الأطفال أصحاب حقوق، حتى وإن كانوا في.. الشارع!
منذ التسعينات، توقّـفت بعض المنظمات غير الحكومية عن اعتبار أطفال الشوارع ضحايا، وتعاملت معهم على أساس أنهم فاعلون. وفي اليوم العالمي لحقوق الطفل (20 نوفمبر من كل عام)، تتاح الفرصة لتسليط الضوء على هذا الأسلوب الجديد للتعاطي مع واقِـعهم.
طِـبقا للمعطيات، التي تقدِّمها مؤسسة أرض البشر، فإن عدد الأطفال الذين يعيشون ويعملون في الوقت الحاضر في الشوارع في شتى أنحاء العالم، يتراوح ما بين 50 و100 مليون طفل.
مع ذلك، يبدو أن معاهدة الأمم المتحدة، المتعلقة بحقوق الطفل، قد ساهمت، وإن بقدر ضئيل، في تحسين ظروف عيشهم اليومية بفضل عمل عدد من المنظمات غير الحكومية، التي أعادت توجيه تحرّكها طِـبقا للرؤية التي تعتبرهم أصحاب حقوق.
هذا هو الأسلوب الذي اختارته منظمة أرض البشر، التي تُـفضِّـل منذ العشرية الأخيرة من القرن الماضي، انتهاج مقاربة تبتعِـد عن التركيز على مفهوم الضحايا، وتفضِّـل تركيز الجهود على إعادة تأهيل متدرِّجة لهذا الصِّـنف من الأطفال.
دانيال شتوكلين، الذي يعمل اليوم أستاذا لعلم الاجتماع في معهد KURT BÖSCH (IUKB)، ومتعاونا عِـلميا مع المعهد الدولي لحقوق الطفل، الذي يوجد مقره في كانتون فالي، سبق له أن عمِـل لفائدة منظمة أرض البشر ما بين عامي 1998 و2005، وساهم في بلورة هذه المقاربة الجديدة.
سويس انفو: توقّـفت المنظمات غير الحكومية الناشطة في هذا المجال عن الحديث عن أطفال الشوارع مفضِّـلة استخدام “أطفال في وضعيات بالشارع”. ماذا يعني هذا التعبير؟
دانيال شتوكلين: يسمحُ هذا التعبير، بإبراز أن الطفل ليس هو المشكل، ولكن الأوضاع التي يجد نفسه بسببها في الشارع، هي التي تُـمثِّـل الإشكالية، كما تسمح أيضا بتجنُّـب الوصمة المرتبطة بتسمية “أطفال الشوارع” وتوضيح الواقع المتمثِّـل في أن المسؤوليات المرتبطة بهذا النوع من الوضعيات، متعدّدة، أي أنها سياسية واقتصادية وهيكلية وعائلية.
ما يجب أن يتمّ الوعي به، هو أن الطفل الذي اختار أن يذهب إلى الشارع، يهرَبُ بشكل عام من ظروف أشدّ سوءً في مواقع أخرى، وهو ما يُـجبِـرنا على التفكير في نوعية العلاقات، التي يُـمكن أن يُـطوِّرها في هذه الفضاءات، حتى ولو بدَت من وجهة نظرنا، خطيرة جدا. وفي الواقع، فإن شيئا من التضامن يُـمكن أن ينمُـو في الشارع.
سويس انفو: كيف تُـترجم هذه المقاربة على مستوى العمل الميداني؟
دانيال شتوكلين: يتمثّـل الهدف في تمكين الأطفال من العثور على صِـيغ اندماج إيجابية لنمُوّهم، وهذا لا يعني بالضرورة مغادرة فورية للشارع، وهو خيار ليس ممكنا دائما، لسبب بسيط يتمثل في أن البدائل الملموسة، غير متوفِّـرة في معظم الأحيان، لذلك، يجب العثور على صِـيغ أكثر واقعية، من بينها على سبيل المثال، إيجاد ظروف عمل أفضل للمِـهن البسيطة الممارسة في الشارع، مع منح الأولوية لإجراءات تدريجية.
سويس انفو: أين تكمُـن أهمية معاهدة الأمم المتحدة لحقوق الطفل، للعمل الذي تقوم به المنظمات غير الحكومية؟
دانيال شتوكلين: منذ عشرة أعوام، اتّـجهت بعض المؤسسات البحثية والمنظمات غير الحكومية، للعمل انطلاقا من هذه المعاهدة، وتختلف الأمثلة الجديدة، التي تقوم بتطبيقها، عن المقاربة الحمائية، التي لا زالت تُـهيمن على الساحة حاليا.
