شبان تونسيون في سويسرا يُحاولون بناء جسور تواصل مع بلدهم
تجاوز عدد التونسيين المقيمين في سويسرا حاجز العشرين ألف مقيم، وتنوعت أوضاعهم القانونية مثلما تعددت القطاعات التي يعملون فيها، مُتراوحة من الحاصلين على الجنسية السويسرية إلى طالبي اللجوء، وصولا إلى من هم في انتظار الترحيل إلى بلدهم (303 شخصا)، لكون السلطات السويسرية تعتبر بقاءهم على أراضيها مخالفا للقوانين.
في الفترة الأخيرة، أشارت إحصاءات جديدة أعدتها السفارة التونسية في برن إلى أن الجالية التونسية في الكنفدرالية تتألف من 917 طالبا جامعيا و4118 تلميذا (وهم في الغالب أبناء المقيمين في البلد) و8412 مستخدما و392 كادرا و1900 من العاملين في القطاع الخاص.
في الواقع، يعود تاريخ هجرة كثير من الكوادر والعاملين في القطاع الخاص إلى سبعينات القرن الماضي، عندما حلوا بسويسرا لطلب العلم أو العمل وأسسوا شركات، لاسيما في قطاعي السفريات والمطاعم، أو انخرطوا في مشاريع خاصة مثل الأطباء، وهو ما سهل اندماجهم في المجتمع المحلي. كما لوحظ أن عدد أفراد الجالية التونسية في تزايد بسبب اختيار عدد من المقيمين في دول الجوار، وخاصة ألمانيا وفرنسا وإيطاليا الإنتقال للعيش في سويسرا، بعد إبرام عقود عمل هناك، وهم يملكون وثائق الإقامة في البلدان التي أتوا منها. ويُضاف إلى هؤلاء 450 طفلا جديدا يولدون كل سنة من آباء أو أمهات ينحدرون من أصول تونسية.
وأظهرت دراسة أعدتها “جمعية التونسيين المقيمين في سويسرارابط خارجي“، المعروفة اختصارا باسم CTRS أن هناك رغبة جامحة لدى جزء من التونسيين المقيمين في سويسرا لتقديم المساعدة التنموية لبلدهم الأصلي عبر أربعة مجالات، هي أولا إرسال الأموال والإستثمار، وثانيا نقل المعرفة وثالثا المساعدات الإنسانية والتبرع عموما، أما المجال الرابع فهو العودة إلى الوطن لإقامة مشاريع.
قطاعات ذات أولوية
يعتقد عناصر من الجالية التونسية، خاصة العاملين في المجالات العلمية والأكاديمية، أن بلادهم يُمكن أن تستفيد استفادة كبيرة من خلال تطوير علاقات تعاون مع سويسرا في قطاعات تحظى بالأولوية في خطط التنمية التونسية. وفي هذا الإطار، لاحظت الدراسة المذكورة أن أعضاء “جمعية التونسيين المقيمين في سويسرا” يُعولون، سواء في المشاريع المُوفقة أم في المشاريع المُخفقة، على كفاءتهم وخبراتهم التي اكتسبوها أثناء دراستهم في سويسرا، وكذلك على الروابط الأسرية، وهم يتجهون عادة إلى مناطقهم الأصلية لإقامة مشاريعهم هناك.
لكن الدراسة بيَنت أيضا قلة الثقة لدى هؤلاء المستثمرين الشباب في الإدارة التونسية واشمئزازهم من العوائق البيروقراطية والاقتصادية والإجتماعية والثقافية، التي تُعطل إقامة المشاريع، زيادة على عدم الإستقرار السياسي. أكثر من ذلك أظهرت الدراسة أن غالبية الخريجين التونسيين يرغبون في البقاء في سويسرا بعد التخرج. ومن هذه الزاوية، ساعدت الدراسة على توفير معلومات إحصائية عن التونسيين والتونسيات في سويسرا، من أجل فهم أعمق لرأس مالهم الإجتماعي والثقافي والمالي، على نحو يُمكن من الإستفادة منه بالكامل.
مبادرات طلابية
من أبرز المبادرات التي نفذها طلابٌ تونسيون في سويسرا مشروع “ويب 4 للتجديدرابط خارجي” ‘Web4Innovation’ الذي أطلقته “جمعية التونسيين الجامعيين بسويسرارابط خارجي“، ويشتمل على جانبين أولهما تمكين طلاب في مدارس الهندسة التونسية من تكوين في تطوير الويب والموبايل، أما الثاني فيتمثل في إنشاء منصة لإطلاق مشاريع ويب وموبايل تُمكن من إقامة مشاريع موجهة لشركات سويسرية وتونسية في آن معا. وبحسب أحمد بن حميدة، الرئيس الحالي للجمعية “ستُمكن المنصة من تبادل الكفاءات والحصول على معارف بمواصفات سويسرية وأوروبية، تُتيح لهؤلاء الطلاب الإعتماد عليها لدى دخولهم إلى عالم الشغل”. ولا يقتصر نشاط الجمعية على هذا المحور وحسب، بل يشمل مستويات مختلفة من بينها المساهمة في تحسين صورة تونس في سويسرا، عبر مبادرات تقيمها الجمعية في سويسرا نفسها، وحث المستثمرين ورجال الأعمال على التوجّه إلى تونس، بالإعتماد على قصص نجاح مختلفة لرجال أعمال تونسيين وسويسريين.
رأس مال اجتماعي
يحظى هذا المشروع، الذي يرمي لتعزيز التعاون التونسي السويسري، بدعم من الوكالة السويسرية للتعاون والتنميةرابط خارجي، وتتولى تنفيذه وحدة التعاون الدولي في السفارة السويسرية بتونس. ويرمي المشروع إلى الإستفادة من المعارف ورأس المال الإجتماعي والكفاءة التي يتمتع بها أفراد الجالية التونسية في سويسرا، لدعم مجهود التنمية في تونس. كما يرمي المشروع أيضا إلى تطوير التفاعل بين “جمعية التونسيين المقيمين في سويسرا” من جهة ومكونات المجتمع المدني والقطاع الخاص والمؤسسات العمومية في تونس من جهة ثانية.
الجمعية اعتادت على إقامة لقاء سنوي مفتوح في ختام فعالياتها الصيفية في تونس، وقد حضرت swissinfo.ch الدورة الثالثة من تلك اللقاءات في ضاحية المرسى شمال العاصمة، حيث تداول طلاب وطالبات تونسيون يُتابعون دراستهم في المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان على المنصة، كلٌ يشرح تجربته والزاوية التي اختارها للإسهام في نقل المعارف والخبرات من سويسرا إلى تونس.
حواسيب ومُعدات الكترونية
رجل الأعمال خليل الشايبي أوضح لـ swissinfo.ch أنه تلقى مع عشرة متخرجين تونسيين آخرين من المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان “تكوينا عاليا في إطار مُفعم بالحرية والإنضباط في الوقت نفسه”. وأضاف أنه كان وزملاؤه وزميلاته منغمسين في الثقافة السويسرية ومنفتحين في آن معا على المجال الدولي وعلى أحدث التقنيات الجديدة، إلى أن حصلوا على شهادة الهندسة. وشرح الرئيس السابق للجمعية وسيم معاوية بعض محاور نشاطها، ومنها في محور “دعم التربية” إرسال حواسيب ومعدات إعلامية إلى مدارس في مناطق تونسية مختلفة، ومنها ايضا مساعدة جمعية “والله نستطيع” أو «Wallah we can» على ترميم مبيت المعهد الثانوي بمدينة مكثر (شمال).
وفي محور تحسين صورة تونس، شاركت الجمعية في عدة فعاليات أقيمت في نفس المدرسة مثل حفلة “مدرسة فيفابولي” و”أسبوع العالم، وكذلك في “القرية العالميةرابط خارجي” التي تقام في جامعة لوزان المجاورة. وهناك محور آخر يتمثل في دعوة شخصيات أكاديمية تونسية لإلقاء محاضرات في المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان.
الملاحظ أخيرا أن أعضاء الجمعية مُتمسّكون بالتداول على المسؤولية، إذ أنهم ينتخبون في كل سنة رئيسا جديدا حيث كان الأولُ علي شقير والثاني إدريس هنداوي وخلفهُ وسيم معاوية وأتى بعده علي الفاسي ثم الرئيس الحالي أحمد بن حميدة (معلومات أوفى على الموقع الرسمي للجمعيةرابط خارجي)، ولعل هذا الإنتقال السلس للقيادة والتسليم بسُنة التداول (كما هو الحال للوتيرة السنوية لتداول أعضاء الحكومة الفدرالية على مقعد الرئاسة) صدى للثقافة التي تشبّع بها الطلاب التونسيون في المدارس والجامعات السويسرية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.