مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مراجعة للعام الأول من الجائحة: لم تكن كل توقعاتنا خاطئة!

إيموجين فولكس

بعد مرور عام على بدء انتشار الوباء، لا تزال تٌطرح أسئلة كثيرة. هنا في جنيف، لدينا فرصة التوجّه بهذه الأسئلة إلى قادة العالم في مجال الصحة العامة. 

متى سنحصل على اللقاح؟ متى سنتمكن من مقابلة أصدقائنا مرة أخرى؟ متى ستنتهي هذه الأزمة ونتخلص من هذا الفيروس؟

كان من المثير للاهتمام، مراجعة التقارير بشأن جائحة كوفيد-19على مدى الإثني عشر شهراً الماضية، مما أتاح لنا فرصة تقييم بعض إجابات المعنيين بعد مرور عام كامل.

في هذه الحلقة من بودكاست “داخل جنيف” الخاص بنا، قمت بمراجعة محتوى المقابلات التي أجريت قبل عام تقريباً مع مارغريت هاريس، المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، وكذلك مع فينه كيم نغوين، الطبيب في منظمة أطباء بلا حدود غير الحكومية ومساعد مدير مركز الصحة العالمي التابع لمعهد جنيف للدراسات العليا.

إن الاستماع مرة أخرى إلى ما صرّحا به يثير القلق: لقد توقّعت مارغريت هاريس أن منظمة الصحة العالمية، باعتبارها “الجهة المسؤولة عن حماية الصحة العامة”، ستكون كبش الفداء، عند مواجهة الجميع لتهديد كالذي نواجهه اليوم. وجاء هذا قبل وقت قصير من إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أن الولايات المتحدة ستنسحب من منظمة الصحة العالمية، مستردّة مساهمتها البالغة 450 مليون دولار.

كان موضوع إعادة التزام الولايات المتحدة تجاه منظمة الصحة العالمية أحد نقاط الحوار في حلقة “داخل جنيف” الأخيرة؛ حيث انضم إليّ الصّحفيون توم مايلز وغونيلا فون هول ودانيال فارنر، وذلك لمناقشة كل ما يتعلق بهذا الموضوع، بدءاً من الحماس الجديد لواشنطن تُجاه تعددية الأطراف، وآفاق بعثة منظمة الصحة العالمية إلى الصين، ومستقبل الأمم المتحدة نفسها في جنيف، خاصة وقد أصبحت الدبلوماسية تُمارَس إلى نطاق واسع عبر الاتصالات الإلكترونية الافتراضية.

وبالعودة إلى المقابلات التي قمتُ بإجرائها في أوائل عام 2020، توقع فينه كيم نغوين حدوث “انهيار” في الاقتصاد العالمي. كان ذلك في بداية مرحلة الإغلاق الأول، والذي توقّع معظمنا بكل ثقة أنه سيستمر، في أسوإ الظروف، لبضعة أسابيع لا أكثر. حتى مارغريت هاريس أخبرتني في ذلك الوقت أنها لم تتوقع أن يستمر الإغلاق “لشهور”، واعترفت الأسبوع الماضي قائلة: من الواضح أننا أخطأنا التقدير، أليس كذلك…”.

مع ذلك، فأنا مندهشة من مدى صحة التوقّعات في ذلك الوقت. لقد كان هذا فيروساً جديداً، وقد تسبب بسرعة في انتشار جائحة عالمية لم يكن العالم على استعداد لمواجهتها. ولكي نكون منصفين، فإن منظمة الصحة العالمية حذّرت لسنوات من أن انتشار وباء ما هو أمر حتمي، لكن الحكومات، خاصة في سنوات التقشف التي أعقبت الانهيار المالي عام 2008، كانت غير راغبة في الاستثمار في مجال بدا لها غير واضح المعالم إلى حد ما.

من ناحيتها، كانت سويري مون، وهي أيضاً مديرة مساعدة في “مركز الصحة العالمي”، تعرف أن معظم البلدان لم تكن جاهزة لمواجهة الجائحة؛ فقد كانت هي وزملاؤها المتخصصون في تفشي الأمراض المعدية قد قاموا بوضع أنفسهم في سيناريو حدوث فعلي لجائحة ما، بهدف الوقوف على التحديات الناجمة عنها والتي قد تواجهها الحكومات بدءاً من نقص الإمدادات وانتهاءً بالاضطرابات المجتمعية. وصرحت مون لـ “داخل جنيف” أن ما لم يتوقعوه أبداً هو تردد بعض القادة السياسيين في اتخاذ الاجراءات اللازمة لمواجهة أزمة الوباء. وتوضح قائلة: “لم نتوقع أن تكون ردة فعل بعض الحكومات هي الاستسلام للجائحة، أو أن بعض الحكومات ستُعلن ببساطة أنه لا طائل من محاولة احتواء هذا الوباء”.