بفضل هذه المقاربات الجديدة، يُـمكن للأطفال والمنظمات غير الحكومية التي تدعمهم، المطالبة بالحصول على سلسلة من الخدمات الأساسية. فالدول التي وقّـعت على المعاهدة، أخذت على عاتقها التزامات (محدّدة) في مجالات التعليم والصحة والتدريب أو الحماية ضد العُـنف.
سويس انفو: هل يوجد قاسم مُـشترك بين أطفال الشوارع في شتى أنحاء العالم؟
دانيال شتوكلين: لا. هناك الكثير من التنوّع. في كل بلدٍ، هناك معادلة مختلفة ما بين أسباب اقتصادية وسياسية واجتماعية، كما أن أصناف (ونوعيات) الأطفال الذين يعيشون في الشارع، مختلفة جدا بدورها. فالأمور تشمل زعيم العصابة المؤثِّـر، الذي يُـمكن أن يُـنظِّـم أنشطة إجرامية أو توفيرَ عملٍ في بعض الأحيان والطفل الهارب من عائلته، الذي يعيش بضعة أشهر في الشارع، قبل العودة إلى بيته، لكن يُـمكن القول بالتأكيد، أن ظاهرة الفقر أو التهميش، حاضرة في كل مكان.
سويس انفو: سبق لك أن عمِـلت على هذه الإشكالية في الصين، ما هي الوضعية في هذا البلد؟
دانيال شتوكلين: تتميّـز الصين بظاهرة مُـلفِـتة جدا، تتمثل في تنقّـل (أو نزوح) واسع للسكان، وتُـظهر أحدث التقديرات، التي يعود تاريخها إلى عام 2000، أن حوالي 150 مليون شخص، من بينهم 23 مليون طفل، هاجروا من الأرياف إلى المدن، يُـضاف إلى هؤلاء، جميع الأطفال الذين تُـركوا لدى الأجداد في القرى، وجميعهم يوجدون في وضعِـية شديدة الهشاشة.
وإذا ما أجرينا مقارنة مع بلد مثل البرازيل، الذي ينشُـط فيه عدد كبير من المنظمات غير الحكومية، فإن الصين تبدو متخلِّـفة عن الرّكب، لكن الوضعية تطوّرت كثيرا خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة وأصبحت المقاربة عن طريق التوجّـه المباشر إلى الأطفال في الشوارع، موجودة فيها أيضا.
سويس انفو: ما هي رؤيتك للتحرك، الذي تقوم به منظمة أرض البشر بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الطفل؟
دانيال شتوكلين: هذا الصِّـنف من التحرّك، يتيح إمكانية توعية الكبار والشبان أيضا، الذين يُـمكن لهم الاطّـلاع على الظروف القاسية جدا، التي يعيش فيها آخرون في مواقع أخرى.
وفي سياق الأزمة الاقتصادية، التي تلوح في الأفق، يُـوفِّـر هذا التحرّك أيضا إمكانية الوعي بأن المطالبة بالحقوق الإنسانية، يجب أن تكون يومية، حتى وإن تعلّـق الأمر ببلدٍ مستقر نسبيا، مثل سويسرا.
سويس انفو – كارول فيلتي
بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الطفل، الذي يُـحتفل به يوم 20 نوفمبر من كل عام، تُـنظم منظمة أرض البشر تحرّكا يسترجِـع وضعيات حقيقية لأطفال الشوارع، لفائدة تلاميذ سويسرا.
سيرتدي 5000 من طلاب المدارس قبّـعات حمراء ويقومون بمسح الأحذية أو بيع صحف في الشارع، مثلما يفعل أطفال الشوارع في العالم بأسره.
في السنة الماضية، سمح هذا التحرّك بجمع تبرّعات، تزيد قيمتها عن 260 ألف فرنك.
تتدخّـل منظمة أرض البشر لفائدة أطفال الشوارع في تسعة بلدان، وهي: أفغانستان وبنغلاديش والبرازيل وبوركينافاسو وبوروندي وغينيا ومدغشقر والسنغال والفيتنام.
تمّـت المصادقة على معاهدة الأمم المتحدة لحقوق الطفل يوم 20 نوفمبر 1989.
يتعلّـق الأمر بأول معاهدة دولية، تعتبِـر الطفل صاحب حقوق فعلي.
هذه الحقوق، مدنية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية في آن واحد، وهي تشمل أيضا، الحق في التمتّـع بنُـموّ متوازن.
إلى حد الآن، صادقت 190 دولة في العالم على هذه المعاهدة. في المقابل، وقّـعت عليها الولايات المتحدة والصومال، لكنهما لم يُـصادقا عليها بعدُ.
صادقت سويسرا على المعاهدة في عام 1997.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.