مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حجاب اللاعبة العراقية سُرى الشوك.. حادث معزول أم عنوان مرحلة؟

Boris Bürgisser/Neue LZ

لم يمنع تفوّق سُرى الشوك، اللاعبة العراقية السويسرية المحترفة بأحد نوادي كرة السلة بكانتون لوتسرن، والعلاقة الوطيدة التي تربطها بزميلاتها، وبالمسؤولين في النادي، والجهود الكبيرة التي بذلتها من أجل الإندماج في محيطها من أن تجد هذه الفتاة نفسها بعد عقد من ممارستها لهذه الرياضة أمام خياريْن كلاهما مر بالنسبة إليها: التخلّي عن حجابها الإسلامي، أو الانقطاع عن متابعة مشوارها الاحترافي.

مشكلة سُرى تفجّرت عندما قرر اتحاد كرة السلة السويسري منعها من اللعب مع فريق رياضي التحقت به حديثا، ينتمي إلى رابطة نوادي الكانتونات الناطقة بالألمانية، ما لم تنزع حجابها الذي قررت ارتداءه منذ سنتيْن، وهي الخطوة التي لم تجد حينذاك اعتراضا لا من طرف ناديها ولا من المسؤولين في كانتون لوتسرن.

ويبرر المسؤولون في اتحاد كرة السلة السويسري قرارهم بالإستناد إلى لوائح الإتحاد الدولي لكرة السلة التي تحظر على اللاعبين واللاعبات حمل رموز دينية أثناء المباريات، بدعوى أن هذه الرموز تثير العصبيات في صفوف الرياضيين، وتشكل خطرا عليهم.

وحول هذه القضية، نقل عن فرانسوا ستمبفيل، رئيس اتحاد كرة السلة قوله: “لقد طلبنا رأي الفدرالية الدولية لكرة السلة. والقوانين التي بُلّغنا بها تنص بوضوح على حظر الرموز الدينية، محافظة على مبدأيْ الحياد الديني والسياسي”.

لكن هذه التبريرات لا تقنع اللاعبة العراقية التي أعربت في حديثها لـ swissinfo.ch عن مشاعر السخط والغضب التي تنتابها إزاء هذا القرار الذي تصفه “بالظالم وغير العادل”، وتقول: “هذا القرار جاء متأخّرا جدا، والحال أنّي ألعب بحجابي منذ سنة ونصف تقريبا، والكثير من اللاعبين واللاعبات يحملون على أجسادهم أوشاما ورموزا دينية مسيحية فلا يعترض عليهم أحد”.

“قرار ساذج ومحبط”

حيدر الشوك، والد سُرى، بدروه يستغرب لهذا القرار الذي يراه مخيبا للآمال، فهو يقول إنه لم يأل جهدا من أجل أن يجعل من عائلته وأبنائه نموذجا لأقرانهم من العراقيين والعرب في مجال التواصل والإندماج وبناء مستقبلهم في سويسرا، البلد الذي لم يتأخر في منحهم حق اللجوء والحماية في وقت كان يقتّل فيه الشعب العراقي بمختلف طوائفه.

ويضيف السيد الشوك: “ربيت أبنائي منذ قدومنا إلى سويسرا مطلع سنة 2000، على الانفتاح على أبناء البلد، وأن يتكيّفوا مع محيطهم الثقافي في احترام لحدود الأدب والأصول. وكان أبنائي مندمجين في المدارس وخارجها”.

وفعلا ينتمي أربعة من أبناء السيد حيدر الشوك إلى نوادي رياضية في لوتسرن، وهو نفسه يمارس الرياضة، وعيا منه بالدور الذي تلعبه الرياضة في بناء الشخصية السليمة وتيسير التواصل الاجتماعي مع المحيط، مثله مثل من يختار الإندماج عن طريق العمل، أو الانتماء إلى هيئات وأحزاب سياسية، أو تعلم اللغات وممارسة الفنون.

وأما عن علاقة أبنائه بزملائهم السويسريين، وبمحيطهم، يضيف: “تجمعهم بأقرانهم علاقة ممتازة ووطيدة، يشاطرونهم أفراحهم من أعياد ميلاد، وحفلات الزواج، كما يشاركونهم أتراحهم، فيذهبون معهم إلى الكنائس وإلى المقابر عند حصول وفاة مثلا، ويتعاملون مع الآخرين، كأنهم منهم، دون تفريط في ثقافتهم وهويتهم الإسلامية”.

تأييد واسع

رغم إصرار اتحاد كرة السلة السويسري على تنفيذ قراره بمنع سُرى الشوك من القيام بتدريباتها الرياضية أو المشاركة في أي مباراة مع ناديها تحت طائل التهديد باعتبار النادي منهزما آليا في أي مباراة تشارك فيها سُرى، تبدو هذه الأخيرة عازمة على تحدي هذا القرار، متسلحة بالدعم الذي تجده من ناديها وعائلتها، وأوساط سياسية وقانونية ودينية إسلامية وغير إسلامية، وشريحة واسعة من الجالية العراقية ومؤسساتها المختلفة.

وفي بيان منشور على موقع نادي STV لكرة السلة بلوتسرن الذي تلعب سُرى في صفوفه نقرأ: “لم نسع لإثارة هذا الموضوع من قبل.. لكننا نؤيّد وندعم سُرى الشوك في سعيها لمواصلة ممارستها النشطة لرياضة كرة السلة، وللمشاركة في البطولات المنظمة في هذا الإطار”. ولا يختلف عن ذلك أيضا موقف مدرّب النادي دانيغال برانكوفيك، الذي لا يتفهّم قرار اتحاد كرة السلة، وبالنسبة إليه فإن “الحجاب الإسلامي لا يمثّل أي خطر على اللاعبين، ولا يعرقل بأي شكل من الأشكال مجريات اللعب”.

هذا القرار لم يترك أحدا على الحياد، فقد نددت اللجنة الفدرالية لمكافحة العنصرية، نقلا عن صحيفة “لوتون”، الصادرة بجنيف والناطقة بالفرنسية، بما اعتبرته “تعديا سافرا من اتحاد كرة السلة السويسري على حرية اعتقاد الفتاة العرقية”. المصدر نفسه أيضا أشار إلى أن أغلب ممثلي الأحزاب السياسية في لوتسرن أعربوا عن موقف داعم لسُرى، باستثناء حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) الذي يدعم بوضوح حظر الحجاب. وبهذا الصدد يقول سيمون شينك، النائب البرلماني الممثل لكانتون زيورخ: “على الفتاة العراقية أن تترك جانبا أفكارها الدينية على الأقل خلال وجودها على أرضية الملاعب”.

وتعتزم سُرى رفع شكوى قضائية ضد اتحاد كرة السلة السويسري، وتقول إن شخصيات قانونية عديدة وعدتها بتقديم المساعدة، وتضيف الفتاة العراقية: “في الأيام القليلة الماضية، اتصل بي محام سويسري مشهور من جنيف وقدّم لي توجيهات محددة حول الخطوات التي عليّ إتباعها، كما تلقيّت اتصالا هاتفيا من أستاذ في القانون بجامعة برن، ويعمل أيضا محاميا، وأعلمني بأن عددا كبيرا من المحامين يُبدون انشغالا بقضيتي ويتابعون تطوّراتها”.

أزمة مجتمع أم أزمة أقلية؟

هذه القضية رغم أهمية أبعادها الإنسانية والقانونية، لا تمثّل سوى غيض من فيض، إذا ما نظرنا للقضايا الشائكة التي تطفو على السطح من حين لآخر، فتسمم العلاقة بين الأقلية المسلمة في سويسرا من ناحية، والمجتمع المحلي ومؤسساته المختلفة من ناحية أخرى.

وما مبادرة حظر المآذن التي من المنتظر أن تعرض في استفتاء عام في موفى نوفمبر القادم، أو قرار المحكمة الفدرالية العليا بلوزان التي أبطلت دعوى مواطن تونسي رفعها ضد مدرسة بشافهاوزن رفضت منح أبنائه استثناء من السباحة المختلطة، أو المرأة المسلمة بفريبورغ التي حرمت من المساعدة الاجتماعية لكونها رفضت عملا يشترط فيه صاحبة عليها نزع حجابها،… إلا دلالة واضحة على أن الطرفيْن في هذه المعادلة الاجتماعية مدعوان إلى مزيد من الانفتاح، وإلى الانخراط بقوة في حوار مثمر ومسؤول.

ويرى قاسم المرشدي، وهو إعلامي عراقي متابع للشؤون السويسرية أنه “من المنطقي أن تواجه الجالية المسلمة حديثة العهد في سويسرا بعض العوائق وبعض الصعوبات، ولكن شيئا فشيئا ستتطوّر الأوضاع إيجابيا، ولا اعتقد أن سويسرا ستصل إلى ما وصلت إليه بلدان أخرى مثل فرنسا”.

أما الطريق إلى ذلك فيمرّ – حسب رأيه – عبر “تكثيف اللقاءات بين المؤسسات العربية والإسلامية، وبين المسؤولين في هذا البلد، وعبر الإنخراط في حوارات هادئة، وتعزيز صف من يدعو على الحوار والتفاهم من الطرفيْن”.