ومن الأمور التي استوقفتني ودعتني إلى التأمل عند معاودة الاستماع إلى تقارير العام الماضي، هي تلك التغيّرات التي طرأت على نمط حياتنا خلال هذا العام، وهي تغيرات صغيرة ولكنها تدريجية. ورغم أن فينه كيم نغوين توقع أن تقودنا هذه التغيرات إلى “وضع طبيعي جديد”، إلا أنه لم يستطع وقتها أن يتنبأ كيف سيكون هذا الوضع “الطبيعي الجديد”.

اليوم، نحن نعلم أن ذلك يعني ارتداء الأقنعة، وتجنّب التقارب الاجتماعي بدلاً من البحث عنه، وهو أمر صعب بالنسبة لنا ككائنات بشرية اجتماعية. وهو يعني أيضاً قيامنا بغسل اليدين مرات عديدة لا تعد ولا تحصى، وقيامنا برد فعل عدواني إذا ما اقترب منا شخص ما في السوبر ماركت. إنه يعني العمل من المنزل، وتعليم أطفالنا من المنزل، ويعني كذلك عدم وجود عطلات خارجية، أو الذهاب إلى المتاحف، أو المسارح، أو دور السينما، أو المطاعم، أو الحانات المزدحمة أو إلى مباريات كرة قدم حماسية وصاخبة.

ولكننا نأمل أن يتغيّر هذا الوضع قريباً، وربما علينا أن نأخذ بعين الاعتبار الجانب المشرق من الوضع الطبيعي الجديد؛ الذي يعني أيضاً تطوير لقاحات متعددة في وقت قياسي، وتعاوناً غير مسبوق بين منظمة الصحة العالمية والعلماء وشركات الأدوية والدول الأعضاء للقيام بمبادرة “كوفاكس” COVAX، بهدف ضمان حصول البلدان الفقيرة على اللقاحات.

ورغم أن المبادرة لم تستطع بعدُ أن تحقق هذا الهدف الأساسي الذي كانت منظمة الصحة العالمية تطمح إليه، إلا أنها استطاعت أن تتخطاه وبسرعة إلى ضمان الوصول العادل إلى الأدوية، أكثر من أي برنامج تعاون آخر بين الدول عبر التاريخ.

لقد قرأت مؤخرا مقالة رائعة جداً، تحثنا على التمسك بالأمل وعلى أن نبقى إيجابيين، كالقيام مثلاً بالتخطيط للعطلة الصيفية على الرغم من إمكانية عدم حدوثها فعلياً هذا العام. ولديّ صديقة قد قامت بفعل ذلك – لقد خططت لقضاء عطلة إبحار في اليونان في نهاية أبريل القادم. ومع أنها قد لا تكون قادرة على القيام بهذه الرحلة في ذلك التوقيت، إلا أن مجرد قيامها بالتخطيط لهذه العطلة قد أتاح لها فرصة البحث عن الاستكشافات الجديدة، والتعرف على الموانئ ذات الحانات الجميلة، والخلجان ذات الشواطئ البديعة. 

لكنني أتمعّن أحياناً، في جوانب من حياتنا، كانت تشكّل جزءاً من عاداتنا اليومية قبل حدوث الوباء والتي قد تختفي إلى الأبد. يا ترى، هل سنعاود المصافحة باليد عندما نحيي الناس؟ هل سنستمر بتقبيل أصدقائنا السويسريين بقبلة أو ثلاث قبلات على الخد عند اللقاء بهم؟ أم أن هذه العادات سيتم كتابتها في أطروحة الأنثروبولوجيا الاجتماعية لشخص ما، في وقت ما في القرن الثاني والعشرين، كعادات اجتماعية اختفت بشكل غامض في عام 2020؟

صحيح أننا لا نملك في الوقت الحاضر إجابات على هذه الأسئلة وغيرها، لكننا تعلمنا أموراً كثيرة خلال العام المنصرم. أولاً، لقد أدركنا بأننا أكثر قدرة على التكيّف مع الوضع الطارئ مما كنا نتوقعه؛ لقد تعايشنا مع هذا الوضع الصعب لمدة عام، دون أن يُجن جنوننا. لقد واصلنا العمل، وتحولت المطاعم بشكل ثابت إلى وجبات سريعة، وقد طور المعلمون والأساتذة تقنيات رائعة للتعلم عن بُعد، وأصبحنا جميعاً خبراء في استخدام المنصات الافتراضية مثل “زووم”. (بالمناسبة، هل تعلم أن زووم يحتوي على ميزة “تحسين مظهرك”؟). 

لذلك ربما، وعلى الرغم من هذا الشتاء الطويل القاتم، علينا أن نفخر بأنفسنا في عزيمتنا المطلقة على الاستمرار في مواجهة الصعوبات، واضعين نصب أعيننا دائماً، كما ورد في هذا المقال، أنه “في فسحة الأمل فسحة للحياة”.

دعونا نرى ما سنكون عليه في هذا الوقت من العام المقبل.

المزيد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية