اللجنة الفدرالية للهجرة تحذّر من “إنحراف” في سياسة الإندماج
تؤكد وثيقة إعلان مبادئ وتوصيات أصدرتها اللجنة الفدرالية المعنية بقضايا الهجرة في سويسرا أن "الإندماج قد تحوّل في السنوات الأخيرة إلى وسيلة للتهديد ومبررا للتلويح بعقوبات ضد الأجانب". وعبرت اللجنة بالمناسبة عن رفضها لمبادرة حزب الشعب (يمين شعبوي) الداعية إلى طرد الأجانب الذين يرتكبون مخالفات قانونية خطيرة، وأعلنت أنها "لا تتفق مع الجدل القائم حاليا حول البرقع".
ويشير الإعلان المذكور إلى حدوث “انحراف” في خطاب الأحزاب السياسية والمكاتب الحكومية في سويسرا حول الأجانب. فبعد أن كان الإندماج عملية متدرجة تبنى على الإنفتاح من الطرفيْن (الأجانب والمجتمع المحلي)، تحوّل هذا الأخير إلى مجرد أداة على أساسها تمنح رخص الإقامة، وتسند صفة المواطنة، ويقرر طرد الأجنبي أو السماح له بالبقاء في البلاد.
وإذا كان العقدان السابقان قد جعلا بحسب سيمون برودليات، كاتب عام اللجنة الفدرالية المعنية بقضايا الهجرة “من الإندماج هدفا أساسيا للقوانين المنظمة لوجود الأجانب في سويسرا، واعتمد كشرط أساسي لحماية تماسك المجتمع واستقراره، فإن هذا التوجه قد تراجع في السنوات الأخيرة، وأصبح التركيز منصبا على تعلّم اللغات الوطنية كمعيار وحيد لقياس الإندماج”.
هذا التأكيد المبالغ فيه على أهمية تعلم اللغات ما أدى في الأخير إلى تغافل المتطلبات الأخرى لعملية الإندماج، كالمساواة بين الجميع في فرص التعلم والتكوين والعمل، والخدمات الصحية والتأمينات الاجتماعية، وفتح الأبواب أمام الجميع للمشاركة في الحياة الاجتماعية والثقافية على المستويين المحلي والوطني.
للوقوف على أهمية التوصيات والمبادئ التي أعلنت عنها اللجنة الفدرالية لقضايا الهجرة يوم 11 مايو 2010، ولإلقاء الضوء حول القضايا المستجدة في ملف المهاجرين في سويسرا، أجرت swissinfo.ch هذا الحوار مع روزيتا فيبي، أستاذة علم اجتماع في مجال الهجرة بجامعة لوزان، وعضو المنتدى السويسري لدراسات الهجرة التابع لجامعة نوشاتيل.
swissinfo.ch: الأستاذة روزيتا فيبي، لاشك انك اطلعت على “إعلان مبادئ وتوصيات” اللجنة الفدرالية المعنية بقضايا الهجرة، ما هو رد فعلك الأوّلي؟
روزيتا فيبي: أجد هذا الإعلان وهذه التوصيات من الأهمية بما كان، لأنها تأتي في وقت يحتد فيه الجدل حول قضايا الهجرة في سويسرا، ثم ليس من باب الصدفة أن تكون هذه اللجنة هي نفسها من يصدر هذا الموقف. فقد ساهمت في بداية عام 2000 في صياغة واقتراح مفهوم الاندماج الذي عوّض مفهوم “الذوبان” داخل المجتمع. والمفهوم الذي اقترحته آنذاك كان منسجما إلى حد كبير مع نتائج بحوث علم اجتماع في مجال الهجرة . وتعود هذه اللجنة اليوم، وقد تغيّر الوضع السياسي في سويسرا إلى حد بعيد، حيث أصبح أكثر تصلبا تجاه المهاجرين، لتنأى بنفسها عن الخطاب السياسي السائد، ولتؤكد على ان الاندماج جهد مشترك من طرف الأجانب ومن طرف المجتمع المحلي، ولتنتقد التركيز المفرط على المتطلبات والالتزامات المفروضة على الأجانب، من جهة، والإغفال والتنصل من المتطلبات المنتظرة من المجتمع المحلي.
ليست هذه المرة الأولى التي تصدر فيها هذه اللجنة “إعلان مبادئ وتوصيات عامة”، هل تعتقدين انها ستجد آذانا صاغية لدى الحكومة والأحزاب السياسية هذه المرة؟
روزيتا فيبي: أخذت توصيات هذه اللجنة في الماضي بعين الإعتبار عند صياغة القوانين المنظمة لوجود المهاجرين، وعندما تحدثت نصوص الحكومة والمكاتب المعنية عن الاندماج، اعتمدت المفهوم الذي صاغته وزكته تلك اللجنة، وليس إعلان هذه المرة سوى تذكير بالأبعاد التي أسقطت من المفهوم الذي انطلقت على أساس منه عملية الاندماج منذ البداية. أتمنى أن يلقى هذا التذكير وهذا التنبيه من يستمع له في السياق الحالي.
يستخدم مفهوم الاندماج اليوم كأداة لقياس سلوك المهاجر، وفرض عقوبات أو حرمانه من خدمات على أساس من ذلك، لكن ما هو المطلوب أيضا من المجتمع المحلي لإنجاح هذه العملية؟
روزيتا فيبي: المجتمع المحلي مدعو إلى بذل جهود لتوفير فرص متساوية للجميع بما في ذلك الأجانب وأطفالهم، لأننا لاحظنا من خلال دراسات مقارنة أنجزت في سويسرا وخارجها، ان سويسرا من بين البلدان التي يؤثر فيها إلى حد بعيد الأصل العرقي والإجتماعي للطفل، في النتائج الدراسية التي يحصل عليها في المدارس. هذا النوع من الجهود مطلوب جدا للحفاظ على وحدة المجتمع. هناك جهود تبذل في هذا الإتجاه كبرنامج أرموس (برنامج يسعى إلى توحيد البرامج التعليمية في مختلف الكانتونات السويسرية)، مثل الدعوة إلى اعتماد التعليم الإجباري منذ بلوغ الطفل سن الأربع سنوات، وتعميم ذلك على جميع الكانتونات في سويسرا، لكن هذه الجهود لا تزال تعترضها العديد من العراقيل.
العديد من الكانتونات السويسرية تطلب من المهاجرين التوقيع على “عقد اندماج” . ما هو تقييمك لهذه الخطوة، وهل تتماشى وتوصيات اللجنة الفدرالية المعنية بشؤون الهجرة؟
روزيتا فيبي: عقود الإندماج من الإجراءات المختلف حولها. وقد رفضت مثلا الكانتونات الناطقة بالفرنسية العمل بها. أما في الكانتونات الألمانية، فهذه العقود على نوعيْن: من جهة، عقود تستخدمها بعض الكانتونات لمعالجة الحالات الخاصة بأفراد يمرّون بظروف صعبة في حياتهم الإجتماعية، وفي علاقتهم بالمحيط الخارجي، وفي هذا المستوى يمكن الجزم بأن هذا الإجراء لم يحقق الاهداف المرجوة منه، لأن من بين متطلبات هذه العقود متابعة دروس لتعلم إحدى اللغات الوطنية، في حين أن تلك الوضعيات تعاني في الأصل من مشكلات اعمق بكثير من مجرد تعلم لغة. في حالات أخرى يفرض توقيع تلك العقود على الوافدين الجدد، كما تفعل مثلا الإدارة في سولوتورن. هذه التجربة لابد من دراستها بعمق، وإذا كان من المهم تنظيم دروس لمساعدة الأجانب على تعلم إحدى اللغات الوطنية، فإن السؤال هو هل يجب اعتماد هذا الإجراء كأداة للحفز والترغيب، ام كوسيلة للعقاب والزجر.
تظل المطالبة بتعلم إحدى اللغات الوطنية الحجر الأساس في سياسة الإندماج المعتمدة في سويسرا، هل هي محاولة للتهرّب من الإستحقاقات الأخرى؟
روزيتا فيبي: بالتأكيد هناك مبالغة في تصوير الآمال المعلقة على تعلّم اللغات في علاقة بالإندماج. بالامكان تفسير ذلك بكون هذا العنصر من العناصر القليلة القابلة للقياس، وبالتالي يحصل وهما لدى المسؤول بان بإمكانه قياس درجة اندماج المهاجر بقدر امتلاكه لناصية اللغة. هؤلاء ينسون أن إتقان اللغات ليس إلا واحد من بين معايير أخرى كثيرة. وثانيا، لابد من الإقرار أن مهارة اللغة من المتطلبات الأساسية للاندماج في ميدان الشغل. وثالثا، هذا التركيز المفرط على اللغة هو تعبير عن الرغبة الكامنة لدى المجتمع السياسي السويسري في الاحتفاظ بأعلى درجة من التجانس، درجة لا يمكن تحقيقها إلا على مستوى اللغة والخطاب. المبالغة في التمسك بهذا المطلب دليل إذن على الشعور بالعجز في تحقيقه على مستويات أخرى. ما ينقص الجدل الدائر اليوم حول سياسة الإندماج هو بذل جهود منسقة لمكافحة التمييز أثناء البحث عن فرص عمل. هذه القصور تعترف به جميع الأطراف المعنية بهذا الملف، لكن هذا الاعتراف لم يترجم بعد إلى برنامج عمل متفق عليه ويلقى الدعم من الجميع.
منذ عدة أشهر تصدر تصريحات من عدة جهات تؤكد على أن الغالبية العظم من المسلمين في سويسرا مندمجون بشكل جيّد، هل تدعم الدراسات الميدانية التي قمتم بها هذا القول؟ وهل هذا الاندماج يشمل جميع الميادين؟
روزيتا فيبي: أعتقد أن هناك مشكلة إدماج في مجال الشغل، بالنسبة للمهاجرين من ذوي الأصول المسلمة، أو الذين يتمسكون بممارسات دينية مختلفة عن تقاليد المجتمع المحلي. لكن الدراسات الميدانية التي قمنا بها لم تثبت أن العامل الديني ينفرد من بين العناصر الأخرى المحددة في عملية الاندماج. لقد تبيّن مثلا ان نسبة البطالة بين صفوف الشباب الذين هم من أصل تركي او بلقاني هي اعلى منها لدى الفئات الأخرى، و أن هذا الأمر يعود إلى ضعف وعي وتكوين آبائهم منذ البداية، وليس بسبب الإنتماء الديني. قد تكون هناك عناصر كثيرة لا تسهّل عملية إندماج السكان ذوي الخلفية الأسلامية، ولكن ذلك يعود إلى تكثّف العديد من العناصر المجتمعية وليس إلى العنصر الديني المحض.
أجرى الحوار عبد الحفيظ العبدلي – برن – swissinfo.ch
هي عالمة اجتماع سويسرية من أصل إيطالي، متخصصة في ميدان دراسات الهجرة وحاصلة على دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة روما.
تعمل روزيتا كأستاذة محاضرة بقسم الإنتروبولوجيا وعلم الاجتماع بجامعة لوزان، وهي عضو بمجلس إدارة معهد دراسات الهجرة بنيوشاتل.
من أبرز مؤلفات روزيتا فيبّي:
– اندماج المهاجرين في سويسرا: المجنّسون والجيل الثاني
– البعد الدولي في دراسة ظاهرة الهجرة
– هجرة أصحاب الكفاءات
– الهجرة بين الديمغرافيا والديمقراطية
تؤكد جميع الهيئات والأحزاب السياسية في سويسرا في السنوات الأخيرة على اهمية اندماج الأجانب كمتطلب اساسي للحفاظ على وحدة المجتمع وانسجامه. لكن هذه الهيئات سرعان ما تتباين مواقفها ويتوزع خطابها عندما يتم التطرق إلى مفردات السياسة والإجراءات التي يجب تنفيذها لتحقيق هذا الهدف.
بعد تحليل توجهات الخطابات السائدة في البلاد حول الاندماج، ومحاولة منها لتوجيه الأنظار إلى المتطلبات الحقيقية التي تحتاجها هذه العملية وعلى الوجه الخصوص “المساواة في الفرص” بين الأجانب والسكان المحليين، قدمت اللجنة المذكورة يوم 11 مايو 2010 ما اسمته “إعلان مبادئ” دعت السياسيين والمكاتب الحكومية إلى اخذخ بعين الإعتبار في المستقبل، ومن ابرز التوصيات التي تضمنتها الوثيقة:
يجب ان تتأسس عملية اندماج الاجانب على احترام القيم المنصوص عليها في الدستور السويسري، وعلى التسامح والإعتراف المتبادل.
لا يجب أن يقتصر الخطاب السياسي المتعلق بملف الأجانب على مناقشة الحالات الفردية التي تواجه صعوبة في عملية الإندماج، أو هي مقصرة في ذلك، بل ان تتطرق ايضا إلى ما يجب تكييفه في النظام الإجتماعي العام بما ييسّر على الأجانب الغندماج في النسيج المجتمعي.
يجب إعطاء نفس الأهمية لعملية إزالة العوائق التي تقف امام تحقيق الإندماج، وتوجيه مؤسسات المجتمع للتجاوب مع المتطلبات الخاصة للأجانب، بنفس القدر مع الجهود المبذولة حاليا لتشجيع الاندماج على مستوى الأفراد.
على المؤسسات الاجتماعية في القطاعيْن العامي والخاص الإرتفاع إلى مستوى التحدي الذي يتطلب منها ان تؤدي مهامها بمهنية وتجرد ومن دون تمييز بين السكان المحليين والمهاجرين المقيمين في البلاد. ويجب أن تكون الخدمات الموجهة لصالح المهاجرين على نفس المستوى من الجودة والإتقان كالتي تقدّم إلى السكان المحليين.
لابد من اعتماد نظرة تكاملية عند تنفيذ الإجراءات المتعلقة بقضية الإندماج، وألا يقتصر قياس هذه العملية الاجتماعية على معيار وتغفل معايير أخرى كثيرة. فتعلم اللغات الوطنية مثلا ليس إلا معيارا من بين معايير كثيرة أخرى.
الخطاب السياسي والخطاب الرسمي حول الاجانب والإندماج، لابد أن يعمل على دفع المواطنين المحليين إلى الإنخراط اكثر في هذه العملية بما يسمح بانفتاحهم على الاجانب، وبما يحقق في النهاية مصلحة المجتمع ككل.
يجب أن تشمل معادلة “شجّع وطالب” جميع فئات المجتمع وألا تقتصر على الأجانب فحسب، وأن تنخرط في تنفيذها المؤسسات الخاصة والعامة، وألا تقتصر على الافراد بل يجب أن توجه للمؤسسات والمجموعات.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.