التدريب المهني أثناء العمل: بطاقة دَعوة سويسرية تَستَحق التلبية!
كان 2017 عاماً استثنائياً للنموذج السويسري للتعليم والتدريب المهني على الساحة الدولية. لكن ما الذي يميّز التدريب المهني في الكنفدرالية عن بقية الدول المُنافسة؟ إحدى المُتَدَرِّبات الشابات التي عادت إلى بلدها حاملة معها أعلى جائزة في مسابقة المهارات العالمية التي دارت فعالياتها في أبو ظبي تزودنا ببعض المعلومات المتعمقة حول السمات الأساسية لهذا النموذج للتكوين المهني.
“لقد تَدَرَّب بعضُ الأشخاص الذين جاؤوا من بلدان أخرى لمدة عامين من أجل هذه المُسابقة فقط”، كما تقول إيرينا توور، وهي شابة من شرق سويسرا، كانت قد شاركت في مسابقة المهارات العالميةرابط خارجي، حيث فازت بميدالية ذهبية في المجال الذي تتدرب عليه. أما المُنافسون للشابة توور فقد جاؤوا من جميع أنحاء العالم. وعلى سبيل المثال، كان أقرانها الذين حضروا من الصين والبرازيل، يركزون بشدة على تَعَلُّم وإعادة تَعَلُّم مواد قد يُطالبون بتقديمها في هذه المسابقة العالمية التي تُقام كل سنتين.
من جانبهم، واصل أعضاء الفريق السويسري المُكَوَّن من 38 مُرشحاً في 36 إختصاصاً مُختلفا تدريبهم المهني (الموزع بين الدراسة النظرية والتدريب العملي) بشكل يومي حتى وقت المسابقة، الأمر الذي أعطى ثماره. ففي الحصيلة النهائية، خرجت سويسرا بنتيجة الدولة الأوروبية الأفضل في المنافسة من بين 59 دولة مشاركة. ومع فوزه بـعشرين ميدالية، جاء الفريق السويسري في المرتبة الثانية بعد الصين.
في الواقع، يُعتَبَر التركيز على التَدريب أثناء العمل السِمة الأساسية التي تُميّز نظام التدريب المهني (أو التلمذة الصناعية) في سويسرا، الذي يختار حوالي 70% من الطلّاب الذين أنهوا المرحلة الإعدادية الإلزامية التوجّه إليه لإكمال دراستهم. واليوم، تتبوأ توور القمّة في مجال تدريبها كعاملة في حقل الرعاية الصحية (التي يلبي فيها الشخص الإحتياجات اليومية للمرضى في المستشفيات ودور التمريض)، وهو واحد من أكثر من 400 نوع من التَمَهُن المُتاح للمُتَدَربين السويسريين عندما يتقدمون للتدريب المهني.
خيارات واهتمام دولي
بعد حديثها مع مُرَشحين من دول أخرى في هذه المسابقة الدولية غير الأكاديمية، إستنتجت توور أن الميزة الأخرى لنظام التلمذة المهنية في سويسرا هي التنوع اليومي الذي يقدمه للطلاب. ففي الكنفدرالية، يُقَسِّم مُعظَم هؤلاء الطلّاب أوقاتَهم بين الدراسة النظرية لتوسيع مَعارفهم بمجال إختصاصهم في إحدى المعاهد الفنية لبضعة أيام في الأسبوع، وبين مُتابعة التدريب العملي والميداني في الأيام المُتبقية مع إحدى المؤسسات أو الشركات، أو مع رَب عمل مُعتَمَد.
“أعتقد أن الطريقة التي بُني بها هذا النظام تثير اهتمام الأشخاص وتجعل التَعَلُّم أمراً مشوقاً”، كما تقول. وتضيف: “لقد سَمِعت أن دولاً أخرى تتبع نَهْج الجداول المُجَمَّعة في الدراسة والعمل أكثر بكثير من سويسرا”.
لكن في النهج المُتَّبَع في الكنفدرالية “يَعرف الطلّاب الذين لا يُحبّون الذهاب إلى المدرسة، انها ليست سوى بضعة أيام في الأسبوع يعودون بعدها للتدريب العملي مرة أخرى”، كما توضح.
في الوقت الراهن، أخذت الضغوط للإلتحاق بالجامعات بالإزدياد في سويسرا، حيث يرى البَعض أن التعليم الأكاديمي بات يطغى على جاذبية نظام التدريب المهني بالنسبة لأعداد متزايدة من الطلاب. مع ذلك، يُمكن للأخير أن يوفر بديلا جذابا للأشخاص غير الراغبين بمواصلة المزيد من التعليم الأكاديمي.
جدير بالذكر أن هناك العديد من الدول الأخرى التي تقوم بدراسة النموذج السويسري باستمرار – مثلما حدث مؤخرا عندما زار وفد من ولاية واشنطن في الولايات المتحدة سويسرا لمعرفة المزيد عن هذا النظام، الذي يُتيح للمتدربين أيضاً فرصة الحصول على شهادة علمية عليا، وتبديل مساراتهم المهنية من خلال الإلتحاق بالمعاهد العالية للعلوم التطبيقية. وهي خاصية ينفرد بها النموذج السويسري إلى حد ما.
وبحسب ماورو دالامبرودجورابط خارجي، كاتب الدولة لشؤون التعليم والبحث العلمي والإبتكار، فقد شهد عام 2017 اهتماماً دولياً متزايداً بالنموذج السويسري للتدريب المهني. وكما قال في اجتماع لممثلي الشبكة السويسرية لمراكز العلوم والإبتكار حول العالم “سويسنكسرابط خارجي” (Swissnex)، فقد “أصبح التعليم والبحوث مِحورا للوعي الدولي بسويسرا أكثر فأكثر”. وأضاف: “نحن نعمل على عَرْض صورة للإبتكار والتعليم في الخارج”.
مع ذلك، حَذَّر دالامبرودجو من التفكير بإمكانية نَسخ النموذج السويسري للتدريب المهني في دول أخرى ببساطة، لأن نُظُم التعليم في تلك البلدان أُعِدَّت بشكل مُختلف عن النظام السويسري على الأرجح. وبدلاً من ذلك، يتعيّن على كل دولة أن تَنظُر بعناية إلى احتياجاتها الخاصة، وأن تُكَيّف الجوانب المُلائمة للنموذج السويسري مع هذه الإحتياجات.
ضغوط وتحمُّل
في مسابقة المهارات العالمية، كانت توور تتنافس مع مُتسابقين من دول تُطَبِق نماذج تدريب مهني تختلف عن ذلك المُتَّبَع في سويسرا إلى حدٍ كبير. لكن لجنة التحكيم عاملت الجميع بنفس الأسلوب، وكلفتهم بالإعتناء بـ “مرضى” (كانوا عبارة عن مُمَثلين مُستأجَرين) على خشبة مسرح تم تأثيثها لتبدو وكأنها غرفة بِمُستشفى. وتم تقييم المُتسابقين من قبل ثلاثة أشخاص، كانوا يتابعون عملهم طوال الوقت ويضعون العلامات على كل حركة يقومون بها.
“كان الناس يتوقعون مني الحصول على ميدالية لأننا لم نَفُز بواحدة من قبل في هذا المجال، وقد وضعني ذلك تحت نوع من الضغط”. بالإضافة إلى ذلك، “كان هناك ضغط على الفريق السويسري لتكرار نجاحاته السابقة”، كما تقول.
وفي مرحلة ما، أصبح كل شيء أكثر مما يُحتَمَل. وكما تستذكر توور: “أعتقد أنني كنت أبكي باستمرار في اليوم الثالث من المسابقة، لأني شعرت بأني لم أعد قادرة على الإستمرار”. وتضيف: “في النهاية، لم أعُد أعتقد بأني سأفوز بميدالية، وشعرت بأني لست قوية بما يكفي عاطفيا وذهنياً”.
لكن، وبعد أربعة أيام من المنافسة، كان الفوز من نصيب توور!
“كنت أعتقد حقا أن أدائي لم يكن كافياً، لكنك تظل مُتمسِكاً بالأمل حتى الثانية الأخيرة”، كما تقول. “بعد ذلك تعود ليحتفل بك فريقك. وهذه كانت اللحظة الأجمل بحق”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.