لا بد من ضمان عدم تهميش التعليم أو نسيانه في حالات الطوارئ
غالباً ما تستحوذ الأزمات الإنسانية المستمرّة على نشراتنا الإخبارية: يفرّ السكّان من مناطق النزاعات أو من مناطق الكوارث الطبيعية. تهرع وكالات الإغاثة إلى المواقع التي تدور فيها الأحداث التي نقوم نحن الصحفيون بتغطيتها.
في الأثناء، تتوارد إلى أسماعنا احتياجات المنكوبين؛ للمأوى والغذاء والماء والأدوية. كما تتوارد الاحصاءات عن عدد الخيام والمواد الغذائية وغير الغذائية وليترات المياه التي تم توفيرها. هذه هي الاحتياجات الضرورية التي ستبعد عن الناس، في الأيام القادمة، شبح الموت.
ولكن، هناك قضية أخرى لا تقل أهمية في حالات الطوارئ عن تأمين هذه الاحتياجات، وهي قضية يعتقد رئيس وحدة المساعدات الإنسانية السويسرية، السفير مانويل بيسلر، بأنها “منقذة للأرواح”، ليس خلال الأزمة الحالية فحسب، بل وللسنوات المقبلة أيضاً. إنها قضية التعليم.
في هذه المقالة نلقي نظرة عميقة على آلية التعليم في حالات الطوارئ؛ التحديات التي تواجهها والأولويات المباشرة والأهداف بعيدة المدى. ويجري الحديث حاليّاً عن مشروع جديد في جنيف يهدف، كما أخبرت ياسمين شريف مديرة الصندوق العالمي للتعليم في حالات الطوارئ والأزمات طويلة الأمد “التعليم لا يمكن أن ينتظر”، التابع للأمم المتحدة، إلى التشبيك بين جميع الجوانب والوكالات المختلفة المعنية بشؤون التعليم في حالات الطوارئ.
في هذه المقالة أيضا أتحدّث إلى كلّ من شريف وبيسلر رئيس القسم السويسري للمساعدات الإنسانية، وإلى جوليان فيبون، منسقة مجموعة التعليم في اليونيسف في السودان، والتي قدّمت وصفاً تفصيلياً لآلية عملها، يبعث على التأمل والتفكير.
“التعليم هو المفتاح”
تشير الإحصائيات في عام 2021، إلى أن هناك ما يقدر بنحو 72 مليون طفل في جميع أنحاء العالم غير منتسبين إلى المدارس في مرحلة التعليم الابتدائي – وعندما تضيف أعداد غير المنتسبين إلى المرحلة الثانوية، يرتفع هذا الرقم إلى 280 مليون. هذا الواقع له تداعيات طويلة المدى: أكثر من 700 مليون من الأشخاص البالغين يعانون من صعوبات في القراءة والكتابة. كما يسهم نقص التعليم في الحد من الخيارات المتاحة للعمل ويؤدي إلى استمرار آفة الفقر وانعدام الأمن الاجتماعي.
إن أحد أهداف التنمية المستدامة الرئيسية للأمم المتحدة يتمثل في ضمان توفير سبل الحصول على تعليم ابتدائي وثانوي عالي الجودة للجميع بحلول عام 2030. ومع تزايد أعداد الأطفال الذين تتوفر لهم سبل الحصول على التعليم والبقاء في المدرسة لفترة أطول، تمّ إحراز تقدم كبير في هذا المجال. ولكن في نفس الوقت، مع وجود الصراعات القديمة التي لا تتوقف، والصراعات الجديدة التي تندلع، يجد الأطفال أنفسهم مجبرين على ترك المدرسة.
عندما يضطر الأطفال إلى الفرار من منازلهم، يتعرّضون إلى أخطار مباشرة: الاستغلال الجنسي، أو الانخراط قسرياّ في عمالة الأطفال، أو التجنيد في الجماعات المسلحة. لهذا السبب تعمل فيبون والفريق التابع لها في السودان بدون كلل على إنشاء المدارس وتشغيلها بأسرع ما يمكن. وفي حالات الطوارئ، لا توفر عملية التعليم استمرار التحصيل العلمي فحسب، بل وتوفر أيضاً مساحة آمنة ومحمية للأطفال، حيث يمكنهم على الأقل في ظل الظروف القائمة في البلاد، الاستمتاع بمظهر من مظاهر الحياة الطبيعية.
عندما بدأ اللاجئون من منطقة تيغراي الإثيوبية بالتدفق عبر الحدود إلى السودان، كما أخبرتني فيبون، تمكن المجلس النرويجي للاجئين من تجميع منشآت المدارس في خلال سبعة أيام فقط – وهذه المدة تُعتبر بدون شك، رقماً قياسياً عالمياً؛ فكلما كانت فترة الانقطاع عن الدراسة أقصر، كلما زادت حظوظ قدرة الأطفال على مواصلة تعليمهم بنجاح. وعلى هذا النحو أيضاً، فكلما طالت فترة الانقطاع عن الدراسة، كلما تقلّصت أو انعدمت حظوظ عودتهم إلى المدرسة.
في هذا السياق، عندما ركزت الأمم المتحدة على التعليم في أهداف التنمية المستدامة، قامت بذلك من منطلق علمها أن فرص الذهاب إلى المدرسة تعود بالفائدة على الطفل نفسه وعلى مجتمع الطفل والمجتمع بشكل عام. وتوضح فيبون قائلة: “إذا كنا نريد المساواة بين الجنسين، والاستثمار في التعليم، وإذا أردنا الحد من آفة الفقر، والقضاء على الجوع، وكذلك انجاح مبادرات بناء السلام، فإن التعليم هو المفتاح بالتأكيد”.
أما شريف فتقول: “بدون تلقّي التعليم، سيجد الأطفال أنفسهم معتمدين على الغير في تأمين سبل العيش، وسيكونون ضحايا هذا الحرمان من التعليم، وفي هذه الحالة، لن يكون بإمكاننا أن نعوّل على مناعتهم في مواجهة التحديات وقدرتهم على الصمود من أجل أن يصبحوا صانعي التغيير”، على حد تعبيرها.
ويضيف بيسلر تأكيداً على ما تقوله شريف: “إن التحصيل العلمي في حالات الطوارئ للأطفال يوفر لهم في نفس الوقت معلومات حيوية حول كيفية التصرّف في حال رؤيتهم لذخائر غير منفجرة – وكيفية التصرّف خلال أوقات الجائحة، فالمعلومات والإرشادات التي يوفّرها التعليم لها أهميتها في معرفة واكتساب الوسائل المتعلّقة بالحماية”، على حد تعبيره.
أفضل استثمار
لطالما ركزت وكالات الإغاثة على عملية التعليم في حالات الطوارئ، وسيكون من الخطإ الاعتقاد بأن هذه العملية تأتي دائماً في المراتب الثانوية للأولويات خلال أزمة إنسانية ما. لكنها في بعض الأحيان تنزلق إلى أسفل قائمة الأولويات لمجرد وجود العديد من الأمور الأخرى التي يجب القيام بها والتي تبدو للوهلة الأولى أكثر إلحاحاً.
وفي مبادرة من شأنها ضمان أن يكون التعليم دائماً أولوية قصوى، اجتمعت الحكومة السويسرية، جنباً إلى جنب مع ممثلين عن برنامج “التعليم لا يمكن أن تنتظر”، واليونيسيف، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، ووكالة الأمم المتحدة للاجئين، لإنشاء مركز جديد للتعليم في حالات الطوارئ.
ويرى بيسلر أن هذا الأمر هو بمثابة “حافز… لتوجيه جميع الأنشطة والمشاريع المختلفة” حول التعليم في حالات الطوارئ، وتوفير مركز لتبادل الخبرات والموارد.
ومن المثير للاهتمام، على حد زعمه، أن أزمة كوفيد 19 ستعطي زخماً لالتزام المركز بتعليم الأطفال المتأثرين بالأزمات والنازحين منهم، لأن الوباء، وما تلاه من إغلاق واسع النطاق للمدارس، فتح أعين البلدان الغنية على ما يُمكن أن تكون عليه التداعيات المحتملة للتوقف المفاجئ عن التحصيل العلمي.
“في سويسرا، حيث كان كل شيء على ما يرام ويعمل بانتظام، فجأة ودون سابق إنذار، لم يعد بإمكان الأطفال الذهاب إلى المدارس. لقد شكل هذا الواقع بالنسبة للعديد من العائلات صدمة كبيرة “، على حد قوله.
كل من تحدثتُ إليهم متحمّسون لمناصرة ودعم حق كل طفل في الذهاب إلى المدرسة، مهما كانت الفوضى والأزمات المحيطة بهؤلاء الأطفال، وهم على يقين بأن التعليم هو أفضل استثمار يمكننا القيام به، ليس فقط من أجل مستقبل الأطفال أنفسهم، ولكن أيضاً من أجل مستقبلنا نحن جميعاً ومستقبل كوكبنا.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.