جمعيات عربية تعمل من سويسرا لإغاثة المحتاجين ودعم جهود التنمية
مثلما كانت سويسرا على امتداد العقود الأخيرة تربة خصبة لتطوير شبكة من المنظمات العربية المدافعة عن حقوق الإنسان في بلدانها، وفـّـر مجتمعها المدني محضنا وإطارا مشجعا على ظهور العديد من المُؤسّسات والجمعيات النشيطة في مجالي دعم التنمية ومساعدة المحتاجين في عدد من بلدان المنطقة.
وتؤكد هاجر النجار، التي تنشط ضمن الفرع السويسري لمؤسسة الإغاثة الإسلامية منذ عدة سنوات على أن “القانون السويسري، والنظام الإجتماعي فيها، يشجعان على الإنخراط في الجهود الإنسانية، ويمكّنان من النجاح في هذا الميدان”.
وفيما حرصت بعض هذه المؤسسات على الحفاظ على التمسك بطابعها الأهلي البحت وفضلت الإعتماد على جهودها الخاصة، اختارت بعض الهيئات الأخرى، التعاون بشكل وثيق مع الأمم المتحدة أو مع سفارات البلدان المعنية بأنشطتها كما هو حال “المؤسسة السويسرية المغربية للتنمية المستدامة”، التي تتخذ من جنيف مقرا لها.
وتسعى هذه الأخيرة، كما يذكر موقعها على الإنترنت، من خلال برامجها إلى “تنفيذ مشروعات لفائدة أفراد وعائلات في المناطق الفقيرة، وإلى حث المؤسسات السويسرية على الإستثمار في المغرب بطريقة مستدامة ومسؤولة اجتماعيا، وإلى تعزيز الشراكة الاقتصادية بين سويسرا والمغرب”.
تجاوب مشجّع
ويعود الإنتشار الواسع نسبيا لهذا النوع من المؤسسات والجمعيات إلى التجاوب الكبير الذي تجده أنشطتها سواء من الأجانب المقيمين في البلاد او حتى من الجهات السويسرية، أفرادا ومؤسسات.
في هذا السياق، تؤكد السيدة النجار التي تقطن في كانتون فو أن جهودها ومساعيها “تلقى دوما تفهما وترحيبا من السويسريين” الذين يترجمون ذلك عبر “تقديم المساعدات العينية، والمالية، أو من خلال توفير فضاءات وأماكن عامة لتنظيم حفلات وتظاهرات” يُستغل ريعها لأغراض دعم ومساعدة المحتاجين.
أما محمد عبد العزيز رئيس “جمعية المساعدة السويسرية المصرية للطب البديل”، التي تنشط منذ 15 سنة انطلاقا من زيورخ، وتستثمر جهودها في مساعدة مواطنين مصريين يقطنون في عشوائيات تقع على بعد 30 كلم على الطريق الصحراوية الرابطة بين الإسكندرية والقاهرة، فيرى أن “المجتمع السويسري يبقى (رغم ذلك) متحفظا نسبيا، وهو لا يقدم المساعدة إلا بعد أن يطمئن إلى وجهتها، وإلى سلامة الغرض الذي سوف تصرف إليه”.
“اليد الواحدة لا تصفّق”
عملا بهذه القاعدة البديهية، تعددت الهيئات الإنسانية التي ينتظم داخلها جزء يسير من أبناء الجالية العربية في سويسرا بقصد تقديم العون إلى الفئات الواسعة من أبناء أوطانهم الذين يعانون شتى صنوف الفاقة والحرمان.
هذا الشعور بالمسؤولية هو الذي دفع الدكتور محمّد عبد العزيز، إبن الإسكندرية، إلى إنشاء “الجمعية السويسرية المصرية للطب البديل” في 25 يونيو 1996. وهي تعمل منذ ذلك الحين، على تحقيق هدفيْن أساسيْين يتمثل الأول في توفير الرعاية الصحية الأساسية لأفراد العائلات الفقيرة، والثاني في منح قروض محدودة الحجم من دون فوائد للعاطلين عن العمل لكي يصنعوا لأنفسهم آفاقا مشرقة.
وتحقيقا للهدف الأوّل، يقول الدكتور عبد العزيز: “أنشأنا في يناير 2009، ثلاث مصحات خاصة بالأطفال مجهزة بأحدث المرافق الصحية، تقدم العلاجات للأطفال الفقراء. كما تم لاحقا افتتاح روضة تتسع لسبعين طفلا، وتتوفّر لهم فيها ألعاب، ودروس تمهيدية، يتعلمون فيها المبادئ الأولى للحساب والقراءة، بما يهيؤهم لدخول المدرسة الابتدائية”.
في نفس الوقت، وتحقيقا للهدف الثاني الذي تأسست من أجله هذه الجمعية، يضيف رئيسها متحدثا إلى swissinfo.ch: “لقد وفّرنا قروضا ميسّرة إلى أمهات أولئك الأطفال لإنشاء مشروعات صغيرة يعيلون من خلالها أطفالهم، ومنحنا قروضا أخرى إلى شبان كثيرين في ميدان التشغيل، كما قمنا بتأهيل عدد لا بأس به من أصحاب الاحتياجات الخاصة، مما ساعدهم على القيام بأنفسهم، وشغل أوقات فراغهم بشكل صحي وبناء”.
من جهتها، تعدد هاجر النجار المشروعات التي قامت بإنجازها منظمتها الخيرية قائلة: “أنشأنا في السنتيْن الأخيرتيْن روضتيْن للأطفال في مدينة غزة، وحفرنا عددا لابأس به من الآبار في رواندا، بالإضافة إلى كفالة العشرات من الأطفال اليتامى، ومنح القروض صغيرة الحجم”.
مساعدات طارئة وأخرى طويلة الأمد
من هذا العمل ما يكون في الأوقات العادية، ومنه ما تستلزمه الكوارث والملمات، من حروب وزلازل وسيول وغيرها. وما يحدث اليوم في ليبيا، ومن قبله في باكستان، وفلسطين، أفضل مثال على إلحاحية هذا العمل، حيث تقوم حاليا جمعية “الإغاثة ليبيا – سويسرا”، ومقرها بجنيف بـ “الإتصال بجهات طبية، من مستشفيات، وأطباء، وعيادات، لكي نتحصل منها على أدوية مجانية أو بأثمان مخفّضة، نعتقد ان المستشفيات الليبية في مدن الشرق محتاجة إليها، ثم نقوم بشحنها إلى القاهرة، لتنقل بعدئذ عن طريق البر إلى ليبيا”، على حد قول رشيد فرحات، أحد المسؤولين فيها.
وقد إستطاعت هذه الجمعية في الفترة القصيرة الأخيرة، دائما بالإستناد إلى السيد فرحات “شحن ثمانية صناديق من الحجم الكبير من الأدوية عن طريق شركة الطيران المصري، كما جمعت مبالغ مالية لابأس بها، ستشترى بها أدوية من القاهرة، لتحوّل بعدئذ إلى ليبيا”. وبالمناسبة، يؤكد السيد فرحات أن “هذه الحملة ونظرا لطابعها الإنساني البحث قد لقيت تعاطفا من جميع الجهات السويسرية التي تمّ الإتصال بها”.
ولا يبدو ان الانتفاضات التي تشهدها البلدان العربية في هذه الآونة سوف تقلص من أهمية هذه المبادرات الإنسانية، بل على العكس سوف تزيد من أهميتها، إذ تم في نهاية الأسبوع الأخير من شهر مارس 2011 إنشاء “جمعية سويسرا – تونس لدعم التنمية المستدامة”، والمتخصصة في العمل على تقديم العون للمناطق التي لم تنل حظها من التنمية في العقود الماضية.
ويتبيّن من خلال الأهداف المعلن عنها، أن هذه الجمعية تريد أن تلعب دور الوسيط بين المؤسسات السويسرية الداعمة للتنمية والمؤسسات الأهلية التونسية الناشطة في المجال، كما سوف تبذل جهود في مجال تشغيل وتكوين الشباب، وتوفير تمويلات لمشاريع حيوية من شانها الإرتقاء بالوضع التنموي في المناطق المنسية.
تنشط في سويسرا العديد من المنظمات والهيئات التي أسسها عرب مقيمون في الكنفدرالية من أجل تحقيق أغراض تنموية وإنسانية تشمل حشد المساعدة والعون للفقراء والمحتاجين في البلدان العربية، وهذا تعريف موجز بالبعض منها:
منظمة الإغاثة الليبية – سويسرا
هي هيئة غير ربحية تأسست سنة 2011 وفق المادة 60 من القانون المدني السويسري. وهي منظمة غير سياسية.
تهدف هذه الهيئة إلى تقديم العون الإنساني إلى ضحايا النزاع المسلح في ليبيا. وتسعى إلى مراقبة الوضع في ضوء القانون الإنساني للأمم المتحدة.
لتحقيق أهدافها، تقوم هذه الهيئة بالإتصال بالمؤسسات الصحية في سويسرا لجمع الادوية والمساعدات المالية لإشتراء الأدوية والعلاجات لمساعدة ضحايا النزاع في ليبيا.
كذلك تسعى إلى تأسيس مراكز للإغاثة في مناطق الشرق الليبي، وإرسال فرق إنسانية لتقييم الإحتياجات الميدانية الصحية والغذائية للسكان في ليبيا.
المنظمة السويسرية المصرية للطب البديل
تأسست هذه المنظمة في يناير 1996 في زيورخ على يد الدكتور المصري الجنسية الدكتور محمد عبد العزيز، وتضم هذه المنظمة في عضويتها أزيد من 30 عضوا.
تقدم هذه المنظمة المساعدة لسكان عدد من الأحياء الفقيرة الواقعة خارج مدينة الإسكندرية، ويستفيد من مشروعاتها خاصة الاطفال والنساء وأصحاب الاحتياجات الخاصة.
أنشأت هذه المنظمة ثلاث مصحات خاصة لمعالجة الاطفال، وروضة تتسع لسبعين طفلا، وقدمت قروض ميسرة وصغيرة لمساعدة النساء الفقيرات لمساعدتهن على رعاية أطفالهن.
جمعية مساعدة بيت ساحور
نشأت جمعية “مساعدة بيت ساحور”، التي سميت لاحقا “مساعدة بيت ساحور- فلسطين” رسميا سنة 1990، بمدينة فريبورغ السويسرية بمبادرة من ناجي وجميلة عواد من اجل تقديم المساعدة المادية والطبية لسكان هذه القرية الفلسطينية.
عمليا تتوزع المساعدات على النحو التالي:
مركز بيت ساحور الطبي: الذي تاسس في عام 1989، والذي يوظف أزيد من 100 عاملا ، والمعتمد لدى وزارة الصحة التابعة للسلطة الفلسطينية، ويقدم خدماته لجميع المحتاجين للعلاج من بيت ساحور على الخليل، من دون أي تمييز بسبب الجنس او الدين، وبأسعار منخفضة جدا بالمقارنة مع المرافق الطبية الأخرى في المنطقة، بل ومجانية بالنسبة للمحتاجين والفقراء.
وكذلك تقدم المساعدة للطلبة بالمدارس بالنسبة لابناء العائلات الفقيرة، وتصل المساعدات مباشرة إلى إدارة المدارس المعنية من دون أن تمر بأولياء الأطفال، ويتعلق الامر هنا بالمدارس المسيحية، وقوائم المستفيدين تحددها إدارات تلك المدارس.
مؤسسة “ألتيا” – الصحة والتربية للجميع
أُنشأت في عام 2002 بمدينة “بويي” في كانتون فو السويسري، كمنظمة غير حكومية لها وضع معترف به كمؤسسة تعمل من أجل الصالح العام.
تهدف إلى محاربة العمى وتوفير الرعاية البصرية للسكان المحرومين في الدول النامية، وتدعم تمدرس التلاميذ عبر تصحيح بصرهم وتزويدهم بالنظارات البصرية التي تجهزها في عين المكان.
تضم المؤسسة 3 أعضاء في سويسرا (من بينهم المؤسسة والرئيسة نزهة الإدريسي ونائبها طبيب العيون الدكتور جون جاك تريتن)، و5 آخرين في فرعها بفرنسا، ولجنة دعم تتكون من 50 مانحا وفيا. ولها حوالي عشرة شركاء، خاصة في سويسرا وفرنسا والمغرب.
وقد بادر بتشكيل هذه الهيئة عدد من أبناء الجالية التونسية في سويسرا يقيم اغلبهم في الكانتونات الناطقة بالفرنسية، وتأمل هذه الجمعية – على حد قول هاجر النجّار التي شاركت في تأسيسها – أن “توحد جهود ابناء الجالية التونسية في سويسرا، وأن تستفيد من كرم الجالية العربية، وأن تتمكّن في مستوى ثالث من استثمار الإمكانات الكثيرة المتاحة في سويسرا على مستوى الأفراد والمؤسسات لخدمة أهداف التنمية المستدامة في تونس”.
في سياق مماثل، تعتزم “الجمعية السويسرية المصرية للطب البديل”، هي الأخرى مواصلة جهودها وربما تنميتها وتكثيفها، رغم التغيير الذي حصل في مصر. ويقول الدكتور محمد عبد العزيز: “تواجه الحكومة الإنتقالية المصرية تحديات جسيمة، ولا أعتقد أن الظروف الحالية سوف تسمح لها بأن تهتم بالعشوائيات (الأحياء الفقيرة)، لذا نحن قررنا مواصلة عملنا، بل سوف نطوّره في حدود إمكاناتنا”.
وفي المستقبل، فإنه من المحتمل أن يُساعد هذا الإصرار والحرص على تحقيق الأهداف التي بُعثت من أجلها هذه المؤسسات على النجاح في كسب ثقة أبناء الجاليات العربية المهاجرة، وكذلك الفوز بثقة الشركاء السويسريين الرسميين والشعبيين على حد السواء، مما قد يحوّل هذه المنظمات والهيئات إلى وسيط فعّال يربط الصلة بين المؤسسات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني في كل من سويسرا وبلدان العالم العربي مشرقا ومغربا.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.