“مؤشر على الانفتاح.. والشراكة ضد بذور الكراهية”
على الرغم من الهواجس التي تثيرها ظاهرة التطرف في بعض البلدان الإسلامية وامتدادات ذلك إلى أوروبا وانعكاساته على مواقف الأوروبيين، وفي ظل مخاوف المسلمين هنا من تشويه صورة الإعتدال الإسلامي، وفي إطار جهودهم من أجل الإنفتاح والإندماج في المجتمع السويسري مع الحفاظ على هويتهم الدينية، افتتح أبناء الجالية الألبانية في مدينة فراونفيلد Frauenfeld، عاصمة كانتون تورغاو، يوم السبت 5 مايو 2018، مبنى المركز الثقافي الإسلامي والمسجد الجديد، "مسجد النور"، الذي كلف إنشاؤه حوالي ثلاثة ملايين فرنك سويسري ودام الإعداد له ثمانية عشر عامًا.
كانتون تورغاو وعاصمته فراونفيلد
يقع كانتون تورغاو شمال شرق سويسرا على مساحة تصل إلى 991 كيلو متراً مربعًا، وقد بلغ عدد سكانه في نهاية العام 2017 (272.780) نسمة، منهم (92.450) بروتستانت و (86.580) كاثوليك و (13.700) مسلمون، وتبلغ نسبة الأجانب 24.4% من مجموع سكانه.
تبلغ مساحة العاصمة فْراوِن فَيْلد 27.43 كيلو متراً مربعًا وعدد سكانها 25.297 نسمة منهم (8.655) بروتستانت و (8.591) كاثوليك، بينما يبلغ المسلمون 15% من مجموع سكان المدينة جُلّهم من أصول تركية وألبانية، وتصل نسبة الأجانب فيها إلى 23.4%
جرى ذلك بحضور رئيس بلدية فراونفيلد آندرس شتوكهولم ورئيسة مجلسها البلدي سوزانا دراير ومدير مكتب الإندماج الإجتماعي ماركوس كُتّر ورئيس برلمان جمهورية مقدونيا طلعت جعفري وممثل اتحاد المسلمين فيها، منسق شؤون الجاليات في الإتحاد الشيخ سيلفر جُمَيلي، ورئيس رابطة الجمعيات الإسلامية في شرق سويسرا وإمارة ليختنشتاين الإمام بكيم عليمي، إلى جانب عددٍ من رجال الدين المسلمين قدموا من ألبانيا وكوسوفو ومقدونيا ودولٍ أوروبية أخرى وممثل لكل من الكنيستين الكاثوليكية والإنجيلية وحوالي ألفي شخص من أبناء الجالية وأصدقائها.
رئيس الجمعية الإسلامية في مدينة فراونفيلد جليل رمضاني عبّر في كلمته التي ألقاها في المناسبة عن تصميم وإرادة الجمعية على”تشجيع الإندماج في المجتمع والتبادل الثقافي بين الأديان”، مشدداً على أن “الحوار يأتي في مقدمة مهام المركز”، وأعرب عن العزم في مواجهة المواقف الإنتقادية بوعي، وإزالة الشكوك بممارسة الشفافية وخلق الثقة.
من جهته، قال الإمام بكيم في كلمته: «إن المسلمين في سويسرا يركزون جهودهم على مواصلة الإندماج في المجتمع السويسري ويبذلون أقصى ما يستطيعون للإلتزام بواجباتهم وليكونوا مواطنين قدوة»، وأضاف: «على الرغم من كل الصعوبات فإن الإسلام والمسلمين ما كانوا، ولن يكونوا يومًا، أعداءً لهذه البلاد»، وأكد قائلا: «نحن نتعاون مع مختلف المؤسسات السويسرية لتتيسر لنا أفضل الطرق للإنفتاح على المجتمع والتعايش معه بسلام.». وبعد أن أشار إلى أن «المسلم قادرٌ على أن يكون وطنيًّا جيّداً، مثل غير المسلم بالضبط»، قال عليمي: «من واجبنا جميعًا أن نحمي أنفسنا من أولئك الذين يريدون الإضرار بعيشنا المشترك وبسلامنا، سواء أكان ذلك سلامنا مع عامة المجتمع أم سلامنا الداخلي في الجامع، وأن لا نعطيهم الفرصة لذلك أبداً.»
وفي إشارةٍ إلى أن المسجد قد بُني بلا مئذنة التزامًا بالقانون السويسري قال مخاطبًا المسلمين والمسلمات: «إن العصور تفرض تغييراتها، ومثلما فرضت على الإسلام أن يتأقلم بعض الشيء في تركيا عما كان عليه في مكة فإنه سيكون هناك في أوروبا إسلامٌ بطابعٍ أوروبي»، وأعرب عن قناعته بأن «المركز والمسجد على هذا الشكل يفِيان تمامًا بحاجات أعضاء الجالية»، وشكر في الختام «المؤسسات الحكومية السويسرية ووسائل الإعلام وجميع من ساهموا في هذا الإنجاز، حتى أولئك الذين قالوا فيه مجرد كلمة طيبة».
“سعادتُنا من سعادتِكم”
رئيس البلدية آندرس شتوكهولم الذي بدأ كلمته بإلقاء التحية الإسلامية بالعربية «السّلامُ عليكم» وصف يوم الإفتتاح بأنه «يوم فرح لنا» مثلما هو «يوم فرح لكم» لأن «سعادتكم هي سعادتنا، وحيثما تشعرون هنا بأنكم في وطنكم، فأنتم على الرحب والسعة»، واعتبر أن الدعوة التي تلقتها البلدية للمشاركة في حفل الافتتاح «مؤشر على الانفتاح والصداقة والعيش المشترك، كما هي مؤشر على شراكتنا ضد الخوف، الخوف من الآخر المجهول، الخوف الذي يبني جدرانًا من الأحكام المسبقة ويسمم الروح فيمنع التفاهم ويصير بذوراً للكراهية»، وختم مُعربًا عن «ارتياحه للمستقبل وسعادته بالثقة التي أشاعتها الجمعية الإسلامية في مدينة فْراوِن فَيْلد».
وفي تصريحٍ أدلى به لأحد التلفزيونات المحلية بعد الإحتفال قال رئيس البلدية رداً على سؤال يتعلق بالمخاوف: «إن أهم وسائل مكافحة التطرف هو الأمل المفتوح على المستقبل، وهذا ما يمكن أن يقدمه مجتمعنا، فالتطرف في نهاية الأمر لا يقتصر على الإسلام، إنه موجودٌ في المسيحية أيضًا».
رئيسة المجلس البلدي سوزانا دراير عبّرت عن سعادتها لتلبية الدعوة وانشدادها لرؤية الجامع من الداخل، وأشادت بالجهود التطوعية التي بذلها أبناء الجالية في إتمام البناء، وقالت: «إنني فخورةٌ بكم وأعبّر عن تقديري العالي لما أنجزتموه». بدورهما، شدد ممثلا الكنيستين الكاثوليكية والإنجيلية على قيم الإنفتاح والتسامح والتعايش ونبذ التطرف وحرية العبادة وأعربا عن سعادتهما بافتتاح المسجد.
وجود جامع بحد ذاته لا يؤشر، لا إلى أسلمة ولا إلى اندماج، لكن سلوك الناس هو الذي يلعب دوراً حاسمًا في هذا الإتجاه أو ذاك
مواطن سويسري
في السياق، سألت swissinfo.ch أحد المواطنين السويسريين، الذي حضر مع زوجته من مدينة «شتيكبورن» القريبة بناءً على دعوة أصدقائهما في الجالية الألبانية، فيما إذا كان يرى في الجامع مؤشرا على الإندماج أم على «تسلل الأسلمة» إلى سويسرا كما يرى بعض المعترضين، فأجاب: «أعتقد أن وجود جامع بحد ذاته لا يؤشر، لا إلى أسلمة ولا إلى اندماج، لكن سلوك الناس هو الذي يلعب دوراً حاسمًا في هذا الإتجاه أو ذاك، فبقدر ما يتعلق الأمر بنا، نحن السويسريين، ما إذا كنا نقبل ثقافة الآخرين ونهتم بالتواصل معهم ونريد لهم الإندماج، يتعلق الأمر أيضًا بإرادة الآخرين، ما إذا كانوا فعلاً يريدون ذلك.»
وبعد أن أكد هو وزوجته عدم وجود أي مخاوف لديهم قال: «كلما قلّت معرفة المرء بثقافة الآخر زادت المخاوف، لذلك أرى من الضروري الذهاب إلى الآخر والتعرف عليه عن كثب». من ناحيتها، رأت زوجته بأن «وجود الجامع أمرٌ جيد، لكن من المهم أن لا يؤدي إلى الإنعزال وأن يحافظ المسلمون على التواصل مع المجتمع السويسري الذي عليه أن يبقى منفتحًا.»
مارغريت ماير (متقاعدة 72 عامًا) قالت لـ swissinfo.ch أن لا مخاوف لديها من مزاعم الأسلمة، وإنها تعتقد «أن كل ديانة لها الحق في الوجود والتعبد كما تريد، ولكن شرط أن تبتعد عن التطرف وتترك الآخرين بسلام، فحيثما يكون التطرف لا يمكن المحافظة على السلام».
جدير بالذكر أن 54% من سكان مدينة فراونفيلد كانوا قد صوتوا في 29 نوفمبر 2009 ضد المبادرة الداعية إلى حظر بناء المزيد من المآذن، وأن مجموعة يمينية صغيرة كانت قد وزعت قبل عامين 1500 منشور على سكان الحي الذي أقيم فيه الجامع دعت فيه إلى إيقاف بنائه، لكن لم يلتفت لدعوتها أحد.
أرقام ومعطيات
أقيم مسجد النور في فراونفيلد مع تأسيس الجمعية الإسلامية في العام 1998 واتخذ من مكان صغير مستأجر في وسط المدينة مقرّاً له.
في العام 2000 شرعت الجمعية الإسلامية في جمع التبرعات لغرض إنشاء مبنى خاص بالمسجد.
في العام 2001 انتقل المسجد الى مكان مستأجر آخر تبلغ مساحته 220 متراً مربعًا.
في العام 2009 حصلت الجمعية على أول ترخيصٍ للبناء قريبًا من وسط المدينة، لكنها لم تباشر بذلك بسبب اعتراض بعض الجيران على خطط البناء. وعلى الرغم من أن السلطات المختصة ردت الإعتراضات، فإن الجمعية فضّلت سحب طلب البناء.
في العام 2010 وقّعت الجمعية عقداً لشراء أرض على الطرف الغربي من المدينة بلغت مساحتها 2200 متراً مربعًا بكلفة تجاوزت 600 ألف فرنك سويسري.
في صيف العام 2011 حصلت الجمعية من السلطات المختصة على ترخيصٍ ثانٍ، لكنها لم تباشر بالبناء لعدم تمكنها من تأمين المبالغ اللازمة حتى نفاد صلاحية الترخيص البالغة عامين.
في نهاية العام 2015 تقدمت الجمعية بطلب ترخيصٍ جديد حصلت عليه في ربيع 2016، وبشكل نهائي في خريف العام نفسه، بعد تسوية وتجاوز اعتراضٍ تقدم به أحد الجيران بسبب احتمالات الضجيج، بالإضافة إلى الإزعاج الذي ينشأ مساءً من مصابيح السيارات.
في نهاية العام 2016 تم الإحتفال بوضع حجر الأساس.
في نهاية العام 2017 انتهى البناء في الطابق السفلي. ومنذ ذلك الحين وحتى تاريخ الإفتتاح كانت الصلاة تجري في الكافتيريا التي يضمها الطابق بين مرافقه.
بلغ حجم البناء 3412.55 متراً مكعبًا بُنيت على مساحة 300 متر مربع بثلاثة طوابق؛ الطابق السفلي ويضم الكافتيريا ومرافق الوضوء ودورات المياه للرجال ومكانًا لإلقاء الدروس ويطل على رحبة خلفية واسعة؛ الطابق الأرضي ويضم المنبر والمحراب وهو مخصّص لصلاة الرجال، بينما خُصص الطابق الأول لصلاة النساء ويضم مرافق وضوء ودورات مياه خاصة، وجُعل مدخل الرجال إلى الطابق الأرضي من جانبه الشرقي ومدخل النساء إلى الطابق الأول من الجانب الغربي.
بالإضافة إلى التبرعات النقدية التي جُمعت على مدى السنوات الماضية والإشتراكات الشهرية لأعضاء الجمعية البالغ عددهم حاليًّا 320 عضواً، قدم أبناء الجالية خبراتهم وقدراتهم في مجال البناء وساهموا بساعات عملٍ مجانية وتبرعات عينية متعلقة بالبناء، وقد تضمنت الكلفة الإجمالية، البالغة حوالي ثلاثة ملايين فرنك، وهي سعر الأرض البالغ ( 607.496 فرنك) وكلفة البناء المدفوعة نقداً (1.6 مليون فرنك) والباقي تبرعات عينية وساعات عملٍ مجانية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.