حراك متواصل .. يفتقر إلى الفعالية والوضوح في الرؤية
أنهى المنتدى الاجتماعي العالمي دورته الرابعة عشر التي عقدها في تونس من 26 إلى 30 مارس 2015، وذلك للمرة الثانية على التوالي دعما من منظميه لتونس ولديمقراطيتها الناشئة، وأصبح المطلوب الآن هو أن يقيّم نشطاء المجتمع المدني العالمي بمختلف جنسياتهم ومكوناتهم مردود هذه التظاهرة الضخمة التي عندما انطلقت في أول دورة لها بمدينة بورتو أليغري البرازيلية عام 2001 بحضور 12 ألف شخص قبل ان يصبحوا 60 ألف في السنة الموالية وبنفس المكان، حملت يومها حلما كبيرا لخّصه شعار رفعه البعض "عالم آخر ممكن".
بعد أربعة عشر عاما هل لا يزال السعي إلى عالم جديد أكثر عدلا وأنسنة هدفا يستحق النضال من أجله ؟
يعتقد الكثيرون ممن شاركوا في فعاليات المنتدىرابط خارجي هذه السنة أن هذا الفضاء المفتوح، والذي بقي يجمع كل فعاليات “الحركة العالمية لمناهضة العولمة ” فقد الكثير من ملامحه الأساسية، واعتبره البعض قد أصبح أقرب الى مناسبة للسياحة والتعارف أكثر من كونه فرصة للتأثير وتقديم البدائل. لكن البعض الآخر لا يزال يدافع عن المبادرة وعن ضرورة استمراريتها رغم ما أصابها من ضعف وفتور.
انفتاح في التنظيم وشمولية في القضايا
لقد حافظ المنتدى على انفتاحه على جميع الأطراف والفعاليات، كما أن المشرفين عليه وإن تجددت عضوياتهم إلا أنهم واصلوا التزامهم بعدم التدخل في أنشطة مختلف الجمعيات المشاركة فيه، والتي بلغ عددها 5000 جمعية مثلت 121 دولة، مادامت هذه الجمعيات تحترم الضوابط الادارية وتتجنب العنف في نشاطاتها، أو التمييز بين المشاركين، ولا تكون ممثلة لأحزاب سياسية، لأن من بين أهداف المنتدى تقوية المجتمع المدني العالمي والاعتماد عليه في نشر الأفكار والقيم الجديدة.
وعلى هذا الأساس شهد المركب الجامعي بتونس العاصمة تنظيم عشرات الورشات والندوات والتظاهرات المتنوعة شملت مختلف القضايا التي تشغل الانسانية في هذه المرحلة، أو تندرج ضمن الاهتمامات الخاصة لبعض الجمعيات والفئات.
كانت قضية الإرهاب حاضرة بقوة في معظم الورشات، بل تم افتتاح المنتدى بتنظيم مسيرة ضخمة تحت شعار “شعوب العالم موحدة ضد الإرهاب”، وارتفعت حناجر المشاركين بكل اللغات، في تحدي للجماعات التي خططت وساندت الهجوم على متحف باردو.
كما جاء أوروبيون ليؤكدوا على أن أوروبا لم تعد مختلفة عن غيرها، فهي مع تداعيات الأزمة المالية العالمية أخذت تتآكل فيها المكاسب الاجتماعية التي كانت تفتخر بها من قبل، وانخرطت بدورها في اللجوء الى رفع الضرائب والزيادة في أسعار المواد الغذائية التي يستهلكها الفقراء، وذلك في مسعى لتغطية العجز وتحقيق سياسة التقشف التي يفرضها البنك الدولي على جميع الدول بما في ذلك الدول الفقيرة. وتبين اليوم أن 73 بالمائة من سكان العالم لا يتمتعون بالحماية الاجتماعية.وقال بعض البرلمانيين الأوروبيين ان حكوماتهم أصبحت اليوم مشغولة بحماية المستثمرين أكثر من حماية مواطنيها.
كما توقف نشطاء عرب وغربيون ليتساءلوا عن مآل الربيع العربي. وأجمعوا على أن هذا الربيع هو عملية افتراضية تبخرت في كل الدول العربية التي شهدت ثورات أو حركات احتجاجية باستثناء تونس. وقد كرم المشاركون التجربة التونسية بأشكال متعددة، وعبروا عن تضامنهم القوي معها ضد الارهاب، ولم يتغيب منهم أحد رغم حادثة الهجوم على متحف باردو، وتجمعوا أمام مبنى البرلمان رغم غزارة الأمطار التي نزلت يومها.
هاجم البعض الحركات الاسلامية وحملوها مسؤولية فشل الانتقال الديمقراطي السلمي في دول المنطقة، ولكن في المقابل أكد اسلاميون وغيرهم على أن أسباب الفشل أو التعثر عديدة ومعقدة، ولا يتحملون لوحدهم مسؤولية ذلك.