ويتمنى هذا الإعلامي العراقي أن “تخصص الدول العربية والإسلامية الغنية موارد كافية لدعم الإعلام العربي الجاد والمستقل الذي يستطيع أن يساهم في نقل صورة ناصعة عن الإسلام المتسامح والمتحضّر”.

من جهته، يدعو كريم السماوي، الناطق باسم المركز الإسلامي العراقي بسويسرا (زيورخ) منظمات الجالية المسلمة إلى الالتقاء على كلمة سواء بينها، ونبذ الاختلافات الجزئية، التي بالنسبة إليه “لا ترتقي على مصاف الخلاف، ولا تخرج عن دائرة التعدد والتنوع”.

ويعتقد السيد السماوي بأن “النظام السويسري نظام ديمقراطي” وأنه “يتعيّن على قادة الجالية المسلمة الإستفادة من الفرص التي يتيحها من أجل تجنيب المسلمين الممارسات العنصرية، ومن أجل العمل على ضمان السلم الأهلي والديني في هذا المجتمع”.

وفي إنتظار ما ستسفر عليه حالة التجاذب بين مجتمع يضيق إلى حد ما بإحدى طوائفه، وطائفة ترفض التنازل بسهولة عن جزء من مكوناتها الدينية والثقافية، سيظل المشوار الرياضي لهذه الفتاة العراقية الطموحة وإخواتها معلقا إلى حين حدوث تراجع طوعي من اتحاد كرة السلة السويسري أو صدور حكم قضائي يحسم المسألة ويضع الأمور في نصابها.

عبد الحفيظ العبدلي – برن – swissinfo.ch

حسب الإحصاء الفدرالي لعام 2000، يبلغ عدد المسلمين في سويسرا 310807 شخص.
في عام 1970، كان عددهم 16353 ثم ارتفع إلى 56625 في عام 1980 وإلى 152217 في 1990.
90% من مسلمي سويسرا ينحدرون من تركيا ودول البلقان.
نسبة العرب لا تتجاوز 5,6%. أما الشبان الذين تقل أعمارهم عن 25 عاما فيمثلون النصف تقريبا إذ يصل عددهم إلى 151815. فيما لا تتعدى نسبة الحاصلين على الجنسية السويسرية 11,75% من مجموع الجالية المسلمة في سويسرا.
معظم أبناء الجالية المسلمة يعيشون في المدن وينتمون للجيل الثاني من الأجانب.
حسب دراسة “الحياة المسلمة في سويسرا” (التي نشرت نتائجها عام 2005)، لا يمكن وصف غالبية الجالية المسلمة في سويسرا من الملتزمين تماما بأداء الفروض الدينية.

تصدرت العديد من القضايا ذات العلاقة بحياة الجالية المسلمة في سويسرا في السنوات الأخيرة عناوين الصحف السويسرية، وتتعلق أغلبها إما بالحجاب الإسلامي، أو بحياة الأطفال المسلمين في المدارس الرسمية، أو بقضايا المقابر الإسلامية، أو بناء المآذن…، إلخ.

وفي كل مرة، ينقسم المجتمع السويسري بين مؤيّد ومتفهّم لتلك المطالب، وبين معارض يدعو الأقلية المسلمة إلى الإلتزام التام بالقواعد والقوانين الساري العمل بها أو مغادرة البلاد.

ومن أجل الوصول إلى تفاهم مشترك، عقدت وازرة العدل والشرطة العديد من اللقاءات مع القيادات المسلمة في البلاد، وذلك في غضون السنتيْن الماضيتينن وينتظر أن يعقد لقاء آخر في نفس الإطار خلال الفترة القريبة القادمة.

وفي السنة الماضية أيضا تقدمت مجموعات يمينية متشددة بمبادرة شعبية لحظر تشييد المآذن في سويسرا، وتخشى الحكومة السويسرية والدوائر الإقتصادية في البلاد من أن يؤدي التصويت على هذه المبادرة، الذي تقرر تنظيمه يوم 29 نوفمبر 2009، إلى إقرار هذا الحظر، ومن شأن ذلك أن يضر كثيرا بصورة سويسرا في الخارج، وخاصة في العالم الإسلامي.

ويوم 2 سبتمبر الجاري، عبّر مجلس الاديان في سويسرا، والذي يضم في عضويته ممثلين عن الكنائس المسيحية وعن الطائفة اليهودية والجالية المسلمة، عن رفضه الشديد لمبادرة حظر المآذن، داعيا إلى تشجيع اندماج الجالية المسلمة بدلا من إشاعة مشاعر الكراهية إزاءها والخوف منها.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية