديغير، المتحدث باسم “ريغا”، أكد لـ swissinfo.ch هذه المعلومة التي أوردتها مجلة “هاندلستسايتونغ” الاقتصادية الأسبوعية السويسرية الناطقة بالألمانية، والتي أوضحت بأن تلك الرحلات شملت نقل جنود أمريكيين من قاعدة رامشتاين بألمانيا حيث توجد قاعدة عسكرية كبيرة تابعة للولايات المتحدة الأمريكية. وأضاف هارديغير بأن “مثل تلك الرحلات تعزز خبراتنا على مستوى تنفيذ العمليات والرعاية الطبية”.
وكان 2011 العام الذي عملت فيه “ريغا” أكثر من أي وقت مضى بحيث نفذت طائراتها المروحية الـ 17 وطائراتها النفاثة الثلاث 14240 مهمة داخل البلاد وخارجها. وليس غريبا أن تكون هذه الخدمة غير الهادفة للربح قد اكتسبت وضعا يحظى بتقدير العــديد من السويسريين، شأنها شأن الصليب الأحمر – الذي تعد “ريغا” من ضمن أعضائه.
تحطم طائرة أمريكية فوق نهر غولي الجليدي
تأسس “حرس الإسعاف الجوي السويسري” يوم 27 أبريل 1952 أثناء اجتماع عقد في فندق “بـيرن إين توان” على ضفاف بُحيرة بيين/بيل. وخلال السنة الأولى من تشغيلها، نفذت هذه الخدمة ست مهام فقط – بينما حلقت طائراتها المروحية العام الماضي 30 مرة في اليوم الواحد.
ولكن فكرة تشكيل حرس الإسعاف الجوي السويسري نشأت بعد حادث تحطم طائرة عسكرية أمريكية فوق نهر غولي الجليدي في كانتون برن عام 1946. فبعد عمليات بحث استمرت أربعة أيام، تمكنت طائرتان تابعتان للجيش السويسري من الهبوط على نهر جليدي قريب لاستكمال عملية إنقاذ مثيرة لطاقم الطائرة الأمريكية المحطة وركابها. (انظر معرض الصور).
ولم تظهر هذه العملية فقط فعالية الإسعاف الجوي في جبال الألب، بل يُعتقد أنها ساهمت إلى حد كبير في إعادة الدفء للعلاقات الدبلوماسية بين سويسرا والولايات المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
وبعد ست سنوات، بدأت رسميا أعمال “حرس الإسعاف الجوي السويسري” كقسم فرعي لجمعية الإنقاذ السويسرية تحت قيادة رودولف بوشر. وفي سنواته القليلة الأولى، لم تقتصر مهمته على إنقاذ الناس من التضاريس الوعرة لجبال الألب السويسرية، بل شاركت أيضا في عمليات دولية.
ففي عام 1953، شارك المظليون، الذين تم تدريبيهم من قبل القوات الجوية الملكية البريطانية، في إنقاذ سكان هولندا الذين حاصرتهم الفيضانات. وفي العام الموالي، دُعي رجال الإسعاف السويسريين على إثر انهيار ثلجي في النمسا.
تعاون دولي
وفي عام 1956، شارك رجال “ريغا” في عمليات البحث عن جثث ضحايا اصطدام طائرتين تجاريتين فوق غراند كانيون بالولايات المتحدة، تلتها في الأعوام التالية مهام نفذوها في كل من تركيا وإيطاليا ورومانيــا.
وفي تصريحات لـ swissinfo.ch، قــال إيرنست كوهلر، مدير حرس الإسعاف الجوي السويسري: “نحن فخورون بالاحترام الذي يحظى به اسم “ريغا” في جميع أنحاء العالم. ورغم أن خدمات الإنقاذ الجوي أصبحت أفضل تجهيزا من ذي قبل في مختلف بقاع المعمورة، فإننا نواصل التعاون مع منظمات أخرى على مستويات التكوين ونقل المعارف في مجالات مثل الرحلات الليلية”.
ويتمتع السياح السويسريين بـالقدرة على السفر باطمئنان إلى أي مكان في العالم علما أن فرق “ريغا” على أهبة الاستعداد لإسعافهم وإعادتهم إلى وطنهم في حال أصيبوا بمرض أو تعرضوا لحادث. فعلى سبيل المثال، تمت إعادة 60 سائحا سويسريا إلى بلادهم بعد كارثة تسونامي التي ضربت آسيا في نهاية عام 2004.
ولكن عدد عمليات الإنقاذ في الخارج بدأ ينخفض في السنوات القليلة. ففي عام 2011، شاركت فرق “ريغا” في 2114 حالة طوارئ طبية خارج سويسرا، أي بتراجع بنسبة 19% مقارنة مع العام السابق. ويُفسـّر السيد كوهلر هذا التراجع قائلا: “إن الخدمات الطبية أصبحت في العديد من البلدان أفضل بكثير مما كانت عليه قبل 20 عاما، وبالتالي قلّت الحاجة الطبية إلى إعادة المُصابين (لبلادهم)، ولكن هنالك دائما أناس يريدون العودة لأسباب اجتماعية، فالمريض يكون أكثر اطمئنانا وراحة عندما يتلقى العلاج في بلاده”.
