بعد الزواج للجميع، ما زالت هناك معارك يتعيَّن خوضها
تُعدُّ سويسرا من أواخر الدول التي سمحت بالزواج للمثليين في أوروبا. وبعد أن كانت تتعرض لانتقادات المنظمات الدولية المدافعة عن المثليين، صارت تُمدح اليوم. مع ذلك، ما زالت هناك تحسينات ينبغي إجراؤها لتحقيق المساواة في الحقوق.
سويسرا، التي تُعدُّ من بين آخر الدول في أوروبا الغربية التي لا تسمح بالزواج للجميع، لديها الفرصة لتلافي تقصيرها. بعد مجلس النواب (الغرفة السفلى للبرلمان)، وافق مجلس الشيوخ (الغرفة العليا) يوم الثلاثاء 1 ديسمبر الجاري بدوره على فتح المؤسسة لجميع الأزواج.
يتضمن مشروع القانون أموراً عدة منها: التبرع بالحيوانات المنوية للمتزوجات المثليات والتجنيس المُيسّر للشريك والتَّبني المُشترك. ومع أنه سبق أن تمت الموافقة على تبني أولاد الشريك منذ عام 2018، إلا أنَّ الإجراءات كانت طويلة وغير مضمونة.
كانت الجمعيات السويسرية للدفاع عن حقوق المثليين وثنائيّي الميول وثنائيّي الجنس والمتحولين والمتحررين جنسيًّا (يُرمز لها اختصاراً بـ LGBTIQ) تنتظر هذا التطور منذ فترة طويلة. وعلَّق ماتياس إرهاردت، نائب رئيس اللجنة الوطنية «الزواج المدني للجميع» على هذا الحدث بالقول: «يُعتَبَر تصويت مجلس الشيوخ انتصاراً عظيماً في الطريق نحو المساواة».
كما أعربت ماريان هوغنان، النائبة السابقة عن الحزب العمالي الشعبي (شيوعي) في البرلمان والتي أعلنت عن مثليتها في عام 2004، عن ارتياحها قائلةً: «أشعر بالرضا وبنوع من الدهشة لرؤية الأمور تتقدم بهذه السرعة».
البطء السويسري
لقد اعتادت سويسرا على العمليات السياسية الطويلة، ولكن هذه المرة تطلب الأمر الانتظار سبع سنوات للوصول إلى هذه النتيجة. حيث أطلق حزب الخضر الليبراليين (يمين بيئي) مبادرة برلمانية من أجل مشروع الزواج للجميع في عام 2013. وقام النواب بمناقشة عدة صيغ لهذا النص فيما بعد.
سويسرا لم تكن قط في الطليعة. فهولندا هي أول دولة في العالم سمحت بزواج المثليين، وذلك منذ عام 2001. وعندما أدخلت سويسرا قانون الشراكة المُسجلة للأزواج المثليين في عام 2007، كانت خمس دول أوروبية (هولندا واسبانيا والنرويج والسويد وآيسلندا) قد وافقت ليس على الزواج المدني للمثليين فحسب، وإنما على جميع حقوق الأبوين أيضاً، أي التبني والإنجاب بمساعدة طبية والاعتراف بالأبوين من جنس واحد منذ ولادة الطفل.
تستمر 70 دولة في العالم في تجريم الممارسات الجنسية المثلية بالتراضي بين البالغين، وفقاً لآخر تقرير رابط خارجيصادر عن الجمعية الدولية للمثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومُغايري الهوية الجنسانية وحاملي صفات الجنسين (ILGA) عن معاداة المثلية. وهناك إحدى وعشرون دولة يُعاقَب فيها على المثلية بالإعدام. في حين يمكن أن تتراوح العقوبة القصوى بين 10 سنوات سجن والسجن المؤبد في 26 دولة أخرى.
انتقادات على المستوى الدولي
لقد أدى هذا التقصير إلى احتجاج العديد من المنظمات الدولية على سويسرا. ففي إطار استعراضه الدوري الشاملرابط خارجي لأوضاع حقوق الانسان في الكنفدرالية، ألقى مجلس حقوق الإنسان (مقره جنيف) اللوم على القوانين السويسرية التمييزية والتي ما زالت غير منصفة بالنسبة للمثليين.
في السنوات الأخيرة، تراجعت سويسرا من جديد إلى المرتبة السابعة والعشرين رابط خارجيفي تصنيف الفرع الأوروبي لجمعية “ILGA” للبلدان على أساس المساواة في الحقوق للأشخاص المثليين وثنائيّي الميول وثنائيّي الجنس والمتحولين والمتحررين جنسيًّا. ففي 9 فبراير 2020، تبنَّت سويسرا قانوناً يحمي جميع المثليين وثنائيي الميول الجنسية من التمييز ودعوات الكراهية. وساعدتها هذه التعديلات التشريعية بالصعود إلى المرتبة الثالثة والعشرين، مع معدل مساواة بنسبة 36%، وتبقى هذه النسبة أقل بكثير من المتوسط الأوروبيرابط خارجي البالغ 48%.
“لا تزال هناك عدة نقاط ينبغي على سويسرا أن تتحسَّن فيها”
ناديا بويهلن، المتحدثة باسم الفرع السويسري لمنظمة العفو الدولية
اليوم، يلقى قرار الغرفة العليا للبرلمان الفدرالي إشادة على المستوى الدولي باعتباره خطوة متقدمة مُرحبٌ بها: «إنه خبر سار. فقد تقدَّم المثليون وثنائيّو الميول وثنائيّو الجنس والمتحولون والمتحررون جنسيًّا (LGBTIQ) خطوة باتجاه نيل نفس الحقوق الأسرية مثلهم مثل أي شخص آخر في سويسرا» حسبما ذكرت كاترين هوغندوبل، التي تشغل منصب مديرة حملة في الفرع الأوروبي لجمعية ILGA الدولية، المتخصصة في الدفاع عن حقوق الأقليات الجنسية.
من جهته، وصفت العفو الدولية التصويت بأنَّه: «قرار تاريخي من أجل المساواة في الحقوق». وصرحت ألكسندرا كارل، مديرة الفرع السويسري للمنظمة غير الحكومية، قائلةً: «أخيراً، اعترفت سويسرا بأنه لا يُوجد أي سبب لعدم منح الحقوق الأساسية للأزواج المثليين وما يُسمى بعائلات “القوس قزح”».
المتحوّلون جنسياً ليسوا محميّين بما فيه الكفاية
مع ذلك، يُحذّر المتخصصون في سويسرا وخارجها من أنه يجب مواصلة الجهود للوصول إلى المساواة في الحقوق بالنسبة لجميع الأقليات الجنسية. وفي السياق، علَّقت ناديا بويهلين، المتحدّثة باسم الفرع السويسري لمنظمة العفو الدولية، بالقول: «لا تزال هناك عدة نقاط ينبغي على سويسرا أن تتحسَّن فيها». وهي تأسف بشكل خاص كون القانون لا يسمح بمعاقبة معاداة المتحولين جنسياً، أي ممارسات التمييز ودعوات الكراهية على أساس هوية الجنس. مع أنَّ الأشخاص المتحولين جنسياً هم فئة ضعيفة بصفة خاصة.
بيد أنه من الصعب تقدير حجم حالات التمييز أو الاعتداءات التي تتعرض لها الأقليات الجنسية في سويسرا، نظراً لعدم وجود إحصائيات وطنية شاملة حول هذه القضايا. وهو تقصير انتقدته أيضاً منظمة العفو الدولية، التي تعتبر أنَّ «على السلطات أن تقوم بإحصاء جرائم الكراهية القائمة على أساس التوجه الجنسي والهوية الجنسية».
في السياق، يعتبر الفرع الأوروبي لجمعية ILGA الدولية، أنه يتعيّن على سويسرا أن تمنع التدخلات الطبية للقاصرين الخُنَّث إذا لم تكن هناك ضرورة. وتضيف كاترين هوغندوبل موضحةً: «يجب الضمان بأن يعتمد الاعتراف القانوني للجنس على تقرير الشخص نفسه لمصيره». كما تُنوّه المنظمة الدولية إلى أنَّ على سويسرا أيضاً أن تبذل جهوداً في مجال منح اللجوء للأشخاص المثليين. وتُذكّر بإدانة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان مؤخراً لسويسرا عقب ترحيلها لمواطن غامبي مثليّ.
الكلمة الأخيرة للشعب
علينا أن ننتظر طويلاً قبل حضور أول زواج لشخصين من نفس الجنس في سويسرا. حيث سيعيد مجلس النواب دراسة الملف خلال دورته الشتوية بهدف تسوية الخلافات التي لا زالت قائمة بين الغرفتين. وبحسب مشروع مجلس الشيوخ، سيتم الاعتراف بزوجة الأم البيولوجية للطفل كأم عند الولادة فقط في حال تمَّت عملية الحمل بالمولود الجديد بالاستعانة بأحد بنوك الحيوانات المنوية السويسرية. وتنتقد جمعيات الدفاع عن حقوق المثليين هذا التقييد خشية أن يبقى بعض الأطفال دون حماية قانونية كاملة عند الولادة.
إضافة إلى ذلك، أعلن حزب “الاتحاد الديمقراطي الفدرالي” منذ البداية عن اعتزامه إطلاق استفتاء شعبي ضد مشروع الزواج للجميع. إذ كتب الحزب المسيحي المحافظ الصغير في بيان صادر عنهرابط خارجي: «نحن نرفض هذا التمييع لمؤسسة الزواج». وفي حال تمكن من جمع خمسين ألف توقيع خلال مائة يوم، فسوف يعود القرار الأخير إلى الشعب.
وبالتالي، فإن العملية السياسية لن تنتهي في وقت قريب. ويبدو أنها تتقدم ببطء أكثر من العقليات، حيث أعرب أكثر من 80% من السويسريين عن تأييدهم لزواج الأشخاص من جنس واحد، وفقاً لنتائج دراسة رابط خارجيأُجريت بتكليف من “الصليب الوردي”، وهي الجمعية الأم التي تنضوي تحت سقفها مختلف منظمات المثليين في البلاد.
الحقوق الأسرية للمثليين وثنائيّي الميول وثنائيّي الجنس والمتحولين والمتحررين جنسيًّا: مقارنة دولية للوضع الحالي
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.