رسائل المسرحي رؤوف بن يغلان للمعنيّين بمشاكل “الحرّاقة”
يعالج الفكاهي المسرحي التونسي رؤوف بن يغلان موضوع الهجرة غير الشرعية، أو ما يُعرف بـ"الحرّاقة"، بطريقة متميزة تسمح بجلب الإنتباه إلى دوافع هذه الهجرة.
وأثناء توقفه لتقديم عرض في جنيف، خص swissinfo.ch بــحوار تحدث فيه عن أسباب اختياره لهذا الموضوع وردود الفعل التي أثارها طرحه لهذه القضية.
بدعوة من جمعية الجالية التونسية بسويسرا، قدّم الفـُـكاهي والمسرحي التونسي المعروف رؤوف بن يغلان مسرحيته “حارق يتمنّى” يوم السبت 8 ديسمبر 2012 في جنيف. هذا العمل الفني الذي سبق أن عرض في عدة مدن تونسية وعربية وغربية، كان فرصة لتعريف الجمهور في جنيف بما يدفع ” حرّاقا ” أو “حارقا” (مثلما يلقب المهاجر غير الشرعي في بلدان شمال إفريقيا) إلى المغامرة جريا وراء سراب ساهمت عدة جهات في تكوينه في مخياله.
عرضُ هذه المسرحية في جنيف تزامن مع تحريك الجهات الرسمية لملف المهاجرين التونسيين غير الشرعيين في المدينة، والذين تسبب تواجدهم منذ فترة طويلة، إلى جانب نظراء لهم من باقي بلدان شمال إفريقيا، في إثارة قلق السكان المحليين ومضايقتهم.
وعن استضافة رؤوف بن يغلان لعرض هذه المسرحية، يقول السيد عادل الماجري، مسؤول العلاقات العامة في الجمعية: “تندرج هذه المسرحية في إطار نشاط الجمعية الثقافي، وأيضا بالتوازي مع الإتصالات التي نجريها مع السلطات السويسرية، سواء على المستوى الفدرالي أو على مستوى كانتون جنيف، لمعالجة قضية التونسيين الشبان المتواجدين بدون أوراق ثبوتية، والتي تعتبر جديدة على الجالية التونسية. واتصالنا بالسيد رؤوف بن يغلان سمح لنا بمعرفة أن هذه المسرحية تعالج جزءا من هذه القضية، لاسيّما من حيث الوقاية والتوعية، توعية الشباب حتى يعرف جيدا حقيقة الوضع في أوروبا عموما، وفي سويسرا خصوصا. وثانيا، لفتح حوار مع الشباب التونسي هنا لملامسة الحقيقة والبحث عن حلول”.
وفي لقاء خص به swissinfo.ch قبل العرض الذي قدمه مساء السبت 8 ديسمبر 2012 في جنيف، تحدث رؤوف بن يغلان عن الأسباب التي دفعته لمعالجة هذا الموضوع بطريقة فكاهية هادفة، وعن ردود الفعل التي أثارها عرضه.
swissinfo.ch: كيف جاءت فكرة معالجة موضوع “الحراقة” من خلال المونولوج المسرحي، وما هي الاحتياطات التي راعيتها لكي تبلغ الهدف المنشود من توعية وكشف عن دوافع الهجرة غير الشرعية؟
رؤوف بن يغلان: لقد اخترت معالجة الموضوع من وجهة نظر الراغب في الهجرة “الحارق”. وهذا بعد أن أجريتُ العديد من الحوارات والشهادات مع مرشحين للهجرة غير الشرعية. فقد عشت مع عدد منهم في صقلية ثم في إيطاليا، كما زرت عائلات بعضهم في تونس في أحياء شعبية مثل حي التضامن أو دُوار هيشر، أو في مناطق الجنوب مثل مدنين أو جرجيس. وأجريت تجارب مع الحراقة في مدنين وغار الدماء (على الحدود التونسية الجزائرية).
أما عن طريقة العرض ، فقد يبدو أمرا عاديا تقديم الشخص الراغب في الهجرة على أنه يقوم بذلك لأنه عاطل عن العمل. لكنني أنا اخترت أن تكون دوافع الحارق في المسرحية لأنه فرحان للقيام بذلك بعد أن سئم من الرفاهية التي ترددها وسائل الإعلام (في تونس) والتي تصور بأن 85% من الشعب التونسي يسكن بيوتا هي ملكه، وأن الشباب التونسي في فرحة متواصلة بدون انقطاع، لحد أن من يشاهد التلفزة يتساءل هل أنا هو الإستثناء الوحيد في الوقت الذي كل الناس في رفاهية؟
ومن كلمات المسرحية باللهجة التونسية “أنا اخترت الحرقة لأنني فرحان ولأنني عييت من الشيخات والتفرهيد. ماشي نفركس على الميزيريا والتمرميد. أنا حارق على خاطر عرفي حاب يزيدني في الشهرية، كيف قولتلو لا، مشى يشكي بيا. وموش وحدي حارق. حتى القطوسة حارقة على خاطر ماعادش ثمّ ما يتمشمش. حاشاك حتى الكلب اللي في حومتنا حارق، يجري وراء السارق يهبهب يهبهب، وراه حتى حد ما حاب يشد السارق”.
وهذا التصرف مازال مستمرا حتى بعد الثورة، لا يرغب أحد في إلقاء القبض على السارق. فإذن المسرحية تعالج قضية الحرقة قبل الثورة وبعد الثورة، ولو أن بعد الثورة هناك محاولة من الحكومة ولكنها غير قادرة على القيام بذلك لوحدها. فالمشكلة متمثلة في قضية تهميش، وجفاف ثقافي، وإقصاء وحرمان لمناطق ولفئات شبابية أصبحت تشعر بأنها أقل من لاشيء، لحد أن الشخص يفضل أن يرمي بنفسه في البحر، ويتمنى من الموت أن يمنحه فرصة للعيش الكريم من جديد.
لذلك تعتبر المسرحية بمثابة صيحة ونداء للمجتمع التونسي الذي – وبغض النظر عن مشاكله السياسية والاقتصادية – يدفع للزيف، والغش، والمغالطة، والتعلق بالمظاهر ومن كلمات المسرحية:” ياللي ما عندكش شركة على الرقبة، ياللي ما عندكش براسلي، يا اللي ما عندكش بارفان (عطر)، ياللي ما تنجمش تدفع ثمن الجيل (Gel) لشعرك، يا اللي ما تنجمش تهيّب علي، وتفيّش بكهربا (سيارة) ديكابوتابل، آش تعمل عندي أمشي احرق…”
إذن المشكلة ليست مجرد مشكلة اقتصادية بقدر ما هي مشكلة متشابكة تخص أخلاقيات المجتمع وثقافته بكل أطيافه وبكل الأبعاد السياسية والإقتصادية وبطبيعة الحال أيضا الثقافية.
هل ترى أن الجالية التونسية في سويسرا اختارت الوقت المناسب لعرض المسرحية في جنيف؟
رؤوف بن يغلان: أجد أن مبادرة الجالية التونسية في المهجر هامة جدا، لأنها تعالج بأسلوب ثقافي قضية الهجرة خصوصا وأن موضوع “الحراقة” موضوع مطروح للنقاش بإلحاح في الوقت الحالي في سويسرا. والمهم في المعالجة الثقافية أنها توصل الرسالة أكثر مما هو الحال عبر الندوات والنقاش وما إلى ذلك. فهذه المسرحية هي ملخص لما شاهدته وسمعته من الأشخاص الذين أقدموا على الحرقة ومن عائلاتهم. وقد عبرت عن ذلك بطريقتي الخاصة كفنان.
ما هي الرسائل التي تود إبلاغها إلى المهاجر السري وللمشاهد في نفس الوقت؟
رؤوف بن يغلان: في الحقيقة الرسالة موجهة لعدة جهات في آن واحد. إنني أرى أن مشاكل الشباب يجب أن لا نتعامل معها (في البلدان التي تعاني من توافد الحراقة) بمعزل عن مشاركة الشباب أنفسهم في إيجاد الحلول. فقد عرفنا تجارب التهميش في الأحياء الشعبية في المدن الفرنسية، ومشاكل الهجرة في إيطاليا. وها هي اليوم تمثل ظاهرة جديدة في سويسرا بعد أن كان هذا البلد متعودا على هجرة على مستوى اللجوء السياسي.
وفي تونس هناك ضرورة لإشراك المجتمع المدني لأن مشكلة الهجرة ليست قضية لتُحل بالإجراءات الإدارية بل يجب أن نخلق فضاءات للإستماع والتفكير والتحليل. فالأمر لا يتعلق بمجرد ملفات يجب معالجتها بل وراء كل ملف، بشر برجاله ونسائه لأن النساء أيضا يُقدمن على المجازفة، ومنهن من هي مرفوقة بمولودها لعل وعسى أن هذا الرضيع يكون له وزن في السماح لها بالمرور عبر الحدود الإيطالية أو السويسرية.
وهناك رسالة للإعلام الذي يتحمل مسؤولية كبرى. لقد قام الإعلام بجريمة كبرى قبل الثورة لأنه أخفى الحقيقة عن الشعب التونسي. فلم يقم الإعلام بإعداد حصص تحسيسية تظهر بأن الهجرة إلى أوروبا لم تعد مثل ذي قبل، لأن أوربا تعاني من البطالة أيضا وتجد صعوبة في تشغيل أبنائها. هذا الإعلام لم يعمل على نزع الوهم العالق في أذهان الشباب… وحتى الجامعات والمدارس يجب أن تُدرج هذا التحسيس بمشاكل الهجرة غير الشرعية ضمن برامجها. فقد توجهتُ الى مدينة “الشابّة” حيث لا توجد عائلة لم يهاجر لها فرد من أفرادها ضمن الهجرة غير الشرعية، حيث قال لي أحد المعلمين كيف أن التلاميذ على اختلافهم يراودهم حلم “الحرقة”.
ورسالتي الأخيرة للحراقين أنفسهم الذين قضيت معهم بعض الوقت. فقد أظهرَت تجربتي ولقاءاتي معهم بأنه من خلال هذا الحوار معهم يمكن التخفيف من حدة هذه الهجرة غير الشرعية. وكما أقول في المسرحية نقلا عن أحد الحراقة في إيطاليا الذي قال لي: “الكلب في بلادي يعيش في وضعية أحسن مني، لأنني أفيق وبجواري صناديق القمامة، وعندما أمرض لا أجد سبلا للعلاج، وتارة أبيت جائعا تحت الجسور”. وهناك أحدهم الذي قال لي بعد مشاهدة المسرحية في تونس وبحضور ممثلين عن المنظمة الدولية للهجرة: “إنني لم أعد راغبا في الحرقة بالمرة”.
يقول عادل الماجري، مسؤول العلاقات العامة في جمعية الجالية التونسية في سويسرا “لقد تطرقت الجمعية إلى موضوع الحراقة منذ بداية الإهتمام الإعلامي بهذه الظاهرة الجديدة بالنسبة للجالية التونسية في سويسرا”.
إلى جانب المعالجة الثقافية (من خلال عرض مسرحية رؤوف بن يغلان) تشارك الجمعية حاليا في محاولات عملية ترمي إلى إيجاد حلول معقولة لهذه المشكلة.
في هذا السياق، تم مؤخرا استقبال وفد تونسي في العاصمة برن لمناقشة كيفية تطبيق الإتفاق المبرم بين سويسرا وتونس الذي يقضي بتقديم مساعدة مالية لمن يرغب من هؤلاء العالقين في الكنفدرالية بالعودة إلى تونس تتمثل في حوالي ألف فرنك أثناء ركوب الطائرة للعودة وحوالي 4 آلاف فرنك لمساعدته على إقامة مشروع في بلاده لتمكينه من الإندماج من جديد في المجتمع. وفي بعض الحالات، يمكن أن تصل المساعدة إلى 11 الف فرنك سويسري.
ويقول عادل الماجري: “لقد تم تشكيل تنسيقية لمتابعة تطبيق هذا الإتفاق على أرض الواقع، وجمعية الجالية التونسية في سويسرا طرف فيها”، كما يقدر عدد المهاجرين السريين التونسيين المعنيين بهذا الموضوع بما بين 1500 و2000 شخص ولكن من فئات مختلفة.
السيد عادل الماجري أشار أيضا إلى مساعدة من طرف المركز الإجتماعي في جنيف وإلى مبادرة أطلقها أولي لوينبيرغر، الرئيس السابق لفرع حزب الخضر في جنيف تهدف إلى تقديم تكوين لهؤلاء الشبان قبل عودتهم والإتفاق مع إحدى البلديات التونسية لتواجد مركز إعادة التكوين أو الرسكلة.
تأسست هذه الجمعية الفتية في 10 يونيو 2012، وهي ترمي إلى “خدمة ابناء الجالية التونسية في سويسرا وخدمة مصالحهم وبناء جسور التواصل بينهم وتعزيز الإنتماء الوطني الذي يمثل أساس ترابط الجالية وتضامن أعضائها فيما بينهم”.
الجمعية الجديدة حددت لنفسها جملة من الأهداف تشمل “تعزيز الدبلوماسية الشعبية مع مكونات المجتمع السويسري والتواصل مع الجاليات التونسية بأوروبا. والعمل على الإرتقاء بصورة التونسي بسويسرا، والتعريف بمميزات تونس السياحية والتنموية وتعزيز تبادل الخبرات”.
في الأثناء، يُشدّد القائمون على جمعية الجالية التونسية في سويسرا على “النأي بها عن التجاذبات السياسية” كما يحرصون على “تعزيز استقلاليتها” عن جميع الأطراف.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.