خدمة تحظى بالتقدير والاحترام
وتتجسد أهمية “ريغا” في عدد المانحين الذي بلغ 2,4 مليون متبرعا (ما يمثل زيادة 86000 مقارنة مع عام 2010)، والذين ساهموا بـ 86,5 مليون فرنـك العام الماضي.
وهذه أرقام مــُدهشة بالنسبة لبلاد تقل ساكنتها عن ثمانية ملايين نسمة، خاصة وأن أي شخص في سويسرا يمكن أن يستفيد من الخدمات المجانية لـ “ريغا”، سواء كان مُتبرعا أم لا.
ونتيجة لذلك، تعين على “ريغا” دفع ضرائب بقيمة 5,5 مليون فرنك العام الماضي، أي ما يعادل تبرعات 185000 عضو، وهذا ما أثار احتجاج كوهلر الذي قال: “ليس من العدل اقتطاع (ضرائب) من أموال منظمة غير هادفة للربح، إذ يجدر استخدام تلك الأموال لتشغيل الطائرات بدل أن تنتهي في خزانات الدولة”.
وقد انتقل هذا الجدل حاليا إلى لساحة السياسية، غير أن إيرنست كوهلر لا يتوقع التوصل إلى حل نهائي في وقت قريب، بحيث قال: “قد يكون حكم سياسي في صالحنا هدية جميلة (لعيد ميلادنا الستين)، ولكن تغيير القوانين يستغرق وقتا طويلا”.
تشكل “حرس الإسعاف الجوي السويسري” أو “الخدمة السويسرية للإسعاف الجوي” (REGA) يوم 27 أبريل 1952، كمؤسسة غير هادفة للربح.
في عام 1960، انفصلت عن الجمعية السويسرية للإسعاف (SSS) لتصبح مستقلة تماما وتحمل اسم جمعية “حرس الإسعاف الجوي السويسري” (GASS) بالفرنسية، و (REGA) بالألمانية.
في عام 1956، وافقت الحكومة السويسرية على دمج “ريغا” في الصليب الأحمر كخدمة مُساعدة. وفي عام 1981، استقبلها هذا الأخير كعضو مُشارك.
في عام 1966، رفضت الحكومة السويسرية دعم الجمعية بتمويل عمومي، فوجهت هذه الأخيرة نداء للسكان: لشكر كل مواطن على تبرعه بـ 20 فرنكا، اقترح “حرس الإسعاف الجوي السويسري” ضمان تنفيذ عمليات الإنقاذ الجوي بالمجان في حالات الطوارئ. ومازال هذا نظام انخراط المُتبرعين هذا جاريا ليومنا هذا.
في عام 1985، بلغ عدد المانحين مليون، ثم مليونين عام 2007، و2,4 مليون اليوم.
في عام 2007، أظهر استطلاع للرأي أنجزه معهد دراسات السوق IHA-GfK بلوزان أن “حرس الإسعاف الجوي السويسري” هو العلامة التجارية التي تحظى بأكبر قدر من الاحترام والتقدير لدى السويسريين.
1953: استــُخدم المظليون للمرة الأولى في عملية لإنقاذ أشخاص حاصرتهم الفيضانات في هولندا.
1956: تم الاتصال بمختصين من “حرس الإسعاف الجوي السويسري” للذهاب إلى غراند كانيون بالولايات المتحدة لاسترداد جثث ضحايا اصطدام طائرتين تجاريتين من واد يبلغ عمقه 1200 مترا.
1960: أعادت “ريغا” أول مــريض سويسري من الخارج (من فرنسا).
1977: أصبحت “ريغا” أول منظمة غربية تساهم في مهمة إنقاذ في أوروبا الشرقية على إثر زلزال ضرب رومانيا. وفي نفس السنة، نجح طياروها في إنجاز المستحيل بحيث أنقذوا متسلقيــْن من الواجهة الشمالية الخطيرة والحادة لجبل “أيْغـْر”، الواقع ضِـمن سلسلة جبال الألب في كانتون برن.
1980: أنجز طيارو “ريغا” مهمة إنقاذ جريئة أخرى بحيث حرروا مظليا ظل مُعلقا في طائرة، وتمت العملية بينما كانت الطائرة لاتزال تحلق.
1982: للمرة الأولى، تدخلت “سلسلة الإسعاف السويسرية” – التي تضم كلا من “ريغا” و”وحدة الإغاثة السويسرية في حالات الكوارث”، ووحدات الإسعاف التابعة للجيش السويسري، وجمعية الإنقاذ السويسرية المستخدمة للكلاب في حالات الكوارث – للمساهمة في إنقاذ ضحايا زلزال شمال اليمن.
2004: واجهت “ريغا” إحدى أكبر التحديات في تاريخها، على إثر كارثة تسونامي التي شهدها جنوب شرق آسيا، بحيث حلقت فرقها إلى كل من تايلاند وسريلانكا لإعادة 60 مريضا إلى سويسرا، بحضور 16 فريقا طبيا.
2005: نقلت “ريغا” أكثر من 200 شخصا من مناطق حاصرتها وعزلتها الفيضانات على إثر إعصارات عنيفة شهدتها سويسرا.
(ترجمته من الإنجليزية وعالجته إصلاح بخات)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.