كما حضرت أيضا قضايا البيئة ومستقبل الزراعة في العالم، وهناك من انتقد بشدة الأنظمة القانونية المتحكمة في التجارة العالمية بدعم من منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي، وأبرزت شبكات منظمة المخاطر التي أصبحت تهدد الحق في الصحة بسبب تحويل هذا الحق الأساسي إلى سلعة تخضع لقواعد السوق.
افتقار للرؤية ونقص في التأثير
لئن حافظ المنتدى الاجتماعي العالمي على طابعه الاحتجاجي، الى جانب تركيزه المتواصل على البعد الاقتصادي والاجتماعي، دون إهمال البعد السياسي وإلحاحه على المسألة الديمقراطية وتمسكه بالنضال من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين. لكن في المقابل لا يلاحظ حصول تقدم جدي في مجال إنجاز بدائل ملموسة وقادرة على التعبئة والتحول إلى سياسات قابلة للتنفيذ. فالتيار الغالب داخل المنتدى لا يزال يعتمد التجييش ورفع شعارات مشحونة بالاحتجاج والتنديد بالإمبريالية واختيارات مؤسسات التمويل الدولية.
لقد أصبح الفارق واضحا بين ما يجري في اجتماعات ومؤتمرات دافوسرابط خارجي الذي تطبخ فيه السياسات الدولية، وبين ما يحصل داخل دوائر ورشات المنتدى الاجتماعي العالمي، الذي اخفق في أن يصبح شريكا كفئا يستطع أن يغير بعضا من ملامح العولمة المهيمنة، والمعمقة للفوارق بين الشعوب والمناطق والأفراد. كما عجزت مختلف تيارات مناهضة العولمة، سواء الراديكالية منها أو المعتدلة، عن تأسيس منوال تنمية جديد يمكنه أن يغير الفكر الاقتصادي العالمي، ويجعله يفك الارتباط بالليبرالية الجديدة، التي وإن تعرضت للانتقاد الشديد، حتى من داخل أوساط البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، إلا أنها لا تزال تمسك بزمام المبادرة على الصعيد العالمي.
لا يعني ذلك أن الفكر الاجتماعي البديل لم يتقدم مطلقا، ولكن الحركة العالمية لمناهضة العولمة لا تزال مكبلة بعوائق عديدة. ومن هذه العوائق التي أصبح يتحدث عنها بعض النشطاء، وتم تداولها في عدد لا يزال محدودا من دوائر المنتدى الاجتماعي، هو هيمنة الحكومات الغربية على مؤسسات تمويل منظمات المجتمع المدني الأوروبية والأمريكية إلى جانب منظمات العالم الثالث.
فالتحكم في حجم الأموال التي، وأن تراجعت تحت وقع الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، إلا أن ارتباطها بشروط الأجندة السياسية والاقتصادية للحكومات، بدأ يحد من استقلالية عدد واسع من المنظمات غير الحكومية، وأخذ يضغط في اتجاه الحد من حجم النقد الموجه للسياسات الغربية، ويقلل من فرص بناء بدائل حقيقية ومؤثرة.
حضور أزيد من ألف ناشط
أعلنت أزيد من 4300 منظمة وجمعية من 120 بلد مشاركتها في المنتدى الاجتماعي العالمي التي انعقدت في تونس بين 24 و28 مارس 2015، تحت شعار “الكرامة والحقوق”. وقرابة عدد الحضور الذين واكبوا الدورة أزيد من 70.000 شخص، ونظمت أكثر من ألف فعالية بين ورشات ومؤتمرات ومناقشات.
نجح المنظّمون في طمأنة المشاركين بشأن الضمانات الأمنية خاصة وأن هذه الدورة التي استضافتها تونس للمرة الثانية خلال السنتيْن الأخيرتيْن قد أعقبت الهجوم الدموي الذي استهدف متحف باردو في 18 مارس 2015، وأودى بحياة 22 شخصا. وقد عقد المنظمون عدة لقاءات مع ممثلين عن وزارة الداخلية التونسية، واتخذت تدابير استثنائية لتأمين هذه التظاهرة شملت اماكن الأنشطة والفعاليات، وأيضا الفنادق التي نزل بها ضيوف تونس.
تأسس المنتدى الإجتماعي العالمي في بورتو أليغري سنة 2001، كردّ على المنتدى الإقتصادي العالمي بالمنتجع السويسري، دافوس، القريب من زيورخ. وهدف المنتدى الإجتماعي الذي هو “لقاء مفتوح” منذ نشأته إلى ابتكار بدائل “للنيوليبرالية، التي يسعى رأس مال إلى الهيمنة على العالم من خلالها”، وإلى مقارعة “كل أشكال الإمبريالية”. ورفع المنتدى شعار “عالم آخر ممكن”، بعيدا عن أي انتماءات حزبية او ارتباطات بالحكومات.
بعد نيروبي 2007، وداكار 2011، وتونس 2013، عقد المنتدى للمرة الرابعة دورته في بلد إفريقي.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.