المحكمة الفدرالية تُلغي قرارا يحظر الحجاب لافتقاره لأرضية قانونية
أثار حكم للمحكمة الفدرالية برفض قرار منع بلدية سويسرية لطالبتين مسلمتين من ارتداء الحجاب في المدرسة الثانوية، ردود فعل متباينة في الصحف السويسرية الصادرة يوم الجمعة 12 يوليو 2013.
فمنها من اعتبرت القرار إشارة في الاتجاه الخاطئ، وأخرى أنه لم يذهب إلى أبعد الحدود، بينما رأت فيه يوميات أخرى تأكيدا للنهج الديمقراطي الصحيح، الذي يفرض ضرورة ارتكاز خُطوة من هذا القبيل على قانون مُعتَـمد مسبقا.
تناولت الصحف السويسرية الصادرة يوم 12 يوليو الجاري بشكل مكثَّـف، موضوع الحجاب في المدارس، بعد قرار المحكمة الفدرالية القاضي برفض قرار بلدية بورغلن (بكانتون تورغاو)، التي منعت، استنادا إلى قرار إداري، طالبتيْـن مسلمتيْـن من مقدونيا، تبلُـغان من العمر حاليا 17 سنة، من ارتداء الحجاب في المدرسة الثانوية. ويحظر نفس القرار ارتداء اللِّـباس القصير أو الطرابيش أو النظارات الشمسية.
لكن المحكمة الفدرالية رأت أنه “ينبغي على البلدية أولا أن تعتمد قانونا يقضي بذلك قبل اتخاذ قرارها، وإلا فإنه يُـعتبر قرارا يمسّ بالحرية الدينية للفتاتين”. وأثار هذا الحكم ردود فعل وتعليقات متباينة في الصحف السويسرية وفي مختلف المناطق اللغوية.
تساؤلات بدون أجوبة
صحيفة “لاتريبون دو جنيف”، تطرّقت على غرار باقي اليوميات، لتفاصيل الموضوع تحت عنوان “انتصار لطالبتين محجبتين”. لكنه قرار انقسمت الآراء بشأنه، إذ تقول كاتبة المقال مارتين كليرك: “قد يعمل القرار على إثارة غضب حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) وقسم من التيارات السياسية اليمينية”.
وبخصوص تشديد المحكمة الفدرالية على وجوب الاعتماد على قانون لإصدار حظر من هذا القبيل، بدل الاستناد إلى قرار إداري، كتبت الصحيفة التي تصدر بالفرنسية في جنيف: “ذلك قد يدفع الطبقة السياسية إلى التسريع باتخاذ قرار في هذا الشأن”، على غرار رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي كريستوف داربولي، الذي أوضح في حديث تلفزيوني أمس بأنه “على البرلمان أو الشعب أن يهتم بهذه القضية الساخنة”، مشيرا إلى أنه سيتقدّم بالتِـماس برلماني بهذا الخصوص.
من جانبها، ترى صحيفة “تاغس انتسايغر”، التي تصدر بالألمانية في زيورخ، أن قرار المحكمة الفدرالية يترك السؤال الرئيسي بدون إجابة، ألا وهو: “هل اتخاذ قرار بمنع الحجاب في المدارس، مطابق لبنود الدستور أم لا؟”.
وتناولت الصحيفة هذه المسألة في تعليق بقلم سيمون راو، تحت عنوان “المشكلة ستبقى مشتعلة”، إذ كتبت: “ولئن كان القرار قد أفرح الطالبتين، فإن على الشعب السويسري التحلّي بالصبر من أجل الحصول على جواب على السؤال التالي: هل يمكن مبدئيا حظر ارتداء الحجاب من قبل طالبات في المدارس؟ وتجيب الصحيفة: “مع الأسف، لم تتطرق المحكمة الفدرالية للموضوع، إلا بشكل هامشي، واكتفت بالقول بأن الحظر يجب أن يستند إلى قانون رسمي”. وترى كاتبة التعليق بأن “المحكمة الفدرالية ضيعت فرصة لإصدار قرار واضح ضد حظر ارتداء الحجاب”.
رئيس تحرير صحيفة “أولتنر تاغ بلات”، بيات نوتسي، الذي يعتبر أيضا أن قرار المحكمة الفدرالية سوف لن يضع حدا للنقاش الدائر في سويسرا بخصوص الحجاب في المدارس، يشرح في تعليقه نظرة السويسريين لموضوع الحجاب بقوله: “إنه لا يمثل فقط ممارسة فردية لحرية الدين والمعتقد بالنسبة لمن ترتديه، بل إن النساء المُسلمات تُعاملن بالمقارنة مع الرجال، وفق معايير أخرى صارمة تتعلق بالأخلاق وبالتقاليد والعادات، وهو ما يعتبره العديد من الناس في مجتمعنا، معاملة تمييز واستغلال في حق الجنس الضعيف أو تهديدا للمساواة بين الجنسين بعبارة أخرى”.
ويضيف كاتب مقال الجريدة، التي تصدر بالألمانية بأولتن في كانتون سولوتورن: أن “تصعيد المعارضة لارتداء الحجاب في المجتمعات الغربية، ليس موجها بالدرجة الأولى ضد الإسلام كدين عالمي، بل ضد من يسيئون استخدام الإسلام كوسيلة ضغط واستغلال. وكدعم لكل النساء اللواتي يرفضن الخضوع للأصوليين ويرفضن الحجاب كوسيلة للتعبير عن هذا الخضوع”.
استغلال انتخابي من قبل السياسيين؟
صحيفة “بوندنر تاغ بلات”، تناولت أيضا قرار المحكمة الفدرالية في تعليق بقلم كلاوديو فيلي بعنوان “لا قرار جوهري في صراع الحجاب”. وبعد تحليل وجهة نظر كل من الأطراف لموضوع الحجاب، يصل كاتب مقال الجريدة، التي تصدر بالألمانية في خور بكانتون غراوبوندن، إلى استنتاج مفاده أن “ما هو واضح بعد هذا القرار للمحكمة الفدرالية، هو أن النقاش بخصوص الحجاب سيتواصل وسيفتح حروبا بين أنصار كل معسكر. ومن المؤكد أن النداءات لتنظيم مبادرة شعبية من أجل فرض حظر ارتداء الحجاب، ستتزايد. ولكن من غير المؤكد ما إذا كانت الحلول التي ستقترحها، ستكون أحسن؟”.
وفي نوشاتيل، تساءل فيليب فايارد من صحيفة “الإيكسبريس” الناطقة بالفرنسية: “هل سينتهي قرار المحكمة الفدرالية بخصوص القانون الإداري الداخلي لمدرسة قرية بورغلن في نهاية المطاف، إلى ما انتهت إليه مبادرة حظر بناء المآذن؟”. تساؤله يأتي بعد أن ذكر بأن “موضوع الحجاب أو النقاب أو البرقع سيثير الانتباه من حين لآخر هنا وهناك في أوروبا، بعد صدور قرارات من المحاكم، ووفقا لحاجيات طبقة سياسية طموحة لكسب الأصوات، تستغل ذلك لإذكاء النقاش وجلب انبتاه وسائل الإعلام، وتقديم فرص عمل لمؤسسات سبر الآراء، لأن هذا النقاش بخصوص الحجاب يثير المشاعر ويخلق فوضى في المعايير بالنسبة لمجتمع يعاني من مشاكله ويبدي قلقا بخصوص مستقبله”.
الإندماج أولا.. وعبر القيم والمعرفة
من جهتها، طرحت صحيفة “بليك” الصفراء واسعة الانتشار، مزيدا من التساؤلات التي لم يجب عنها قرار المحكمة الفدرالية، إذ ورد في تعليق بقلم بريتا كراوس تحت عنوان “يجب أن يبقى الهدف هو تحقيق الاندماج”، أن “المحكمة الفدرالية برّرت قرارها بحرية الدّين والمعتقد والتسامح، ولكن ماذا عن حرية الشابتين؟ هل تتمتعان في سِنٍّ مثل هذا بالقدرة على حرية اختيار ارتداء الحجاب؟ وهل بإمكاننا السماح باستخدام الأطفال كشعار سياسي؟ وانتهت كاتبة مقال الجريدة، التي تصدر بالألمانية في زيورخ إلى أن “الفتيات اللواتي يرتدين الحجاب، يُـثرن الانتباه بسهولة ويتعرّضن بسهولة للمضايقة، لذلك يجب أن يكون هدفنا النهائي هو تسهيل عملية الإندماج، لكن الحجاب يشكِّـل عائقا في هذا الإطار”.
وتحت عنوان “القيم والمعرفة، أقوى من الحظر”، كتبت أنّا فانر في مقالة نشرتها صحيفة “سود أوست شفايتس” التي تصدر بالألمانية في خور، أن مناصري الحظر “يعللون ذلك بالاختلاف الثقافي الذي لا يقبلونه في سويسرا، وهو تبرير غريب في بلد تعدّدي”، لكنها أضافت بأن هناك من جهة أخرى “أسبابا منطقية” تدعم الحظر، مثل “تحول المدرسة إلى حيز يسمح للفتيات بالتحرر من قيود العائلة والتخلي عن ارتداء الحجاب بشكل لا إرادي”.
وترى الكاتبة بأنه “علينا تمكين الأطفال من المعرفة والقيم التي تسمح لهم باتخاذ مواقف بأنفسهم بخصوص كيفية تحديد طريقة عيشهم، وهذا بعيدا عن الحظر والمنع عبْـر مؤسسات الدولة أو عبر ضغوط العائلة”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.