مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المغرب يُعرّف السويسريين باستراتيجية حماية وتثمين منتجاته المحلية

السيدة حفيظة الفلاحي، رئيسة تعاونية الألفية الثالثة لتثمين منتوجي الصبار والكسكس المنسم بالأعشاب الطبيعية أثناء مشاركتها في معرض Bulle السويسري يوم الجمعة 28 أكتوبر 2011 swissinfo.ch

كان "زيت الأركان" بمؤشره الجغرافي المحمي، و"زعفران تالوين" الحاصل على تسمية المنشأ المحمية، والكسكس المنسم بالأعشاب الطبيعية، من أبرز المنتجات المحلية المغربية التي اكتشفها المستهلك السويسري مؤخرا.

وعرضت تلك المنتجات وغيرها بمناسبة مشاركة المغرب، كأول ضيف شرف عربي، في الدورة 12 لـلمعرض السويسري للأذواق والمنتجات ذات النكهة المحلية الذي استضافته عاصمة منطقة “غرويير” الشهيرة.

swissinfo.ch التقت في رواق المغرب الذي امتد على مساحة 500 متر مربع بـ “فضاء بول”، مسؤولين عن المعرض، وممثلة وزارة الفلاحة والصيد البحري المغربية، ورؤساء وأعضاء عدد من الجمعيات التي قدمت بدعم من الوزارة وبدعوة من السفارة المغربية في برن، للتعريف بخصائص تلك المنتجات والجهود المبذولة لحمايتها وتثمينها وتحسين تسويقها، وكذلك حماية مـُنتجيها، لا سيّما النساء في القرى، من التسويق العشوائي ومن أطماع المضاربين، وذلك من خلال حصولها على شهادة المؤشر الجغرافي المحمي، أو تسمية المنشأ المحمية، التي تُمكن المنتجين من الحفاظ على القيمة المضافة لسلعهم لصالحهم ولصالح منطقتهم.

اختيار المغرب كأول ضيف شرف عربي على المعرض السويسري للأذواق والمنتجات المحلية لم يكن من قبيل الصدفة، إذ تقول مديرته، ماري-نويل باسكيي: “إن دورنا في المعرض هو أيضا إتاحة إمكانية اكتشاف منتجات أخرى وثقافات أخرى، وقد استنتجنا أن المغرب كان أحد بلدان القارة السمراء الأوائل الذي انخرط في استراتيجية المنتجات الحاصلة على تسمية المنشأ الأصلية وعلى المؤشر الجغرافي المحمي، وهذا شيء ذو أهمية كبرى بالنسبة لنا في هذا المعرض الذي يحرص على تثمين مثل تلك المنتجات (…) التي سنتعرف أكثر على أصلها وكيفية تحضيرها”.

المنتجات المحلية في قلب مخطط “المغرب الأخضر”

المغرب، الذي يمنح مكانة خاصة للمنتجات ذات النكهة المحلية في إطار استراتيجيته الجديدة في مجال التنمية الزراعية التي تندرج في إطار “مخطط المغرب الأخضر” – الذي انطلق في عام 2008 – كان قد لفت أنظار المهمين المنتجات المحلية في سويسرا بعد مشاركة ناجحة ومتميزة، كضيف خاص، في المسابقة السويسرية الرابعة للمنتجات ذات النكهة المحلية بكورتمولون-دوليمون بكانتون جورا، التي انتظمت يومي 1 و2 أكتوبر الماضي. وبعد أقل من شهر، جدد العارضون المغاربة لقاءهم بالمستهلك السويسري في بول بكانتون فريبورغ.

المهندسة فاطنة الدمناتي، من مديرية تنمية سلاسل الإنتاج بوزارة الفلاحة المغربية، والتي رافقت التعاونيات المغربية في كلا المعرضين، أوضحت أن “تنمية وتطوير وتثمين قطاع المنتجات المحلية، بما في ذلك دعم النساء القرويات في المناطق الصعبة والهامشية، وتحسين ظروفهن المعيشية ومحاربة الفقر على المدى البعيد، أهداف تدخل في إطار “دعامة الفلاحة التضامنية” لاستراتيجية “مخطط المغرب الأخضر” الهادفة إلى تحويل “المنتجات المحلية” من قطاع تقليدي له قيمة مضافة ضعيفة، ويعاني من مشاكل كبيرة، إلى قطاع عصري مُنظم ومُربح وذي قيمة مضافة عالية”.

وأشارت السيدة الدمناتي إلى أن ست منتجات حصلت على شهادة الترميز (Labellisation) الوطنية العام الماضي، منها “زيت الأركان” و”زعفران تالوين” و”ثمار المجهول في تافيلالت”. كما أوضحت أن التوجه الحالي للمجتمع المدني في المغرب هو الإقبال على المنتجات المحلية قائلة: “إن الطلب أصبح كبيرا على هذه المنتجات هنا وأفترض أيضا في الخارج، إذ أن هنالك عودة إلى المنتجات الأصيلة، إلى الزراعة العضوية الخالية من المبيدات والمنتجات الكيماوية والتي تتمتع بجودة وذوق خاصين”.

“كل من هبّ ودبّ كان يبيع زيت الأركان”

محمد أورايس، رئيس الجمعية المغربية للمؤشر الجغرافي لزيت الأركان المنخرطة في “منظمة الشبكة الدولية للمؤشرات الجغرافية” (oriGIn) بجنيف، أوضح من جانبه، أن المؤشر الجغرافي يهدف إلى حماية المنتوج الفلاحي الأصيل المرتبط بموقع جغرافي مُحدّد وبثقافة معينة لساكنة أو لشعب ما، والذي يتمتع بمميزات ذوقية خاصة وأخرى مرتبطة بمهارات الإنتاج.

وأضاف هذا الدكتور البيطري ضمن نفس السياق: “كان زيت الأركان أول مادة تُحمى في المغرب بالمؤشر الجغرافي، كنا رائدين وسباقين في هذا المجال كأول دولة عربية وإفريقيا، وقدّمنا في سبتمبر 2011 طلبا للجنة الزراعة بالاتحاد الأوروبي ببروكسل للاعتراف رسميا بالمؤشر الجغرافي لزيت الأركان على المستوى الأوروبي”.

زيت الأركان، الذي يُعتبر من أغلى الزيوت في العالم والذي يشتهر بفوائده الصحية، يُستهلك كمادة غذائية وأيضا كمادة تجميلية داخل المغرب وخارجه. ونوه السيد أورايس إلى وجود “قرصنة” لإسم الأركان على المستويين الأوروبي والعالمي، مشيرا إلى أن “كل من هبّ ودب كان يبيع زيت الأركان”، وإلى أن “المضاربين دخلوا الميدان، وأدخلوا معهم أمورا متعلقة بالغش، مما يضر بالمنتجين، وخاصة النساء القرويات التي تشكل غالبية اليد العاملة في القطاع، كما يضر بالاقتصاد الجهوي وبالاقتصاد الوطني في نهاية المطاف. فالمستهلك يعزف عن المنتوج عندما يجده مغشوشا”.

هذا الاستغلال العشوائي لزيت الأكان وشهرته العالمية غير المستندة إلى أية ضوابط دفعت العاملين في القطاع إلى إقامة شراكات مع بلدان أجنبية تعتمد المؤشر الجغرافي المحمي IPG وتسمية المنشأ المحمية AOC  أو AOP، مثل فرنسا وسويسرا، للاستفادة من تجاربها واعتماد المؤشر الجغرافي لزيت الأركان الذي بدأ تطبيقه في المغرب عام 2010. وقد أصبح القطاع يتوفر على دفتر تحملات يتضمن شروط إنتاج هذا الزيت، من الشجرة، مرورا بالتعليب، ووصولا إلى الطبق أو مستحضرات التجميل. والهدف أيضا بيعه سواء داخل البلاد أو خارجها بعلامة واحدة، المؤشر الجغرافي المحمي لزيت الأركان.

السيد أورايس، الذي يترأس أيضا الفدرالية البيمهنية لقطاع الأركان في المغرب، استدرك بهذا الصدد قائلا: “من يريد أن ينتج زيت الأركان، يجب أن يحترم شروط الانتاج، بما فيها احترام الشجرة، أي عدم تعنيفها، إذ ينبغي جني الثمار مثلما كان يتم منذ زمن، أي حتى وصولها إلى مرحلة النضح وسقوطها على الأرض حيث يتم جمعها، وليس ضرب الشجرة بالعصي والأحجار. كما يجب ترسيم وتدوين عملية الإنتاج تحت إشراف هيئات مراقبة داخلية وأخرى خارجية (معتمدة من قبل وزارة الفلاحة المغربية)، وذلك بُغية الابتعاد عن أية عشوائية (…) والاعتناء بالجانب الإنساني والبشري للإنتاج ومنطقته، وتنميتها على المستوى الاجتماعي-الاقتصادي”.

“زعفران تالوين” أول زعفران يُحمى بتسمية المنشأ في المغرب

بعد حصول زيت الأركان على المؤشر الجغرافي المحمي، كان “زعفران تالوين” في منطقة سوس-ماسة-درعة جنوب المغرب، ثاني منتوج محلي حاز على الحماية، من خلال تسمية المنشأ.

سفيان الصيلي، من تعاونية الجودة لإنتاج الزعفران بقريبة أسكاون بمنطقة تالوين، أوضح أنه “في إطار مخطط المغرب الأخضر، تم توسيع المساحات الصالحة لزرع الزعفران وتوزيع بذوره، كما تم دعم الفلاحين البسطاء الذين لا تتجاوز مساحة الزراعة لديهم هكتارين، بنظام السقي الموضعي وبالآبار المحفورة، وبعمليات استصلاح الأراضي بحيث أصبح إنتاج الزعفران مدعم بنسبة 100% من الزرع إلى مرحلة التلفيف”.

ونوه السيد الصيلي إلى أن زعفران تالوين الذي حاز على شهادة تسمية المنشأ المحمية على المستوى الوطني، له مجموعة من المميزات والخصائص، لعل أبرزها أنه يحتوي على نسب هائلة من المكونات الرئيسية الثلاث للزعفران (الكروسين الذي يتحكم في اللون، والبيروكروسين المتحكم في النكهة، والسافرانال المتحكم في الطعم). فبينما يستقر المعدل العالمي لأفضل كروسين في نسبة 190 في الميليغرام الواحد، يذكر السيد الصيلي بأن “نسبة الكروسين في زعفران تالوين يصل إلى 236، مما يجعله الأفضل جودة في العالم، وهذا أثبتته تحاليل وأبحاث تكفلت بها وزارة الفلاحة في الداخل وأخرى قام بها زبناءنا في الخارج، وتوصل الطرفان إلى نفس النتيجة”.

كما شدد السيد الصيلي على أهمية المعارض التي تشارك فيها التعاونيات المغربية في الخارج، بدعم من وزارة الفلاحة، للتعريف بالمنتوج وتسمية المنشأ الحاصل عليها من جهة، ولتبادل الخبرات من جهة أخرى. وقال في هذا السياق: “تم تبادل خبرات مع نظرائنا السويسريين بحيث زارونا في المغرب، وقدم وفد من المغرب إلى هنا وكان بيننا تواصل وحوار ولقاءات، واستفدنا كثيرا من خبرتهم، خاصة في مجال التلفيف والتسويق”.

نساء قرويات تتألقن رغم صعوبة المهمة

وأشادت بهذه الاستفادة أيضا أمينة الفلاحي، رئيسة تعاونية الألفية الثالثة لتثمين منتوجي الصبار والكسكس المنسم بالأعشاب الطبيعية بجهة “مراكش تنسيفت الحوز” التي سبق وشاركت في معارض أقيمت في ألمانيا وسويسرا.

وقدّمت التعاونية لزوار معرض بول باقة من منتجات الكسكس المحتوي على كشكول من أنواع الدقيق، من الصبار والقمح والشعير والأرز وإيلان (الدخن)، والنبغ (السدر الجبلي) في أكياس صغيرة وأنيقة تُشبه المنتجات العضوية التي يجدها المستهلك في المتاجر الأوروبية.

وقالت بهذا الشأن: “نريد حماية منتجاتنا (بالحصول مستقبلا على تسمية المنشأ المحمية) والحفاظ على القيمة المضافة لإنتاجنا، نحن نستفيد من هذه المعارض التي نلاحظ فيها أن المستهلكين يحبون التلفيف الصغير”.

تعاونية الألفية الثالثة لمنتوج الصبار والكسكس المنسم بالأعشاب الطبيعية التي بدأت العمل في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (انطلقت في المغرب عام 2005) تهدف إلى تحسين مردوديتها والتعريف بمنتجات محلية أخرى تصنع بأيدي 54 سيدة قروية بطريقة تقليدية، ولكن في ظروف صعبة. ولا تتمكن من العمل في المصنع سوى سبع سيدات في اليوم نظرا للافتقار للمعدات الضرورية.

وتقول رئيستها: “ربما لا يتصور المرء كيف تعيش التعاونيات الفلاحية النسائية لدينا.. فنحن نعمل لمدة سبعة أشهر فقط في السنة بسبب الفيضانات ولا نتوفر حتى على جسر. ولدينا مشاكل لنقل منتجاتنا إلى الأسواق الكبرى ولجلب المواد الأولية من مناطق بعيدة جدا بحيث نضطر مثلا لقطع مسافة 600 كلم للحصول على الأرز مثلا”.

ورغم هذه الظروف القاسية، أحسنت التعاونية الاستفادة من كل مساعدة حصلت عليها من قبل الدولة أو الخواص، وحرصت على تعليم بنات العاملات لديها و”مثلت المغرب أحسن تمثيل” مثلما تقول رئيستها، في ألمانيا وفي سويسرا حيث حصلت في معرض دوليمون في أكتوبر الماضي على نقطة جيدة في ورشة لتذوق الأطعمة وباعت في ظرف يوم واحد ما تبيعه في 11 يوما في قريتها.

زيت الأركان (أو أرغان)

محمد أورايس، رئيس الجمعية المغربية للمؤشر الجغرافي لزيت الأركان:

“هذا الزيت معروف بشكل خاص في منطقة سوس، ماسة، الصويرة، وجزء من غلميم، بجنوب البلاد، وهو مجال جغرافي معروف بشجرة الأركان التي تنبت فيه وتعطي ثمارا تشبه الزيتون ولكن بحجم كبير، يتم تقشيرها بعد التجفيف واستخراح نواة تحتوي على لوزة تمر مباشرة إلى التحميص على النار لانتاج الزيت الخاصة بالاستهلاك الغذائي، أو يتم إبعاد اللوزة عن التحميص لاستخراج زيت التجميل مباشرة منها.

الزيت النباتية التي تستهلك لها خصائص مهمة صحية مثل تخفيض نسبة الكوليسترول الضار، والترفيع من نسبة الكولسترول الجيد، ونوافع متعلقة بالوقاية من السرطان، هنالك دراسات مهمة أنجزت في هذا المجال. كما لها خصائص ذوقية مهمة لتحسين الأطباق، مثل السلطات والسمك والكسكس المغربي الشهير”.

زعفران تالوين

 

سفيان الصيلي، من تعاونية الجودة لإنتاج الزعفران بأسكاون في منطقة تالوين:

“هنالك مجموعة من العوامل التي تميز زعفران أسكاون بمنطقة تالوين: المناخ، والطقس، وجودة التربة، وجودة المياه التي تتميز بـ PH محايد.

على سبيل المثال:  بذور الزعفران باسكاون نموذجية ولا تمرض بتاتا، وهي تتكاثر بسرعة بحيث تصل المردودية ابتداء من العام الاول ما بين بصيلة واحدة وثلاث، وقد تعطي البصيلة الأم بعد خمسة أعوام أو ستة ثلاثين بصيلة. وقرية أسكاون تزود منطقة تالوين بأكملها ببصيلة الزعفران”.

في عام 2008، تبنى قطاع الفلاحة بوزارة الفلاحة والصيد البحري “مخطط المغرب الأخضر” كاستراتيجية متكاملة ومندمجة لتنمية القطاع الفلاحي، (…) تتمحور الاستراتيجية حول مقاربة شمولية وادماجية لكل الفاعلين بمختلف توجهاتهم في القطاع الفلاحي.

وارتكزت الاستراتيجية على دعامتين أساسيين هما: الفلاحة العصرية والفلاحة التضامنية

 تهدف دعامة الفلاحة العصرية إلى تنمية فلاحة متكاملة، تستجيب لمتطلبات السوق، وذلك من خلال انخراط القطاع الخاص في استثمارات جديدة ومنصفة.

في حين أن دعامة الفلاحة التضامنية تسطر لمقاربة ترمي بالأساس إلى محاربة الفقر في العالم القروي عبر تحسين دخل الفلاحين الصغار.

   

(المصدر: وزارة الفلاحة والصيد البحري المغربية)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية