الفوارق الاجتماعية بين الأطفال لا زالت كبيرة في سويسرا
لا مجال للشكّ في أن ظروف عيش ونمو الأطفال في سويسرا ممتازة بالمقارنة مع الأوضاع في العديد من دول العالم، لكن الفوارق الاجتماعية التي يعانون منها لا زالت كبيرة، كما أنها تبدأ في الظهور منذ سنوات العمر الأولى.
هذه هي أهم الخلاصات التي توصّـل إليها تقرير يحمل عنوان “الطفولة والشباب في سويسرا”، عُـرضت نتائجه في برن يوم 26 أغسطس من طرف الصندوق الوطني للبحث العلمي.
واستندت النتائج التي توصّـل إليها البحث، على استجوابات أجريت مع 3000 طفل ويافع وشاب، في إطار البرنامج الوطني للبحث العلمي، المعروف باسم « PNR 52 ».
سابقة أولى في سويسرا
تميّـزت أشغال الإعداد لهذا التقرير باستجواب أطفال في سن السادسة بشكل مباشر من طرف الأخصائيين في بيوتهم، وذلك للمرة الأولى في سويسرا.
وقد كشفت المعالجة العلمية المستفيضة لهذه المعطيات وللمعلومات، التي تمّ تجميعها من أولياء ومدرِّسي هؤلاء الأطفال، عن وجود عدم مساواة كبيرة جدا في الحظوظ، تتداخل العديد من المؤثرات فيها، وتشمل الأصول الاجتماعية ومستوى التكوين والوضعية المهنية للوالدين.
ويقول فرانس شولتهايس، أحد معدّي التقرير، “إنها فعلا حلقة مُـفرغة لعدم المساواة، التي تنتقل من جيل إلى جيل”. ولا تقِِـف هذه الفوارق عند المسألة المادية فحسب، بل إن “الرابط الاجتماعي أقل متانة في العائلات غير المحظوظة والرصيد الثقافي المنقول أقل ثراءً، والعلاقة مع الجسد أقل عناية”.
نتائج سلبية
هذه الأوضاع تنعكس سلبا على جميع المجالات. فالأعداد لن تكون جيِّـدة في المدرسة والمراهق المُـقبل سيواجه صعوبات أكثر في العثور على فرصة تدريب، بل إن صحة الطفل ستكون أكثر هشاشة، لأن العناية به أقل. ويشير السيد شولتهايس “لقد توصّـلنا إلى اكتشاف وجود علاقة بين عدد الأسنان المصابة بالتسوّس ودخل الآباء”.
من النتائج المهمة الأخرى التي توصل إليها الباحثون، وجود فارق كبير في حظوظ النجاح في الحياة بين الأطفال والمراهقين القادمين من عائلات مهاجرين، وبين الشبان السويسريين. وبالفعل، يراكم الأجانب في العديد من الحالات سلبيات اجتماعية، تشمل أساسا ضعف مستوى تكوين الآباء والمداخيل الضعيفة والسكن الهامشي.
وكانت دراسات سابقة قد كشفت أن طفلا من بين خمسة في سويسرا، معني بظاهرة الفقر، ويشمل ذلك نقص الإمكانية المادية وعدم الاستفادة من خدمات عمومية وخاصة (متاحة للآخرين)، إضافة إلى عدم القدرة على المشاركة في أنشطة ترفيهية ومُـثرية ثقافيا.
الحلّ.. سياسي أو لا يكون
ما هو الردّ الممكن على هذه الفوارق، التي تضربُ مبدأ تساوي الفرص والحظوظ في المجتمع السويسري في الصميم؟
يجيب الباحث فرانس شولتهايس بالتشديد على أنه لا يُمكن أن يكون إلا سياسيا، ويقول “إن المجتمع يتحمّـل مسؤولية جماعية تُـجاه (هذا الصنف من الأطفال)، لأن هؤلاء يمثلون مستقبله، فليس الأمر مجرّد قضية من اختصاص العائلة”.
في هذا السياق، أطلق معدّو التقرير بعض ورشات التفكير للتخفيف من هذه الفوارق الاجتماعية، تمخضت عن مقترحات من بينها تأجيل موعد الانتقاء المدرسي أو إضفاء المزيد من المرونة على عملية الانتقال من المدرسة إلى مرحلة التدريب المهني (يُـشار إلى أن عملية توجيه الأطفال السويسريين تتمّ في السنة الأخيرة من التعليم الإبتدائي، حيث تجري عملية انتقائية صارمة بين الأغلبية التي تتجه للتدريب المهني وأقلية تُمكّن من مواصلة الدراسة وصولا إلى المعاهد العليا المختصة وكليات الجامعات).
من جهة أخرى، يؤكّـد السيد شولتهايس على أنه من الضروري جدا “تحسين هياكل استقبال الأطفال الصِّـغار (المحاضن ورياض الأطفال)، التي لا تتلاءم أوقاتها مع الأمهات العاملات والتي تُـعتبر باهظة جدا للعائلات المتواضعة”.
لا جدوى من العِـقاب
نتيجة أخرى كشفت عنها الدراسة التي أجريت في إطار برنامج البحث العلمي، المعروف باسم « PNR 52 »، تتمثل في أن أسلوب التربية يكتسي أهمية قصوى، حيث توصلت إلى أن الاكتفاء بتسليط العقوبات غير ناجع، بل يُـمكن أن يؤدّي إلى فهم للحياة يفتقر إلى المعنى، وقد يتسبّـب في ظهور أفكار انتحارية، وهي تأثيرات سلبية تُـسجّل بالخصوص لدى الشابات.
على العكس من ذلك، يتمكّـن الأطفال من تطوير شخصية مستقلة ومتينة، عندما يحصُـلون على تربية “تشاركية”، مثلما يقول الصندوق الوطني للبحث العلمي. فبدلا من تسليط العقوبات، يجب تقديم الدعم والتشجيع على اكتشاف فضاءات وأوساط جديدة، وتشريك الأطفال في اتخاذ القرارات.
أما في الواقع السويسري، فإن 44% من الأطفال في سن السادسة، يكبرون في محيط يتّـسم برقابة “صارمة”، مثلما جاء في الدراسة، أما بالنسبة للمراهقين في سن الخامسة عشرة، فإن هذه النسبة تظل في حدود 30%.
سويس انفو مع الوكالات
يوم 22 أغسطس 2008، نُـشرت نتائج تحقيق فدرالي أجري في صفوف الشبان على مدى فترة طويلة، تمتد من عام 1979 إلى عام 2003.
كشفت الدراسة أن شبان اليوم أكثرُ مادية وأقل اهتماما بالمثُـل والأفكار، وأكثر ميلا إلى اليمين السياسي. في المقابل، ظلت نسبة رضاهم عن ظروف حياتهم، مستقرّة نسبيا، رغم الصعوبات الاقتصادية في التسعينات.
الاهتمام بالعائلة وبالعمل، عاد للارتفاع بعد التراجع المسجَّـل في الثمانينات والتسعينات.
الدراسة جاءت في 372 صفحة واعتمدت على العديد من استطلاعات الرأي، التي أجريت في صفوف شبان سويسريين، يناهز عددهم 2000 شاب وشابة في سن العشرين، في سنوات 1979 و1994 و2003.
توفِّـر هذه الدراسات الفدرالية حول الشباب، رصدا دقيقا للتغيير الذي طرأ على مواقفهم والقيم التي يحملونها تجاه العائلة والمدرسة وخيارات الحياة المهنية والسياسة، وقد عوّضت الاختبارات البيداغوجية، التي كان المجنّـدون السويسريون يخضعون لها إلى عام 2000، كما تمّ توسيع مجالها لتشمل النساء والشبان من أصول أجنبية.
الطفولة والشباب في سويسرا، هو التقرير الثالث الذي تم إنتاجه في إطار برنامج « PNR 52 ».
يشتمل البرنامج بأكمله على 29 مشروع بحثي.
أجري هذا البحث الثالث من أبريل 2003 إلى مارس 2007.
التقرير الأول حمل عنوان “مساهمات من أجل برنامج عمل سياسي”، ونُـشر في عام 2007، أما التقرير الثاني، فصدر في عام 2008 تحت عنوان “الأجيال في سويسرا”.
يرعى برنامج « PNR 52 » أيضا، معرضا يتواصل إلى 14 سبتمبر القادم في المتحف الوطني في زيورخ، تحت عنوان “العائلات: كل شيء يبقى ومع ذلك كل شيء يتغيّـر”.
تخضع برامج البحث العلمي الوطنية في سويسرا، لإشراف الصندوق الوطني للبحث العلمي.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.